أعطت الحرب بين إسرائيل والمقاومة الفلسطينية في غزة روسيا فرصة ذهبية لزرع بذور الانقسام بين أعدائها الغربيين. وهي فرصة لم تكُن الآلة الإعلامية التابعة للكرملين لتُفوِتها أبداً، كما تقول مجلة Politico الأمريكية.
منذ اندلاع الحرب في 7 أكتوبر/تشرين الأول، عززت حسابات الفيسبوك المرتبطة بالكرملين إنتاجها بنسبة 400% تقريباً، وتهيمن أزمة الشرق الأوسط الآن على منشورات الدبلوماسيين الروس والمنافذ المدعومة من الدولة وأنصار بوتين في الغرب.
روسيا تستفيد من الحرب في غزة بإضعاف الغرب
بحسب صحيفة بوليتكو، تشمل الإشاعات التي ينشرها مُروجو الدعاية الرقمية في موسكو الآن ادعاءات بأن حماس تستخدم أسلحة الناتو (حلف شمال الأطلسي) لمهاجمة إسرائيل وأن المدربين البريطانيين درّبوا مهاجمي حماس. ويمثل الصراع المتجذر فرصة مزدوجة لبوتين.
فهو يسمح لروسيا بإثارة الانقسام في الغرب من خلال نشاط على الشبكات الاجتماعية يستهدف فصل أولئك الذين يدعمون إسرائيل عمّن يدعمون فلسطين. وقد تصاعدت أعمال العنف في العالم الحقيقي، خلال الأسابيع السبعة الماضية، وانتشرت الاحتجاجات المناهضة للحرب التي خرج فيها ملايين الأشخاص من لندن إلى واشنطن.
إضافة إلى ذلك يجذب الهجوم الروسي عبر الشبكات الاجتماعية في الشرق الأوسط انتباه الرأي العام بعيداً عن حربها في أوكرانيا. وقال بريت شيفر، رئيس فريق التلاعب بالمعلومات وصندوق مارشال الألماني التابع لتحالف الولايات المتحدة من أجل تأمين الديمقراطية، وهو مركز أبحاث مقره واشنطن: "من الجيد لروسيا صرف الانتباه عن أوكرانيا؛ لأنه كلما زاد تركيز الرأي العام الغربي على إسرائيل وحماس، قلّ اهتمامه بحقيقة أن الكونغرس على وشك التوقف عن تمويل المجهود الحربي في أوكرانيا. وسيسمح تسليط الضوء على أماكن أخرى بصرف الانتباه عن أوكرانيا".
لعبة جيوسياسية روسية
تقول المجلة الأمريكية إن الهجوم الذي شنه الكرملين عبر الإنترنت يعكس اللعبة الجيوسياسية التي يمارسها بوتين منذ هجمات السابع من أكتوبر/تشرين الأول.
واستضافت حكومته قادة حماس في موسكو في نهاية شهر أكتوبر/تشرين الأول، على ما يبدو في إطار سعيه للعب دور وساطة بشأن إطلاق سراح الرهائن الإسرائيليين. ولدى روسيا وحماس حليف مشترك في إيران، وقد حذر بوتين نفسه من أن العمل العسكري الإسرائيلي في غزة قد يتصاعد خارج المنطقة.
وسارع الكرملين إلى تحويل الحرب بين إسرائيل وحماس إلى سلاح لخدمة أغراضه الدعائية.
في الأسابيع السبعة منذ اندلاع عملية طوفان الأقصى في 7 أكتوبر/تشرين الأول، نشرت حسابات الفيسبوك الروسية 44 ألف مرة مقارنة بـ 14 ألف مشاركة فقط في الأسابيع السبعة التي سبقت بدء الصراع، وفقاً للبيانات التي جمعها "التحالف من أجل ضمان الديمقراطية".
وإجمالاً، شورك نشاط الشبكات الاجتماعية المدعوم من روسيا على فيسبوك ما يقرب من 400 ألف مرة في المجموع، أي بزيادة قدرها أربعة أضعاف مقارنة بالمشاركات المنشورة قبل النزاع.
وتشمل الكلمات الرئيسية الأكثر مشاركة الآن العديد من العبارات المرتبطة بالصراع مثل "حماس" و"الشرق الأوسط"، بينما قبل الحرب كانت وسائل الإعلام الحكومية الروسية والحسابات الدبلوماسية تركز تركيزاً شبه حصري على أوكرانيا أو دور بوتين في العالم.
وتمثل الزيادة التي تقترب من 400% في المنشورات من الحسابات المرتبطة بالحكومة الروسية قطرة في محيط إذا ما قورنت بملايين المنشورات على فيسبوك حول الصراع في الشرق الأوسط من مستخدمي الشبكات الاجتماعية العاديين خلال نفس الفترة الزمنية.
لكن العديد من الحسابات المدعومة من الكرملين -وخاصة تلك التابعة لوسائل الإعلام الخاضعة للعقوبات مثل Russia Today وSputnik- تتمتع بمدى وصول رقمي كبير الحجم. وتتباهى هذه الشركات مجتمعة بوجود ملايين من المتابعين في أوروبا وأمريكا اللاتينية وإفريقيا، رغم أن الاتحاد الأوروبي فرض عقوبات على عمليات البث والشبكات الاجتماعية الخاصة بها.
هل نجحت روسيا في "ركوب الموجة"؟
يقول جاكوب كالينسكي، نائب مدير المركز الأوروبي للتميز لمكافحة التهديدات الهجينة، وهي منظمة مشتركة بين حلف شمال الأطلسي والاتحاد الأوروبي تتعقب حملات النفوذ المدعومة من الدول: "إنهم يستخدمون كل ما في وسعهم لنشر رسائل مناهضة للغرب، ويركبون موجة نشرات الأخبار؛ لأنهم يتنافسون على نفس الجمهور الذي يستهلك مصادر إعلامية قوية".
وقد تكون لمثل هذه الدعاية الرقمية تأثيرات في العالم الحقيقي. إذ صار يتساءل البعض في الغرب علناً: إلى متى تستطيع الحكومات أن تدعم أوكرانيا في حربها المكلفة ضد روسيا في وقت يتسم بعدم اليقين الاقتصادي؟
في فرنسا، على سبيل المثال، اتهمت وزارة الخارجية شبكة تابعة لروسيا من روبوتات الشبكات الاجتماعية بتضخيم الصور المعادية للسامية على المباني في جميع أنحاء باريس. وألقى المسؤولون الفرنسيون باللوم على روسيا في "خلق التوترات" بين مؤيدي إسرائيل وأولئك الذين يدعمون فلسطين. لكن السفارة الروسية في باريس نفت أية علاقة لموسكو بنشاط رقمي سري.
وكان الهدف من الحملة السرية هو زيادة التوترات في العالم الحقيقي -سواء في فرنسا أو عبر أوروبا الغربية- بشأن الجانب الذي تدعمه الحكومات، وفقاً لاثنين من كبار المسؤولين الأوروبيين الذين تحدثوا بشرط عدم الكشف عن هويتهم. وقال أحد المسؤولين: "ما يحدث عبر الإنترنت لا يبقى على الإنترنت بعد الآن".