يخوض رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو حربين. إذ يرأس حالياً حكومة الحرب التي تقود العملية ضد حركة حماس المسلحة. لكن بعد مضي قرابة الشهرين من الصراع ومقتل أكثر من 15 ألف فلسطيني في غزة، يجد نتنياهو نفسه اليوم في خضم معركةٍ أخرى: حيث استؤنفت إجراءات محاكمة رئيس الوزراء بشأن اتهامات الفساد الموجهة له منذ وقت طويل، فهل تشهد الفترة القادمة سقوط نتنياهو من الحكم وبالتالي محاكمته أم ينجح في استغلال الحرب للبقاء بالسلطة؟
ويأتي استئناف محاكمة نتنياهو بعد أن أعلن وزير العدل الإسرائيلي ياريف ليفين إنهاء حالة الطوارئ في المحاكم الإسرائيلية يوم الجمعة، الأول من ديسمبر/كانون الأول. إذ توقفت المحاكم عن النظر في القضايا غير العاجلة عقب هجوم حماس في السابع من أكتوبر/تشرين الأول، لكن أطول رؤساء وزراء إسرائيل حكماً قد عاد الآن إلى قفص الاتهام نظرياً. ولم يحضر نتنياهو جلسة الاستماع، لكن من المرجح أن يجري استدعاؤه للشهادة خلال مرافعة الدفاع في الربيع، حسبما ورد في تقرير لصحيفة Washington Post الأمريكية.
واتُّهِمَ "نتنياهو بالرشوة والاحتيال وخيانة الأمانة في أواخر عام 2019، ما يجعله أول رئيس وزراء إسرائيلي يواجه اتهامات أثناء وجوده في المنصب. وقد أنكر نتنياهو كافة الاتهامات ونفى تلك المزاعم باعتبارها (مطاردة ساحرات)".
قضايا نتنياهو القانونية كانت دافعاً لهجومه على القضاء
وسيطرت الأحداث الدرامية القانونية المتعلقة بنتنياهو على الساحة السياسية الإسرائيلية لقرابة نصف عقد. ومثّلت تلك الأحداث دافعاً ضمنياً لحملات رئيس الوزراء الغاضبة ضد القضاء ووسائل الإعلام المستقلة في البلاد. وربما كانت تلك الأحداث بمثابة العامل المحفز لمساعي نتنياهو من أجل الاستمرار في السلطة والاحتفاظ بالحصانة المحتملة، مما دفعه إلى وضع خطة العودة للمنصب بعد انتخابات 2022 على رأس أكثر التحالفات يمينيةً وتطرفاً في تاريخ إسرائيل. ولن يكون بالإمكان إجباره على الاستقالة إلّا في حال إدانته، وهو الأمر الذي قد يستغرق عدة سنوات.
وازدادت احتمالات سقوط نتنياهو من الحكم في أعقاب السابع من أكتوبر/تشرين الأول. حيث طالب الجمهور الإسرائيلي بتحركٍ عنيف وسط غضبه وصدمته من هجوم حماس في 7 أكتوبر/تشرين الأول. لكن العديد من الإسرائيليين ألقوا باللائمة على نتنياهو كذلك لأنه ترأس السلطة في أكثر الأيام دمويةً على مر تاريخ الدولة اليهودية، وشعروا بالاستياء من محاولاته لتوجيه اللوم إلى مؤسسة الدفاع الإسرائيلية.
إضافة لذلك يعتقد الكثيرون أن الأزمة التي تسبب فيها نتنياهو وحكومته اليمينية عبر التعديلات القضائية وما أثارته من انقسام في المجتمع الإسرائيلي أضعفت مناعته ضد طوفان الأقصى، خاصة تهديد جنود الاحتياط بالعصيان.
كما أنه من المؤكد أن الاحتكاك الواضح بين حكومة نتنياهو وبين أسر الأسرى لدى المقاومة الفلسطينية قد ضرب على وترٍ حسّاس داخل المجتمع الإسرائيلي.
الاحتجاجات تعود للمطالبة بضرورة سقوط نتنياهو
وفي الأيام الأخيرة، عاد المحتجون للتجمهر حول مقر إقامة نتنياهو مطالبين باستقالته. وأظهرت استطلاعات الرأي أن الغالبية العظمى من الإسرائيليين يريدون سقوط نتنياهو ورحيله فوراً أو بمجرد توقف الحرب، وشعبية وزير الدفاع الإسرائيلي الأسبق وعضو مجلس الحرب الحكومي بيني غانتز باتت تفوق نتنياهو عدة مرات.
ودعا زعيم المعارضة يائير لابيد رئيس الوزراء للاستقالة مرةً أخرى في يوم الإثنين، الرابع من ديسمبر/كانون الأول. وكتب لابيد على الشبكات الاجتماعية: "الشخص الذي فشل لا يُمكنه الاستمرار. والشخص الذي حفر اسمه على هذه الكارثة، وخسر ثقة الجيش وثقة الشعب، يجب أن يفعل الشيء اللائق الوحيد ويرحل".
وأكد رئيس الوزراء الأسبق إيهود باراك على الفكرة نفسها، عندما قال لقناة Channel 4 البريطانية: "في أي بلدٍ طبيعي، كان نتنياهو سيستقيل يوم الثامن من أكتوبر/تشرين الأول".
واليوم، في خضم هذه الأزمة الطاحنة، يُحارب نتنياهو من أجل ما تبقى من مسيرته السياسية، مع محاولة إلحاق هزيمةٍ مُرضيةٍ بحماس.
وتبدو نهاية اللعبة محفوفةً بالمخاطر على كلتا الجبهتين بالنسبة لرئيس الوزراء الإسرائيلي. حيث يجد الخبراء صعوبةً في العثور على سبيل لمنع سقوط نتنياهو واستمراره في المنصب بعد الحرب. كما سيكون من الصعب على إسرائيل اقتناص النصر الكامل الذي يطمح إليه حلفاء نتنياهو في اليمين المتطرف، حسب صحيفة Washington Post.
وتتقدم إسرائيل بحملتها صوب جنوب قطاع غزة المحاصر بعد أن دكّت شماله. وقد أثارت حصيلة القتلى والدمار واسع النطاق حالة غضب وسط الحكومات العربية، كما أثارت قلق الحلفاء الغربيين لإسرائيل.
ويأمل المسؤولون الأمريكيون أن تنجح إسرائيل في إنهاء مهمتها خلال أسابيع. حيث طالبوا نتنياهو بالحد من الضحايا المدنيين -دون جدوى-، ويسعون سراً للتوسُّط في صياغة شكلٍ من أشكال التسوية لما بعد الحرب. وعلى تلك الجبهة، يبدو أن نتنياهو على خلاف مع إدارة بايدن التي تريد عودة السلطة الفلسطينية إلى حكم غزة. إذ استبعد نتنياهو تلك الاحتمالية، بينما لوحّت حكومته بخطط للمشرعين الأمريكيين من أجل إجبار الحكومات العربية على استقبال سكان غزة.
إسرائيل لا تعرف ماذا تريد من حرب غزة؟
ومع اشتداد حدة المعارك، ليست هناك صورة حول ما تريده إسرائيل فعلياً بمجرد أن يهدأ غبار المعركة. حيث يزعم "الإسرائيليون أنهم لا يريدون العودة لاحتلال غزة. لكنهم يناقشون ترتيبات أمنية مثل إقامة منطقة عازلة بطول حدود القطاع مع إسرائيل، وإمكانية وصول القوات الإسرائيلية إلى المنطقة خلال الفترة الانتقالية، مما سيُقوّض بعض عناصر الحكم الذاتي لسكان غزة.
بينما تُعارض إدارة بايدن بشدة فرض أي قيود على طريقة استخدام سكان غزة لأرضهم، وتتطلع لتسليم القوات الإسرائيلية مسؤولياتها إلى قوات دولية من الدول العربية على سبيل المثال -من أجل تأمين المنطقة"، بينما هناك مؤشرات على رفض عربي لذلك.
في ما ينظر بعض شركاء نتنياهو في التحالف إلى الأمور من منظور مختلف، وقد دعوا علناً إلى إخلاء غزة من سكانها. وكان رئيس الوزراء يأمل تتويج إرثه باتفاقيات التطبيع بين إسرائيل وبين مجموعة من الممالك العربية، لكن تلك الحكومات ربما تجد غضاضةً في التعامل الوثيق مع إسرائيل تحت قيادة نتنياهو وشركائه من اليمين المتطرف وفي ظل الإبادة الجماعية الجارية بغزة.
لقد قضى نتنياهو سنوات في التساهل الضمني مع وجود حماس داخل غزة؛ لأنه رأى أن الشقاق بين حماس وبين السلطة الفلسطينية العاجزة أدى إلى إغراق الحركة الوطنية الفلسطينية في أزمة مطولة وتقويض زخم حل الدولتين -الذي لا يريده أحد في اليمين الإسرائيلي على ما يبدو. وساعد نتنياهو في دعم الوضع الراهن عندما سمح بتحويل الأموال القطرية إلى غزة، فضلاً عن التدابير الأخرى التي خففت الضغط على الحركة الإسلامية. واليوم، قد تكون تلك الترتيبات سبباً في نهاية حكمه، حسب تقرير الصحيفة الأمريكية.
النصر أقرب لحماس من الدولة العبرية
إذ قال ألون بينكاس، القنصل الإسرائيلي العام السابق في نيويورك: "لا خلاف على وضوح علاقة القوة غير المتكافئة بين إسرائيل التي تُعد قوةً عسكرية جبّارة، وبين حماس التي تمثل منظمة غير حكومية.
فبالنسبة لحماس، يُمكن إعلان النصر إذا ظلت الحركة واقفةً على قدميها للتلويح بعلمٍ واحد. أما بالنسبة لإسرائيل، فلن يكفيها سوى إعلان النصر العسكري الحاسم الذي سيُذل حماس عسكرياً ويجعلها عاجزةً سياسياً.
وهو أمر ليس بالسهل ولا يبدو قريباً في ظل شكل المعارك الحالية، الأمر الذي قد يجعل احتمال سقوط نتنياهو أقرب من القضاء على حماس كما يريد.
ويُدرك نتنياهو ذلك جيداً، ما يجعل الموازنة بين الضغط الداخلي والضغط الأمريكي مهمةً شاقة".
الجيش الإسرائيلي قد يعلق في مستنقع حرب غزة
وقد ينتهي الأمر بسقوط الجيش الإسرائيلي في مستنقع حرب طويلة الأمد في قطاع غزة، حيث يقول الاحتلال إنه يحتاج إلى عام لتطهير شبكة الأنفاق، وقد يؤدي ذلك إلى أن الإسرائيليين قد لا يصبرون كثيراً على نتنياهو وقد تظهر محاولات لإقالته والحرب قائمة.
ولكن حتى لو فرض أن نتنياهو حقق هدفه بإسقاط حماس وهو أمر يبدو بعيداً تماماً عن التحقيق حتى الآن، فإنه قد يفقد السلطة أيضاً؛ لأن حجم كارثة طوفان الأقصى سوف يكون أكبر تأثيراً من أي انتصار محتمل على المقاومة الفلسطينية، وبالتالي قد ينتهي الأمر بـ"سقوط نتنياهو" أيضاً.
ويقول المؤرخ الإسرائيلي آدم راز: "إنه تحالف عجيب قد بلغ نهايته. لن تكون حماس جزءاً من حكومة غزة. ويمكننا القول إن نتنياهو اقترب من نهاية مسيرته السياسية".
ولكن الواقع قد يكون مختلفاً، فمع رفض أي دولة عربية المشاركة في حكم غزة واستمرار المقاومة الفلسطينية في الحفاظ على أغلب قوتها رغم الحرب الضارية وصعوبة أن يقبل الغزاويون قدوم السلطة الفلسطينية على متن الدبابات الإسرائيلية، فقد يكون عمر حماس في حكم غزة أطول من عمر نتنياهو السياسي.