لماذا أمريكا متواطئة في استخدام إسرائيل للفسفور الأبيض ضد المدنيين في غزة؟

عربي بوست
تم النشر: 2023/10/24 الساعة 08:39 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2023/10/24 الساعة 08:40 بتوقيت غرينتش
القصف بالفسفور الأبيض على غزة في حرب أكتوبر 2023/ Getty

اتُّهم الجيش الإسرائيلي بارتكاب جرائم حرب مختلفة ومتنوعة خلال قصفه المستمر لقطاع غزة، الذي يبلغ عدد سكانه 2.3 مليون نسمة. وعلى الرغم من بث هذه الجرائم على الشاشات، تتنكر إسرائيل لهذه الاتهامات بحماية أمريكية، وتؤكد واشنطن الداعمة القوية لها على ضرورة "التزام إسرائيل بقواعد الحرب". 

ومن بين الاتهامات الموجهة لإسرائيل استخدامها الفسفور الأبيض المحرم دولياً مع السكان المدنيين في غزة، وهو ما يشكل انتهاكاً صارخاً للقانون الدولي. وأصدرت هيومن رايتس ووتش ومنظمة العفو الدولية تقارير حول هذا الموضوع. لكن لماذا تعتبر أمريكا متواطئة في استخدام إسرائيل للفسفور الأبيض في غزة؟

أدلة دامغة على استخدام إسرائيل للفسفور الأبيض في غزة

في 12 أكتوبر/تشرين الأول 2023، أصدرت منظمة هيومن رايتس ووتش تقريراً قالت فيه إنها تأكدت من صحة مقاطع تُظهر استخدام إسرائيل لقذائف الفسفور الأبيض في ميناء مدينة غزة، وكذلك المناطق الريفية في جنوب لبنان.

وفي مقاطع الفيديو التي راجعتها المنظمة الحقوقية، حددت هيومن رايتس ووتش الذخائر المستخدمة في ميناء غزة على أنها قذائف مدفعية فسفورية عيار 155 ملم. وأنكرت إسرائيل صحة ما جاء في هذا التقرير.

واليوم التالي، أصدرت منظمة العفو الدولية تقريرها، الذي قالت فيه إن لديها "أدلة دامغة توثق استخدام الجيش الإسرائيلي لقذائف الفسفور الأبيض المدفعية في المناطق المدنية المكتظة بالسكان في غزة". وأضاف التقرير أن الكثير من هذه الاستخدامات يمكن اعتبارها أعمالاً عشوائية غير قانونية.

ووثّق التقرير أيضاً نشر الجيش الإسرائيلي لقذائف مدفعية تحتوي على الفوسفور الأبيض في بلدة سديروت الإسرائيلية، القريبة من الحدود مع غزة. وفي صورة حللتها منظمة العفو الدولية، وجدت أن القذائف تحمل العلامة D528، وهو الرمز التعريفي الذي يستخدمه الجيش الأمريكي لتحديد القذائف التي تحوي الفسفور الأبيض.

هل أمريكا متواطئة في استخدام إسرائيل للفسفور الأبيض في غزة؟

وبالتالي، فإن الولايات المتحدة زوّدت الجيش الإسرائيلي بقذائف الفسفور الأبيض، التي استخدمها بعد ذلك في منطقة مكتظة بالسكان، في انتهاك للقانون الدولي. لكن يقول خبراء لموقع Middle East Eye البريطاني إن الدليل الذي يربط بين كل ذلك لم يتوفر بعد.

وقال بريان كاستنر، خبير الأسلحة والمحقق في منظمة العفو الدولية، لموقع Middle East Eye: "حقيقة وجود رمز Dodic أمريكي- أي رمز تعريف وزارة الدفاع الأمريكية- دليل على ما بداخله، وليس على أن الولايات المتحدة صنعت هذه القذيفة بعينها".

وهناك تشابكات كثيرة بين الجيش الأمريكي وحلف شمال الأطلسي والجيش الإسرائيلي، لذلك تستخدم شركات الأسلحة الإسرائيلية أحياناً التسميات والرموز الأمريكية لأنها أسهل من إنشاء رموز تخصها.

ومعرفة ما إن كانت القذائف المعنية مصنوعة في الولايات المتحدة قطعاً تقتضي الاطلاع على رقم المخزون الوطني (NSN)، الذي يشتمل على رقمين يرمزان إلى بلد المنشأ. والرمزان الأمريكيان هما 00 و01.

وقال كاستنر إن أرقام المخزون الوطني تلك تُستخدم في كل شيء في الجيش، من أغطية الإطارات إلى الشاحنات التي يبلغ وزنها طنين. وقال: "من الضروري رؤية رقم المخزون الوطني محفوراً في معدن القذيفة نفسها. وهذا الرمز سيخبرنا بشيء ما".

على أنه ليس سراً أن لدى إسرائيل قذائف فسفور أبيض أمريكية الصنع. وقال كاستنر: "الولايات المتحدة تمد إسرائيل بالكثير من الأسلحة، ومن شبه المؤكد أنها أمدتها بقذائف M825 وM825A1 تحديداً، في الماضي".

ما هو الفوسفور الأبيض؟

الفسفور الأبيض عبارة عن مادة كيميائية تستخدمها الجيوش في قذائف المدفعية والقنابل والصواريخ، واكتشف منذ أكثر من 300 عام. وهو يشتعل بسرعة عند تلامسه مع الأوكسجين، وحين يُستخدم كسلاح، يسبب معاناة إنسانية كبيرة ودماراً هائلاً، خصوصاً عند استخدامه في مناطق مكتظة بالسكان مثل غزة. 

وتستخدم الجيوش الفسفور الأبيض لصنع ستائر من الدخان والتشويش على أنظمة التعقب الخاصة بالعدو. ورغم أن القانون الدولي لا يحظر استخدام الفسفور الأبيض، فاستخدامه في المناطق المكتظة بالسكان محظور. وملامسة هذه المادة قد تسبب حروقاً شديدة وقصوراً في الأعضاء، ويمكن أن تشتعل الجروح مرة أخرى حتى بعد علاجها.

المسؤولية الأخلاقية مقابل المسؤولية القانونية

استخدام الفسفور الأبيض في الحرب محظور في المناطق المكتظة بالسكان بموجب القانون الدولي. وعدم التمييز بين المدنيين والأهداف العسكرية في الهجمات يعد انتهاكاً لقانون الحرب يرقى إلى جريمة حرب. 

ورغم أن الولايات المتحدة قد تواجه مسؤولية أخلاقية إذا ثبت تزويدها إسرائيل بالفسفور الأبيض، فإثبات مسؤوليتها القانونية لن يكون سهلاً بسبب الضبابية المحيطة بتوقيت استخدامه ومعرفتها باستخدامه. فلا يمكن تحديد ما إن كانت قذائف أمريكية الصنع قد استُخدمت في غزة دون دخول المنطقة. 

هذا، وتجري المحكمة الجنائية الدولية تحقيقاً في "الوضع في دولة فلسطين" وجرائم الحرب المرتكبة فيها منذ عام 2014، ويقول المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية إن تحقيقها سيمتد إلى الحرب الحالية، ويُنظر إلى الولايات المتحدة على أنها تدعم ما تفعله إسرائيل في غزة.

إسرائيل لديها بدائل لكنها تصرّ على الفسفور الأبيض

أشار خبراء غربيون إلى أنه رغم صعوبة إثبات اتهامات انتهاك القانون الدولي، سواء على إسرائيل أو الولايات المتحدة، فلم يكن يفترض بإسرائيل أن تستخدم الفسفور الأبيض من الأصل. وقبل قرابة 10 سنوات، زعمت إسرائيل أنها ستتوقف عن استخدام هذه المادة.

وقال جون تشابيل، الباحث في مركز المدنيين في الصراع (Civic): "بعد انتقادات من هيومن رايتس ووتش ومنظمة العفو الدولية وجماعات حقوق الإنسان الإسرائيلية والفلسطينية خلال حرب 2008-2009 في غزة، قالت الحكومة الإسرائيلية إنها ستتوقف تدريجياً عن استخدام ذخائر الفسفور الأبيض عام 2013، ومن الواضح أنها لم تفعل". 

وتمتلك إسرائيل الكثير من الأسلحة الأخرى التي يمكن استخدامها لصنع ستائر من الدخان، والتي تؤدي نفس الغرض المعلن للفسفور الأبيض، ولكنها أقل ضرراً. وأحد هذه العناصر سداسي كلورو الإيثان (HC)، الذي يستخدم في الكثير من قنابل الدخان في جيوش العالم.

وقال كاستنر: "إسرائيل تمتلك قذائف أخرى عبارة عن قذائف دخان تؤدي المهمة نفسها. وهي قذائف M150، التي تعتمد على سداسي كلورو الإيثان، بدلاً من الفسفور الأبيض. وهي أقل ضرراً على المدنيين في المنطقة. لديهم أشياء أخرى، لكنهم لا يستخدمونها"، حسب تعبيره.

تحميل المزيد