بينما تدخل الحرب البرية الإسرائيلية الوحشية على قطاع غزة أسبوعها الثاني، أصبحت التساؤلات العالقة التي لها منطقها أكثرَ إلحاحاً من أي وقت مضى داخل إسرائيل. هل يمكن تحقيق أهداف الحرب الكبيرة التي أعلنتها حكومة نتنياهو؟ وماذا سيحدث في اليوم التالي لوقف إطلاق النار؟
تشكيك في رواية الحكومة الإسرائيلية حول ما يجري بغزة
تقول صحيفة The Guardian البريطانية، إنه خلافاً للجولات السابقة من حروب غزة، فإن هناك تشكيكاً ونقاشاً محتدماً يدور في إسرائيل اليوم حول ما إذا كان الخطاب العلني للقادة السياسيين والعسكريين في إسرائيل -على رأسهم نتنياهو- يعكس الواقع على الأرض.
إذ تشكلت صورة الحرب البرية الإسرائيلية في غزة فقط من الإحاطات الرسمية، التي لم يكشف عن تفاصيلها عمداً؛ ومن نعي الجنود الإسرائيليين الذين لقوا حتفهم وأجزاء من مقاطع الفيديو التي نشرها الجيش الإسرائيلي؛ ومن صور أقمار صناعية لغزة المدمرة.
ومع تقدم المدرعات الإسرائيلية على الأرض قليلاً، واجهت القوات صعوبات قاسية: مداخل الأنفاق المخفية التي تحمي الفرق المضادة للدبابات، والطرق الملغومة، والأفخاخ المتفجرة، والطائرات المسيرة التي تلقي الذخائر، وغيرها الكثير من استعدادات المقاومة في غزة لهذه الحرب.
"حماس تعلمت وأعدت نفسها جيداً للحرب"
وفي حديث له الأسبوع الماضي، قال العميد إيدو مزراحي، رئيس المهندسين العسكريين الإسرائيليين، في إذاعة الجيش، إن القوات لا تزال في المرحلة الأولى من فتح طرق المرور إلى غزة.
وأضاف: "من المؤكد أن هذه الأرض مزروعة بحقول الألغام والأفخاخ المتفجرة أكثر مما كانت في الماضي. حماس تعلمت وأعدت نفسها جيداً".
وقد دفع ذلك القوات الإسرائيلية إلى تمهيد ممرات بجرافات مدرعة ضخمة من طراز كاتربيلر D9 في أنقاض المباني المدمرة! لتجاوز الطرق التي تخشى أن تكون ملغومة.
وقال القائد الإسرائيلي العميد إيتسيك كوهين: "نحن على أبواب مدينة غزة"، مضيفاً في وقت لاحقٍ أن مقاتلي حماس والجهاد الإسلامي كانوا يخرجون من الأنفاق لمهاجمة الدبابات من نقطة صفر ثم يختفون مرة أخرى في شبكة أنفاقهم مثل الأشباح.
وأبرز مثال على هذه التهديدات كان يوم الثلاثاء 31 أكتوبر/تشرين الأول، في أكبر خسارة في أرواح جنود الجيش الإسرائيلي خلال الغزو البري، حين دُمرت ناقلة جنود مدرعة من طراز نامر ظهيرة يوم الثلاثاء بصاروخ موجه مضاد للدبابات، مما أسفر عن مقتل تسعة جنود مع قائدهم. ولكن فضلاً عمن قُتلوا في هذا الهجوم، سقط عدد كبير من الجرحى أيضاً.
وأظهرت مقاطع فيديو مشوش عليها عمداً ونشرها الجيش الإسرائيلي الأسبوع الماضي عمليات إخلاء عسكرية جوية محمومة نفذتها الوحدة 669، وهي قوة بحث وإنقاذ نخبوية، نفذت حتى الآن 150 طلعة جوية على غزة لإجلاء نحو 300 جندي إسرائيلي مصابين، وأحياناً تحت إطلاق النار.
في غضون ذلك، نشرت كتائب القسام مقاطع فيديو صادمة لمهاجمة مقاتليها الدبابات والمدرعات الإسرائيلية الأكثر تقدماً في العالم من مسافة صفر، وتدميرها بواسطة قذائف محلية الصنع.
الإسرائيليون يسألون: إلى متى ستستمر هذه الحرب؟
كل ذلك يثير التساؤل: إلى متى؟ وهذا السؤال تكرره باستمرارٍ وسائل الإعلام الإسرائيلية، والمسؤولون في جلسات إحاطة خاصة، والمحللون والدبلوماسيون الأجانب.
فحتى الآن، ورغم النجاحات المزعومة التي يدعيها نتنياهو، لم تعمل إسرائيل بعد على تهيئة الظروف لتحقيق هدفها الأول والأكثر إلحاحاً: إطلاق سراح أو إنقاذ أكثر من 240 أسيراً تحتجزهم حماس، ووقف إطلاق الصواريخ من داخل غزة، الذي لا يزال مستمراً أيضاً دون أي ضعف أو توقف.
في حروب غزة الماضية، ورغم اغتيال قيادات كبيرة في حماس، كانت الحركة تخرج من تحت الأنقاض أقوى من قبل وتعمل مجدداً. ورغم الافتراض بأن تكون هذه الحرب مختلفة، يتساءل بعض الإسرائيليين: كيف تختلف هذه الحرب فعلياً عن سابقاتها؟
"الإطاحة بحماس هدف يحتاج لسنوات"
وقد أُثيرت هذه التساؤلات في بعض الأماكن غير المتوقعة. ففي صحيفة يديعوت أحرونوت الإسرائيلية المتشددة في العادة، لخص المحلل نداف إيال، الأسبوع الماضي، التصور بأن حكومة نتنياهو، رغم تصريحاتها العلنية، ربما تتجه نحو الموقف المعتاد الذي اتبعته في جميع حروب غزة السابقة هجوم على حماس لا يكتمل بطريقة ما.
وكتب إيال: "الحكومة تتحدث بصوتين. بأحدهما تعهدت بهزيمة حماس وتدمير قدراتها العسكرية تدميراً كاملاً، وبأن حماس لن تسيطر على قطاع غزة بعد الآن. لكن وراء الأبواب المغلقة، كانت محادثات المسؤولين الحكوميين أكثر غموضاً. وفي هذه المحادثات، أصبحت إطاحة حماس هدفاً مجرداً، وهذا الهدف سيستغرق تحقيقه سنوات. فسيجري إنشاء منطقة أمنية، وإتمامها بـ(اغتيالات) و(مداهمات) و(هجوم سيستمر لسنوات)".
وأعربت صحيفة جيروزاليم بوست المحافظة عن تشكيكات في مدى التقدم الذي أحرز فعلياً، وما إذا كانت إسرائيل "ستتحرك بسرعة ومهارة كافيتين لإنهاء تهديد حماس بعد أكثر من 15 عاماً من طرح هذا التساؤل الذي لا يجد جواباً".
وكان الأكثر تشاؤماً تقييم ناثان براون في مقال كتبه لصالح مؤسسة كارنيغي الدولية للسلام، وفيه لم يتناول فقط ما قد يحدث في "اليوم التالي"ـ إذا تمكنت إسرائيل من هزيمة حماس فعلياًـ بل أيضاً ما إذا كان هذا النصر التقليدي ممكناً.
يتساءل براون: "ماذا يعني النصر؟ ومهما كانت أهداف إسرائيل، ما الذي ستحققه فعلياً؟ كيف سيعرف أي شخص أن الحرب انتهت؟ هذه التساؤلات توضح لماذا من الخطأ افتراض وجود (يوم تالٍ) كما لو كانت هذه حرباً تقليدية ستفسح المجال بشكل واضح ونظيف لترتيبات ما بعد الحرب المتفق عليها أو المفروضة".
وهي نتيجة، قد تتشكل على أي حال -مثلما حدث في جولات القتال السابقة- بفعل عوامل خارجة عن سيطرة إسرائيل، وليس أقلها مشاعر الرعب المألوفة إزاء الخسائر البشرية بين المدنيين الفلسطينيين نتيجة القصف الإسرائيلي الهمجي لغزة، الذي أدى في الماضي إلى ضغوط أمريكية ودولية لأجل هدنة إنسانية ومن ثم وقف القتال. وهذا يتكرر الآن بعد أن بدأ البيت الأبيض ضغوطاً لأجل هدنة.
وحتى تأتي هذه الهدنة هناك شيء وحيد واضح: أن الموت سيستمر، الفلسطينيون في الضربات الإسرائيلية، والجنود الإسرائيليون وهم يحاولون التقدم على أرض غزة، بينما يتساءل العالم عمّا سيأتي بعد ذلك.