في السنوات الأخيرة، قامت دول مجلس التعاون الخليجي (المملكة السعودية والإمارات وقطر والبحرين والكويت وعمان) بتعزيز علاقاتها العسكرية مع تركيا بشكل لافت، كما تزايدات مبيعات الأسلحة التركية لدول الخليج.
وقد نما التحالف التركي القطري على وجه الخصوص بقوة خلال العقد الماضي، وبلغ ذروته في توقيع اتفاق للدفاع عام 2014، ونشر القوات التركية في الدوحة خلال أزمة مجلس التعاون الخليجي عام 2017، وافتتاح مقر القيادة المشتركة في قاعدة خالد بن الوليد العسكرية، حسب ما ورد في تقرير لموقع Middle East Eye البريطاني.
ومع قيام العديد من دول مجلس التعاون الخليجي بإعادة توازن شراكاتها الدفاعية، كانت تركيا في صدارة هذا التحول، حيث سعت إلى تعزيز مكانتها كقوة إقليمية، خاصة مع التحسن الملحوظ في العلاقات بين أغلب دول مجلس التعاون الخليجي وأنقرة خلال السنوات الماضية.
دول الخليج تريد تعزيز تحالفاتها القائمة وإبرام أخرى جديدة
إن الديناميكيات المتطورة بين تركيا ودول الخليج ترمز إلى لعبة شطرنج جيوسياسية أكبر. بينما يعاني الشرق الأوسط من فراغ النفوذ وتغير الولاءات، تحرص العديد من الدول على تشكيل تحالفات جديدة وتعزيز التحالفات القائمة.
لقد برزت تركيا، بموقعها الاستراتيجي وبراعتها العسكرية، كشريك مرغوب فيه للعديد من دول مجلس التعاون الخليجي أثناء إبحارها في المياه المضطربة للسياسة الإقليمية.
وكانت استراتيجية القواعد العسكرية التركية جزءاً حيوياً من جهودها لإحباط التهديدات الأمنية المتزايدة، وتوسيع نفوذها في جميع أنحاء المنطقة، خاصة في أعقاب الانتفاضات العربية عام 2011. وتستضيف قطر أول قاعدة عسكرية تركية في الخليج، ولكن قد يكون هناك المزيد في المستقبل، حسب الموقع البريطاني.
وكانت أنقرة صريحة بشأن نواياها لتوسيع شراكاتها العسكرية في الخليج. في عام 2017، عندما فرضت الدول المجاورة حصاراً على قطر، كشف الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أنه اقترح إنشاء قاعدة عسكرية تركية على الأراضي السعودية في عام 2015. وفي الواقع، كان السعوديون يستكشفون خياراً أمنياً تركياً في مواجهة التهديد الإيراني منذ فترة طويلة، وفقاً للموقع البريطاني.
السعودية فكرت في عام 2022 في جعل أنقرة ضامناً أمنياً
وفقاً لأجزاء رُفِعَت عنها السرية من وثيقة سرية مرتبطة بوزيرة الخارجية الأمريكية السابقة هيلاري كلينتون، نظر السعوديون رسمياً في خيار تركيا كضامن أمني في وقت مبكر من عام 2011. وكانت الرياض تتطلع إلى ما هو أبعد من واشنطن للحصول على ضمانات أمنية، نظراً لعدم الاستقرار الذي أحدثته الانتفاضات العربية، وغياب قوات أمريكية كبيرة في المملكة السعودية بعد حرب العراق 2003، وتجديد الدبلوماسية الأمريكية مع إيران في عهد إدارة أوباما، وفقاً لتقرير موقع Middle East Eye.
وفي حين أدت الانتفاضات العربية إلى توتر العلاقات التركية السعودية، فقد عُزِّزَت هذه العلاقات منذ عام 2021 كجزءٍ من نمطٍ من التهدئة في جميع أنحاء الشرق الأوسط، والذي تُوِّجَ بالاتفاق السعودي الإيراني الأخير الذي توسطت فيه الصين. ومع إدراك الدول لفوائد زيادة التعاون الإقليمي، برزت تركيا كشريك ذي قيمة خاصة.
الكويت بحثت استضافة قاعدة تركية وأبرمت معها اتفاقاً عسكرياً
وفي أغسطس/آب الماضي، وفي خطاب ألقته بمناسبة الذكرى الـ101 لعيد النصر التركي، سلطت السفيرة التركية لدى الكويت، طوبى سونمز، الضوء على العلاقات العسكرية والأمنية المزدهرة بين تركيا والكويت. وبحسب ما ورد قالت إن تركيا ستكون مستعدة لإنشاء قاعدة عسكرية في الكويت، إذا أعربت الدولة الخليجية عن هذه الرغبة.
لن يكون هذا إجراءً غير مسبوق. أرسلت تركيا مستشارين عسكريين إلى الكويت من قبل في أوقات الأزمات، بما في ذلك في أوائل الثمانينيات، وسط جهود لاحتواء الآثار غير المباشرة للثورة الإيرانية، ومواجهة المحاولات السوفييتية للوصول إلى الخليج بعد غزو أفغانستان.
وخلال أزمة مجلس التعاون الخليجي، لعبت كل من الكويت وتركيا دوراً محورياً في تجنب الصراع العسكري. ودفعت الهزات الجيوسياسية في ذلك الوقت الدول الصغيرة المتحالفة مع الولايات المتحدة في المنطقة إلى التشكيك في موثوقية الضمانات الأمنية الأمريكية.
ويقول الموقع البريطاني "لقد انتشرت شائعات في عام 2017 حول احتمال سعي الكويت لوجود عسكري تركي على أراضيها، وهي خطوة اعتُبِرَت في ذلك الوقت بمثابة موازنة للتوترات المتصاعدة في الخليج".
وقال مسؤول كويتي مُطَّلِع في عام 2017: "لا يمكن للكويت أن تتحدى المملكة السعودية بالطريقة التي فعلتها بعض دول الخليج الأخرى… ولا يمكننا التحوُّط في سياساتنا مع إيران الآن بهذا الشكل، لكن العلاقات المعززة مع تركيا يمكن أن تساعدنا، حسبما ورد في تقرير موقع Middle East Eye البريطاني.
ولكن وسط مخاوف من أن مثل هذه الخطوة ستثير استعداء الرياض، وفقاً للموقع البريطاني، بحثت الكويت في مكان آخر عن طبقة ثانية من الحماية، حيث أشارت التقارير في عام 2018 إلى قاعدة بحرية بريطانية محتملة في المستقبل القريب. وبينما قلل المسؤولون الكويتيون من هذه التطورات، استأنفت الدولتان التدريب العسكري المشترك في عام 2022.
ومع ذلك، وقَّعت الكويت وتركيا اتفاقية دفاع مشترك شاملة في أواخر عام 2018، ما يؤكد التزامهما بالمصالح الأمنية المشتركة.
الكويت تنضم لقائمة زبائن بيرقدار، والسعودية تخطط لتصنيعها محلياً
في بلدان أخرى في المنطقة، كان للصراع بين دول مجلس التعاون الخليجي والتصعيد بين الولايات المتحدة وإيران تأثير أيضاً.
في عام 2020، ظهرت شائعات مفادها أن عمان، التي كانت واحدة من أكبر مستوردي المعدات العسكرية التركية في ذلك الوقت، قد تستضيف قاعدة بحرية تركية. ولم تؤكد أي من الدولتين ذلك. في الواقع، خلال أزمة الخليج، سعت سلطنة عمان، تماماً مثل الكويت، إلى زيادة الوجود العسكري البريطاني بدلاً من طلب القوات التركية، حسب الموقع البريطاني.
وبعد حل أزمة مجلس التعاون الخليجي من خلال اتفاقية العلا لعام 2021، تعززت العلاقات الدفاعية بين تركيا والكويت. وسلطت مناورة عسكرية مشتركة في العام نفسه الضوء على الأهداف الاستراتيجية المشتركة بينهما.
وتحقق إنجاز آخر هذا العام بالنسبة إلى مبيعات الأسلحة التركية لدول الخليج، حيث انضمت الكويت إلى صفوف الدول التي حصلت على طائرات مسيَّرة مسلحة من طراز بيرقدار تي بي 2 التركية الشهيرة، والتي نُشِرَت في صراعات لا تعد ولا تحصى من شمال أفريقيا إلى أوكرانيا. وكان للسفير التركي لدى الكويت دور فعال في تعزيز هذه العلاقات الدفاعية.
كما سلمت شركة التكنولوجيا الدفاعية التركية "بايكار" (Baykar) الإمارات 20 طائرة مسيرة مسلحة في سبتمبر/أيلول 2022، حسبما ذكرت وكالة رويترز.
وفي أغسطس/آب 2023، تم توقيع اتفاقية ومذكرتي تفاهم بين شركات سعودية متخصصة بالصناعات العسكرية والدفاعية، وشركات دفاع تركية، لتوطين صناعة الطائرات المسيّرة في السعودية.
ويشمل الاتفاق تصنيع الأنظمة الإلكترونية، والقطع الميكانيكية، وهياكل الطائرات باستخدام المواد المركبة والتصنيع والاختبارات النهائية للطيران، إلى جانب تقديم خدمات التدريب والإسناد، حسب وكالة الأنباء السعودية.
القلق من إيران مازال قائماً
ورغم التحركات الأخيرة نحو وقف التصعيد الإقليمي، تظل إيران عاملاً في هذه الحسابات الأمنية الخليجية.
وفي عام 2015، اتهمت الكويت أكثر من 20 شخصاً بـ"التجسس لصالح الجمهورية الإسلامية الإيرانية وحزب الله للقيام بأعمال عدوانية ضد دولة الكويت".
وفي العام التالي، وسط خلاف بين المملكة السعودية وإيران بشأن إعدام رجل دين شيعي، خفضت الكويت علاقاتها الدبلوماسية مع طهران، وهي خطوة تم التراجع عنها بعد ست سنوات.
وفي حين قد يعتقد بعض الخبراء الكويتيين أن الوجود الأمريكي في الدولة الخليجية الصغيرة الغنية بالنفط يكفي لردع أية هجمات أجنبية تقليدية، يعتقد آخرون أن مثل هذا الاعتماد يجعل الكويت عرضة للخطر.
دول الخليج تريد الاستثمار في صناعتها العسكرية
وقد سلطت أحداث، مثل الهجمات الإيرانية على منشآت النفط السعودية عام 2019، الضوء على حاجة دول الخليج إلى تنويع تحالفاتها الدفاعية، بدلاً من الاعتماد فقط على القوى الغربية.
وتتطلع المملكة السعودية والإمارات إلى روسيا والصين في هذا الصدد، بينما تستثمران أيضاً في قدراتهما الصناعية العسكرية كجزء من أهدافهما طويلة المدى المتمثلة في بناء الاستقلال الاستراتيجي.
وهنا، تقدم تركيا، بسجلها الحافل وقدراتها الدفاعية القوية، عرضاً مقنعاً. وتظهر تجارب العقد الماضي -في سوريا وليبيا وناغورنو قره باغ وقطر والصومال وإثيوبيا وأماكن أخرى- أن تركيا ملتزمة بحماية حلفائها وأصدقائها في أوقات الحاجة، وأن دعمها أو تدخلها يمكن أن يغير قواعد اللعبة.
إليك عوامل تدفع مبيعات الأسلحة التركية لدول الخليج والشراكات العسكرية المحتملة
لدى تركيا نقاط قوة عدة في هذا المجال، أبرزها الكفاءة التي أثبتتها معداتها العسكرية المصنعة محلياً، خاصة المسيرة البيرقدار تي بي 2، ولدى أنقرة أسطول آخر من الطائرات المسيرة، بعضها في طور التطوير، من بينها أول مقاتلة مسيرة محتملة في العالم ("بيرقدار قزل ألما")، إضافة للعربات المدرعة والمدفعية، والسفن الحربية (كانت أنقرة مصدراً أساسياً للسفن العسكرية لمصر)، ولدى تركيا أيضاً مشروعات واعدة لإنتاج الدبابات وأنظمة الصواريخ جو جو، وتطور إحدى المشروعات القليلة في العالم لإنتاج طائرات شبحية من الجيل الخامس.
إحدى العوامل التي تعمل لصالح مبيعات الأسلحة التركية لدول الخليج، أن صناعات أنقرة الدفاعية في الأغلب مقامة على غرار المدرسة الغربية باعتبارها عضواً في الناتو، وشريكاً رئيسياً لدوله الكبرى، ويجعل هذا أسلحة تركيا متطورة وذات جودة وملائمة لمعايير الناتو (التي تعتمد عليها جيوش دول الخليج)، ولكن بأسعار تنافس الأسلحة الصينية والروسية، أو كما يقول المسؤولون الأتراك جودة أوروبية بـ"أسعار صينية".
يضاف لذلك أن الجيش التركي هو ثاني أكبر جيش في الناتو، وهو لا يتميز فقط بأنه يسير على معايير الناتو، ولكن قد يكون واحداً من أكثر الجيوش خبرة في العالم، حيث لم يتوقف عن خوض المعارك ضد حزب العمال الكردستاني منذ عقود، إضافة لمعاركه في سوريا ضد قوات قسد وأحياناً ضد جيش النظام السوري كما حدث في إدلب عام 2020، فضلاً عن تجربته الواقعية في دعم حلفائه بالأسلحة والخطط والتدريب في حروب القوقاز وسوريا وليبيا وأوكرانيا، وهي معارك تفوق فيها السلاح التركي على نظيره الروسي.
يجعل هذا الجيش التركي قادراً على تقديم الخبرات والتدريب لنظرائه في دول الخليج، خاصة في ظل التقارب الديني والثقافي، واهتمام حكومة حزب العدالة والتنمية والرئيس التركي شخصياً بالعلاقات مع العالم الإسلامي، لاسيما العالم العربي، والتأكيد على الانتماء الإسلامي الشرقي لتركيا.
كما أن أنقرة تتسم بأنها متساهلة في شروط بيع أسلحتها والالتزام بصيانتها وخدمات ما بعد البيع، وكذلك في شروط التصنيع المحلي.