قرية فلسطينية كاملة سيرحل سكانها من بيوتهم بسبب اعتداءات المستوطنين وسلطات الاحتلال الإسرائيلية، وهي الاعتداءات التي أدّت إلى تهجير قسري لنحو 858 فلسطينياً من 32 مجتمعاً مختلفاً خلال 3 أسابيع، بينهم 13 مجتمعاً تعرض للتهجير القسري بالكامل. وتتزايد تلك الأعداد يوماً بعد يوم، فيما يراه البعض نكبة جديدة تحدث في الضفة الغربية.
ولم تكن الحياة سهلةً على الإطلاق في خربة زنوتة، القرية الفلسطينية الواقعة على حافة جبلية كثيرة الرياح في جبل الخليل المقفر، الذي يقع في عمق الضفة الغربية المحتلة. ويتألف مجتمع زنوتة في الأغلب من رعاة يربون الماعز والأغنام تحت شمس الصيف الحارقة وخلال الشتاء قارس البرودة في المنطقة القاحلة.
وقد رفض أبناء القرية بكل إصرار مغادرة منازلهم رغم تزايد الصعوبات التي يتعرضون لها على يد جنود الجيش الإسرائيلي من ناحية، وعلى يد المستوطنين الإسرائيليين المتطرفين من ناحيةٍ أخرى، حسب ما ورد في تقرير لصحيفة The Guardian البريطانية.
قرية بأكملها ترحّل بسبب عنف واعتداءات المستوطنين
ولكن بعد أسابيع من عنف واعتداءات المستوطنين المكثف في أعقاب هجوم حماس على إسرائيل، يوم السابع من أكتوبر/تشرين الأول، اتخذ سكان زنوتة البالغ عددهم 150 شخصاً قراراً جماعياً بالرحيل.
وجاء القرار بعد أن مستوطنون مسلحون -يرتدي بعضهم زي الجيش الاحتياطي بينما يخفي البعض الآخر وجوههم- في اقتحام المنازل خلال المساء، والاعتداء على البالغين، وتدمير وسرقة الممتلكات، وتخويف الأطفال.
وبعد عقودٍ من الكفاح اليائس من أجل التمسك بأرضهم، رأى مجتمع القرية أنهم قد خسروا المعركة، حسبما ورد في تقرير الصحيفة البريطانية.
سيرحلون إلى مكان لا يعرفون فيه أحداً
وفي يوم الإثنين، 30 أكتوبر/تشرين الأول، بكى الرجال والنساء أثناء تفكيكهم لمنازلهم وحزمهم بشكلٍ عشوائي لألواح الطاقة الشمسية، وأعلاف المواشي، ومقتنياتهم الشخصية في الشاحنات الصغيرة.
وقال عيسى أحمد بغداد، البالغ من العمر 71 عاماً: "هذه نكبة جديدة. ستذهب عائلتي إلى قرية رافات. لكننا لا نعرف أحداً هناك. ولا نعرف ما سنخبر به الأطفال".
شنت إسرائيل حملةً لتدمير حماس في قطاع غزة، تاركةً المدنيين العالقين عاجزين عن المغادرة، بينما تُجبر المدنيين على مغادرة منازلهم في قرى الضفة الغربية.
الاحتلال يحطم ألواح الطاقة وصهاريج المياه، والمستوطنون يستولون على أراضيهم
تقع مسافر يطا، وهي مجموعة من قرى الرعاة التي تشمل زنوتة، داخل المنطقة ج. يُذكر أن المنطقة ج هي منطقة منخفضة الكثافة السكانية تغطي 60% من مساحة الضفة الغربية، وتقع بالكامل تحت السيطرة الإسرائيلية وتحت تهديد الضم.
وتتعرض صهاريج الماء، وألواح الطاقة الشمسية، والطرق، والبنايات الفلسطينية في هذه المنطقة للهدم باستمرار لعدم وجود تصاريح بناء. لكن الحصول على تصاريح بناء في هذه المنطقة هو أمر شبه مستحيل، بينما تزدهر من حولهم المستوطنات الإسرائيلية غير القانونية.
وسيطر المستوطنون من رعاة الأغنام على 10% من أراضي المنطقة ج فعلياً في غضون 5 سنوات تقريباً، بحسب بحث أجرته منظمة Kerem Navot النشطة في مراقبة المستوطنين. لكن المستوطنين ضموا في العام الماضي وحده نحو 110 كيلومترات مربعة إلى مساحة البؤر الاستيطانية الرعوية.
وعند المقارنة، سنجد أن كامل المناطق الاستيطانية الإسرائيلية المبنية منذ بدء الاحتلال عام 1967 تغطي نحو 80 كيلومتراً مربعاً فقط.
أصابوا بناتي بالرعب
وقال أمين حامد الحضرات (41 عاماً) وهو يبكي: "لقد مررنا بأوقات عصيبة في القرية منذ أنشأ المستوطنون مزرعة ميتاريم على الجانب المقابل من الوادي قبل ثلاث سنوات. أصبح الخروج بالأغنام أكثر صعوبة. بينما يُدمر شباب المستوطنين أشياء مثل المحاصيل، أو يسرقون الأغنام، أو يتصلون بجيش الاحتلال حتى يأتي للتحرش بنا. لكنهم بدأوا الآن في اقتحام منازلنا. وقد أصابوا بناتي بالرعب".
ثم أردف: "فكرت في أننا قد نضطر للمغادرة من قبل، لكنني لم أتوقع أن يحدث الأمر بهذا الشكل. لا أصدق أنني سأترك منزلي بحلول الغد. سنُخيِّم على أطراف خربة الدير. لكنني لا أعرف ما سيحدث لاحقاً، أو نوع الوظيفة التي سأعمل فيها، أو ما سنفعله في الأغنام. لقد كانت حياتي كلها في زنوتة".
وأضاف قائلاً: "إن مجتمعنا يتفكك. لا أعلم متى سأرى جيراني مجدداً لندردش معاً، ونتبادل القصص، ونشرب القهوة".
محكمة إسرائيلية حكمت بنزع الأرض، والاحتلال أصبح يطلق النار على المعترضين
بعد سنواتٍ من المعارك القانونية، حكمت المحكمة العليا الإسرائيلية لصالح الجيش الإسرائيلي في مايو/أيار الماضي. وينص الحكم على بقاء نحو 7,410 أفدنة من مساحة مسافر يطا كمنطقة تدريب عسكرية، أو ما يُعرف باسم منطقة إطلاق النار 918، وهو حكم غير قانوني بموجب القانون الدولي، ويُعد واحداً من أكبر قرارات الطرد المنفردة منذ بدء الاحتلال.
وقد زاد الجيش والمستوطنون الإسرائيليون وتيرة ضغطهم منذ صدور الحكم، في محاولةٍ لإجبار المجتمع الفلسطيني داخل منطقة إطلاق النار -وغيرهم ممن يعيشون في عشرات القرى المجاورة- على الرحيل.
زادت معدلات هدم المنازل، والطرقات، والبنى التحتية الفلسطينية منذ صدور حكم المحكمة. بينما يقول الرعاة إن جيش الاحتلال يطلب منهم بانتظام مغادرة أراضي الرعي بعد استيلاء المستوطنين عليها، أو يعكف المستوطنون أنفسهم على مطاردتهم خارجها. ويمنع الجيش الإسرائيلي وصول طلبيات الماء وأعلاف الحيوانات، وكذلك زيارات الجمعيات الخيرية ونشطاء اليسار الإسرائيلي الذين كانوا يساعدون في ردع عنف المستوطنين. وقد بدأ المستوطنون في ضرب النشطاء والفلسطينيين وإطلاق النيران الحية عليهم منذ هجوم الـ7 من أكتوبر/تشرين الأول.
وأدى ظهور نقاط تفتيش جديدة إلى عزل قرى مثل جنبا عن العالم بالكامل، ما يُصعب على السكان فكرة الرحيل. كما يجري احتجاز الفلسطينيين واستجوابهم بواسطة الجنود لساعات متواصلة في بعض الأحيان. وجرت كذلك مصادرة العشرات من السيارات غير المرخصة، ما يُجبر السكان على استخدام الحمير بدلاً منها.
مخاوف من إخلاء قرى بأكملها
وفي ظل حملة المضايقات المنهكة تلك، اتخذت بعض العائلات قرار الرحيل الصعب بالفعل، واتجه غالبيتهم إلى مدينة يطا القريبة.
وهناك مخاوف الآن من ظهور تأثير الدومينو في المنطقة بعد اتخاذ قرى كاملة مثل زنوتة لقرار الرحيل، بحسب تصريح الباحث الميداني من قرية سوسية ناصر نوادجا لمنظمة بتسيلم الحقوقية. وقد تعرض ناصر للضرب والاعتقال عدة مراتٍ أثناء عمله.
حيث قال نوادجا: "صار عنف المستوطنين اليوم أسوأ من أي وقتٍ مضى. ويرتدون في بعض الأحيان زي الاحتياطي، لهذا لم نعد نعرف الفرق بين الجيش وبين المستوطنين بعد الآن".
قرية طوبا تلقت مهلة للرحيل خلال 24 ساعة أو ستُقتل
وأردف: "تلقى سكان قرية طوبا مهلة نهائية للرحيل في غضون 24 ساعة حتى لا يعود المستوطنون ويقتلوهم على حد قولهم. حدث ذلك في يوم السبت 28 أكتوبر/تشرين الأول. ولا نعلم ما سيحدث لاحقاً".
وتقول منظمة بتسليم إن الأسابيع الثلاثة الماضية شهدت تهجيراً قسرياً لـ858 فلسطينياً من 32 مجتمعاً مختلفاً، بينهم 13 مجتمعاً تعرض للتهجير القسري بالكامل. وتتزايد تلك الأعداد يوماً بعد يوم.
وقد أصدر المجتمع الدولي والولايات المتحدة بيانات قوية تطالب الحكومة الإسرائيلية بضرورة "اتخاذ التدابير اللازمة لحماية الفلسطينيين من هجمات المستوطنين الإسرائيليين المتطرفين".
ومع ذلك، يقول النشطاء الفلسطينيون والإسرائيليون إنهم ليست لديهم ثقة كبيرة في السلطات الإسرائيلية. حيث أفادت بيانات الأمم المتحدة في سبتمبر/أيلول بأن نسبة متابعة الشرطة للشكاوى من عنف المستوطنين لم تتجاوز الـ6%، وذلك داخل أربعة من أصل خمسة مجتمعات فلسطينية.