بأقل من التوقعات، نما الاقتصاد الإسرائيلي بنسبة 2.5% على أساس سنوي خلال الربع الثالث من العام 2023، أي في الشهور الثلاثة التي سبقت الحرب على قطاع غزة. وأرقام النمو المسجلة في الربع الثالث الصادرة عن مكتب الإحصاء الإسرائيلي، شكلت صدمة للاقتصاد الذي كان يتوقع نمواً يتجاوز 2.8%، إلا أن خطة إضعاف القضاء التي نفذتها الحكومة الإسرائيلية وضعف سوق العقارات، أثرا سلباً على الأرقام من قبل الحرب.
أما بعد الحرب فالأمر أكثر سوءاً؛ حيث سيكون الاقتصاد الإسرائيلي أمام تحديات كبيرة مرتبطة بنمو الناتج المحلي الإجمالي، بحسب تقرير لوكالة الأناضول، سواء للربع الأخير من 2023 أو للعام المقبل، وسط حرب خاسرة تخوضها على قطاع غزة؛ ما قد يدفعها إلى خفض سريع على أسعار الفائدة.
الحرب تضغط على الاقتصاد الإسرائيلي
جاءت البيانات الاقتصادية عقب أرقام يوم الجمعة 15 ديسمبر/كانون الأول 2023، التي أظهرت تراجع التضخم أكثر من المتوقع في نوفمبر/تشرين ثاني الماضي؛ بسبب ضعف الطلب على الاستهلاك. وقال مكتب الإحصاء الإسرائيلي إن معدل التضخم السنوي في "إسرائيل" انخفض إلى 3.3% من 3.7% في أكتوبر/تشرين أول السابق له.
وتبلغ أسعار الفائدة على الشيكل حالياً، نحو 4.75%؛ إذ نفذ بنك إسرائيل (المركزي) 10 زيادات متتالية منذ بداية النصف الثاني 2022 حتى الربع الثالث 2023، بهدف كبح جماح التضخم.
وأسعار الفائدة البالغة 4.75% حالياً، تعتبر الأعلى منذ عام 2007 بحسب البيانات التاريخية لأسعار الفائدة الصادرة عن بنك "إسرائيل".
التبعات المحيطة بالحرب الإسرائيلية المدمرة على القطاع، ستكون السبب الرئيس في الضغط على اقتصاد تل أبيب، وفي محاولة لإنعاش الاقتصاد، فإن خفض أسعار الفائدة، بهدف زيادة الإقراض، سيكون أول الحلول وأبرزها على اقتصاد "إسرائيل"، وهو ما يتوقعه محللو بورصة تل أبيب اعتباراً من مطلع 2024.
6 تحديات اقتصادية ستعاني منها "إسرائيل" في 2024
لكن الاقتصاد الإسرائيلي اليوم يواجه عدة تحديات في 2024؛ أبرزها:
1- كلفة الحرب على قطاع غزة: والبالغة وفق تقديرات بنك "إسرائيل" أكثر من 10% من الناتج المحلي الإجمالي، أي أكثر من 50 مليار دولار حتى نهاية نوفمبر الماضي.
2- بركود سوق العقارات: ليس الأمر مرتبطاً فقط بتراجع مبيعات العقار بنسبة 48% كمتوسط في أول شهور الحرب، لكن قطاعات الإنشاءات تشهد غياب 100% من العمالة فيها بسبب الحرب. هذه العمالة هي فلسطينية بامتياز، إذ يبلغ عددهم قرابة 90 ألف عامل، وفق اتحاد المقاولين في "إسرائيل"، ولم يستأنفوا أعمالهم منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول الماضي.
3- انهيار صناعة السياحة: وهو قطاع اقتصادي يشكل قرابة 6% من الناتج المحلي الإجمالي، أي قرابة 30 مليار دولار. ولا يتعلق الأمر فقط بتراجع السياحة في فترة الحرب، بل ستكون هذه الصناعة منفرة للسياح الأجانب خلال عام المقبل، بسبب بحثهم عن الأمان والاستقرار في المقام الأول، وهو ما تفتقده "إسرائيل".
4- تمويل الحرب وتبعاتها في موازنة العام المقبل، وتعويضات المتضررين الإسرائيليين، خاصة أولئك الذين يقطنون في مستوطنات غلاف غزة هو عامل مهم في التأثير على الاقتصاد. ولم يصدر حتى اليوم، أي رقم حول حجم التعويضات المتوقع، إلا أن أكثر من 20 ألف طلب تعويض من متضررين، تم تقديمها للدوائر الرسمية في "إسرائيل" منذ اندلاع الحرب.
5- تدهور القطاع الزراعي بفعل الحرب على غزة من جهة، والتوترات مع "حزب الله" شمال "إسرائيل" على الحدود مع لبنان. وتعتبر أراضي غلاف غزة، سلة غذاء "إسرائيل"، وهناك يتم إنتاج قرابة 60% من بعض المحاصيل الزراعية الأساسية، إلى جانب البيض والحليب، فيما تعاني أراضي الشمال الزراعية، من توترات مع لبنان.
6- الأزمة السياسية: سادس التحديات، الأزمة السياسية المرتقبة في "إسرائيل" خلال اليوم التالي لوقف الحرب؛ إذ بدأت الأحزاب اليسارية وحتى اليمينية تطالب بإقالة رئيس الوزراء الحالي بنيامين نتنياهو. وفرضية حدوث فراغ سياسي في "إسرائيل" لعدة شهور وربما تمتد لأكثر من عام، ستكون ضارة للاستثمارات الأجنبية في البلاد الباحثة عن تحفيز أسواقها.
20% من الإسرائيليين انخفض دخلهم خلال الحرب على غزة
نقلت صحيفة كلاكيست العبرية يوم الثلاثاء 19 ديسمبر/كانون الأول 2023 عن تقرير لمنظمة "لتيت" المعنية برصد الأحوال الاقتصادية والمعيشية للإسرائيلين٬ قولها إنه لأول مرة يصل الحد الأدنى لتكلفة المعيشة 12,900 شيكل لأسرة مكونة من أربعة أفراد. أي أن حتى راتبين كحد أدنى بقيمة 5,570 شيكل لن يصلا إلى الحد الأدنى من المعيشة في الدولة. وبحسب المنظمة فإن 20% من سكان دولة الاحتلال يقولون إن دخلهم انخفض خلال الحرب على غزة.
كل إدارة هذه التحديات تبدأ من خفض أسعار الفائدة على الشيكل، بهدف ضخ السيولة في الأسواق المحلية، إلا أنه قد يفتح أزمة معقدة، وهي عودة التضخم المرتفع.
فتعويضات المتضررين، وعودة 100% من جنود الاحتياط إلى أعمالهم، وخفض أسعار الفائدة، سيزيد من وفرة السيولة؛ ما يعني زيادة في الاستهلاك، وزيادة الاستهلاك هي الوقود الأبرز للتضخم.
هنا، ستكون "إسرائيل" بعد تنفيذ خطة تحفيز الأسواق أمام أزمة التضخم، والتي احتاجت منها قرابة عام ونصف لخفضه قليلاً حتى فترة ما قبل الحرب على قطاع غزة.