بعد عشرات المشاهد التي بُثت لأسر جنود ومستوطنين إسرائيليين خلال عملية "طوفان الأقصى"، التي باغتت المقاومة الفلسطينية إسرائيل بها، صباح السبت 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، اعترف جيش الاحتلال الإسرائيلي بوجود أسرى إسرائيليين في قطاع غزة دون تحديد عددهم، حيث أكد المتحدث باسم الجيش دانيال هاغاري، رسمياً، أن هناك رهائن وأسرى أخذتهم حماس، وأضاف هاغاري: "ليس لدينا رقم محدد بعد، فنحن في حالة حرب".
فيما قالت صحيفة "جيروزاليم بوست"، صباح الأحد، إن نحو 750 إسرائيلياً في عداد المفقودين حالياً، دون أن تقدم مزيداً من التفاصيل، ما قد يرفع التوقعات بشأن عدد الأسرى الذين أصبحوا في حوزة حماس والفصائل الأخرى.
كتائب القسام: عدد الأسرى الإسرائيليين أضعاف ما يعتقد نتنياهو
أعلنت كل من حركة حماس، وحركة الجهاد الإسلامي، عن أسرهما عدداً من الجنود الإسرائيليين دون الكشف عن أعدادهم الحقيقية، لكن الناطق الرسمي باسم كتائب القسام أبو عبيدة قال في بيان صوتي إن الكتائب أسرت أضعاف ما قد يظن نتنياهو من الإسرائيليين، وإنهم تم تأمينهم في جميع أنحاء غزة.
من جهته، قال نائب رئيس حركة حماس صالح العاروري، لقناة الجزيرة، إن حماس تحتجز قادة عسكريين إسرائيليين وضباطاً برتب كبيرة. وهو ما يمثل فشلاً عسكرياً واستخباراتياً إسرائيلياً كبيرين.
وفي الوقت نفسه، نشرت عدة حسابات فلسطينية على وسائل التواصل الاجتماعي مقاطع فيديو وصوراً تظهر جنوداً ومستوطنين إسرائيليين أسرى، يتم جلبهم إلى غزة بالسيارات والدراجات النارية، كما أظهرت المقاطع احتجاز جثث لجنود إسرائيليين قتلى.
وقال مصدر أمني إسرائيلي، تحدث لرويترز دون ذكر اسمه، إنهم على علم بتقارير عن احتجاز أسرى، وإن الكثير من اللقطات لم يتم التحقق منها.
في حالة تأكيد التقارير، فمن المرجح أن يصبح عدد الإسرائيليين الذين تحتجزهم الفصائل الفلسطينية، أحياء أو أمواتاً، قضية سياسية ساخنة في إسرائيل، وتثير الغضب ضد حكومة نتنياهو، التي عجزت عن تأمين وحماية جنودها ومواطنيها، من مختلف الرتب والفئات والأعمار.
ونقلت القناة "12" العبرية، نقلاً عن مصادر رفيعة قولها إن "إسرائيل" طلبت من مصر التفاوض مع حركة حماس بسرعة للإفراج عن الأسرى والمصابين والمختطفين لديها بغزة، لكن من المؤكد أن إفراج حماس عن أي معلومات حول هؤلاء الأسرى سيكون له ثمن، ناهيك عن ثمن الإفراج عنهم، وهو "تبييض السجون".
هل تنجح حماس في تبييض سجون الاحتلال من جميع الأسرى الفلسطينيين؟
أما في فلسطين، فيشكل مصير السجناء الفلسطينيين المحتجزين في إسرائيل أيضاً قضية مهمة، وبشكل متزايد في ظل حكومة يمينية متطرفة في تاريخ إسرائيل.
خلال العام الماضي، سعى وزير الأمن القومي الإسرائيلي اليميني المتطرف، إيتمار بن غفير، إلى قمع حقوق السجناء الفلسطينيين في السجون الإسرائيلية.
ومن الحد من الزيارات العائلية إلى نقل عشرات الفلسطينيين إلى سجن نفحة، حيث تبنى بن غفير سياسة تجعل حياة السجناء الفلسطينيين أكثر صعوبة بشكل متزايد.
ويوجد حوالي 5200 أسير سياسي في السجون الإسرائيلية، يضاف إليهم أكثر من 1264 معتقلاً إدارياً، وفقاً لنادي الأسير الفلسطيني. فيما اعتقلت قوات الاحتلال منذ مطلع العام 2023 أكثر من 5000 فلسطينياً، بينهم (83) من النساء، و(678) طفلاً. فيما بلغ عدد أوامر الاعتقال الإداري منذ مطلع العام 2023 نحو (2350) أمراً، بينهم (1245) أمراً جديداً، و(1105) أوامر تجديد.
وبموجب النظام التمييزي الإسرائيلي، تصل نسبة "الإدانة" للفلسطينيين الذين يحاكمون أمام محاكم عسكرية إلى 99.7%، في حين نادراً ما تتم إدانة الإسرائيليين بسبب هجمات على الفلسطينيين. ويُحتجز نحو ربع السجناء الفلسطينيين دون تهمة أو محاكمة، في ممارسة مثيرة للجدل، تُعرف باسم "الاعتقال الإداري".
وقال محمد ضيف، القائد العام لكتائب القسام، إن هجوم السبت يرجع جزئياً إلى رفض إسرائيل مؤخراً التقدم في اتفاقيات "تبادل الأسرى". وقال الضيف: "لقد أمضى المئات من أسرانا 20 عاماً فما فوق في ظلمة زنازين السجون. والعشرات من إخواننا وأخواتنا في السجون أنهك أجسادهم السرطان والمرض، والعديد منهم ماتوا نتيجة الإهمال الطبي والموت البطيء".
ويعد الظفر بأسرى إسرائيليين من قِبل أطراف معادية لإسرائيل أمراً خطيراً لتل أبيب، وثميناً للفلسطينيين، حيث يُسهم ذلك في إطلاق سراح الأسرى الفلسطينيين في السجون الإسرائيلية.
ويبدو أن المقاومة الفلسطينية تسعى هذه المرة، وبهذا الكم من الأسرى الإسرائيليين في قبضتها، للإفراج عن جميع الأسرى الفلسطينيين في سجون الاحتلال، وإذا نجحت حماس في تبييض السجون فستكون تلك أكبر صفقة لتبادل الأسرى بين إسرائيل وطرف فلسطيني منذ حرب النكبة عام 1948.
وما يدلل على نجاح هذا الاحتمال هو حالة الجندي الإسرائيلي جلعاد شاليط، الذي أسرته حماس في هجوم مسلح عبر الحدود بالقرب من غزة في عام 2006. وقد احتُجز لأكثر من خمس سنوات قبل إطلاق سراحه في عملية تبادل للأسرى في عام 2011. نجحت حماس حينها في إطلاق سراح أكثر من 1000 أسير فلسطيني محتجزين في السجون الإسرائيلية.
واعتماداً على عدد الإسرائيليين الذين تم أسرهم في نهاية هذه الحملة، فقد تحدث عملية تبادل أسرى ضخمة تفوق أي عمليات تبادل للأسرى حدثت في الماضي.
حيث سلطت عملية تبادل الأسرى في عام 2011 الضوء على الأهمية الكبيرة التي توليها الحكومة الإسرائيلية لعودة الجنود الأسرى، والتي من المرجح أن تستفيد منها حماس الآن، التي تحتفظ بعدد أيضاً من الجنود الإسرائيليين منذ عام 2014.
تاريخ عمليات تبادل الأسرى بين إسرائيل وفصائل المقاومة
سبق أن جرت عمليات تبادل للأسرى كبيرة بين إسرائيل وفصائل مسلحة فلسطينية أو عربية، ففي عام 1985 أسفر اتفاق جبريل، الذي سمي على اسم أحمد جبريل، زعيم الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين- القيادة العامة، عن إطلاق إسرائيل سراح أكثر من 1150 أسيراً فلسطينياً ولبنانياً، بما في ذلك بعض من أفراد حزب الله.
حيث تم ذلك مقابل إطلاق سراح الجنود الإسرائيليين الثلاثة (جوزيف جروف، ونسيم سالم، وهيزي شاي) الذين تم أسرهم خلال الحرب الإسرائيلية على لبنان عام 1982.
في عام 2004، أُجري تبادل آخر للأسرى بين إسرائيل وحزب الله. وكان رجل الأعمال الإسرائيلي إلهانان تانينباوم قد اختطفه حزب الله في عام 2000، خلال رحلة إلى دبي، وتم الاحتفاط به في لبنان. وفي عام 2004، تم إطلاق سراحه مقابل إطلاق سراح عدد من السجناء اللبنانيين والفلسطينيين الذين تحتجزهم إسرائيل.
وفي عام 2008، أجرت إسرائيل وحزب الله تبادلاً مهماً آخر، سلمت فيه إسرائيل رفات 199 مقاتلاً لبنانياً وفلسطينياً، مقابل رفات جنديين إسرائيليين، إلداد ريغيف وإيهود غولدفاسر.
حيث تم أسر هؤلاء الجنود وقتلهم على يد حزب الله، في تسلل الجماعة اللبنانية عبر الحدود في عام 2006، ما أدى إلى اندلاع حرب استمرت 34 يوماً على لبنان. وقد تم تسهيل هذا التبادل بوساطة من اللجنة الدولية للصليب الأحمر.