بعد مرور أسبوع على إطلاق حركة حماس معركة "طوفان الأقصى"، يبدو أنَّ إسرائيل ما زالت مرتبكة في إصدار الأمر بغزو بري شامل على قطاع غزة، حيث يتعين على إسرائيل أن تأخذ في الاعتبار أنها ربما تكون في طريقها إلى الوقوع في فخ غزة كما تقول صحيفة The New York Times الأمريكية؛ للأسباب التالية.
هل تسير إسرائيل بقدميها نحو الوقوع في فخ غزة؟
تعلم حماس أنَّ الهجوم الذي وقع يوم السبت، 7 أكتوبر/تشرين الأول، سيُقابَل بردٍّ إسرائيلي عنيف، لكنها تعلم أيضاً أنَّ التكنولوجيا والتفوق العسكري الذي تتمتع به القوات الإسرائيلية لن يقدما سوى القليل من المزايا في الشوارع المزدحمة في مدينة غزة، وفي جباليا، أكبر مخيم للاجئين في غزة، أو من خلال متاهة الأنفاق التابعة لحماس.
وقطاع غزة، الذي تبلغ مساحته 140 ميلاً مربعاً (362.5 كيلومتر مربع)، ويبلغ عدد سكانه أكثر من مليوني نسمة، هو واحد من أكثر الأماكن كثافة سكانية على وجه الأرض.
وتقول صحيفة نيويورك تايمز، يبدو أنَّ حماس تريد استدراج الجنود الإسرائيليين إلى مستنقع، كما فعل حزب الله في جنوب لبنان أثناء الفترة من عام 1985 إلى عام 2000. وبعد سنوات من القتال، عانت إسرائيل من انسحاب مهين وفوضوي، الأمر الذي أدى إلى بروز حزب الله قوياً ومُهدِّداً على حدودها الشمالية.
لماذا قد ترغب حماس في جرّ الجيش الإسرائيلي إلى معركة برية دامية؟
تملك حماس سلطة بلا منافس في غزة، ولا تستطيع السلطة الفلسطينية تحدي حماس هناك، بل إنها لم تزدد إلا قوة بعد الحروب المتتالية مع إسرائيل، التي صقلتها بشكل كبير، رغم الحصار الإسرائيلي المستمر منذ نحو 16 عاماً والمراقبة على مدار الساعة.
يبدو أنَّ حماس تمكنت بثبات من بناء واستيراد المزيد من الصواريخ، وتحسين مداها ودقتها، وتوفير التدريب القتالي الهجومي لمقاتليها، وتطوير شبكة استخباراتية متطورة وبعيدة المدى بما يكفي، لشن هجمات متزامنة على 22 موقعاً إسرائيلياً في وقت واحد. ومن المؤكد أنَّ حماس تعتقد أنها قادرة على هزيمة الإسرائيليين على أرضها في حرب استنزاف.
إضافة إلى ذلك، تسعى حماس أيضاً إلى توسيع شعبيتها في الضفة الغربية إذا غزت إسرائيل غزة، وبالأخص إذا تعثر التقدم الإسرائيلي. وينظر العديد من الفلسطينيين في الضفة الغربية بالفعل إلى السلطة الفلسطينية، التي تدير أجزاءً من الضفة الغربية التي تحتلها إسرائيل، باعتبارها فاسدة وعميلة وضعيفة وغير قادرة على تحقيق تطلعات شعبها.
وسلّط التوغل الإسرائيلي، في يوليو/تموز، في مدينة جنين بالضفة الغربية الضوء على أنَّ حكومة رئيس السلطة الفلسطينية، محمود عباس، غير قادرة على حماية سكان جنين، أو تقديم رؤية لمستقبل أكثر أملاً، وإذا غزت إسرائيل غزة فقد تحظى حماس بالدعم الشعبي اللازم لتحدي السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية، وربما تتولى القيادة باعتبارها الممثل الوحيد للشعب الفلسطيني، كما تقول الصحيفة الأمريكية.
تحقيق مكاسب في جبهات وملفات أخرى
في المنطقة الأوسع، تستطيع حماس أيضاً أن تعتمد على حليفها حزب الله. في اليوم التالي لهجوم حماس في جنوب إسرائيل، انخرطت جماعة حزب الله، في محاولة لاختبار مدى استعداد القوات الإسرائيلية، في قتال مع الجيش الإسرائيلي على طول الحدود الشمالية بالقرب من مزارع شبعا، وهي على الحدود اللبنانية السورية، التي تحتلها إسرائيل ويطالب بها لبنان. وقد يسعى حزب الله إلى تحقيق مكاسب إذا كانت إسرائيل تقاتل حماس في غزة والضفة الغربية.
وربما تكون حماس قد أعادت بالفعل ضبط عملية إعادة الاصطفاف السياسي في الشرق الأوسط، من خلال تعطيل المحادثات الدبلوماسية المرتقبة بين إسرائيل والمملكة العربية السعودية، لكن إذا تصاعدت الأحداث في غزة الآن إلى حرب برية طويلة الأمد، فقد تعمل حماس أيضاً على تقويض اتفاقيات التطبيع المُوقَّعة بين إسرائيل والإمارات العربية المتحدة والبحرين، وكسر الاتجاه نحو التطبيع العربي الإسرائيلي المتزايد، ولم تكن السلطة الفلسطينية قادرة على عرقلة اتفاقات التطبيع، لكن لا يزال بإمكان حماس إفسادها.
وبطبيعة الحال، يمكن لإسرائيل الاعتماد على الدعم الأمريكي في اتخاذ خطواتها التالية. فقد أرسلت إدارة بايدن مجموعة حاملة طائرات هجومية إلى شرق البحر المتوسط، فيما قالت إنها "وضعية ردع" لتزويد الجيش الإسرائيلي "بمعدات وموارد إضافية، بما في ذلك الذخائر". وأكد مستشار الأمن القومي، جيك سوليفان، دعم الولايات المتحدة لإسرائيل مباشرة بعد المؤتمر الصحفي للرئيس بايدن يوم الثلاثاء 10 أكتوبر/تشرين الأول.
"أي خطأ إسرائيلي سيؤدي لأزمة قد تستمر لأجيال"
رغم التهديدات الإسرائيلية بغزو غزة وتدمير حماس، تعمل الحركة على تعقيد حرية عمل القوات الإسرائيلية، نظراً لاحتجازها ما لا يقل عن 150 أسيراً وأسيرة إسرائيليين. وإذا طال أمد الحرب البرية فإنَّ إسرائيل لن تحقق مكاسب في ساحة المعركة، ويكاد يكون من المؤكد أنها ستفشل في تدمير حماس الحاكمة أو تطلعات الفلسطينيين غير المحققة إلى إقامة دولة.
ولتجنب الانجرار إلى فخ في غزة، تحتاج إسرائيل إلى حلفاء عرب على الأرض وفي المنطقة، كما تقول صحيفة نيويورك تايمز. وتمثل حماس وأخواتها خصماً أو طرفاً غير مرغوب فيه من قبل المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة ومصر والأردن.
لكن من أجل الحصول على دعم الزعماء الإقليميين الرئيسيين، يتعين على إسرائيل تقديم تنازلات أمنية كبيرة، ومعلومات استخباراتية في حالة نشوب حرب أوسع مع إيران، وتحديد أفق سياسي واضح وهادف للدولة الفلسطينية، في مرحلة ما بعد عباس وما بعد حماس. بيد أنَّ نتنياهو يواجه فجوة حادة في المصداقية على المستوى المحلي ومع جيران إسرائيل العرب.
في النهاية، ستكون الأيام المقبلة دموية وصعبة بالنسبة للإسرائيليين والفلسطينيين. وربما تكون حماس قد نصبت فخاً إذا ما دفعت إسرائيل إلى غزو قطاع غزة. وقبل إصدار الأمر ببدء الهجوم البري، يتعين على إسرائيل وضع استراتيجية للخروج من غزة وخطة لليوم التالي. إنَّ أي خطأ إسرائيلي في الحسابات في غزة قد يؤدي إلى أزمة في الشرق الأوسط قد تستمر لأجيال، كما تقول الصحيفة الأمريكية.