وصفت صحيفة الإيكونوميست البريطانية الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي بأنه يبدو "متوتراً" بشدة، قبل انتخابات الرئاسة "المتعجلة"، المقرر إقامتها في ديسمبر/كانون الأول المقبل، فما الأسباب؟
كانت هيئة الانتخابات في مصر قد أعلنت، يوم 25 سبتمبر/أيلول الماضي، إجراء انتخابات رئاسية قبل الموعد المقرر لها. وبدلاً من التصويت في ربيع 2024، سيتوجه المصريون إلى صناديق الاقتراع في العاشر من ديسمبر/كانون الأول. لكن خطوة التعجيل بالانتخابات لم تكن غير متوقعة، حيث يحرص السيسي على الانتهاء من الانتخابات قبل أن يتخذ قرارات اقتصادية مؤلمة، مثل خفض قيمة العملة، بحسب الإيكونوميست.
السيسي يعلن ترشحه
يوم الإثنين 2 أكتوبر/تشرين الأول، أكد الرئيس المصري ترشحه لفترة ثالثة، فيما اشتكت أحزاب المعارضة من أن الأشخاص الذين يحاولون عمل توكيلات لدعم مرشحين آخرين يواجهون عقبات، بحسب تقرير لرويترز.
وقال السيسي في كلمته، في ختام مؤتمر "حكاية وطن" الذي استمر 3 أيام في العاصمة الإدارية، التي تُبنى في الصحراء خارج القاهرة: "كما لبَّيت نداء المصريين من قبل، فإننى ألبي اليوم نداءهم مرة أخرى، وعقدت العزم على ترشيح نفسى لكم، لاستكمال الحلم فى مدة رئاسية جديدة. أعدكم بإذن الله أن تكون امتداداً لسعينا المشترك، من أجل مصر وشعبها"، وأضاف "نحن على أعتاب جمهوريتنا الجديدة التي تسعى لاستكمال مسيرة بقاء الدولة، وإعادة بنائها على أسس الحداثة والديمقراطية".
وكان من المتوقع على نطاق واسع أن يعلن السيسي، قائد الجيش السابق الذي يتولى الرئاسة منذ عام 2014، ترشحه لفترة ثالثة بعد التعديلات الدستورية التي أُجريت قبل 4 سنوات، والتي تسمح له بالبقاء في المنصب حتى عام 2030.
كان السيسي قد وصل إلى السلطة بعد أن قاد انقلاباً أطاح بالرئيس المنتخب ديمقراطياً محمد مرسي، المنتمي لجماعة الإخوان المسلمين في عام 2013. وتم إعلان فوزه في الانتخابات الرئاسية في عامي 2014 و2018 بنسبة 97% من الأصوات.
وفي الأسابيع القليلة الماضية، كثّفت أجهزة الدولة المؤيدة للسيسي حملة باستخدام اللافتات الإعلانية والرسائل العامة، التي تحث الرئيس على الترشح في الانتخابات، في حين تقول المعارضة المنقسمة إنها تتعرض لضغوط. إذ تشكو حملة أحمد الطنطاوي، عضو البرلمان السابق وأبرز المنافسين المحتملين للسيسي، من تعرض المواطنين لعقبات عندما حاولوا عمل توكيلات لترشيحه.
وقال محمد أبو الديار، منسق حملة طنطاوي لرويترز، إن كثيرين ممن حضروا إلى مكاتب الشهر العقاري لعمل توكيلات تم إبلاغهم بأن النظام لا يعمل، أو أُمروا بالعودة لاحقاً أو عمل التوكيل في مكان آخر. وأضاف أن البعض واجهوا مضايقات أو اعتداءات أو سوء معاملة.
وقالت الحركة المدنية الديمقراطية، التي تضم بعض أحزاب المعارضة الصغيرة، في بيان الأحد، إن هناك انتهاكات عديدة تعرض لها المواطنون الذين حاولوا عمل توكيلات لمرشحين لمنافسة السيسي. بينما وصفت الهيئة الوطنية للانتخابات في مصر هذه الادعاءات بأنها لا أساس لها من الصحة، ويحتاج المرشحون المحتملون إلى 25 ألف توكيل أو دعم 20 عضواً في البرلمان لخوض الانتخابات.
شعار حملة الرئيس في انتخابات مصر
في الأيام القليلة الماضية، جرّب عبد الفتاح السيسي شعاراً قاتماً لانتخاباته المقبلة، فقال: "إذا كان ثمن تقدّم الأمة وازدهارها هو الجوع والعطش، فلا نأكل ولا نشرب". ومع ارتفاع أسعار المواد الغذائية بنسبة 71.9% على مدى العام الماضي، فإن العديد من الناخبين يجوعون بالفعل، كما كتبت الإيكونوميست. ونظراً لأن بلاده مدينة بما يزيد على 165 مليار دولار من الديون الخارجية، ولا يزال العديد من المواطنين يعانون من الفقر، يُشتَبَه أن السيسي يقدِّم موعد الانتخابات من أوائل العام المقبل لأسباب سياسية.
وعلى الرغم من الاستياء الشعبي المتزايد من سوء إدارة السيسي الاقتصادية وحكمه الاستبدادي وقمع أي صوت معارض، فإنه أعلن ترشحه قائلاً إنه "يستجيب لنداء المصريين مرة أخرى"، بينما اتهمه منتقدون بتنظيم مسيرات واستخدام موارد الدولة لتعزيز دعمه. وأظهرت مقاطع عديدة على منصات التواصل بعضاً من الأدلة التي تؤيد اتهامات المعارضين.
واتسم حكم السيسي بحملة واسعة النطاق ضد المعارضة. يقول الناشطون إن عشرات الآلاف سُجنوا خلالها، وصُنّفت جماعة الإخوان المسلمين، التي تعتبر تاريخياً أقوى قوة معارضة في مصر، جماعة محظورة وأصبح قادتها إما في السجن أو المنفى. ويزعم السيسي ومؤيدوه أن هذه الإجراءات ضرورية لتحقيق الاستقرار في مصر بعد الاضطرابات الناجمة عن انتفاضة خلال "الربيع العربي" عام 2011.
وبحسب الصحيفة البريطانية، ليس هناك شك في أن السيسي سيفوز. ففي الانتخابات السابقة، في عام 2018، كان هناك مرشح واحد فقط من "المعارضة" -وكان مؤيداً للسيسي. احتل المركز الثالث في سباق ثنائي (جاءت بطاقات الاقتراع الباطلة في المركز الثاني). استُبعِدَ أي شخص كان من الممكن أن يشكل تحدياً حقيقياً، وتم إما احتجازه أو ترهيبه لحمله على عدم تشريح نفسه.
تحدث 4 سياسيين عن الترشح هذه المرة، رغم أن أغلبهم لا يحظون بالكثير من الدعم، وقال أحمد الطنطاوي، النائب البرلماني السابق وأحد المرشحين المحتملين، إن العشرات من أنصاره اعتُقلوا بعد أن أعلنت الحكومة موعد الانتخابات. وقالت سيتيزن لاب، وهي هيئة مراقبة إلكترونية كندية، إن هاتف طنطاوي استُهدِفَ ببرنامج "بريداتور"، وهو برنامج تجسس متطور. ويقول الطنطاوي إن مكاتب الشهر العقاري تمتنع عن تحرير توكيلات له من جانب مؤيديه، بينما تقوم بتسهيل هذه التوكيلات للسيسي.
وكانت خطابات الرئيس تحذر بشكل متزايد من "الأكاذيب التي ينشرها أهل الشر"، وأن الاضطرابات السياسية ستؤدي إلى انهيار الدولة. وقال إنه على استعداد "لاتخاذ قرارات صعبة" تراجع عنها أسلافه، وإن الشعب المصري يجب أن يدفع ثمن تحديث البلاد من أجل الجيل القادم. وقال السيسي، خلال إحدى جلسات المؤتمر الذي انعقد نهاية الأسبوع الماضي: "إياكم أيها المصريون أن تقولوا إنكم تفضِّلون الطعام على البناء والتقدم". وأضاف: "إذا كان ثمن تقدم الأمة وازدهارها هو الجوع والعطش، فلا نأكل ولا نشرب".
وردَّ طنطاوي على السيسي في تغريدة على منصة إكس (تويتر سابقاً): "المصريون ماتوا جوعاً أثناء حكمك بسبب إدارتك.. ولم يروا أياً من التطوير الذي وُعِدوا به".
وقد أعلن الرئيس نفسه دخول السباق الرئاسي في الثاني من أكتوبر/تشرين الأول، بعد أن قام حلفاؤه بنقل آلاف الأشخاص بالحافلات إلى مكاتب الشهر العقاري لتحرير توكيلات تؤيد تشريحه (وقد أُكرِه على ذلك كثيرون أو تلقوا رشاوى مقابل ذلك). وقال السيسي: "كما استجبت لدعوة المصريين من قبل، أستجيب اليوم لدعوتهم مرة أخرى". وتجمَّع الآلاف في ذلك اليوم في شوارع القاهرة، ولوَّح العديد منهم بأعلام مصر وصور الرئيس، ما تسبب في اختناقات مرورية في شوارع المدينة المزدحمة بالفعل.
ويظهر تسجيل صوتي متداول على مواقع التواصل الاجتماعي مسؤولاً بإدارة الهرم التعليمية، يوجه مديري المدارس بالجيزة بإرسال أتوبيسات للمسيرة المؤيدة للسيسي. وقال المسؤول: "كل مدرسة ستأتي بحافلة وسنحشد دعماً لفخامة الرئيس". وتحول حدث آخر تم التخطيط له كمسيرة لدعم الرئيس إلى مظاهرة مناهضة للسيسي في محافظة مطروح الغربية. وأمرت قوات الأمن بتفريق الحشود.
لماذا "التوتر" رغم ضمان الفوز؟
لا توجد استطلاعات موثوقة حول شعبية السيسي، لكن من الصدق القول إن القليل من المصريين لا يزالون يؤيدونه فعلاً. المواطنون العاديون الذين هللوا لانقلابه في عام 2013 لأنهم يتوقون إلى الاستقرار، يلعنون الآن طريقة تعامله مع الاقتصاد. إذ فقدت العملة نصف قيمتها في ثلاثة تخفيضات منذ أوائل عام 2022. ووصل التضخم السنوي إلى مستوى قياسي بلغ 39.7% في أغسطس/آب، وتسبب نقص الدولار في معاناة الشركات في تمويل الواردات. وقد تضاعف الدَّيْن الخارجي، من 17% من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2013 إلى 39% اليوم.
وقَّعت مصر اتفاقية بقيمة 3 مليارات دولار مع صندوق النقد الدولي في ديسمبر/كانون الأول الماضي، ومصر هي ثاني أكبر مدين للصندوق. ولم تتلقَّ حتى الآن سوى الدفعة الأولى البالغة 347 مليون دولار من القرض. وكان من المفترض أن تؤدي المراجعة التي كان من المقرر الانتهاء منها في شهر مارس/آذار إلى توفير المزيد من الأموال. وقد أُجِّلَت هذه الأموال لأن مصر لم تحرز تقدماً يُذكَر في اثنين من المطالب الرئيسية للصندوق: بيع الأصول المملوكة للدولة وتعويم العملة.
أحرزت حكومة السيسي تقدماً فاتراً فيما يتعلق بالمسألة الأولى، إذ باعت حصصاً بقيمة 1.9 مليار دولار في الأشهر الستة حتى يونيو/حزيران، وبالكاد لم تحقق هدفها ذا الـ2 مليار دولار، وتأمل في بيع إجمالي حصص بـ5 مليارات دولار أخرى بحلول يونيو/حزيران 2024. لكنها ترفض تجريد الإمبراطورية الاقتصادية للجيش، التي تمثل عقبة كبيرة أمام النمو؛ لأنها تزاحم عدداً متزايداً من الشركات الخاصة. في أغسطس/آب، عقد السيسي اجتماعاً حول كيفية تنمية صناعة الحديد والصلب في مصر، لكن ضيوفه الوحيدين كانوا جنرالات يرتدون الزي الرسمي. لم يكن هناك رجال أعمال على الطاولة.
سيكون تعويم العملة أصعب، إذ سيؤدي ضعف الجنيه إلى مزيد من التضخم (يقدر صندوق النقد الدولي أنه سيصل في المتوسط إلى 32% في عام 2024، ارتفاعاً من 24% هذا العام). وحتى المحللون المتفائلون في البنوك المصرية يشكون في أن البنك المركزي سيقترب من هدف التضخم البالغ 7%.
في الوقت نفسه، سيتعين على مصر سداد 29.2 مليار دولار من الديون الخارجية العام المقبل، ارتفاعاً من 19.3 مليار دولار في عام 2023. وهذا يعادل 85% من احتياطياتها من العملة الأجنبية البالغة 34.4 مليار دولار، وهو مبلغ يتكون معظمه من ودائع دول الخليج الغنية. ورغم أن دول الخليج تبدو على استعداد لتجديد تلك الودائع إلى أجل غير مسمى، فقد سئموا من السيسي ويترددون في تقديم المزيد من المال له.
وكذلك مستثمرو القطاع الخاص. رغم ارتفاع أسعار الفائدة بأكثر من الضعف منذ أوائل عام 2022، لتصل إلى 19.75%، فإن التضخم المرتفع يعني أن أسعار الفائدة الحقيقية سلبية. وتقدم البنوك المملوكة للدولة فائدة بنسبة 9% على الودائع بالدولار، وهي عوائد تحمل طابع مخطط بونزي. وقد قامت وكالة موديز للتصنيف الائتماني بوضع مصر قيد المراجعة لاحتمال خفض التصنيف الائتماني (لقد خفضت تصنيف البلاد إلى مستوى سيئ عند b3 في فبراير/شباط). وقد يقوم بنك جيه بي مورغان تشيس بإزالة البلاد من مؤشر سندات الأسواق الناشئة بسبب المخاوف من عدم قدرة المستثمرين على إعادة الأموال إلى وطنهم.
وقد تقلص عجز الحساب الجاري، لكن مصر لا تزال تسجل عجزاً قدره 5.3 مليار دولار في الأشهر التسعة حتى مارس/آذار. ويقدر بنك غولدمان ساكس أن مصر تحتاج إلى تمويل إضافي بقيمة 11 مليار دولار على مدى السنوات الخمس المقبلة. ويأمل المسؤولون في سد الفجوة من خلال مبيعات أصول الدولة، والاقتراض من الدول الآسيوية وقرض صندوق النقد الدولي. لكن هذه الحسابات تبدو شاقة.
ولا يقدم السيسي سوى كلام مرسل. ففي يونيو/حزيران، أصر على أنه لن يوافق على تخفيض آخر لقيمة العملة، وقال الشهر الماضي إن الأزمة الاقتصادية "شارفت على الانتهاء". وأخبر الشباب أنه يمكنهم كسب "دخل محترم" من خلال التبرع بالدم كل أسبوع. ويتفاخر مصطفى مدبولي، رئيس الوزراء، بأن مصر أنفقت 9.4 تريليون جنيه مصري (300 مليار دولار) على مشاريع البنية التحتية خلال العقد الماضي. وحتى لو كان ذلك صحيحاً، فقد أُهدِرَ الكثير من هذه الأموال على مشاريع ضعيفة الجدوى، من عاصمة جديدة شاسعة ومقفرة في الصحراء إلى توسيع قناة السويس التي كانت أقل بكثير من توقعات الإيرادات.
من المفترض أن تكون هذه الانتخابات هي الأخيرة بالنسبة للسيسي، فالدستور يحظر الترشح لولاية رابعة. لكنه كان يحظر من قبل الترشح لولاية ثالثة، وقد عدَّل السيسي ذلك في استفتاء زائف عام 2019، مما أدى إلى إحداث ثغرة سمحت له بالترشح مرة أخرى. ويرى بعض أنصاره أن ذلك خطأ. وحتى قبل الانتخابات الأخيرة، حثوه على التوقف عند فترتين رئاسيتين.
حاول رجال الأعمال والسياسيون وبعض ضباط الجيش البحث عن منافس حقيقي، ومن خلال الإسراع في إجراء الانتخابات، يأمل السيسي في استباق مثل هذه المخططات. ورغم أن الإطاحة بحسني مبارك في عام 2011 تُذكَر على أنها ثورة، فمن الممكن أن نطلق عليها أيضاً انقلاباً: فقد انقلب الجيش على الحاكم للحفاظ على نظام الحكم. من الممكن أن يتكرر التاريخ، وخاصة إذا أثار ارتفاع الأسعار اضطرابات. في احتجاجات صغيرة في الليلة التي أعلن فيها السيسي ترشحه، هتف الناس "ارحل"، وهو شعار شعبي منذ عام 2011. السيسي بولاية جديدة مدتها ست سنوات، لكن لا توجد ضمانات بأنه سيُسمَح له بإكمال هذه المدة، بحسب الإيكونوميست.