مثَّلت نتائج الانتخابات الرئاسية في جزر المالديف ضربة قوية للهند بعد فوز مرشح المعارضة محمد مويتسو على منافسه الرئيس الحالي إبراهيم محمد صُليح.
ويعتبر فوز مويتسو الذي يُعتبر مؤيداً للصين في جولة الإعادة خسارة كبيرة للنفوذ الهندي في الدولة الأرخبيلية، وخاصة في الفترة القادمة في ظل التحالفات التي تعنى بها المنطقة خلال السنوات الأخيرة.
وقالت مفوضية الانتخابات في المالديف، يوم الأحد 1 أكتوبر/تشرين الأول، إنَّ محمد مويتسو حصل على 54% من الأصوات في الانتخابات التي عُقِدَت، يوم السبت 30 سبتمبر/أيلول، بعد فرز جميع الأصوات تقريباً مقابل 46% من الأصوات للرئيس الحالي إبراهيم محمد صُليح.
وكتب صُليح على موقع إكس -المعروف سابقاً باسم تويتر- بعد إقراره بالهزيمة يوم الأحد 1 أكتوبر/تشرين الأول: "تهانينا للرئيس المنتخب مويتسو".
وفي بيان احتفالاً بفوزه، أكد مويتسو أنَّ شعب المالديف يجب أن يضع خلافاته جانباً ويعمل معاً. وأضاف: "توفر لنا نتائج اليوم الفرصة لبناء مستقبل البلاد والقوة لضمان حرية جزر المالديف".
أهمية المالديف للهند والصين
وسلَّط التصويت في جزر المالديف الضوء على الانقسام المرير بين المعسكرين المؤيد للهند والمؤيد للصين في أصغر دولة في آسيا. وتسيطر الهند والصين على الدولة الجزيرة الواقعة في المحيط الهندي، التي يبلغ عدد سكانها نحو 500 ألف نسمة منتشرين عبر الأرخبيل، وتقع في موقع استراتيجي مهم للتجارة والأمن، بحسب تقرير لصحيفة The Washington Post الأمريكية.
وأعطت الولايات المتحدة الأولوية لتحسين العلاقات مع جزر المالديف في السنوات الأخيرة، وأوفدت الشهر الماضي الدبلوماسي هوغو يو-هو يون ليكون أول سفير مقيم هناك، بعدما حافظت الإدارة الأمريكية في السابق على علاقات دبلوماسية مع المالديف من خلال سفارتها في سريلانكا.
وهنّأت وزارة الخارجية الأمريكية مويتسو بفوزه في الانتخابات يوم الأحد 2 أكتوبر/تشرين الأول. وقال المتحدث باسم الوزارة ماثيو ميلر، في بيان: "نتطلع إلى تعميق شراكتنا مع جزر المالديف وتوسيع العلاقات بين شعبينا".
بدوره، هنَّأ رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي الرئيس الجديد مويتسو. وكتب مودي على موقع إكس: "لا تزال الهند ملتزمة بتعزيز العلاقات الثنائية التي صمدت بمرور الزمن بين الهند وجزر المالديف".
ويتولى الرئيس الحالي، صُليح، السلطة منذ عام 2018، ويسعى إلى توثيق العلاقات مع نيودلهي تحت مظلة سياسة "الهند أولاً" التي تضمنت السعي إلى اتفاقيات تجارية جديدة والسماح للهند بتشغيل مرفق عسكري صغير على أراضي المالديف.
وكانت خطوة صُليح بمثابة تحول عن سياسات سلفه، يمين عبد القيوم، الذي قاد البلاد بين عامَي 2013 و2018؛ فقد جعل البلاد أقرب إلى بكين، ودعم مشروعات البنية التحتية الكبرى بتمويل صيني من خلال مبادرة الحزام والطريق.
مويتسو.. حليف الرئيس السابق
واتهمت جماعات المناصرة الرئيس الأسبق بارتكاب انتهاكات ضد حقوق الإنسان خلال فترة ولايته، وبعدما فقد منصبه في عام 2018، أُرسِل إلى السجن بتٌهم الرشوة وغسل الأموال التي ادعى أنصاره أنَّ لها دوافع سياسية.
ولم يكن مويتسو، البالغ من العمر 45 عاماً، وزير البناء السابق والعمدة الحالي للعاصمة ماليه، خياراً واضحاً لمرشح رئاسي، لكنه تدخل بعدما قضت المحكمة بعدم قدرة يمين على الترشح.
ولأنه حليف ليمين، فقد ساعد في الإشراف على العديد من مشروعات البنية التحتية الكبرى، بما في ذلك إنشاء جسر بتمويل صيني بقيمة 200 مليون دولار يربط العاصمة بالمطار الرئيسي في جزر المالديف.
وخاض مويتسو حملته الانتخابية وفق أجندة "لا لتدخل الهند"، زاعماً أنَّ الوجود العسكري في جزر المالديف يُقوِّض سيادتها وتعهد بطرد جميع الأفراد العسكريين الهنود. واستفاد أيضاً من الاستياء الواسع النطاق من الأداء الاقتصادي المنخفض للبلاد واتجه إلى خطاب أكثر قومية.
وفاز مويتسو بالجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية الشهر الماضي. وأُجرِيَت جولة الإعادة بعدما لم يحصل أي مرشح على الأغلبية المطلقة.
ويوم الأحد 1 أكتوبر/تشرين الأول، نُقِل يمين من السجن إلى الإقامة الجبرية. وكان مويتسو قد تعهد بإطلاق سراح الرئيس الأسبق في حالة فوزه في الانتخابات.
وأثار فوز مويتسو تعليقات حادة من المُعلّقين الهنود. فقد كتب براهما تشيلاني، العضو السابق في المجلس الاستشاري للأمن القومي الهندي والمنتقد الصريح لبكين، على موقع إكس/تويتر أنَّ تلك كانت "نكسة دبلوماسية مهمة للهند في ساحتها الخلفية، متأثرة بتصويت الإسلاميين".
خلافات قديمة
وارتبطت المشاعر المعادية للهند في جزر المالديف ذات الأغلبية المسلمة بالهجوم على حدث يوغا برعاية نيودلهي في ماليه العام الماضي. وحمل بعض المهاجمين أعلام الحزب التقدمي في جزر المالديف الذي يتزعمه مويتسو، بالإضافة إلى رفع لافتات تقول إنَّ اليوغا تتعارض مع تعاليم الإسلام، وفقاً لتقارير وسائل الإعلام الهندية.
وكان النفوذ الهندي في جزر المالديف قوياً عادةً، حيث أرسلت نيودلهي قوات إلى الجزيرة في عام 1988 لإحباط محاولة انقلاب كانت ستطيح الديكتاتور الذي كانت تدعمه، مأمون عبد القيوم. لكن في النهاية المطاف، أُزِيح عبد القيوم من السلطة بعد 20 عاماً، في عام 2008، بعد أول انتخابات ديمقراطية في البلاد.
وفي عام 2018، اقترح أحد أعضاء البرلمان الهندي علناً أنَّ الهند يجب أن "تغزو" جزر المالديف إذا زُوِرَت الانتخابات، وهو الاقتراح الذي تنصلت منه الحكومة بسرعة.
وفي مقابلات مع الصحيفة الهندية The Wire، قال حلفاء مويتسو إنَّ الرئيس المُنتخَب لا يسعى إلى تعطيل العلاقات مع نيودلهي، ومن المحتمل أن تكون أول زيارة دولة له إلى الهند، كما فعل رؤساء جزر المالديف الآخرون.
وقال أحمد محمد، الذي شغل منصب سفير جزر المالديف لدى الهند خلال حكومة الرئيس الأسبق يمين: "يجب أن نكون قادرين على الاستمرار في التمتع بعلاقات ودية مع الهند أو مع أية دولة دون الحاجة إلى وجود قوات على الأرض".