بعد أسابيع من القصف الإسرائيلي لغزة، والغزو البري المستمر، وارتكاب عشرات المجازر، قد يظل الدعم الذي تتلقاه هذه الدولة من حلفائها الغربيين ثابتاً، لكن الشقوق بدأت تظهر كما يقول موقع Middle East Eye البريطاني.
لا تزال الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وألمانيا تؤيد بشكل كامل تصرفات إسرائيل في غزة، رغم تزايد عدد القتلى المدنيين، لكن المواقف تغيَّرت في أماكن أخرى.
هل يتزايد الضغط على حكومة الاحتلال لإنهاء العدوان على غزة؟
على سبيل المثال، طرح الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون فوائد وقف إطلاق النار، في حين دعا الزعيم الكندي جاستن ترودو إسرائيل إلى "التوقف عن قتل الأطفال". قال الناشط في مجال حقوق الإنسان أمير مخول للموقع البريطاني: "جزء كبير من ذلك يعود إلى حركة التضامن والحركات الشعبية والمظاهرات".
أدى العدوان العسكري الإسرائيلي المتواصل إلى استشهاد أكثر من 11 ألف فلسطيني، من بينهم أكثر من 4500 طفل، وتدمير معظم البنية التحتية المدنية في شمال غزة.
في الأسابيع التي تلت بداية الحرب ملأ ملايين من المتظاهرين شوارع العديد من العواصم العربية والغربية، للتعبير عن دعمهم لغزة، وإدانة إسرائيل، والمطالبة بوقف إطلاق النار.
ويتجلى الغضب من تصرفات إسرائيل أيضاً في جميع أنحاء المجتمع الدولي، حيث علقت العديد من الدول علاقاتها مع إسرائيل بينما تواصل حملتها في غزة.
في هذا الأسبوع علَّقت دولة بيليز، في أمريكا الوسطى، علاقاتها الدبلوماسية مع إسرائيل، لتنضم بذلك إلى بوليفيا وكولومبيا والعديد من دول أمريكا اللاتينية الأخرى التي استدعت سفراءها من البلاد.
وخارج أمريكا اللاتينية، أفادت التقارير بأن تركيا والأردن وتشاد والبحرين سحبت سفراءها. بالإضافة إلى ذلك، قال حزب المؤتمر الوطني الإفريقي الحاكم في جنوب إفريقيا يوم الخميس إنه سيدعم اقتراحاً بإغلاق السفارة الإسرائيلية في البلاد.
"العالم يقوم على القوة لا الأخلاق والقيم"
رغم أهمية هذه التحركات يقول مخول إن القوة التي تمتلكها هذه الدول محدودة. وأضاف: "لأن العالم يقوم على القوة، وليس على الأخلاق والقيم فإنهم لا يملكون أقوى نقطة قوة للتأثير، إنهم يعطون دفعة وحركة لحركة التضامن".
ومع ذلك، فإن الشقوق بين بعض أقوى مؤيدي إسرائيل بدأت تظهر. داخل الاتحاد الأوروبي برزت أيرلندا وإسبانيا وبلجيكا منتقداتٍ صريحات للقصف الإسرائيلي وغزو غزة، في حين أبقت على إدانتها للهجوم الذي وقع في 7 أكتوبر/تشرين الأول.
يتطلب الاتحاد الأوروبي موافقة بالإجماع من الدول الأعضاء فيه على قرارات السياسة الخارجية، ما يعني أن هذا الكسر البسيط يمكن أن يلعب دوراً أكبر في رؤية الكيان للصراع.
وقالت المحامية والمحللة الفلسطينية ديانا بوتو لموقع Middle East Eye البريطاني، رغم أن مثل هذه الانقسامات بين الاتحاد الأوروبي في أوقات الأزمات العالمية ليست غير مسبوقة فهي نادرة.
وأضافت: "السبب الذي يجعلنا نشهد انقساماً داخل الاتحاد الأوروبي هو أنني لا أعتقد أن بعض الدول يمكنها الدفاع عما لا يمكن الدفاع عنه".
وقال وزير الخارجية الإسرائيلي إيلي كوهين، اليوم الإثنين، إن الضغوط على إسرائيل من المتوقع أن تتزايد في الأسابيع المقبلة، مضيفاً أن وزارته تعمل على "توسيع نافذة الشرعية".
إحدى العلامات الرئيسية على أن هذه النافذة آخذة في الضيق بالفعل جاءت عندما قال ماكرون لشبكة BBC البريطانية إنه ينظر إلى وقف إطلاق النار في ضوء إيجابي، على النقيض من نظرائه البريطانيين والأمريكيين.
وبعد ردود فعل قوية من إسرائيل أكد في وقت لاحق دعمه لـ"حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها"، دون التراجع عن التعليقات التي أدلى بها لشبكة BBC.
انفصال بين الحكومات الغربية وشعوبها
وفي صفوف عامة الناس، كان الدعم لوقف إطلاق النار واسع النطاق باستمرار. في الآونة الأخيرة، قال 68% من الأمريكيين و76% من البريطانيين إنهم يؤيدون وقف إطلاق النار، وهي وجهة نظر تعززها مواقف الناخبين تجاه ممثليهم.
قال موظفون في الكونغرس الأمريكي إن هجوم الأشخاص الذين اتصلوا بممثليهم للمطالبة بوقف إطلاق النار فاجأ الديمقراطيين. وقال أحد المساعدين الديمقراطيين لموقع HuffPost إنهم "لم يروا قط" مثل هذا الانفصال بين الناخبين والكونغرس.
وفي المملكة المتحدة، ورغم الاحتجاجات والاضطرابات واسعة النطاق، فقد أُسقِطَ اقتراح يدعو إلى وقف إطلاق النار في غزة في مجلس العموم.
وفي كندا، في هذه الأثناء، حصلت عريضة إلكترونية برلمانية تطالب مسؤولي البلاد بالعمل على وقف إطلاق النار على أكثر من 250 ألف توقيع، وهو أكبر عدد من التوقيعات في تاريخ البلاد.
وقالت بوتو: "الشعب سيقود، والقادة سوف يتبعونه، ستكون هناك نقطة تحول، وسوف تحدث قريباً".
وحذرت المفوضية السامية لحقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة، يوم الخميس، من خطر الإبادة الجماعية في غزة إذا استمرت الحرب.
وقد رفعت المنظمات الفلسطينية ومنظمات حقوق الإنسان بالفعل دعوى قضائية ضد الرئيس الأمريكي جو بايدن، إلى جانب اثنين من أعضاء حكومته، بتهمة "الفشل في الوفاء بالتزام البلاد بمنع الإبادة الجماعية وتوفير الدعم العسكري والدبلوماسي غير المشروط".
ورغم رفضها وقف إطلاق النار لم تُعارض الولايات المتحدة "هدنة إنسانية" لإرسال المساعدات إلى غزة دون وقف الحملة الإسرائيلية بشكل دائم. وبما أن أهداف إسرائيل في غزة لا تزال غامضة، فقد يبدأ المزيد من الشك في هذه الحرب.
على سبيل المثال، إذا ثبت للغرب زيف ادعاء إسرائيل بأن حماس تستخدم المستشفيات كمقار ومخابئ، فإن هذا من شأنه أن يمثل تحدياً لمصداقية إسرائيل فضلاً عن الدعم الغربي غير المشروط المقدم لها، كما يقول الموقع البريطاني.
وتؤكد بوتو الشكوك التي أحاطت بإسرائيل بعد غارتها على مستشفى الشفاء، أكبر مستشفى في غزة. ومع ذلك فهي تتساءل عن الوقت الذي استغرقه الضغط لبدء مفعوله.
وأضافت: "إذا تطلب الأمر قصف مستشفى واجتياحه ورفع العلم الإسرائيلي فوقه حتى يستيقظ الدبلوماسيون، فهؤلاء هم الأشخاص الذين ظلوا نائمين لفترة طويلة جداً جداً".