فشلت إسرائيل في تحرير أي من أسراها لدى فصائل المقاومة من خلال العدوان غير المسبوق على قطاع غزة، فكيف نجحت حركة المقاومة الإسلامية الفلسطينية "حماس" في إفشال ضغوط الاحتلال؟
كانت إسرائيل قد شنَّت منذ عملية "طوفان الأقصى" العسكرية يوم السابع من أكتوبر/تشرين الأول قصفاً جوياً وبحرياً على قطاع غزة تبعه اجتياح بري، معلنةً عن هدفين رئيسيين هما: تدمير المقاومة، وتحرير الأسرى بالقوة العسكرية.
و"طوفان الأقصى" هو الاسم الذي أطلقته حركة المقاومة الإسلامية (حماس) على العملية العسكرية الشاملة، التي بدأت فجر السبت 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، رداً على "الجرائم الإسرائيلية المتواصلة بحق الشعب الفلسطيني". ففي تمام الساعة السادسة صباحاً بالتوقيت المحلي في فلسطين، شنّت "حماس" اجتياحاً فلسطينياً لمستوطنات الغلاف المحاذية لقطاع غزة المحاصر، حيث اقتحم مقاتلون من كتائب عز الدين القسام البلدات المتاخمة للقطاع، في ظل غطاء جوي من آلاف الصواريخ التي أطلقت من غزة باتجاه تل أبيب والقدس ومدن الجنوب.
ووسط حالة الذعر والصدمة التي انتابت الإسرائيليين، وانتشار مقاطع فيديو وصور لدبابات ومدرعات تابعة لجيش الاحتلال، إما محروقة أو تحت سيطرة المقاومين الفلسطينيين، وأسر العشرات من جنود من جيش الاحتلال والمستوطنين وسيطرة فلسطينية كاملة على مستوطنات، أعلنت دولة الاحتلال أنها "في حالة حرب"، للمرة الأولى منذ حرب أكتوبر/تشرين الأول 1973.
إسرائيل وهدف تحرير الأسرى
الآن وبعد 80 يوماً من العدوان الإسرائيلي غير المسبوق على قطاع غزة، والذي أدى إلى ارتقاء أكثر من 20 ألف شهيد فلسطيني وإصابة نحو 54 ألفاً آخرين، غالبيتهم الساحقة من المدنيين أطفالاً ونساء، لم ينجح جيش الاحتلال في تحقيق أي من أهدافه العسكرية الرئيسية المعلنة، فلا المقاومة كُسرت أو استسلمت، ولا الأسرى تم تحريرهم.
وتناول تقرير لصحيفة Haaretz الإسرائيلية ملف الأسرى تحديداً، يرصد كيف نجحت حماس في دحض المزاعم الإسرائيلية بأن "الضغط العسكري سيؤدي إلى إطلاق سراح الأسرى"، ويتناول المفاوضات الجارية حالياً للتوصل إلى اتفاق جديد، بعد هدنة الأسبوع التي شهدت تبادلاً للأسرى بين الطرفين.
كانت إسرائيل وحماس قد توصلتا بوساطة قطرية ومصرية وأمريكية إلى اتفاق لتبادل الأسرى من النساء والأطفال، شهد هدنة في الأسبوع الأخير من شهر نوفمبر/تشرين الثاني الماضي تم خلالها إطلاق سراح أكثر من مئة من الأسرى الإسرائيليين مقابل أكثر من 300 أسيرة وطفل فلسطيني من المعتقلات الإسرائيلية.
لكن إسرائيل كسرت الهدنة يوم الجمعة 1 ديسمبر/كانون الأول واستأنفت عدوانها على القطاع، وهو العدوان المستمر حتى اليوم الإثنين 25 ديسمبر/كانون الأول، وسط عودة الحديث مرة أخرى عن مفاوضات متجددة بشأن تبادل الأسرى.
وكان مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة قد أقر مؤخراً قراراً يدعو إلى زيادة المساعدات الإنسانية لقطاع غزة، لكن القرار لم يطالب بوقف دائم لإطلاق النار. وفي معرض التعليق على ذلك، قال حسام بدران، العضو البارز في المكتب السياسي لحركة حماس، إنه لا سبيل لصفقةِ تبادل تُفضي إلى الإفراج عن الأسرى الإسرائيليين لدى الحركة، إلا بعد وقف كامل ودائم لإطلاق النار.
وقال بدران، في مقابلة مع موقع "العربية الحدث" السعودي، إن "إسرائيل لم تنجح في تحرير ولو أسير واحد بالقوة، ولن توافق الحركة على أي وقف مؤقت لإطلاق النار، ولا سبيل لإجراء المفاوضات إلا بعد توقف العدوان على غزة".
ورفضت حماس الاقتراح الإسرائيلي بوقفِ إطلاق النار سبعة أيام مقابل إطلاق سراح 35 محتجزاً إسرائيلياً. لكن على الرغم من أن المفاوضات تبدو أنها وصلت إلى طريق مسدود، فإن وفداً من حركة الجهاد الإسلامي، برئاسة زعيم الحركة زياد النخالة، من المقرر أن يذهب إلى مصر هذا الأسبوع للنظر في اقتراحات أخرى.
ما موقف حماس من إطلاق الأسرى؟
يأتي ذلك بعد زيارة رئيس المكتب السياسي لحماس، إسماعيل هنية، لمصر يوم الأربعاء 20 ديسمبر/كانون الأول، والتي أجرى فيها محادثات بشأن صفقة أخرى لإطلاق سراح الأسرى، وخطط لإدارة غزة بعد انتهاء الحرب.
وترى صحيفة هآرتس أن حماس الآن تسعى إلى دحض مزاعم الحوكمة الإسرائيلية برئاسة بنيامين نتنياهو بأن تكثيف العدوان أو ما يصفه الإسرائيليون بـ"العمليات العسكرية" في قطاع غزة "سيُرغم الحركة على الموافقة على إطلاق سراح المزيد من الأسرى".
تسعى الحركة بذلك إلى تأكيد كذب المزاعم الإسرائيلية بأن الصفقة الأولى لتبادل الأسرى لم تتم إلا بفضل القوة العسكرية. فقد كشف أسبوع الهدنة وتبادل الأسرى عن أن المقاومة لا تزال تحتفظ بقدرتها على تسيير المعارك، وتمت عمليات تسليم أسرى في قلب مدينة غزة شمال القطاع لتدحض مزاعم جيش الاحتلال بالسيطرة على الشمال برياً.
إذ يزعم نتنياهو ووزير الدفاع يوآف غالانت أن تحرير الأسرى يتوقف على تعزيز الضغط العسكري، وأن ذلك المسار يحقق لها هدفي الحرب، أي: تدمير حماس، والإفراج عن الأسرى، بحسب هآرتس، لكن الحقائق على الأرض تنفي تماماً تلك المزاعم.
حماس من جانبها تؤكد أن استمرار العمل العسكري الإسرائيلي على أي نطاق لن يؤدي إلا إلى إحباط هدف تحرير الأسرى، ومن ثم لن يكون أمام إسرائيل في نهاية المطاف إلا التسليم بأن عليها التخلي عن هدف الاستمرار في القصف والتدمير إذا أرادت أن تتسلم المزيد من الأسرى أحياء.
وفي هذا السياق، أجرت حماس مفاوضات الاتفاق السابق من خلال وسطاء قطريين ومصريين، وكان الاتفاق على بنود تكتيكية قصيرة الأمد، مثل الوقف المؤقت لإطلاق النار، وتوفير المساعدات الإنسانية والوقود، مقابل إطلاق سراح قائمة معينة من الأسرى تشمل النساء والأطفال من المستوطنين وليس العسكريين. أما الآن، فإنها ترى أن بقية الأسرى أوراق مساومة استراتيجية.
وقف العدوان على غزة أولاً
ترى حركة حماس أن ثمن بقية الأسرى لديها أكبر بكثير من المساعدات والوقود، وبضعة أيام من الهدنة وحتى أكبر من إطلاق سراح مجموعة معتبرة من "كبار" السجناء الفلسطينيين لدى إسرائيل. وقد صرح بهذا الرأي زعماء الحركة في الخارج، مثل: إسماعيل هنية، وخالد مشعل، وحسام بدران.
وفي هذا الإطار، زعمت مصادر لم تسمّها صحيفة وول ستريت جورنال الأمريكية أن هناك خلافاً بين جناح حماس العسكري وجناحها السياسي، وهي بالطبع مزاعم لا أساس لها من الصحة ونفاها قادة الحركة تماماً مؤكدين أنه لا خلاف بين مكتب الحركة في الخارج وقيادتها في غزة.
ويرى الإسرائيليون أن قواعد المفاوضات يحددها يحيى السنوار، رئيس المكتب السياسي لحركة حماس في قطاع غزة، بناء على قراءته للوضع الميداني في القطاع، وقدرات حماس العسكرية على مواصلة الحرب.
وفي هذا الإطار، وجَّه يحيى السنوار رسالة "مهمة ومطوَّلة" إلى رئيس وأعضاء المكتب السياسي للحركة بشأن الحرب في غزة وحصيلة العدوان الإسرائيلي المستمر، وفق ما ذكره موقع "الجزيرة نت"، الإثنين 25 ديسمبر/كانون الأول 2023.
الرسالة التي بعث بها السنوار خلال اليومين الأخيرين، وفق ما نقله الموقع عن مصادر مقربة من حماس، تأتي تزامناً مع المفاوضات غير المباشرة بين المقاومة والاحتلال والمقترح الذي قدمته مصر لحركة حماس بشأن وقف إطلاق النار في القطاع.
وأشار السنوار في رسالته إلى رئيس وأعضاء المكتب السياسي لحماس، إلى أن كتائب عز الدين القسام تخوض معركة شرسة وعنيفة وغير مسبوقة ضد قوات الاحتلال الإسرائيلي، وأن جيش الاحتلال تكبَّد خسائر باهظة في الأرواح والمعدات، مضيفاً أن كتائب القسام استهدفت -خلال الحرب البرية- ما لا يقل عن 5 آلاف جندي وضابط، قُتل ثلثهم، وأصيب ثلثهم الآخر بإصابات خطيرة، والثلث الأخير بإعاقات دائمة، أما على صعيد الآليات العسكرية، فقد تم تدمير 750 منها، بين تدمير كلي وجزئي.
كما قال السنوار إن كتائب القسام هشمت جيش الاحتلال، وهي ماضية في مسار تهشيمه، وإنها لن تخضع لشروط الاحتلال، حسب ما جاء في تقرير موقع "الجزيرة نت".
من جهة أخرى، زعمت بعض المصادر كذلك أن القيادة الخارجية لحماس تجري مفاوضات أخرى بشأن المستقبل السياسي للحركة، وأن بعض كبار أعضائها يجرون محادثات مع قيادة حركة فتح في السلطة الفلسطينية بشأن شروط انضمام حماس إلى منظمة التحرير الفلسطينية، وإنشاء سلطة حكم فلسطينية موحدة.
وبحسب المزاعم، فإن هذه المفاوضات تستند إلى ما أظهرته أحدث استطلاعات الرأي، وما أجمع عليه مسؤولو حركة فتح تقريباً في آخر تصريحاتهم، من أن حماس كانت وستظل جزءاً لا يتجزأ من هيكل الحكم الفلسطيني. ومن ثم فإن الحركة ستستند إلى هذا الواقع في أي مفاوضات مقبلة.
وفي المقابل، ترى إسرائيل صورة أحادية ترتكز فيها إلى أن حماس لن تكون حركة قائمة في غزة بعد الحرب، وأنها ستقتل يحيى السنوار، وأن القطاع سيُديره في النهاية شخص لم يُحدد بعدُ، وأن غزة ستبقى تحت الاحتلال الإسرائيلي المباشر حتى يتقرر ذلك، تقول هآرتس.
إلا أن هذه الرؤية الإسرائيلية يغيب عنها أن هناك 129 أسيراً ما زالوا محتجزين لدى حماس. وما دامت إسرائيل لم تحذف الإفراج عنهم من قائمة أهداف الحرب، ولم تعلن التخلي عنهم وتتوقف عن الترويج لإمكانية إطلاق سراحهم بتكثيف الحملة العسكرية، فإن هؤلاء الأسرى قد يغيرون مسار الحرب، بحسب الصحيفة الإسرائيلية.
"ولا ينبغي للحكومة الإسرائيلية أن تنظر إلى قضية الأسرى كأنها معضلة تقتضي الاختيار بين بديلين صعبين، بل هي ملزمة أخلاقياً وإنسانياً، وسياسياً في المقام الأول، أن تعيد جميع الأسرى إلى إسرائيل"، بحسب هآرتس.