“طوفان الأقصى” إلى أين؟ سيناريوهات أحلاها مر تنتظر إسرائيل، وهذه هي الأسباب

عربي بوست
تم النشر: 2023/10/09 الساعة 13:24 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2023/10/11 الساعة 12:35 بتوقيت غرينتش
رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو - الأناضول

تسبَّب "طوفان الأقصى" في أزمة لم تواجهها إسرائيل، ربما منذ هزيمتها في حرب أكتوبر/تشرين الأول 1973، فما السيناريوهات المتاحة أمام حكومتها برئاسة بنيامين نتنياهو؟ وهل ينجح اجتياح غزة برياً، إن حدث، في تحقيق أهداف تل أبيب؟

وفي اليوم الرابع لطوفان الأقصى، لا تزال المقاومة الفلسطينية تشتبك مع جيش الاحتلال في عدة مواقع في محيط غلاف غزة، وتأسر مزيداً من جنود الاحتلال، بينما يتواصل القصف العشوائي والهستيري للمنشآت المدنية في القطاع المحاصر، وهو ما أدى إلى ارتقاء مئات الشهداء، منهم أكثر من 70 طفلاً، وإصابة آلاف آخرين، ولم تتوقف طائرات الاحتلال عن إسقاط أطنان القنابل والصواريخ والمواد الحارقة على جميع أنحاء قطاع غزة.

"طوفان الأقصى" هو الاسم الذي أطلقته حركة المقاومة الإسلامية (حماس) على العملية العسكرية الشاملة، التي بدأت فجر السبت 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، رداً على "الجرائم الإسرائيلية المتواصلة بحق الشعب الفلسطيني". في تمام الساعة السادسة صباحاً بالتوقيت المحلي في فلسطين، شنّت "حماس" اجتياحاً فلسطينياً لمستوطنات الغلاف المحاذية لقطاع غزة المحاصر، حيث اقتحم مقاتلون من كتائب عز الدين القسام البلدات المتاخمة للقطاع، في ظل غطاء جوي من آلاف الصواريخ التي أطلقت من غزة باتجاه تل أبيب والقدس ومدن الجنوب.

ووسط حالة الذعر والصدمة التي انتابت الإسرائيليين، وانتشار مقاطع فيديو وصور لدبابات ومدرعات تابعة لجيش الاحتلال، إما محروقة أو تحت سيطرة المقاومين الفلسطينيين، وأسر العشرات من جنود من جيش الاحتلال والمستوطنين وسيطرة فلسطينية كاملة على مستوطنات، أعلنت دولة الاحتلال أنها "في حالة حرب"، للمرة الأولى منذ حرب أكتوبر/تشرين الأول 1973.

هل تجتاح إسرائيل قطاع غزة برياً؟

في الوقت الذي تواصل فيه قوات الاحتلال الإسرائيلية القتال لاستعادة بلدات من مقاومي حركة المقاومة الإسلامية الفلسطينية (حماس)، واعتراف جيش الاحتلال بأن المعركة استغرقت وقتاً أطول من المتوقع بعد مرور أكثر من يومين على اقتحام شباب المقاومة للسياج الذي يحاصر قطاع غزة، تزداد المؤشرات على أن إسرائيل تستعد لاجتياح بري للقطاع.

إذ لا يزال القتال مستمراً في سبعة أو ثمانية مواقع داخل مواقع ومستوطنات يسيطر عليها شباب المقاومة، في عملية حطمت سمعة جيش الاحتلال الإسرائيلي بأنه جيش لا يُقهر. وقال ريتشارد هيخت، متحدث باسم جيش الاحتلال، في مؤتمر صحفي: "الأمر يستغرق وقتاً أطول مما توقعنا لإعادة الأمور فيما يتعلق بالوضع الدفاعي والأمني".

وبالتالي فإنه قبل أن تقدم إسرائيل على تنفيذ اجتياح بري لقطاع غزة، إن أقدمت على هذه الخطوة بالفعل، عليها أولاً أن تسيطر على الوضع الدفاعي والأمني. لكن هناك مؤشرات عديدة تصب في اتجاه إقدام إسرائيل على هذه الخطوة، منها إرسال 4 فرق من الجيش إلى محيط قطاع غزة واستدعاء أكثر من 300 ألف من قوات الاحتياط.

المتحدث باسم جيش الاحتلال الإسرائيلي، الأدميرال دانيال هاجاري، قال الإثنين 9 سبتمبر/أيلول إن بلاده استدعت عدداً قياسياً من جنود الاحتياط بلغ 300 ألف جندي في إطار الرد على هجوم حركة المقاومة الإسلامية (حماس) من قطاع غزة على جبهات متعددة وإنها "مستمرة في الهجوم".

وذكر هاجاري أن الجيش استعاد السيطرة على تجمعات هناك، لكن اشتباكات متفرقة ظلت دائرة مع استمرار نشاط بعض المقاومين. وقال في مؤتمر صحفي بثه التلفزيون: "نقوم الآن بعمليات بحث في جميع التجمعات ونطهر المنطقة".

وذكر هاجاري أن الجيش استدعى 300 ألف من جنود الاحتياط منذ يوم السبت، وهو رقم يشير إلى استعدادات لاجتياح محتمل للقطاع، رغم عدم تأكيد أي خطط من هذا القبيل رسمياً. وقال: "لم يسبق لنا استدعاء جنود احتياط بهذا العدد… مستمرون في الهجوم".

غزة
قصف عنيف على قطاع غزة/ الأناضول

إرسال إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن حاملة الطائرات الهجومية جيرالد آر فورد إلى شرق المتوسط لإظهار الدعم لإسرائيل، وإرسال مساعدات عسكرية عاجلة لإظهار الدعم المطلق لدولة الاحتلال، مؤشر آخر على أن قراراً باجتياح بري للقطاع ربما يكون قد اتخذ بالفعل.

ونقلت تقارير إعلامية أمريكية عن مسؤولين في إدارة بايدن قولهم إن "الهجوم البري على غزة ربما يحدث خلال 24 أو 48 ساعة"، وهو ما يشير إلى أن هذه تقديرات المسؤولين في إسرائيل بشأن التمكن من السيطرة على الأوضاع في محيط قطاع غزة، أو بمعنى مباشر التأكد من عدم وجود مقاومين فلسطينيين داخل المستوطنات والقواعد العسكرية الإسرائيلية ولا يزالون قادرين على الاشتباك.

هل تستطيع إسرائيل تنفيذ الاجتياح؟

أن تقرر إسرائيل اجتياح قطاع غزة برياً أمر، أما تنفيذ هذا القرار على أرض الواقع فهو أمر آخر مختلف تماماً. في تقرير عنوانه "إسرائيل عالقة بين جبهتين لكن خلط الأوراق لن يساعدها"، يرى موقع Ynet الإسرائيلي أن الواقع الحالي يفرض على إسرائيل شن عملية عسكرية داخل قطاع غزة؛ سواء للرد على "طوفان الأقصى" أو لتوجيه رسالة إلى المنطقة، لكن حركة حماس استعدت جيداً لهذا السيناريو، ومن المحتمل أيضاً أن حزب الله ينتظر هذا التحرك لفتح جبهة أخرى ضد إسرائيل، وقد كان الخداع الذي تمارسه حماس منذ فترة طويلة أنجح من المتوقع.

ومن الصعب معرفة ما إذا كان كبار مسؤولي حماس في قطاع غزة والخارج، الذين خططوا للهجوم على إسرائيل، توقعوا نجاحاً بهذا الحجم، لكن يمكن الافتراض -بدرجة من اليقين- أنَّ من اتخذ القرار على رأس الحركة -سواء كان يحيى السنوار، أو محمد الضيف، أو مروان عيسى أو غيرهم – كانوا يعلمون أنَّ ذلك سيأتي مقابل ثمن مؤلم على حماس وقطاع غزة.

وهنا تكمن معضلة إسرائيل. فمن ناحية، يجب عليها أن تقدم رداً ليس له نظير على هزيمة وإذلال غير مسبوقين، وإسقاط حماس وإرسال رسالة إلى المنطقة بأكملها لمنع أي هجوم أو تحرك لاحق ضدها، لكن من ناحية أخرى، من المرجح أنَّ حماس استعدت مسبقاً لرد شديد العدوانية، ينطوي بالأساس على عملية برية، مما يعني شبكة أنفاق مناسبة للدفاع والهجوم، مع أسلحة وخطة دفاعية.

طوفان الأقصى الاحتلال الإسرائيلي
عناصر من قوات الاحتلال الإسرائيلي/ رويترز

لكن هناك أيضاً عوامل أخرى كثيرة تجعل من المأزق الإسرائيلي الحالي معضلة مركبة، منها أن عملية اجتياح بري للقطاع الذي يقطنه أكثر من 2.3 مليون فلسطيني، وهو واحد من أكثر أماكن العالم اكتظاظاً بالسكان، على الأرجح ستؤدي إلى قتل وأسر أعداد كبيرة من جيش الاحتلال وهو كابوس فعلي لرئيس الوزراء الأطول بقاء في المنصب. وهذه النقطة أشار إليها تقرير الموقع الإسرائيلي بقول إنَّ تشكيلة الحكومة الحالية ومجموعة المستشارين المحيطة ببنيامين نتنياهو تخشى أيضاً إعطاء الأمر للقوات بالدخول، فلم يكن رئيس الوزراء الحالي قط من محبي الحروب، وبالأخص لأنَّ وضعه السياسي الحالي مضطرب.

لكن في الوقت نفسه، قد يعني تجنّب العمل البري "رسالة خطِرة بالضعف" تستجلب الهجوم التالي أو الحرب القادمة، وقد يؤدي إلى إخلاء جماعي لقطاع غزة والمستوطنات في السياج الشمالي، وسيكون ثمن ذلك أغلى من شن العملية نفسها، بحسب تقدير موقع Ynet الذي يبدو انعكاساً لحالة الصدمة التي تجتاح دولة الاحتلال والرغبة الهستيرية في الانتقام لما تعرضت له من إذلال وهزيمة غير مسبوقين.

هل تحقق إسرائيل أهدافها من الاجتياح؟

حقيقة الأمر هنا هي أن العنوان الأبرز الآن هو "إسرائيل تواجه خيارات جميعها سيئة"، بحسب تحليل لمجلة فورين أفيرز الأمريكية عنوانه "ماذا يعني هجوم حماس بالنسبة لإسرائيل؟ نتنياهو ليس لديه سوى خيارات سيئة"، رصد الأهداف الإسرائيلية المتمثلة في مواجهة هجوم المقاومة وإحباطه أولاً ومنع مزيد من الاختراقات ثانياً وإسكات الصواريخ والقذائف التي تطلق من قطاع غزة ثالثاً، وهي أهداف وصفتها المحلة بأنها "ليست سهلة".

ومنذ السبت، ينفذ طيران الاحتلال قصفاً مكثفاً وعشوائياً ومتصاعداً، وصل، الإثنين 9 أكتوبر/تشرين الأول، إلى "حالة من الجنون هدفها إحراق القطاع بشكل كامل"، في ظل استهداف للمباني والأراضي والأسواق والمستشفيات وعربات الإسعاف التي تنقل المصابين، وهي "جريمة حرب متكاملة الأركان"، حسبما وصفتها وزيرة الصحة الفلسطينية.

وزيرة الصحة الفلسطينية، مي الكيلة، اتهمت سلطات الاحتلال بـ"تعمد" قصف المستشفيات وسيارات الإسعاف وقتل وإصابة الطواقم الطبية في قطاع غزة، وذلك في بيان ناشدت من خلاله "المجتمع الدولي التحرك العاجل لِلجم العدوان الإسرائيلي على مراكز العلاج وسيارات وطواقم الإسعاف في قطاع غزة".

وقالت الكيلة إن "الاحتلال يتعمد قصف المشافي وسيارات الإسعاف وقتل وإصابة الطواقم"، مشيرة إلى أن استهداف الطواقم الطبية "يعد خرقاً كبيراً وواضحاً لكافة القوانين والأعراف الدولية".

إسرائيل
دبابات إسرائيلية – رويترز

من ناحية أخرى، أدت حالة "الجنون" الإسرائيلية إلى مقتل 4 أسرى إسرائيليين خلال القصف على قطاع غزة، فضلاً عن استشهاد محتجزيهم. وقال المتحدث باسم كتائب "عز الدين القسام" في بيان مقتضب: "قصف الاحتلال الليلة واليوم على قطاع غزة أدى إلى مقتل 4 من أسرى العدو واستشهاد آسِريهم من مجاهدي القسام". ولاحقاً نشرت القسام بيانات أحد الأسرى المقتولين جراء القصف من جيش الاحتلال.

لكن في حالة استمرار حالة التعطش للدماء والجنون التي تجتاح الإسرائيليين نظراً لضخامة حجم الصدمة والإذلال، فعلى الأرجح سيقدم جيش الاحتلال على الهجوم البري على قطاع غزة وسيكون الهدف الرئيسي لذلك "الغزو" المحتمل هو القضاء فصائل المقاومة، وبخاصة حماس، بشكل كامل، وهي المهمة التي تبدو، قياساً على المحاولة السابقة عام 2014 وقياساً على التطور المذهل في قدرات المقاومة وتكتيكاتها وتضاريس القطاع المكتظ بالسكان، "مهمة مستحيلة"، بحسب آراء كثير من الخبراء العسكريين، ومنهم إسرائيليون.

ففي الوقت نفسه وعلى الرغم من وقوف أمريكا وبعض الدول الغربية إلى جانب إسرائيل، إلا أن النداءات لضبط النفس تأتي من جميع أنحاء العالم، ومع انتشار الجرائم التي يرتكبها جيش الاحتلال بحق المدنيين في القطاع، سيتقلص "الدعم" وتزداد الضغوط على إسرائيل.

تحميل المزيد