حثَّ البيت الأبيض صربيا يوم الجمعة 29 سبتمبر/أيلول 2023، على سحب قواتها المحتشدة على حدود كوسوفو، ووصف المسؤولون الأمريكيون هذا الحضور العسكري بأنه "مزعزع للاستقرار"، و"بادرة مثيرة للقلق تُنذر بتصعيد محتمل في التوترات بين صربيا وكوسوفو".
وتأتي هذه الدعوات بعد خمسة أيام من هجوم وقع في شمال كوسوفو، اقتحم فيه مسلحون من صربيا قريةً كوسوفية ثم تحصنوا في دير، وقد أسفرت الواقعة عن مقتل أربعة أشخاص، منهم ضابط شرطة من كوسوفو.
واستنكر جون إف كيربي، المتحدث باسم الإدارة الأمريكية، هذا الهجوم يوم الجمعة 29 سبتمبر/أيلول، وقال إن المسؤولين الأمريكيين تواصلوا مع قادة صربيا وكوسوفو؛ لحثهم على الدخول في حوار دبلوماسي. وقال كيربي إنّ حلف شمال الأطلسي (الناتو) سينشر مزيداً من قواته في المنطقة، إلا أنه لم يذكر ما إذا كان المسؤولون الأمريكيون يتوقعون أن يتحول التصعيد إلى صراع عسكري.
إليكم ما ينبغي معرفته عن أحدث تطور في النزاع الذي تعود جذوره إلى صراعات منطقة البلقان في تسعينيات القرن الماضي:
"كوسوفو تتعرض للهجوم".. ماذا حدث في أعمال العنف الأخيرة؟
يوم الأحد 24 سبتمبر/أيلول 2023، اقتحم عشرات من المسلحين الصرب بعرباتهم المدرعة قريةً في شمال كوسوفو، ثم تحصنوا في دير صربي أرثوذكسي قريب، واشتبكوا مع شرطة كوسوفو، وهو ما أسفر عن مقتل ضابط كوسوفي وثلاثة من المسلحين.
تبادل زعماء صربيا وكوسوفو اللوم خلال الأيام التالية لأعمال العنف. ثم قالت سلطات كوسوفو علانية إن الرئيس الصربي ألكسندر فوتشيتش دعم المسلحين.
وقالت فيوسا عثماني، رئيسة كوسوفو، لوكالة Reuters، يوم الخميس 28 سبتمبر/أيلول، إن "كوسوفو تتعرض للهجوم"، والمسلحون "إنما نفذوا مقاصد ونوازع الدولة الصربية وزعيمها فوتشيتش".
ووصف المسؤولون الأمريكيون الهجوم بأنه كان "محكم التنظيم"، وقالوا إن المهاجمين كان لديهم على الأغلب موارد كبيرة لدعمهم في الهجوم. وقال كيربي إن المسلحين تخلصوا من أكثر من اثنتي عشرة سيارة رياضية متعددة الاستخدامات بعد استعمالها في نقل الأسلحة، وهو "تطور مثير للقلق".
وقال المتحدث باسم الإدارة الأمريكية إن الأسلحة المنقولة ليست خطراً فقط على كوسوفو، بل على القوات الدولية المتمركزة هناك أيضاً. وتنتشر بعثة حفظ سلام تابعة للناتو في كوسوفو منذ عام 1999، وللحلف عدة آلاف من القوات المتمركزة في البلاد.
لم يكن هذا أول نزاع بين البلدين هذا العام، فقد اندلع القتال في مايو/أيار حين أرسلت السلطات الألبانية في كوسوفو قوات أمن تابعة لها إلى عدة بلدات حدودية للسيطرة على المباني البلدية، وتعيين رؤساء البلديات -من ذوي الأصل الألباني- الذين فازوا في الانتخابات المحلية. وكان معظم الصرب القاطنين في المنطقة قد قاطعوا الانتخابات.
ما جذور الصراع بين كوسوفو وصربيا؟
يأتي التصعيد الأخير في سياق النزاع القائم بشأن وضع كوسوفو، إذ أعلن هذا البلد استقلاله عن صربيا قبل 15 عاماً، بعد ما يقرب من 10 سنوات من حملة القصف التي شنها الناتو طيلة 78 يوماً لطرد القوات الصربية (اليوغوسلافية آنذاك) التي أعملت المذابح في سكان المنطقة المسلمين من العرق الألباني.
وعلى الرغم من أن الولايات المتحدة وكثيراً من الدول الأوروبية اعترفت بعد ذلك باستقلال كوسوفو، فإن صربيا- ومعها أبرز حليفين لها: روسيا والصين- ما زالت لا تعترف بهذا الاستقلال. ووصفت صربيا الانفصال بأنه انتهاك لقرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة رقم 1244، الذي اعتُمد في نهاية حرب كوسوفو.
ما الذي يريده الصرب من كوسوفو الآن؟
يدعي فوتشيتش وغيره من القادة الصرب أن كوسوفو هي "القلب النابض" لبلادهم، ويذكرون من بين الأسباب أنها موطن لكثير من المواقع المسيحية الأرثوذكسية المبجَّلة، كما تقول صحيفة The New York Times الأمريكية. واستبعد فوتشيتش الاعتراف بكوسوفو، وتعهد "بحماية" المنتمين إلى العرق الصربي هناك.
وكان بعض الصرب "المعتدلين" في كوسوفو قد انضموا إلى القوميين الصرب المتشددين في المطالبة بتنفيذ اتفاق عام 2013 الذي توسط فيه الاتحاد الأوروبي بين صربيا وكوسوفو، والذي يدعو إلى السماح بقدرٍ من الحكم الذاتي للبلديات التي يهيمن عليها الصرب في شمال كوسوفو، وهو بند لم تلتزم به كوسوفو؛ لاتهامها صربيا بمساندة النزعات الانفصالية هناك.
وفي فبراير/شباط 2023، وافق زعماء كوسوفو وصربيا مبدئياً على اتفاق السلام الذي انعقد بوساطة الاتحاد الأوروبي، إلا أن القوميين من الجانبين رفضوا الموافقة عليه.
ما الخلفية الإقليمية للتوترات بين صربيا وكوسوفو؟
تتابع اندلاع التوترات بين الطائفتين العرقيتين خلال العقد الماضي، وهو ما جعل المنطقة بؤرة لأعمال العنف المتفرقة. اندلعت الاشتباكات في يوليو/تموز 2022، رداً على قانون يلزم الصرب المقيمين في كوسوفو بتبديل لوحات السيارات الصربية إلى لوحات تابعة لكوسوفو.
ويأتي التصعيد الأخير للأعمال العدائية في وقت يستحوذ فيه الغزو الروسي لأوكرانيا على اهتمام الحلفاء البارزين لكوسوفو، الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، حيث يخشى الغرب من أن يفجر بوتين بؤرة صراع داخل أوروبا لإلهاء الأوروبيين عن دعم أوكرانيا.
وكانت صربيا، المرشحة للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، حليفاً وثيقاً لموسكو طيلة قرون. وعلى الرغم من أن صربيا صوتت بالموافقة على قرار الأمم المتحدة الذي أدان الغزو الروسي لأوكرانيا في مارس/آذار 2022، فإنها لم تنضم إلى الدول الغربية في فرض العقوبات على روسيا بسبب الحرب.