"من غزة إلى جنين" و"بالروح بالدم نفديك يا حماس"، كان هذا من بين الهتافات التي رددتها حشود كبيرة في الضفة الغربية تجمعت للترحيب بالأسرى الفلسطينيين المفرج عنهم من السجون الإسرائيلية ضمن صفقة تبادل الأسرى التي نُفذت بين حماس وإسرائيل بوساطة قطرية، وذلك في مؤشر واضح على تصاعد شعبية حماس بالضفة.
فبينما تقدم السلطة الفلسطينية نفسها للغرب عن بديل لحماس في حكم غزة، فإنه في الواقع ترتفع شعبية حماس في الضفة الغربية وتتراجع شعبية فتح، منذ طوفان الأقصى وما تبعه من حرب إسرائيلية على قطاع غزة، بل إن هذا الصعود في شعبية حماس والتراجع في شعبية فتح بدأ قبل طوفان الأقصى، حسب تقارير إعلامية غربية.
حماس نفذت طوفان الأقصى من أجل القدس والضفة بالأساس
وليس غريباً ارتفاع شعبية حماس في الضفة، في ظل حقيقة أن أغلب أهداف الحركة من عملية طوفان الأقصى مرتبطة بالضفة الغربية والقدس.
وحددت الحركة خمسة أهداف رئيسية من عملية طوفان الأقصى، الرد على الاقتحامات المتصاعدة بحق المسجد الأقصى، وعلى الانتهاكات بحق سكان الضفة لا سيما مزارعي المناطق المجاورة للمستوطنات، وكذلك على توسع الاستيطان والاستيلاء على أراضي الفلسطينيين، والرد على تصعيد الانتهاكات بحق الأسرى والعمل على تأمين صفقة لإطلاقهم، وتخفيف الحصار على غزة.
ومن بين هذه الأهداف الخمسة هناك أربعة مرتبطة بالضفة والقدس، بل إن حتى معظم الأسرى الذين أطلق سراحهم حتى الآن بعد طوفان الأقصى كانوا من الضفة.
وفي عام 2021، أطلقت حماس الصواريخ نحو القدس، مما أدى إلى اندلاع معركة أسوار القدس، وذلك رداً على مسيرة الأعلام الإسرائيلية والانتهاكات بحق الأقصى، ليهتف المواطنون في القدس والضفة بالضفة باسم محمد الضيف قائد الجناح العسكري لحركة حماس المعروف باسم كتائب عز الدين القسام.
واليوم مع استقبال كل دفعة جديدة من الأسرى بالضفة، يهتف الأسرى المحررون والمستقبلون لهم باسم الضيف، قائلين: "حط السيف قبال السيف إحنا رجال محمد ضيف".
كما يؤشر تصاعد مجموعات المقاومة المسلحة في الضفة تحديداً في جنين ونابلس إلى أن حتى بعض المجموعات الفتحاوية تفضل السير على طريق حماس في الكفاح المسلح، حيث إن كثيراً من الشباب الذي حمل السلاح في الضفة خلال العامين الماضيين محسوبون على أجواء فتح وبعضهم من الجهاد، وقلة منهم من حماس التي تتعرض لضغط كبير من السلطة الفلسطينية وجيش الاحتلال، ولكن لا تخفي الحركة تأييدها ودعمها لهذه المجموعات.
الاحتفالات بإطلاق الأسرى أظهرت شعبية حماس بالضفة
وتكشف الاحتفالات بإطلاق الأسرى الكثير، رغم محاولة سلطات الاحتلال منعها.
فخلال هذه الاحتفالات حمل العديد من المشاركين أعلام حماس الخضراء ورددوا شعارات مؤيدة لحماس أثناء احتضانهم للأسرى الفلسطينيين المحررين. لقد أثارت صور الحشود الكبيرة من الشباب قلق السلطة الفلسطينية وهي تكافح من أجل البقاء.
ويقول تقرير في وكالة "The Meadia line" الأمريكية المعنية بتغطية شؤون الشرق الأوسط: "شهدت حركة حماس الإسلامية التي تهيمن على قطاع غزة ارتفاعاً في شعبيتها بين جميع الفلسطينيين منذ هجوم 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023".
في الضفة الغربية، هناك أقلية صغيرة فقط لديها وجهة نظر إيجابية تجاه السلطة الفلسطينية التي لا تحظى بشعبية كبيرة بشكل عام في المناطق التي تسيطر عليها. والتي يُنظر إليها على أنها مقاول من الباطن للاحتلال الإسرائيلي الذي طال أمده.
المفارقة أن بعض الانتقادات تصاعدت لحماس في الضفة عندما لم ترد على الجرائم الإسرائيلية منذ نهاية حرب مايو/أيار 2021.
واليوم إحدى نتائج الحرب في غزة هي تزايد جاذبية حماس في الضفة الغربية، وهو الأمر الذي يمكن أن يعزى إلى الإحباط الناجم عن الافتقار إلى أفق سياسي عبر القنوات الدبلوماسية بين رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس وإسرائيل.
فتحاويون يهتفون لحماس خلال استقبالهم للأسرى
ويقول الطالب الجامعي يزن عبد الله: "لقد جئت إلى هنا للاحتفال بالإفراج عن السجناء وإظهار دعمي للمقاومة". وقال عبد الله إنه نشأ محاطاً بأنصار فتح، بمن في ذلك والده وأعمامه. ومع ذلك، قال إن فتح، أبرز وأقدم الفصائل الفلسطينية التي تهيمن على السلطة الفلسطينية، فقدت "بوصلتها". وقال: "كانت فتح تؤمن بالمقاومة والتحرير، لكن ذلك اختفى، وكل ما يقلق قادتها هو حماية مصالحهم". "بالنسبة لنا، حماس هي زعيمة الشعب الفلسطيني".
واتخذ عباس موقفاً مثيراً للجدل من عملية طوفان الأقصى أثار استياء الفلسطينيين والإسرائيليين على السواء، فلم يدِن هجوم طوفان الأقصى، مما أغضب المسؤولين الإسرائيليين، بينما علق على الهجوم قائلاً، "إن حماس لا تمثل الشعب الفلسطيني" وهو ما أغضب كثيراً من الفلسطينيين، رغم أن تقارير بأن وكالة الأنباء الفلسطينية "وفا"، سحبت هذا الجزء من تصريحه.
وأظهرت استطلاعات الرأي الأخيرة تراجعاً حاداً في تأييد عباس الذي تمّ تهميشه بسبب الحرب، ولكن يُنظر إليه دولياً على أنه شريك في إحياء عملية السلام التي توقفت منذ فترة طويلة.
كان الرئيس الفلسطيني يتفاخر بالتزام السلطة تحت قيادته بالتنسيق الأمني ومحاربة الإرهاب، ورغم أنه علق لفترة التنسيق الأمني مع إسرائيل بسبب صفقة القرن، ولكنه أعاد هذا التنسيق دون مقابل يذكر، وما زال متحفظاً على فكرة المقاومة المسلحة متمسكاً فقط بالتسوية السلمية كسبيل للحل، وهي تسوية ماتت إكلينيكياً.
وقال عامل المطعم محيي عيد، 25 عاماً، لصحيفة ميديا لاين: "لقد حان الوقت لإخلاء مقعده". وقال عيد إن الناس ينظرون إلى القيادة الفلسطينية على أنها "غير فعالة" و"تفعل كل شيء للبقاء في السلطة بأي ثمن".
وأضاف: "لقد فقد جيلي الأمل في الحل السياسي، ونحن نرفض هذا الاحتلال الذي لا نهاية له، وحماس والفصائل الأخرى في غزة لديها الجواب".
لماذا تراجعت قوة وشعبية السلطة الفلسطينية؟ الفساد وتراجع الدعم الغربي
هناك أسباب عديدة لضعف السلطة الفلسطينية، بعضها نابع من داخلها، والبعض مفروض عليها من الغرب وإسرائيل.
أبرز العوامل الداخلية هي الفساد المنتشر على نطاق واسع، على الرغم من أن الدبلوماسيين الفلسطينيين يقولون إنه ليس وباءً متوطناً، حسبما ورد في تقرير لصحيفة the Guardian البريطانية.
إضافة لذلك، أصيبت السلطة بالشلل المالي بسبب توقف دعم المانحين بقيادة الولايات المتحدة، وهو الموقف الذي كان يحظى بدعم الاتحاد الأوروبي في بعض الأحيان.
وفي عام 2013، شكلت المنح الخارجية التي بلغت حوالي 1.4 مليار دولار ثلث إجمالي نفقات السلطة الفلسطينية. وبحلول عام 2022، انخفض هذا المبلغ إلى أقل من 350 مليون دولار أو أقل بقليل من 3% من إجمالي إنفاق السلطة الفلسطينية، وفقاً لتقرير صدر هذا العام عن مبعوث الأمم المتحدة للشرق الأوسط. وكان من المقرر أن تقوم إسرائيل في عام 2023 بحجب ضرائب الاستيراد الفلسطينية بقيمة 800 مليون دولار. وكانت العواقب واضحة بالنسبة للمدارس والمستشفيات الفقيرة.
فلقد أوقفت الولايات المتحدة، التي تؤيد السلطة الفلسطينية الآن، أي مدفوعات لها منذ عام 2017 احتجاجاً على دفع مزايا مالية لعائلات السجناء الفلسطينيين والقتلى في الصراع، بما في ذلك المقاومون المشاركون في هجمات ضد الإسرائيليين.
السلطة لا تستطيع حماية الشعب الفلسطيني ومجبرة على التعاون الأمني مع إسرائيل
لكن نقطة الضعف الأكبر التي تعاني منها السلطة الفلسطينية هي أنها اضطرت إلى العمل بناء على افتراض زائف. عندما تم إنشاء السلطة الفلسطينية نفسها في عام 1994، روج القادة الفلسطينيون للسلطة كهيئة انتقالية في عملية دبلوماسية بعد اتفاقيات أوسلو من شأنها أن تؤدي إلى إقامة الدولة الفلسطينية، وبالتالي مع انهيار احتمالات حل الدولتين حرمت السلطة الفلسطينية من سبب وجودها.
ومع توقف الجهود الدبلوماسية الثنائية منذ عام 2001، عندما رفض رئيس الوزراء الإسرائيلي المنتخب حديثاً أرييل شارون مقابلة رئيس السلطة الفلسطينية ياسر عرفات، وفي خضم الانتفاضة الثانية التي قادتها الجماعات الفلسطينية المسلحة، ركزت السلطة الفلسطينية على طرق أخرى لإثبات أهميتها وإظهار أن استراتيجية اللاعنف يمكن أن يؤدي إلى نتائج. وقبل كل شيء، سعت إلى الحصول على مكانة دولية من خلال الأمم المتحدة.
ولكن حتى هذا المسار أغلق من جانب الدول الغربية.
وأصبح يفترض أن تقوم السلطة بمنع المقاومة المسلحة ضد إسرائيل وحتى الاحتجاجات الشعبية دون أن تكون قادرة كأي سلطة على حماية شعبها من اعتداءات الجيش الإسرائيلي.
لم يعد أمامها سوى محكمة العدل والجنائية الدولية، ولكن أمريكا وقفت لها بالمرصاد
ولذا لجأ محمود عباس، والذي يعد أكثر التزاماً بالتنسيق الأمني من سلفه ياسر عرفات، للطريق السياسي الوحيد الذي أصبح محكوماً به بسبب خياراته، وهو إطلاق حملة للمطالبة بالاعتراف الكامل بدولة فلسطين في الأمم المتحدة. وقد حكمت عليها المعارضة الأمريكية بالفشل، ولم تترك لها إلا صفة دولة مراقب غير عضو في الأمم المتحدة. وتمكنت فلسطين من الحصول على عضوية اليونسكو، ولكن حتى المحاولة المتواضعة للانضمام إلى هيئة السياحة التابعة للأمم المتحدة تم التخلي عنها بسبب الضغوط الأمريكية.
وطلبت السلطة الفلسطينية في عام 2015 الإذن للمحكمة الجنائية الدولية بفتح تحقيق في جرائم الحرب التي ارتكبتها إسرائيل في الضفة الغربية. وبعد خمس سنوات من المداولات، وافقت المحكمة الجنائية الدولية في عام 2021 على أنها تتمتع بالولاية القضائية اللازمة. لكن هذا أدى إلى هجوم الولايات المتحدة والمملكة المتحدة على السلطة الفلسطينية، إذ عارضت الولايات المتحدة بقيادة دونالد ترامب أي تدقيق من جانب المحكمة الجنائية الدولية في جرائم إسرائيل، بل وجهت تهديدات للمحكمة الجنائية الدولية.
ولم يغير جو بايدن الموقف الأمريكي. عندما التقى عباس في رام الله عام 2022، حثه على إسقاط تحقيق المحكمة الجنائية الدولية، لكن عباس رفض، قائلاً إنه أحد الطرق القليلة غير العنيفة المتاحة لمعارضة المستوطنات الإسرائيلية.
وكان المسار القانوني اللاعنفي الآخر الذي اتبعته السلطة الفلسطينية هو اللجوء إلى محكمة العدل الدولية التابعة للأمم المتحدة. وفي ديسمبر/كانون الأول 2022، صوتت الجمعية العامة للأمم المتحدة بأغلبية 87 صوتاً مقابل 26 صوتاً على طلب حكم استشاري بشأن وضع الاحتلال من المحكمة في لاهاي. ولكن ما إن حضر محامو السلطة الفلسطينية إلى لاهاي حتى حضر محامو الحكومتين الأمريكية والبريطانية، قائلين مرة أخرى إن هذا هو الطريق القانوني غير المناسب الذي يمكن للفلسطينيين اتباعه، وتطلب الولايات المتحدة الآن من السلطة الفلسطينية الانسحاب إذا أرادت موافقة إسرائيل على السماح للسلطة الفلسطينية بالدخول إلى غزة.
ولم تستطِع حتى دفع الغرب للضغط على إسرائيل لتجميد الاستيطان
كما لم تتمكن السلطة الفلسطينية من إقناع مؤيديها بأن الكثير من الفوائد جاءت من الضغط على السياسيين الغربيين لوقف توسع المستوطنات الإسرائيلية.
يتذكر وزير شؤون الشرق الأوسط السابق في المملكة المتحدة، أليستر بيرت، عندما كان في منصبه، أنه واجه وفداً فلسطينياً بقائمة من تعليقاته حول المستوطنات الإسرائيلية المختلفة. "لقد قرأوها وقالوا: سيد بيرت، في تاريخ كذا وكذا، قلت إنك "قلق للغاية" بشأن المستوطنات. وفي هذا التاريخ، قلت إنك "قلق للغاية"، وفي هذه المناسبة قلت إنك "قلق للغاية". وأشاروا إلى أنه لم يتخذ أي إجراء من قبل المجتمع الدولي فيما يتعلق بالمستوطنات.
من جانبها، فإن حكومات الاحتلال كانت سعيدة للغاية باستمرار السلطة الفلسطينية، لكنها لم تقدم لها شيئاً يذكر في المقابل، وتقبلت قيادة السلطة هذا الوضع، مما خلق حالة من الشعور بالركود السياسي في المنطقة بأكملها إلى حد كبير".
وقفت مكتوفة الأيدي أمام ما يحدث للأقصى والأسرى، فباتت مقاولاً أمنياً في نظر شعبها
ولكن هذا الركود صاحبه على الجانب الإسرائيلي سلسلة غير مسبوقة من الاقتحامات بحق الأقصى أنذرت بتعرضه لخطر التقسيم أو الاستيلاء أو حتى الهدم، وتوسع سرطاني في الاستيطان، رافقه اعتداءات على سكان الضفة، وانتهاكات واسعة بحق الأسرى تفاقمت بعد تولي وزير الأمن الداخلي إيتمار بن غفير منصبه.
ونتيجة لكل ذلك، انتهى الأمر بأن أصبح الفلسطينيون ينظرون إلى السلطة الفلسطينية على نحو متزايد باعتبارها مقاولاً أمنياً من الباطن لإسرائيل، حسب الصحيفة البريطانية.
وباسم مكافحة الإرهاب غالباً ما فرضت عدالة تعسفية في الضفة الغربية. وقدرت منظمة "محامون من أجل العدالة"، وهي مجموعة توثق مثل هذه الحالات المتعلقة بالعدالة التعسفية، أنه في عام 2022 وحده، اعتقلت السلطة الفلسطينية أكثر من 500 فلسطيني بدعوى ارتكابهم جرائم ضد إسرائيل. وقالت السلطة الفلسطينية إن البديل هو اندلاع انتفاضة ثالثة وانهيار السلطة الفلسطينية.
شعبية السلطة انهارت حتى قبل طوفان الأقصى بينما تأييد حماس في صعود
وقد أثر كل هذا بشكل كبير على سمعة السلطة الفلسطينية. وتظهر استطلاعات الرأي التي أجراها المركز الفلسطيني للبحوث السياسية والمسحية أنه قبل أيام من هجوم حماس على الإسرائيليين، اعتبر 80% من الفلسطينيين أن السلطة الفلسطينية فاسدة، واعتبرها 62% عائقاً وليست رصيداً. ولا تتمتع أي من مؤسساتها الرئيسية بشرعية شعبية.
ولم يؤدّ تزايد العنف في الضفة الغربية هذا العام إلا إلى إضعاف السلطة الفلسطينية بشكل أكبر، وهو ما يصب في مصلحة المسلحين في الضفة الغربية الذين يقدمون لشباب الضفة الغربية فرصة لمواجهة المستوطنين وقوات الأمن الإسرائيلية.
وشهدت الانتخابات الجامعية الأخيرة التي جرت في الجامعات الطلابية فوز كتلة الوفاء الإسلامية التابعة لحماس على حركة فتح.
وبينما أخفقت السلطة في الحصول على أية مكاسب تذكر من إسرائيل، فلقد سبق أن أطلقت حماس عبر صفقة الجندي الإسرائيلي غلعاد شاليط 1027أسيراً من الفلسطينيين، كما أنها رغم أنها تحكم غزة، فإن أغلب مواجهتها مع إسرائيل مرتبطة بالوضع الخطير في الضفة، ورغم الثمن الكبير الذي يدفعه الشعب الفلسطيني ثمناً للمقاومة، إلا أن حالة حماس التي تتنوع أشكال مواجهتها للاحتلال تمثل حلاً أفضل كثيراً من المشاهدة بدون حراك أو الشكوى في محافل دولية لا تسمن ولا تغني من جوع، كما تفعل السلطة.
كما أن الشعب الفلسطيني صاحب الإرث النضالي الطويل يعلم أن تحرير الأوطان سيكون له أثمان.
عباس لم يجرِ انتخابات منذ عقود وخلفاؤه مثيرون للجدل فلسطينياً
من المؤكد أن الصورة التي تقدم لعباس باعتباره بطل السياسة الفلسطينية الإصلاحية تبدو سخيفة، حسب وصف الصحيفة البريطانية.
عباس البالغ من العمر 88 عاماً هو في عامه الثامن عشر من ولايته الرئاسية التي يفترض أن تمتد فقط لأربع سنوات – ولم يتم إجراء أي انتخابات منذ تأجيل الانتخابات عام 2010.
ولكن الأخطر أنه ليس هناك بديل مطروح لعباس يمكن أن يلقى قبولاً شعبياً فلسطينياً، وتسعى القوى الغربية والإقليمية لفرض بدائل ليس لها شعبية بين الفلسطينيين بل قد تكون مكروهة.
وكان أحد جوانب نهج عباس الإشكالي بصفة خاصة هو رفضه المستمر بدء أي شكل من أشكال خلافة الحكم، أو القيام بأي استعدادات لليوم الذي ينتهي فيه حكمه في نهاية المطاف.
حسين الشيخ، بصفته أمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، هو المفضل لدى الولايات المتحدة. لأنه يُنظر إليه على الأقل على أنه شخص عملي. وهو يتحدث العبرية بطلاقة، ويعرف كبار ضباط الجيش والسياسيين الإسرائيليين جيداً، ووصفه ضابط مخابرات إسرائيلي كبير بأنه "رجلنا" في رام الله، مما يثير الكثير من التساؤلات حول قدرته على قيادة شعب لا يثق بقياداته، حسب تقرير لمجلة "فورين بوليسي" الأمريكية.
والشيخ هو "رئيس هيئة الشؤون المدنية في السلطة الفلسطينية"، وهي الهيئة التي تُستخرج منها التصاريح الإسرائيلية، ومساعد مقرب لعباس البالغ من العمر 86 عاماً، ويعتقد أنه يجري تحضيره لخلافة الرئيس الفلسطيني.
ويعتبر الشيخ وسيطاً مباشراً بين رئيس السلطة والإدارات الأمريكية والدولية، إذ يشارك بجانب الرئيس ومدير جهاز المخابرات العامة اللواء ماجد فرج بكل الاجتماعات واللقاءات مع القادة والسفراء الأجانب، ويشكلون بذلك مثلث صنع القرار الفلسطيني.
وقد سطع نجم الشيخ الشهر الماضي، بعد أن عينه الرئيس عباس أمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية. وهذا التعيين أثار تكهنات بأن الشيخ يجري إعداده لتولي منصب رئيس السلطة الفلسطينية.
أحد أسباب قبول الإسرائيليين للشيخ كمرشح لخلافة أبو مازن أنه يتبنى موقفاً متشدداً من ضرورة الحفاظ على التنسيق الأمني بين الأجهزة الأمنية والإسرائيلية لمواجهة خصوم إسرائيل في الساحة الفلسطينية، وأبرزهم حركتا حماس والجهاد الإسلامي، حسبما قال سعيد بشارات، رئيس تحرير شبكة الهدهد الإخبارية في تقرير سابق لـ"عربي بوست".
هذا الموقف يأتي على النقيض من السياسة التي يتبناها منافسا الشيخ على خلافة عباس، جبريل الرجوب ومحمود العالول، اللذان يؤمنان بالشراكة الوطنية.
مروان البرغوثي الوحيد المؤهل لمنافسة حماس، ولكن قيادات فتح تخشاه
قد يكون القيادي الفتحاوي المسجون مروان البرغوثي المرشح الأكثر قبولاً في فتح، إلا أنه مسجون منذ عام 2002، ويقضي حكماً بالسجن مدى الحياة بتهمة القتل بعد أن قاد الانتفاضة الثانية. من المحتمل أنه كان سيهزم عباس في انتخابات رئيس السلطة الفلسطينية لعام 2021 الملغاة.
وقد يكون هذا القيادي الفتحاوي البارز الوحيد القادر على هزيمة أي مرشح مدعوم من حماس، ووفقاً لاستطلاعات الرأي الأخيرة، فإنه يمكن يهزم أيضاً رئيس المكتب السياسي لحماس إسماعيل هنية بنسبة 60% مقابل 37%.
لكن عباس أو إسرائيل لن يسمحوا بأن يترشح البرغوثي لرئاسة السلطة الفلسطينية، وحتى كثير من قيادات فتح يخشون البرغوثي، ورغم نجاحه دوماً في انتخابات فتح الداخلية ولكن عادة تتم محاربة قائمته.
ومن المنافسين الآخرين لعباس هو محمد دحلان، الزعيم السابق لفتح في غزة، والذي كان الحاكم الفعلي لغزة قبل إطاحة حماس به وبسلطة فتح في القطاع.
ومع ذلك، يُنظر إليه على أنه من صنع دولة الإمارات العربية المتحدة، إحدى الدول التي قامت بتطبيع العلاقات مع إسرائيل، وهو الأمر الذي اعتبره عباس خيانة. وطرد عباس دحلان من حركة فتح عام 2011، ويرفض التصالح معه رغم الضغوط من مصر والأردن.
كما أنه ينظر له فلسطينياً كأحد أقرب القيادات الفلسطينية لإسرائيل وأمريكا، ورجل التنسيق الأمني ضد المقاومة.
ومن يتحدى سلطة عباس علناً يدفع الثمن. إذ تم عزل ناصر القدوة، ابن شقيق عرفات، من اللجنة المركزية لفتح في مايو/أيار 2021 بعد أن قال إنه سيشكل قائمة مشتركة مع البرغوثي لتحدي عباس.
وعلى نحو مماثل، انتهت المحاولة الوحيدة التي نشأت داخلياً لإصلاح السلطة الفلسطينية ــ التي انطلقت في عام 2010 وحملت عنوان "الطريق الأخير إلى الحرية" ــ بكارثة بالنسبة لرئيس الوزراء آنذاك سلام فياض، حسب وصف the Guardian.
إذ انتهت محاولته للقضاء على الفساد بالقضاء عليه هو شخصياً في عام 2013، حيث أقيل من منصبه وهو يعيش الآن في برينستون، بولاية نيو جيرسي الأمريكية.