حددت إسرائيل أهداف حربها على قطاع غزة بعد السابع من أكتوبر 2023 بأنها تتمثل في إطاحة حماس من السلطة، وقتل قيادتها، وتحرير أكثر من 240 أسيراً في غزة، وإنهاء أي تهديد أمني من القطاع، لكن بعد شهر ونصف الشهر تجبر إسرائيل على عقد اتفاق هدنة مع حماس وتبادل للأسرى، بعد فشلها في تحرير أسير واحد، رغم حملات القصف الجنوني التي تعرض لها قطاع غزة.
وقال محللون عسكريون لصحيفة Wall Street Journal الأمريكية إن الهدنة التي تستمر لأيام تمنح حماس الوقت للتحضير والاستعداد جيداً لمرحلة جديدة من الحرب، التي قد تستمر لوقت غير معلوم، بهدف تقليص زخم الهجوم الإسرائيلي، وخلق ضغوط داخلية ودولية لإنهاء الصراع دون تحقيق أهداف الاحتلال.
المقاومة تسعى لتقليص زخم هجوم الاحتلال وإفشال أهدافه
قال يوسي كوبرفاسر، رئيس الأبحاث السابق في قسم الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية، عن حماس: "الشيء الأهم الآن هو صمود الحركة". وأضاف أن الجماعة تأمل أن تتمكن من إطلاق سراح الرهائن تدريجياً، وتحويل "فكرة هزيمة حماس برمتها إلى شيء لن يحدث أبداً".
وتقول إسرائيل "إن وقف القتال لن يردع الجيش الإسرائيلي عن تدمير قدرة حماس على شن هجمات ضد إسرائيل". لكن حكومة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو تواجه أيضاً حركة متنامية لتأمين إطلاق سراح الرهائن أولاً، حيث تزداد الضغوط عليه مع عودة أول مجموعتين من الأسرى إلى إسرائيل ضمن اتفاق تبادل الأسرى.
وحققت حماس نصراً استراتيجياً بهجمات 7 أكتوبر/تشرين الأول من خلال توجيه ضربة استخباراتية وعسكرية لإسرائيل، ومن خلال الحفاظ على كبار قادتها في مأمن من الغزو الإسرائيلي للقطاع. والسؤال المطروح الآن هو ما إذا كانت حماس قادرة على التلاعب بأزمة الأسرى بما يكفي للصمود في غزة، وإفشال جميع خطط نتنياهو.
"ليس لإسرائيل الحق في أن تقرر من سيسيطر على غزة بعد الحرب"
وقال طاهر النونو، المتحدث باسم حماس المقيم في الخارج، إن حماس منفتحة على المحادثات حول تمديد الهدنة، وتريد في نهاية المطاف وقف إطلاق النار. وأضاف: "لكن ليس لإسرائيل الحق في أن تقرر من سيسيطر على غزة بعد الحرب".
وتتكون قيادة حماس من حوالي 15 عضواً، يتمركزون عادةً في غزة والدوحة وبيروت، ويتخذون قراراتهم على أساس الإجماع. وتعتقد إسرائيل أن زعيم حماس في غزة، يحيى السنوار، يدير العمليات ضد إسرائيل مع عدد قليل من كبار القادة الآخرين. ويقول أولئك الذين يتفاوضون على تبادل الأسرى إن السنوار لم يستجب في بعض الأحيان، ومارس الألاعيب ضد الاحتلال، حيث يبدو أنه صاحب القرار النهائي في القطاع.
ومن المتوقع أن يحقق السنوار أحد أهدافه الرئيسية من شنِّ هجمات 7 أكتوبر/تشرين الأول، وهو تأمين إطلاق سراح الأسرى الفلسطينيين. ويقول محللون إن إطلاق سراحهم هو أمر شخصي بالنسبة للسنوار، وتحدٍّ للاحتلال، وهو أسير سابق.
في المرحلة الأولى من الاتفاق التزمت حماس بإطلاق سراح 50 أسيراً، مقابل وقف إطلاق النار لمدة أربعة أيام والإفراج عن ثلاثة سجناء فلسطينيين مقابل كل أسير إسرائيلي، أي 150 أسيراً فلسطينياً، وهذا يعني أن حماس يمكنها تمديد وقف إطلاق النار لمدة تصل إلى تسعة أيام وفقاً للاتفاق الحالي.
حرية الأسرى هدف أساسي لحماس
وبحسب قول محللين سيسعى السنوار إلى استغلال فترة الهدنة واحتمال إطلاق سراح الأسرى في المستقبل، لإطالة أمد وقف إطلاق النار إلى ما بعد الأيام الأربعة، وكسب حرية الفلسطينيين الأسرى بموجب تهمٍ أكثر خطورة من أولئك الذين أُطلِقَ سراحهم في المرحلة الأولى من وقف القتال.
وقال غسان الخطيب، أستاذ العلوم السياسية الفلسطيني في جامعة بيرزيت في الضفة الغربية، إن "الأولوية بالنسبة لحماس هي إطلاق سراح الأسرى الفلسطينيين". وأضاف: "كان هناك الكثير من التضحيات، والكثير من الخسائر، والكثير من الأضرار، لذا فهم بحاجة إلى إبراز الإنجازات في المقابل".
وتقدر إسرائيل أن حماس كان لديها نحو 30 ألف مقاتل في بداية الصراع. وقال مسؤول عسكري إسرائيلي كبير إنه استهدف قادة حماس في القتال الأخير في شمال غزة، لتعطيل قدرة الجماعة على توجيه المقاتلين. وليس لدى الجيش الإسرائيلي تقدير محدد للأضرار التي لحقت بقوات كتائب القسام.
ويعتقد الجيش الإسرائيلي أن السنوار موجود الآن في شبكة أنفاق حماس في الجزء الجنوبي من غزة، مع كبار القادة والأسرى، وفقاً لما ذكره إيهود يعاري، الباحث بمعهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى والمعلق الإسرائيلي المعروف.
وفي حين أن الهدنة ستمنح حماس الفرصة لإعادة تجميع صفوفها، فمن المتوقع أن تشنَّ إسرائيل هجوماً كبيراً على مدينة السنوار، خان يونس، على أمل عزل الشمال عن الجنوب. وقال يعاري: "بالنسبة لحماس إذا توقفت المعركة قبل مهاجمة خان يونس، فإنها ستظل واقفة على أقدامها"، على حد تعبيره.
"من الصعب تحقيق النصر على حماس"
قال جيورا إيلاند، الجنرال الإسرائيلي السابق ومستشار الأمن القومي، إن القتال في الجنوب سيكون أصعب مما في الشمال، بسبب وجود النازحين الفلسطينيين، الأمر الذي قد يعمِّق الأزمة الإنسانية ويزيد الضغط الدولي على إسرائيل لوقف الحرب.
وأضاف أن شبكة أنفاق حماس ووجود أسرى يزيدان من تعقيد العملية في الجنوب. وأضاف: "طالما أنهم يستطيعون استخدام هذه الأنفاق كملاذ للمقاتلين، فمن الصعب جداً تحقيق النصر على حماس هناك".
يعتقد بعض المسؤولين في الشرق الأوسط أن إسرائيل ستواجه تمرداً إذا سعت إلى تجريد غزة من السلاح والاحتفاظ بقواتها هناك. قلة من الإسرائيليين والفلسطينيين هم من يعتقدون أن إسرائيل سوف تكون قادرة على تدمير حماس كمنظمة عسكرية وحركة سياسية، كما تقول صحيفة وول ستريت جورنال.
من جهتها قالت ميراف زونسزين، وهي محللة بارزة في الشؤون الإسرائيلية الفلسطينية: "في النهاية سيتعين على إسرائيل أن تقرر ما إذا كانت ستعيد أسراها أو ستواجه نوعاً من التفاوض مع السنوار والضيف". وأضافت: "يأمل نتنياهو حقاً أن يتمكن من اغتيالهم، وقد فشل في ذلك لسنوات وربما لعقود، ولكن في نهاية المطاف لن تكون إسرائيل قادرة على تدمير حماس واستعادة جميع الأسرى".