نتنياهو يكافح من أجل البقاء في السلطة بعد فشله في غزة.. ما خطته للنجاة من الحساب؟

عربي بوست
تم النشر: 2023/11/29 الساعة 13:24 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2023/11/29 الساعة 13:36 بتوقيت غرينتش
رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو - رويترز

منذ عملية طوفان الأقصى في الـ7 من أكتوبر/تشرين الأول 2023، يلقي بعض الساسة في إسرائيل اللوم على رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو بأنه هو المسؤول الأول عن هذا الإخفاق والفشل الاستراتيجي، وأن سياسته اليمينية واستسلامه لبعض الوزراء المتشددين هو ما أدى إلى هذه الحرب.

يدرك نتنياهو جيداً أنه في اليوم الثاني من وقف الحرب سيدفع هو فاتورة هذه المعركة، إما بالعزل السياسي أو السجن أو كليهما معاً، فمن أجل ذلك يدفع "بيبي"، كما يلقَّب، للبقاء في السلطة بأي شكل كان، حتى لو كان ثمن ذلك هو استمرار الحرب لأطول وقت دون تحقيق أية نتيجة تذكر، رغم مرور أكثر من 50 يوماً عليها.

تقرير لمجلة Foreign Policy الأمريكية سلط الضوء على هذه الاستراتيجية التي يقوم بها نتنياهو من أجل البقاء في منصبه لأكبر وقت ممكن، فيما يحاول أن يغير وجهة نظر المستطلعين الذين أوصلوا أرقامه في استطلاعات الرأي إلى الحضيض. 

إذ يحمل نتنياهو معه إرث الخطأ الأمني الفادح الأسوأ في تاريخ البلاد، الذي سمح لمقاتلي حركة حماس بعبور حدود قطاع غزة في الشهر الماضي، وقتل ما لا يقل عن 1200 إسرائيلي. ويترأس حرباً في غزة قد تثبت أهدافها أنها غير واقعية ومتضاربة. ولا يزال متهماً في 3 قضايا فساد منفصلة.

ما هي استراتيجية نتنياهو للبقاء في السلطة أطول وقت ممكن؟

مع ذلك، مع كل يوم يمر منذ عملية طوفان الأقصى، يبدو نتنياهو أكثر عزماً بعض الشيء -وربما في موقع أفضل- للبقاء في السلطة بعد نهاية الحرب. تبدو استراتيجيته ثلاثية: تبديد اللوم المُلقى على الثغرات الأمنية التي سمحت بوقوع هجوم حماس، والاحتفاظ بائتلافه الحاكم على حاله بأية تكلفة، والاستمرار في المنصب إلى أن يستطيع الإشارة إلى إنجازات ملموسة في الميدان.

وقال أفيف بوشينسكي، المعلّق السياسي الذي عمل مستشاراً لنتنياهو لحوالي عقد زمني، لمجلة فورين بوليسي: "يأمل نتنياهو أن تسير الحملة العسكرية على ما يرام، ويعتمد على الوقت ليكون أفضل شيء يشفي [البلاد]".

ومنذ الأسبوع الماضي، توقفت الحرب بشكل مؤقت بسبب هدنة إنسانية، حيث أطلقت حركة حماس سراح حوالي 50 شخصاً من الأسرى الإسرائيليين لديها، مقابل تحرير 150 أسيراً فلسطينياً في السجون الإسرائيلية وبدء توقف القتال. حظي الاتفاق بدعم واسع في إسرائيل، مع أن الإسرائيليين لا يزالون يعانون من صدمة كبيرة بسبب العدد الكبير من الأسرى الإسرائيليين الذين لا يزالون في قبضة المقاومة في غزة.

نتنياهو يرفض تحمل مسؤولية الفشل الذي وقع في السابع من أكتوبر 

في حين أن رئيس أركان الجيش الإسرائيلي، هرتسي هاليفي، ورئيس الشاباك، رونين بار، اعترفا بمسؤوليتهما عن الكارثة، رفض نتنياهو السير في الطريق نفسه، رغم موجة الغضب الشعبي. طالب مسؤولون ومحللون بوجود لجنة تقصي حقائق إسرائيلية للتحقيق في الكارثة، ومساءلة الأشخاص. في هذه الأثناء، قال نتنياهو إنها ليست اللحظة المناسبة للمساءلة، نظراً إلى أن الطاقات يجب أن تُوجه نحو تحقيق النصر على حماس.

وقال يوسي ألفير، المعلق السياسي والاستراتيجي الذي يكتب عموداً لمنظمة "أمريكيون من أجل السلام الآن"، إن ما كان جديراً بالملاحظة ألا أحد في حزب الليكود الذي ينتمي إليه نتنياهو، تحدى قيادته حتى الآن.

وأوضح ألفير بالقول: "إنه مشغول بالمناورة، وهو يجيدها"، في إشارة إلى براعة رئيس الوزراء صاحب أطول ولاية في تاريخ إسرائيل، الذي نجا من الاحتجاجات الواسعة في وقت سابق من العام الحالي بسبب محاولته المثيرة للجدل، التي تستهدف انتزاع صلاحيات من السلطة القضائية الإسرائيلية.

وأضاف ألفير: "ثمة الكثير جداً من الديناميكيات التي لا نعرف عنها شيئاً في هذه المرحلة.. ليست مُسَلَّمَةً أنه انتهى".

إطالة أمد الحرب مفيد لنتنياهو 

على المدى القصير، يبدو أن نتنياهو يستفيد من مُسَلَّمَةٍ ترتبط بالسياسة والحرب. إنك لا تطيح بقائد بينما يدور القتال. لكن المعلق السياسي المخضرم في القناة 12 الإسرائيلية، أمنون أبراموفيتش، قال إن اعتبارات البقاء قد تغري نتنياهو نحو إطالة أمد الحرب لأكثر مما هو ضروري من الناحية الاستراتيجية. وأوضح: "لا أستطيع أن أحدد هذا على وجه اليقين، ولكني لا أستبعده تماماً بوصفه احتمالية".

لم يرد مكتب نتنياهو على طلب للتعليق. من المؤكد أنه مع تراجع أرقامه في استطلاعات الرأي، والمخاوف من الوقوع في مواقف محرجة مع الجمهور، الأمر الذي أبعده عن الجنازات العسكرية؛ فإن إصلاح صورة نتنياهو يبدو بعيداً في اللحظة الراهنة.

ومع ذلك، يبدو أنه قد ضمن بقاءه الآني عن طريق إشراك شخصيتين معارضتين إلى مجلس الحرب الخاص به، من حزب الوحدة الوطنية، ممن لديهما أوراق اعتماد أمنية قوية، وهما: بيني غانتس وغادي آيزنكوت.

يساعد هذا نتنياهو وشركاءه لتصوير هذا على أنه حملة وطنية واسعة من أجل البقاء ضد هؤلاء الذين قد يدمرون إسرائيل، ويقوّض فكرة أن القرارات ربما تتعلق بأي شكل من الأشكال ببقاء نتنياهو في السلطة. قال بوعز بيسموث، عضو لجنة الدفاع والعلاقات الخارجية في الكنيست الإسرائیلي وعضو حزب الليكود: "ليس الأمر أن نتنياهو ضد حماس. بل أن إسرائيل ضد الإرهاب. إننا دولة لا يقبل جيرانها حتى بوجودنا هنا. ليست هذه قضية تتعلق بنتنياهو".

"نتنياهو ينتمي إلى مزبلة التاريخ"

ولكن بعد 7 أسابيع من بدء الحرب، لا يزال التصور بأن نتنياهو يتحمل مسؤولية تمكين حماس في السنوات الأخيرة، تصوراً قوياً. سمح نتنياهو بإدخال ملايين الدولارات من قطر إلى قطاع غزة، حتى عندما احتجزت حكومته عائدات الضرائب من السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية لأكثر من مرة على مدى سنوات. يُنظر إلى هذه السياسة على أنها طريقة نتنياهو لتأجيج الانقسامات بين الفلسطينيين، وتخفيف الضغط الدولي على إسرائيل من أجل التوصل إلى سلام مع الفلسطينيين.

قال غادي شامني، الجنرال المتقاعد الذي شغل منصب الملحق العسكري لإسرائيل في واشنطن: "تقوية حماس كان مبدأ نتنياهو، إنه ينتمي إلى مزبلة التاريخ".

قال بوشينسكي إن نتنياهو يخشى على الأرجح من أن أي تصريح بتحمل المسؤولية قد يتحول إلى مقطع صوتي يُستخدم ضده عن طريق خصومه السياسيين. وقال ألفير إن نتنياهو قلقٌ أيضاً من إدانة نفسه مسبقاً قبل أية لجنة تقصي حقائق.

في التصريحات العامة التي بثتها وسائل الإعلام الإسرائيلية في وقت سابق من هذا الشهر، قال نتنياهو: "الآن هو وقت التعامل مع شيء واحد فقط، وهو تحقيق الانتصار، والقضاء على حماس، وإعادة الأسرى، وضمان وجود نظام آخر في غزة". 

وفي الوقت نفسه، يرى على ما يبدو أن إلقاء اللوم على الآخرين عنصرٌ أساسيٌ من أجل بقائه. غرد نتنياهو مؤخراً بأن كبار المسؤولين الأمنيين، ومن بينهم قادة الاستخبارات العسكرية والأمن الداخلي، مسؤولون عن الكارثة لأنهم طمأنوه أكثر من مرة بأن حماس مردوعة ولا يمكنها شن هجمات ضد إسرائيل. حذف نتنياهو هذه التغريدة لاحقاً، واعتذر.

وعلى خلفية الاستياء الشعبي، أظهر استطلاع رأي نُشرت نتائجه على القناة 12 الإسرائيلية في 16 نوفمبر/تشرين الثاني أن الائتلاف الذي يقوده حزب الليكود الذي ينتمي إليه نتنياهو يفقد سلطته، ويتراجع من 64 مقعداً التي حققها في انتخابات نوفمبر/تشرين الماضي، إلى 45 مقعداً فقط. وحقق حزب الوحدة الوطنية الخاص بغانتس 36 مقعداً في استطلاع الرأي، بعد أن كان قد حقق 12 مقعداً فقط في الانتخابات، أما حزب الليكود نفسه، فقد حقق 17 مقعداً في استطلاعات، بعد أن كان قد حقق 32 مقعداً. وعند سؤالهم عن الشخص الذي يفضلونه لمنصب رئيس الوزراء، قال 41% منهم إنه غانتس، فيما قال 25% إن هذا الشخص يجب أن يكون نتنياهو.

قال بيسموث إن استطلاع الرأي ليس مؤشراً على الاستياء الشعبي. وأوضح: "ثمة فجوة دائماً بين استطلاعات الرأي، ووسائل الإعلام والشارع. إنني أسافر [حول البلاد]. هناك الكثير من الأشخاص الذين يتألمون، لكن معنوياتهم مرتفعة".

نتنياهو سيناور حتى آخر لحظة

فيما قال بوشينسكي إن مكانة نتنياهو لا تزال قوية داخل حزب الليكود. وأضاف: "في حزب الليكود، إذا عارضت الزعيم، يعاقبك الناخبون. لا يزال نتنياهو الزعيم الأيقوني لعلامة الليكود".

علاوة على ذلك، ما زال يُنظر إلى نتنياهو على أنه السيد في مناورة سياسات الائتلاف والإبقاء على شركائه معه في السفينة، بما في ذلك الأحزاب الأرثوذكسية المتطرفة والأحزاب القومية المتطرفة. 

ولذلك فإنه يؤيد التدفق المستمر لمخصصات الموازنة إلى المؤسسات الأرثوذكسية المتطرفة، رغم الانتقادات بأن هذه الأموال يجب الآن إنفاقها على التكاليف المرتبطة بتهجير الإسرائيليين في بداية الحرب وعلى الاحتياجات الأخرى المتعلقة بالأزمة. 

قال بوشينسكي: "إنه على دراية بالأولويات الوطنية، لكنه على دراية أيضاً بكيفية المحافظة على علاقاته مع الأرثوذكسيين، وأنه سوف يحتاج إليهم في أحد الأيام العصيبة". ونظراً إلى أن الانتخابات من المقرر عقدها بعد ثلاث سنوات أخرى، فقد يكون تمرد شركاء الائتلاف هو الشيء الوحيد الذي يمكن أن يزيح نتنياهو من منصبه.

وبالمثل، يمتنع نتنياهو عن إقالة الوزير اليميني المتطرف عميحاي إلياهو، من حزب عوتسما يهوديت المؤيد للاستيطان، الذي أشار إلى أن إسرائيل يجب عليها أن تُلقي قنبلة نووية على غزة. يريد نتنياهو أن يحافظ على رسوخ حزب عوتسما يهوديت، وحزب يميني متطرف آخر، وهو حزب الصهيونية الدينية، ضمن معسكره. ومن أجل هذه الغاية، لا يُرجح أن يتخذ تحركاً فيما يتعلق بعنف الاستيطان ضد الفلسطينيين في الضفة الغربية، رغم الدعوات التي تأتي من واشنطن والتي تطالبه باتخاذ هذا التحرك.

تُظهر استطلاعات الرأي التي أُجريت في 16 نوفمبر/تشرين الثاني وجود تحرك نحو اليمين بين الناخبين، إذ يفضل 32% من الإسرائيليين إعادة تأسيس المستوطنات اليهودية في قطاع غزة. جرى تفكيك المستوطنات في 2005، ونُقل سكانها البالغ عددهم 8 آلاف شخص إلى مناطق أخرى، بعد أن قرر رئيس الوزراء آنذاك، أرييل شارون، أن وجودهم لم يعد قابلاً للتطبيق في ظل المقاومة الشرسة بقطاع غزة.

إذا دام الانحراف نحو اليمين، فقد يحاول نتنياهو العمل على استغلاله لمصلحته عن طريق تصوير نفسه على أنه قائد قوي عازم على تحدي الضغط الأمريكي والدولي فيما يتعلق بجوانب الحرب، أو ترتيبات ما بعد الحرب، أو القضية الفلسطينية في العموم. استبعد نتنياهو بالفعل وجود دور للسلطة الفلسطينية في غزة بعد الحرب، متجاهلاً المواقف التي حددتها إدارة بايدن.

قال ألفير إن نتنياهو "عليه أن يأمل ألا يتذكر الشعب 7 أكتوبر/تشرين الأول، وسياسته السابقة تجاه حماس". وأوضح ألفير: "يحتاج أن يكون لديه في جعبته شيء يمكن تسميته بهزيمة حماس. يحتاج إلى نتيجة معقولة من أجل الأسرى، ويحتاج إلى شيء من أجل مستقبل غزة، يستطيع أن يقول إنه جيد من أجل الإسرائيليين"، على حد وصفه.

تحميل المزيد