تواجه السفن الحربية الأمريكية في البحر الأحمر عدداً متزايداً من الأسلحة التي أطلقتها قوات جماعة "أنصار الله" الحوثيين في اليمن على مدار الأسابيع العديدة الماضية، بما في ذلك حادثة وقعت الأسبوع الماضي، أسقطت فيها مدمرة أمريكية أكثر من 12 طائرة مسيرة دفعة واحدة، بحسب شبكة CNN الأمريكية.
ويمكن أن تتنامى المواجهات الأمريكية مع الحوثيين، الذين يقولون إنَّهم يستهدفون السفن التجارية الإسرائيلية أو تلك المتجهة إلى إسرائيل، إذا استمر العدوان الإسرائيلي على غزة، عقب إعلان وزير الدفاع الأمريكي، لويد أوستن، الإثنين 18 ديسمبر/كانون الأول، عن عملية جديدة بقيادة الولايات المتحدة تركز على حماية السفن التجارية العاملة في البحر الأحمر وخليج عدن.
ولم تُفصِح البحرية الأمريكية عن ماهية منظومات الأسلحة التي تستخدمها سفنها ضد الهجمات الحوثية، لكنَّ خبراء يقولون إنَّ المدمرات الأمريكية تمتلك مجموعة من منظومات الأسلحة بحوزتها.
كيف تواجه السفن الحربية الأمريكية طائرات وصواريخ الحوثيين؟
بحسب "سي إن إن" تشمل المنظومات الأمريكية لمواجهة الحوثيين صواريخ بحر-جو، وقذائف مُتفجِّرة تُطلَق من المدفع الرئيسي للمدمرة البالغ قطره 5 بوصات (12.7 سم)، بالإضافة إلى منظومات أسلحة الإطلاق القريب. وتقول الشبكة إنَّ السفن الأمريكية لديها قدرات حرب إلكترونية، يمكنها أن تقطع روابط الاتصال بين الطائرات المسيرة والمُتحكِّمين فيها على شاطئ اليابسة.
وأيَّاً كانت الأنظمة التي يستخدمها قادة المدمرات الأمريكية، يقول الخبراء إنَّهم يواجهون قرارات تتعلَّق بالتكلفة والمخزون والفعالية في ظل تنامي المهمة.
فقال جون برادفورد، الباحث بالشؤون الدولية بمجلس العلاقات الخارجية: "الطائرات المسيرة أبطأ ويمكن ضربها بصواريخ أرخص، بل وحتى بمدفع السفينة. ويتعين اعتراض الصواريخ الأسرع باستخدام صواريخ اعتراضية أكثر تطوراً".
الهجمات على السفن في المضيق الحيوي تؤدي إلى خسائر اقتصادية عالمية
شنَّت قوات "أنصار الله" الحوثيين المدعومة من إيران هجمات عديدة ضد المصالح الإسرائيلية والأمريكية في المنطقة 7 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، مع استمرار المخاوف في أرجاء المنطقة من إمكانية اتساع الحرب بين إسرائيل ومحور المقاومة في المنطقة.
وقالت جماعة الحوثي إنَّ أي سفينة متجهة إلى إسرائيل تمثل "هدفاً شرعياً"، في ظل فرضها ضغوطاً على إسرائيل من أجل وقف هجومها على غزة.
وأوقفت كبريات شركات شحن الحاويات في العالم مؤقتاً المرور عبر أحد شرايين التجارة في العالم، وهو الأمر الذي يقول الخبراء إنَّه قد يُعطِّل سلاسل التوريد ويؤدي إلى ارتفاع تكاليف الشحن.
وقالت كبرى شركات الشحن في العالم MSC وMaersk وCMA CGM وHapag-Lloyd في الأيام الماضية إنَّها جميعاً ستتجنَّب المرور عبر قناة السويس بسبب مخاوف أمنية. وحذا عملاق النفط BP حذوها، ما دفع أسعار النفط والغاز إلى الارتفاع يوم الإثنين الماضي.
يقول ديفيد بتريوس، المدير الأسبق لوكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية (CIA)، لشبكة CNN الأمريكية: "يُعَد هذا واحداً من أهم الشرايين في العالم فيما يتعلَّق بالشحن البحري"، مضيفاً أنَّ وقت وتكلفة نقل البضائع حول أفريقيا سيكونان كبيرين. وتابع: "سيكون لهذا في الواقع تأثير حقيقي على الاقتصاد العالمي".
أهم أصول البحرية الأمريكية: المدمرات ذات الصواريخ الموجهة
في ظل هذه الهجمات، قالت البحرية الأمريكية إنَّها ستساعد سفن الشحن التجارية التي تجد نفسها في مشكلة عند مضيق باب المندب في البحر الأحمر.
وتُعَد الأصول الأمريكية الرئيسية المنخرطة في التصدي للهجمات على حركة الشحن بالبحر الأحمر هي المُدمِّرات ذات الصواريخ الموجهة من طراز Arleigh Burke (آرلي بيرك)، مثل المدمرة USS Carney (يو إس إس كارني)، التي أسقطت 14 طائرة مسيرة حوثية السبت الماضي. وتشمل الصواريخ الموجودة بمخزونها:
– الصاروخ القياسي SM-6، وهو سلاح متطور يمكنه إسقاط الصواريخ الباليستية على ارتفاعات عالية في الغلاف الجوي، والصواريخ الأخرى الأقل ارتفاعاً، واستهداف السفن الأخرى في مدى يصل إلى 370 كم، وذلك وفقاً لمشروع الصواريخ الدفاعية التابع لمركز الدراسات الاستراتيجية والدولية الأمريكي. ويُكلِّف كلٌّ من هذه الصواريخ أكثر من 4 ملايين دولار.
– الصاروخ القياسي SM-2، وهو أقل تطوراً من صاروخ SM-6 وذو مدى أقل يبلغ ما بين 185 إلى 370 كم، وفقاً لمركز الدراسات الاستراتيجية والدولية. وتبلغ تكلفة كل صاروخ نحو 2.5 مليون دولار.
– صاروخ Evolved Sea Sparrow (صاروخ سي سبارو المعدل ESSM)، وهو مصمم لاستهداف صواريخ كروز المضادة للسفن والتهديدات الأقل سرعة مثل الطائرات المسيرة أو المروحية، في مدى يصل إلى 50 كم، وفقاً لمركز الدراسات الاستراتيجية والدولية. وتبلغ تكلفة كل صاروخ منها أكثر من مليون دولار.
ويعتقد الخبراء أنَّ الولايات المتحدة تستخدم صواريخ SM-2 و/أو صواريخ ESSM ضد التهديدات الحوثية حتى الآن.
الحوثيون سيثقلون كاهل الموارد العسكرية الأمريكية
لكن في ظل مواجهتها طائرات مسيرة رخصية جداً يمكن إنتاجها واستخدامها بأعداد كبيرة، بتكلفة تصل إلى نحو 100 ألف دولار للوحدة، يقول الخبراء إنَّ الحملة المطولة قد تؤدي في نهاية المطاف إلى إثقال كاهل الموارد الأمريكية.
وقال أليسيو باتالانو، أستاذ الاستراتيجية والحرب بكلية كينغز كوليدج في لندن: "هذه قدرات اعتراض جوي متطورة بمتوسط تكلفة يبلغ حوالي مليونَي دولار، وهو ما يجعل اعتراض الطائرات المسيرة غير مُجدٍ اقتصادياً".
ويشير الخبراء إلى أنَّ قوات الحوثيين تحظى بتمويل وتدريب من جانب إيران، وبالتالي فإنَّ لديها الموارد من أجل معركة طويلة.
يقول كارل شوستر، مدير العمليات السابق في مركز الاستخبارات التابع للقيادة الأمريكية في منطقة المحيط الهادي بهاواي، إنَّه قد يمكن لمنظومة أسلحة الإطلاق القريب Phalanx على متن المدمرات الأمريكية- وهي مدافع رشاشة يمكنها إطلاق ما يصل إلى 4500 طلقة في الدقيقة- التعامل مع تهديدات الطائرات المسيرة أو الصواريخ التي تقترب إلى نطاق ميل (1.6 كم) من السفينة الحربية.
ويُعَد ذلك دفاعاً منخفض التكلفة نسبياً، لكن إذا ما اقتربت الطائرات المسيرة إلى هذا الحد فإنَّها ستُمثِّل خط الدفاع الأخير، وأي خطأ قد يؤدي إلى خسارة حياة أمريكيين.
الدفاع عن السفن الحربية في مقابل حماية السفن التجارية
لا يمكن لمنظومة Phalanx حماية السفن التجارية التي ربما تُشرِف عليها المدمرات الأمريكية وتبحر على بُعد أميال منها.
قال سيدهارث كوشال، زميل الأبحاث في مجال القوة البحرية لدى المعهد الملكي للخدمات المتكاملة في لندن: "من أجل توفير دفاع جوي لمنطقة واسعة (في مقابل الدفاع عن النفس)، تعتمد السفن بالأساس على صواريخ الدفاع الجوي".
وقال سالفاتوري ميركوغليانو، الخبير البحري والأستاذ بجامعة كامبل في ولاية نورث كارولينا، إنَّه إذا ما استطاع الحوثيون استنزاف مخزونات إحدى السفن من الصواريخ بالهجمات المتتابعة، قد تجد السفينة نفسها تعاني من نقص في الذخائر المطلوبة لحماية السفن التجارية التي تشرف عليها.
وأضاف الخبير أنَّ الحوثيين لم يحاولوا شن هجوم حاشد حقيقي بالطائرات المسيرة، وهو هجوم قد يشمل عشرات التهديدات القادمة في آنٍ واحد. وقال ميركوغليانو إنَّ السفن الحربية الأمريكية تواجه أيضاً مسألة كيفية تجديد مخزونها من الصواريخ في المنطقة. وأضاف: "الموقع الوحيد لإعادة التزود بالأسلحة يقع في جيبوتي (وهي قاعدة أمريكية في منطقة القرن الأفريقي)، وهي قريبة من موقع الأحداث".
الولايات المتحدة تتطلَّع للحصول على المساعدة من حلفائها
يرى باتالانو أنَّ العملية التي تقودها الولايات المتحدة لتوسيع عدد السفن الحربية التي تحمي السفن التجارية ستساعد في الجهود الدفاعية. وقال أوستن، متحدثاً خلال اجتماع وزاري افتراضي يناقش مسألة الأمن البحري في البحر الأحمر مع ممثلي 42 دولة أخرى، يوم الثلاثاء 19 ديسمبر/كانون الأول، إنَّ "هذه الهجمات الحوثية المتهورة مشكلة دولية حقيقية، وهي تتطلَّب رداً دولياً صارماً".
وكان أوستن قد أعلن في وقت سابق إطلاق "عملية حارس الرخاء" في البحر الأحمر، وهي عملية متعددة الجنسيات تضم أيضاً المملكة المتحدة والبحرين وكندا وفرنسا وإيطاليا وهولندا والنرويج وسيشل. وقال باتالانو: "يبدو أنَّ مزيداً من السفن ستكون في وضعٍ يُمكِّنها من دعم بعضها البعض، وهو ما يُوسِّع عملياً نطاق وحجم القدرات المتاحة في المنطقة للتعامل مع التهديد"، حسب تعبيره.
التهديدات المحتملة في ساحة معركة آخذة بالتطور
في حين أنَّ زيادة التعاون بين الحفاء قد تساعد، فإنَّ الخبراء يقولون إنَّ استخدام صواريخ كروز مضادة للسفن أو صواريخ باليستية قد يمثل تحدياً جديداً.
فقال ميركوغليانو إنَّ صواريخ كروز المضادة للسفن "يمكن أن تأتي على ارتفاع منخفض وتخترق هيكل السفينة فوق خط الماء. وهذا هو نوع الأسلحة الذي أغرق سفناً بريطانية عدة خلال حرب الفوكلاند وأصاب السفينة USS Stark (في الخليج العربي) عام 1987".
وأضاف أنَّ الصواريخ الباليستية يمكن أن تُشكِّل تحدياً أكبر من ذلك. فقال إنَّ "السرعة النهائية للسلاح وحمولته قد تلحق أضراراً خطيرة" بالسفن الحربية أو التجارية، وربما يحتاج لأفضل صواريخ الاعتراض الأمريكية، مثل صواريخ SM-6 لإسقاطه.
وأضاف ميركوغليانو أنَّ ساحة المعركة ليست ثابتة، وأنَّ "الحوثيين يراقبون ويرون كيف تردّ القوات البحرية على هذه الهجمات". ويقول الخبراء إنَّ الولايات المتحدة قد تقرر في مرحلة ما أنَّ عليها أن تهاجم.
فقال باتالانو: "هنالك مسار آخر للعمل من خلال ضرب المصدر. وقد يُحوِّل ذلك التركيز من اعتراض القدرات بمجرد أن تكون في الجو إلى ضربها في المصدر من أجل منع استخدامها بالأساس". لكن ذلك يعني أن الحرب على اليمن قد تتسع، وتنجر الولايات المتحدة مجدداً لحروب كارثية في الشرق الأوسط والمنطقة.