في ديسمبر/كانون الأول من عام 2021، صرّح الجيش الإسرائيلي بأن الترقية عالية التقنية للجدار المُحيط بقطاع غزة منذ زمنٍ، ستحمي المستوطنين الإسرائيليين في الأماكن القريبة من تهديدات المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة.
إذ قال العميد عيران عوفير، الذي قاد المشروع، في تصريحاته الموجهة للمجتمعات الواقعة ضمن نطاق صواريخ حماس: "هناك اليوم جدار عائق فوق الأرض وتحتها بمعايير متقدمة، وسيمنع الدخول إلى إسرائيل بأفضل الطرق الممكنة". وقد تكلّف مشروع الترقية الأخير مليار دولار، بينما استغرق إتمامه 3 سنوات، فيما كلفت المراحل السابقة من البناء مليارات الدولارات، إلا أن كل ذلك انهار يوم 7 أكتوبر بشكل دراماتيكي.
كيف تداعى "الجدار الحديدي" الذي تبجّحت به إسرائيل؟
يظهر مقطع فيديو من صحيفة Washington Post الأمريكية، كيف استغلت حماس نقاط الضعف الناجمة عن اعتماد إسرائيل على التقنية في "الجدار الحديدي"، وكيف نجحت يوم السابع من أكتوبر/تشرين الأول في تنفيذ الهجوم المنفرد الأكثر رعباً في تاريخ دولة الاحتلال.
ويسرد الفيديو تفاصيل تحييد مقاتلي حماس للكاميرات بعيدة المدى، وأجهزة الاستشعار المتطورة، وأسلحة التحكم عن بُعد من أجل اختراق السياج عالي التقنية -في تكتيك معروف داخل الحركة باسم "خطة التعتيم".
وأعادت الصحيفة تصميم الهجوم بتحليل مئات مقاطع الفيديو والصور المنشورة على الإنترنت، بما فيها المشاهد المُصورة في 7 أكتوبر/تشرين الأول وأثناء إعداد مقاتلي حماس. كما راجعت مقاطع الفيديو والتسجيلات الصوتية من الكاميرات التي ارتداها المقاومون وبحثت الصحيفة عن اللقطات من كاميرات المراقبة الإسرائيلية، وتحدثت إلى شهود العيان. وفحصت الخرائط ووثائق التخطيط التي تم العثور عليها في حوزة الشهداء من مقاتلي حماس.
خطة التعتيم المُحكمة للقسام
وعثرت الصحيفة في بحثها على لقطات تُظهر 14 اختراقاً منفصلاً للحاجز. وحدد مراسلوها مواقع حدوث التوغلات عن طريق مقارنة تلك اللقطات بالخرائط، وصور الأقمار الصناعية، والبيانات الأخرى -وذلك بداية من معبر إيريز في الشمال، وصولاً إلى معبر كرم أبو سالم في الجنوب. بينما قالت إسرائيل إن الحاجز تعرض لنحو 30 اختراقاً إجمالاً.
انتشرت على الشبكات الاجتماعية قبل شهور مقاطع فيديو تدريبية كانت واضحةً للجميع، وظهر فيها المسلحون وهم يهاجمون مجسمات تشبه المستوطنات الإسرائيلية.
ووجدت الصحيفة كذلك أن حماس كانت تُوسّع مساحة معسكراتها التدريبية منذ عدة سنوات، وهو نشاط يظهر على نطاقٍ واسع في الخرائط المتاحة عبر الإنترنت. وقد حددت الصحيفة الموقع الجغرافي لتلك المعسكرات، بالاعتماد على التضاريس والسمات المميزة الأخرى التي تظهر في مقاطع الفيديو التدريبية.
وأظهرت مقاطع الفيديو المنشورة على الشبكات الاجتماعية بعد الهجوم، أن مقاتلي حماس كانوا يتدربون على التكتيكات المستخدمة في اختراق السياج منذ شهور.
فشل استخباراتي كبير
لكن المؤسسة الأمنية الإسرائيلية أخطأت في الحكم على نوايا حماس، بحسب المحللين. إذ اقتنع المسؤولون بأن الحركة لا تريد الحرب. لهذا وجّه الجيش الإسرائيلي الكثير من اهتمامه مؤخراً للتركيز على الاضطرابات في الضفة الغربية -ونقل بعض جنوده إلى هناك.
حيث قال تشارلز فريليش، النائب السابق لمستشار الأمن القومي في إسرائيل، خلال مقابلة مع الصحيفة: "لم نعتقد أن حماس لديها هذه القدرة، ولهذا لم نتوقع حدوث الأمر".
بينما رفض الجيش الإسرائيلي الرد على أسئلة الصحيفة المتعلقة بهذا الخبر، وقال إنه سيجيب عنها "بعد الحرب". كما رفض مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو التعليق، وهو يتعرض حالياً لضغوط من أجل الاستقالة بسبب هذا الفشل الأمني والاستخباراتي.
نظريات الأمن الإسرائيلية انهارت بالكامل
ضربت عملية "طوفان الأقصى" مرتكزات نظرية الأمن الإسرائيلية بالكامل؛ فلم تردع القوة الإسرائيلية كتائب القسام عن التفكير في شن هجوم واسع يشمل عشرات المستوطنات والمواقع الإسرائيلية، ولم تتمكن الاستخبارات الإسرائيلية من الحصول على أي معلومات مسبقة عن الهجوم، ونجح المقاتلون الفلسطينيون في السيطرة على مساحات واسعة من الأراضي المحتلة للمرة الأولى.
أيقظ هذا الانهيار مجدداً هواجس احتمال انهيار دولة الاحتلال في ظل صمود الفلسطينيين وصلابتهم رغم القمع والحصار، كما قوّض الشعور بالأمان والاستقرار الذي أتاح المزيد من عمليات الهجرة والاستيطان خلال العقود الأخيرة.
بغض النظر عن تداعيات الحملة الإسرائيلية الوحشية الحالية على غزة، فقد انهارت نظرية الأمن الإسرائيلية، وتهاوت نظريات "كي الوعي" و"جز العشب"، وأثبتت مقاربة "المعركة بين الحروب" فشلها في تقويض قدرات المقاومة، أو ردعها عن تنفيذ هجوم ضخم مثل الذي نفذته صبيحة 7 أكتوبر/تشرين الأول.
ولذا؛ تعكس تصريحات قادة الاحتلال على وقع الصدمة، وعلى وقع أزمة ثقة تهز الجيش وأجهزة الاستخبارات الإسرائيلية، بأن النموذج الأمني والاستراتيجي السابق انتهى، وهو ما يعني أنهم بصدد البحث عن فرض "نموذج جديد" وبناء نظرية أمن جديدة، ترمم جاذبية "إسرائيل" وسمعتها المنهارة كملاذ آمن لليهود من أنحاء العالم. لكنّ هذه مهمة لا تبدو بسيطة أو قريبة المنال، بغض النظر عن مآل الدمار الحاصل في قطاع غزة.