في خطوة مثيرة للجدل، أعلنت جماعة أنصار الله (الحوثية) في اليمن، حل الحكومة التابعة لها (غير معترف بها)، وتكليفها بتسيير الأعمال حتى تشكيل حكومة جديدة، ضمن ما سمّته عملية "التغيير الجذري" التي وردت في خطاب زعيم الجماعة المدعومة من إيران، عبد الملك الحوثي، في 26 سبتمبر/أيلول الحالي.
وقد أثارت خطوة حل حكومة الحوثيين عدة تساؤلات حول توقيتها والهدف منها، وأسباب قيام الحوثيين بحل الحكومة التابعة لهم، ومصير الشراكة مع حزب المؤتمر الشعبي العام.
متى تشكلت الحكومة المنحلة؟
وتشكلت الحكومة المقالة تحت مسمى "حكومة الإنقاذ الوطني" أواخر عام 2016، مناصفة بين جماعة "أنصار الله" وحزب المؤتمر الشعبي العام، بقيادة الرئيس الراحل علي عبد الله صالح، حينها. إذ تألفت من 42 عضواً، برئاسة القيادي بحزب المؤتمر، عبد العزيز بن حبتور.
وجاء تشكيل هذه الحكومة بعد 3 أشهر من الإعلان عن تشكيل المجلس السياسي الأعلى (أعلى سلطة حاكمة في مناطق سيطرة الحوثيين)، بالشراكة مع حزب المؤتمر، في يوليو/تموز من العام نفسه.
وقال الحوثي في خطاب له، الأربعاء 27 سبتمبر/أيلول، إن المرحلة الأولى من التغيير الجذري تتضمن "تشكيل حكومة كفاءات جديدة بدلاً من المقالة، تجسد الشراكة الوطنية، ويتم فيها تصحيح السياسات وأساليب العمل بما يخدم الشعب"، على حد قوله.
وأشار إلى أن التغيير سيشمل أيضاً "تصحيح وضع القضاء، ومعالجة الاختلالات، ورفده بالكوادر المؤهلة من علماء الشرع الإسلامي والجامعيين المتخصصين".
ما أسباب ودوافع حل الحكومة؟
طرح البعض تساؤلات بشأن دوافع وأسباب قيام الحوثيين بحل الحكومة التابعة لهم، وما مصير الشراكة مع حزب المؤتمر الشعبي العام (الجناح المتحالف مع الجماعة في صنعاء).
وبدا أن الخطوة الأخيرة من قبل جماعة الحوثي -رغم أنها أُقرت مما يسمى مجلس الدفاع الوطني المشكل من رئيس المجلس السياسي ورئيس مجلس النواب ورئيس مجلس القضاء ورئيس الحكومة المقالة وآخرين- لا تعدو كونها "عملية استباقية لأي عملية سياسية قادمة في اليمن، وتحقيق مكاسب سياسية في موازاة المكاسب العسكرية التي حققتها الجماعة، طبقاً لما يراه عدد من المتابعين.
وبالتالي، احتكار تلك المكاسب في ظل التنافس السياسي والشعبي الذي يمثله حزب المؤتمر الشعبي العام. كما أن حل الحكومة، أتى وسط حالة احتقان شديد بسبب الأوضاع الاقتصادية، وارتفاع الأصوات المطالبة بتسليم رواتب الموظفين العموميين، المنقطعة منذ سنوات.
ضغط داخلي
في الأسابيع الماضية، سجّل أول فعل احتجاجي سلمي منذ 9 سنوات في المناطق التي يسيطر عليها الحوثيون، حين أعلن نادي المعلمين اليمنيين (كيان نقابي) الإضراب للمطالبة بتسليم رواتب المعلمين المنقطعة منذ سنوات.
واستمر إضراب المعلمين، رغم تهديدات الجماعة لأسابيع، قبل أن تقوم باحتواء ذلك من خلال تسليم "نصف راتب" للمعلمين، التي بموجبها تم رفع الإضراب.
وقد دخل حزب المؤتمر الشعبي العام في خضم الأزمة أواخر أغسطس/آب الماضي، معلناً تأييده للمطالب التي رفعها نادي المعلمين، وهو ما أثار ردة فعل غاضبة من قيادات بارزة في جماعة الحوثي، بينها رئيس المجلس السياسي الأعلى، مهدي المشاط.
وقال أبو راس، في كلمة خلال احتفال الحزب الذكرى الـ41 لتأسيسه، في صنعاء، أواخر أغسطس/آب الماضي: "إن من حق الموظفين المطالبة بدفع الرواتب، كونها سلطة أمر واقع"، مطالباً السلطات التابعة للجماعة بـ"تسليم شيكات آجلة لكل موظف محروم من راتبه، بوصف ذلك التزاماً من قبلها حال توافر الأموال، أن تصرف لهم رواتبهم جميعها دون نقصان.
فيما وصف المشاط في كلمة ألقاها أمام جموع من مناصريه بمحافظة عمران (50 كلم شمالي صنعاء) المطالبين بالرواتب، بـ"الحمقى والغوغائيين والعملاء".
وزاد رئيس المجلس السياسي التابع للحوثي أن اتهمهم "بإثارة الفتن والمؤامرات، والعمل لمصلحة المخططات الأمريكية".
إصلاح وتصحيح
وقال علي القحوم، عضو المكتب السياسي لجماعة "أنصار الله"، إن الأسباب تعود لأهمية عملية البناء والإصلاح للدولة اليمنية والنهوض بمؤسساتها إلى مستويات التفعيل والأداء المؤسسي الخدمي، وتصحيح مسارات العمل المؤسسي في الوزارات".
وأضاف القحوم لـ"عربي بوست" أن إقالة الحكومة هي خطوة أولى من التغييرات الجذرية المطلوبة في هذه المرحلة، بهدف الانتقال من مرحلة الضعف والوهن في الدور الحكومي إلى العمل المؤسسي الخدمي لليمنيين.
وأشار القيادي في جماعة الحوثي إلى أن القرار جاء بعد دراسة وتقييم، حيث كان لابد من تغييرات باعتبارها ضرورة وطنية ملحة في تشكيل حكومة كفاءات تقدم دوراً فاعلاً في النهوض وتحسين الأداء لمؤسسات الدولة، وتقدم الخدمات للشعب اليمني.
وتابع المتحدث ذاته بأن الحكومة المقبلة ستكون أولوياتها تقديم الخدمات وتفعيل وإصلاح المؤسسات، وإصلاح القضاء وتحقيق العدل والمساواة والمواطنة المتساوية، والنهوض بمؤسساتها إلى الأداء المتميز والمطلوب بما يواكب المرحلة ويلبي تطلعات الشعب اليمني، وبما يليق بتضحياته الجسيمة وتخفيف المعاناة، على حد قوله.
وأضاف أن الخطوة تهدف أيضاً إلى رسم السياسات الاقتصادية والنمو الاقتصادي وتطوير المؤسسات وإعادة شملها والشتات الحاصل، وإعادة ترميم وإصلاح لوائحها بما ينسجم مع القانون اليمني والدستور للجمهورية اليمنية، وتكوين حكومة كفاءات، والتعامل بنظام الدولة وبسيادة القانون والنظام، وتكوين حكومة لكل اليمنيين.
كما أن التغييرات الجذرية التي تعهد بها زعيم الجماعة -بحسب عضو المكتب السياسي- تؤسّس لدولة جامعة لكل اليمنيين، وتكون مقبولة على المستوى الداخلي والخارجي والدولي، وتؤسس لسلام مستدام داخلي وخارجي، وتعمل على إنهاء كل المشاكل والمخاوف الداخلية والخارجية، وتبدد كل ذلك.
دوافع أخرى
كما أن هناك دوافع أخرى تكشف عن جانب من خفايا حل الحكومة التابعة للحوثيين، لعل أبرزها أن "الهدنة غير المعلنة منذ أكثر من عام، أوجدت حالة من الحضور للقادة الميدانيين للجماعة العائدين من جبهات القتال، لاسيما بعد أن أظهر لهم الواقع أنهم كانوا في حالة التهاء بالحرب في الجبهات دون تحقيق أية مكاسب شخصية.
يأتي هذا في الوقت الذي كان من يتصدرون المشهد الإداري والعمل السياسي بعيداً عن خطوط التماس، قد راكموا مكاسب مهولة، وثراءً مفرطاً لفت أنظار أولئك العائدين من جبهات القتال، بحسب متابعين. فيما لم يعد خافياً، الحراك الإقليمي والدولي في اليمن لإنهاء الحرب والدخول في عملية سلام شاملة.
كل ذلك، دفع بقيادة جماعة "أنصار الله" بإيعاز من دول ما، لاتخاذ خطوات جديدة بهدف "تحييد بعض العناصر التي كانت لها مواقف متطرفة من عملية السلام، أو من التحالف الذي تقوده السعودية وقوى دولية أخرى".
ولذلك، فإن قيادة الجماعة شرعت في هكذا خطوات لتهيئة المناخ لإحداث ذلك من خلال عملية التغيير التي أعلنت عنها في الأيام القليلة الماضية.
بينما يذهب رأي آخر إلى أن إقدام زعيم الجماعة الحوثية على هذه الخطوات، يأتي في سياق "ضمانات تلقاها أن جماعته ستظل حاضرة وربما حاكمة في المشهد العام في البلاد عقب أية تسوية سياسية مع الأطراف الأخرى".
ونتيجة لتلك الضمانات، بدأ عبد الملك الحوثي في طرح عملية تغيير عميقة تستهدف "أسس وقوانين تنظم عمل مؤسسات الدولة" في المناطق التي يسيطر عليها مسلحوه، شمالي ووسط اليمن.
موقف حزب المؤتمر
وأما موقف حزب المؤتمر الذي يقوده صادق أمين أبو راس، فقد استبق الحزب ( الجناح المتحالف مع الجماعة) هذه الخطوة بالتحفظ والتحذير من أي تحول يتجاوز الثوابت الوطنية.
وقال الحزب في بيان له، مساء الإثنين الماضي، إن "أي تحول أو تغيير يجب أن يرتبط وينطلق ويستمد مشروعه وقيمه ومبادئه من الأهداف الستة لثورة 26 سبتمبر/أيلول وقيمها ومُثُلها الوطنية، التي كانت وستظل شعاع النور والتنوير الذي يجب أن نهتدي به في كل مراحل التحولات التي تمر بها اليمن واليمنيون".
وأكد على أن "المؤتمر الشعبي العام سيظل يكرر مواقفه في التمسك والدفاع عن الثوابت الوطنية المتمثلة بالثورة اليمنية وأهدافها، والنظام الجمهوري، والوحدة الوطنية، والنظام الديمقراطي الذي يكفل للشعب اختيار حكامه وحق التعبير عن آرائه وقناعاته وتوجهاته، وفقاً لنظام دستوري وقانوني يكفل المواطنة المتساوية، وتحقيق العدالة الاجتماعية، ورفض النزعات المتطرفة، مذهبية كانت أو مناطقية أو قروية أو انفصالية أو اتخذت أي شكل من الأشكال، لافتاً إلى أن الحزب يؤكد على "ضرورة ترسيخ مفهوم الشراكة الوطنية التي تضمن تحقيق القاعدة السياسية التي تقول إن اليمن ملك لأبنائه، ويتسع لهم جميعاً دون استثناء".
فيما تبدو الاحتجاجات ومظاهر الاحتفال بالعيد الوطني لثورة 26 سبتمبر/أيلول، التي أسقطت حكم آل حميد الدين عام 1962 في صنعاء ومناطق أخرى، واحدة من ردود فعل حزب المؤتمر وجماهيره المبكرة لجماعة الحوثي.
وقد كانت صنعاء وإب ( شمال ووسط) مسرحين لصدامات بين مواطنين احتشدوا للاحتفال بالعيد الوطني للثورة اليمنية، وعناصر أمنية تابعة للحوثيين حاولت منعهم من الاحتفال.
ومما لاشك فيه، فإن تلك الاحتجاجات والاحتفالات تحمل أكثر من دلالة، وهي خطوة من عملية الاستباق لأية تغييرات واسعة قد يشرع فيها الحوثيون، وربما فرملة أية إجراءات لإقصاء قيادات حزب المؤتمر وكوادره، إذ إن الحزب ستكون ردوده عنيفة بطريقة معلنة أو غير معلنة.