مع استمرار الحرب على غزة بضوء أخضر ودعم أمريكي كبير، ينشأ صراع سياسي كبير في الولايات المتحدة الأمريكية حول هذه الحرب وتبنيها من البيت الأبيض، في ساحات عديدة وغير تقليدية، مثل حرم الجامعات، ومجالس إدارة الشركات، وشركات العلاقات العامة، وتجمعات نواب الكونغرس في مطاعم منطقة "كابيتول هيل" أو في الكونغرس. حيث يهب أفواج من رجال الأعمال وجماعات الضغط على واشنطن لإنقاذ إسرائيل وتحسين صورتها، في ظل دعم شعبي جارف في الشوارع، داعم للقضية الفلسطينية، كما يقول تقرير لمجلة بوليتيكو الأمريكية.
أفواج من جماعات الضغط الأمريكية تتوافد على واشنطن لتأييد إسرائيل
في أحد أيام الأسبوع الماضي، جلس بول غوسار، النائب الجمهوري المتشدد بالكونغرس الأمريكي والمتهم بأن له بأنصار القومية البيضاء، وبوبي ريشنيتز، المطور العقاري "المقرب" من رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، معاً في "نادي الكابيتول هيل" القريب من الكونغرس، لتدبير الخطط لمساعدة إسرائيل.
قال ريشنيتز لشريكه إنه جاء إلى واشنطن لتبادل المعلومات الاستخبارية مباشرة بين إسرائيل ونواب الكونغرس الأمريكي؛ والتيقُّن من أن النواب يدركون التحديات التي تواجهها القيادة الإسرائيلية؛ والربط بين المشرعين الأمريكيين وأعضاء الكنيست الإسرائيلي. وأشار إلى أنه يستخدم جهاز آيباد ليعرض على شاشته الكبيرة صوراً مما حدث يوم 7 أكتوبر في غلاف غزة، كما تقول مجلة Politico الأمريكية.
وقال غوسار إنه وريشنيتز يتعاونان في هذا العمل، وقد تعاهدا على حشد التأييد لتمويل لإسرائيل. ومع ذلك، فإن ريشنيتز لا ينتمي إلى إحدى جماعات الضغط أو اللوبيات المصرح لها من الحكومة الأمريكية، ولم تكلفه الحكومة الإسرائيلية بالذهاب إلى واشنطن. وأقر غوسار بأن الأمر "لا يستند إلى تمثيل حكومي رسمي". وقال إنه يسعى لمكافحة المشاعر السلبية المتصاعدة عن إسرائيل حتى لا تترسخ. وهو يقدم نفسه على أنه سفير غير رسمي لها، حسب تعبيره.
وبحسب مجلة بوليتكو الأمريكية، ينتمي هذان الشخصان إلى طائفة من المانحين والناشطين والحلفاء الذين هبُّوا خلال الأسبوعين الماضيين لمساعدة إسرائيل وتحسين صورتها، واستغلوا نفوذهم السياسي وعلاقاتهم مع نواب الكونغرس الأمريكي وشبكات جمع التبرعات لأداء هذه المهمة. وغايتهم من هذه المساعي هي التأثير في كيفية تفاعل المسؤولين المنتخبين في الولايات المتحدة مع الأزمة، وصياغة تعاملهم معها على نحو يخدم المصالح الإسرائيلية.
تمويل إسرائيل وقيادة حملات الدفاع عنها في كل مكانها
ومن بين المسارعين لحشد التأييد بإسرائيل، رونالد لودر، الملياردير ورجل الأعمال الأمريكي ووريث إمبراطورية شركات "إستي لودر" لمستحضرات التجميل، وهو كذلك رئيس اتحاد "المؤتمر اليهودي العالمي"، الذي يجمع المنظمات اليهودية المؤيدة للحركات الصهيونية في 115 دولة من جميع أنحاء العالم.
على مدار الأشهر الماضية، كان لودر مشغولاً باستقبال مرشحي الحزب الجمهوري، الذين يتوددون إليه لاكتساب تأييده في حملاتهم للفوز ببطاقة الترشح عن الحزب في الانتخابات الرئاسية الأمريكية. لكن منذ هجوم 7 أكتوبر/تشرين الأول، انصرف لودر عن الانتخابات التمهيدية للحزب الجمهوري، وانكب على الصراع بين إسرائيل والفلسطينيين. وهدد لودر مؤخراً بوقف تبرعاته لجامعة بنسلفانيا بزعم تساهلها مع معاداة السامية، وإقامة فعالية عن الأدب الفلسطيني. وأجرى بنفسه مكالمات هاتفية مع نواب من الحزبين الديمقراطي والجمهوري، وزعماء عالميين لحشد تأييدهم في دعم الجهود الأمنية الإسرائيلية.
وقال متحدث باسم لودر: "تواصل السيد لودر مراراً مع زعماء أجانب من جميع أنحاء أوروبا والشرق الأوسط لبناء الدعم للجهود الأمنية الإسرائيلية والأمريكية".
وقد آتت جهود التأثير التي بذلها لودر أُكلها في الدفع إلى خطوات أكثر رسمية لجعل الكونغرس يقف إلى جانب إسرائيل. وتعاونت "لجنة الشؤون العامة الأمريكية الإسرائيلية" (أيباك)، ولجنة منظمات العمل السياسي الحليفة لها، في الضغط على نواب الكونغرس من أجل تقديم حزمة تمويل لإسرائيل قبل أن تعلن إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن عن هذا الطلب.
وكشفت تقارير الإفصاح عن جماعات الضغط الأمريكية أن "أيباك" أنفقت أكثر من 2.2 مليون دولار هذا العام، ومنثورات أخرى، على حشد الدعم الأمريكي لتقديم المساعدة الأمنية لإسرائيل. ومن مشروعات القوانين التي اهتمت بها المنظمة مشروع قانون "حظر التمويل الدولي لحماس"، وهو إجراء من شأنه فرض عقوبات على الجهات المرتبطة بحركتي "حماس" و"الجهاد الإسلامي" الفلسطينيتين. وقد أقرته لجنة الشؤون الخارجية بمجلس النواب يوم الخميس 19 أكتوبر/تشرين الأول.
"التطوع" للدفاع عن إسرائيل
ولا تقتصر جماعات الضغط الممثلة للحكومة الإسرائيلية على هذه المنظمات، فقائمة الشركات المسجلة لدى وزارة العدل الأمريكية تشمل مجموعة من أبرز مكاتب المحاماة في البلاد، مثل "سيدلي أوستن"، و"أرنولد آند بورتر"، و"هولاند آند نايت".
وتعمل بعض جماعات الضغط المؤيدة لإسرائيل عملاً مرتجلاً، ومن دون تعاقد مع الحكومة الإسرائيلية. وقال جيف ميلر، مستشار رئيس مجلس النواب الأمريكي السابق كيفن مكارثي، إن يضغط على صناع السياسة في واشنطن لمصلحة إسرائيل، ولم تتأثر جهوده بالانقسام الذي يشهده الحزب الجمهوري، والنزاع الدائر على اختيار رئيس جديد لكتلة الحزب بمجلس النواب.
واقع الأمر أن احتشاد المشرعين خلف إسرائيل لا يتطلب دفعة كبيرة. فقد أعرب النواب من كلا الحزبين، الديمقراطي والجمهوري، عن دعمهم لإسرائيل في أعقاب هجمات المقاومة الفلسطينية. وأثنى الجمهوريون على بايدن الديمقراطي في دعمه لإسرائيل، وعلى رحلته إلى هناك في غمار الحرب.
ولكن تمرير المساعدات في الكونغرس قد تعترضه بعض العوائق. فقد طلب بايدن من الكونغرس حزمة بقيمة 106 مليارات دولار تشمل أموالاً للحرب في أوكرانيا، وتأمين الحدود الجنوبية لأميركا، وأموالاً للأسلحة الإسرائيلية وللإغاثة الإنسانية في غزة. إلا أن النواب الجمهوريين المحافظين أعربوا عن اعتراضهم على تقديم المزيد من المساعدات لأوكرانيا. ويدور خلاف أيضاً بشأن قدرة مجلس النواب على إصدار مشروع المساعدات في غياب رئيس للمجلس.
لكن المدافعين عن إسرائيل لا يتركون شيئاً للصدفة، وهكذا فإن مجموعة "الأغلبية الديمقراطية من أجل إسرائيل"، وهي مجموعة مناصرة نشأت في عام 2019 لتعزيز صفوف الحزب المؤيدة لإسرائيل، عقدت جلسات إحاطة لنواب الكونجرس، منها جلسة أقيمت يوم الخميس 19 أكتوبر/تشرين الأول، وشارك فيها رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق نفتالي بينيت والنائب الديمقراطي بريندان بويل.
تعبئة التأييد لإسرائيل داخل الكونغرس
وفي غضون ذلك، بدأت منظمة "المستقبل للأزرق والأبيض" -وهي منظمة إسرائيلية غير ربحية شاركت في الاحتجاج على مشروع الإصلاح القضائي المثير للجدل الذي يؤيده نتنياهو- تتأهب من أجل تعبئة التأييد لإسرائيل في أعقاب حرب السابع من أكتوبر/تشرين الأول. وقد موَّلت المنظمة إعلانات تحشد الدعم للموقف الإسرائيلي.
في المقابل، فإن هذا الإجماع على تأييد إسرائيل تخترقه خلافات كثيرة خارج واشنطن، إذ تتفاوت المواقف من الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، وتتباين الآراء بين مؤيد لإسرائيل ومناصرٍ للنضال في مواجهتها. وظهر ذلك في حرم الكثير من الجامعات الأمريكية، فقد حث الطلاب عمداء كلياتهم على إدانة إسرائيل، ونظموا احتجاجات ضخمة مؤيدة لتحرير فلسطين. وردَّت شركات محاماة مؤيدة لإسرائيل بإلغاء عروض العمل المقدمة لطلاب جامعات النخبة الذين نددوا بإسرائيل.
ودعا بعض نواب الكونغرس إلى وقف إطلاق النار وإنهاء "الفصل العنصري"، ومنهم النائبة رشيدة طليب، التي قالت لبايدن علناً إن الأمريكيين الفلسطينيين والمسلمين "لن ينسوا موقفه" في هذا الصراع. وانتقدت قيادات مسلمة وعربية الإدارة الأمريكية لتقاعسها عن حماية جالياتهم في أعقاب الحرب، وهو ما أسفر عن مقتل طفل أمريكي من أصل فلسطيني يبلغ من العمر 6 سنوات. واستقال مسؤول بوزارة الخارجية من منصبه بسبب ما وصفه بسوء تعامل الإدارة مع الصراع.