كلمة السياحة ترتبط بالشواطئ والمشاهد الخلابة والمناطق الأثرية، ولكن يبدو أن هناك نوعاً جديداً، قد بدأ يظهر هو السياحة الحربية التي اقترحها البعض تطبيقها في أوكرانيا في محاولة لزيادة التعاطف الغربي مع كيييف، ولكن مقترح السياحة الحربية في أوكرانيا أثار جدلاً بعدما تبنته في البداية وكالة حكومية بالبلاد.
وأعلنت أوكرانيا في عام 2022، عن تنظيم جولات إرشادية للمدن التي دمرها الغزو الروسي، فيما اعتبره مؤيدو فكرة السياحة الحربية في أوكرانيا وسيلة فعالة لإطلاع السياح على حقائق الحرب ومعرفة كيف يعيش شعب أوكرانيا وسط الصراع.
وتحت شعار "زوروا أوكرانيا"، أطلقت حملة السياحة الحربية العام الماضي، وقالت الحملة إنه بالنسبة للمسافرين المهتمين بالزيارة، يجب أن تكون السلامة هي الأولوية القصوى، ويجب على الزائرين الالتزام بالمدن الآمنة نسبياً
وحسبما ورد تستأنف كييف أنشطة "الحياة الطبيعية"، لكن الهجمات الصاروخية لا تزال تشكل تهديداً.
نصائح السلامة للمشاركين في حملة السياحة الحربية أو "زوروا أوكرانيا"
وقُدمت نصائح للمشاركة في السياحة الحربية التي تسمى حملة زوروا أوكرانيا، منها أنه يجب على الزائرين تنزيل تطبيق Air Raid Alert، والتوجه إلى الملجأ في حالة حدوث تهديد للمنطقة.
وتؤكد النصائح ضرورة اتباع حظر التجول لأسباب تتعلق بالسلامة، والاحتفاظ بجميع وثائق الهوية، وتجنب الأماكن المزدحمة، وعدم التقاط الأشياء المشبوهة.
وتحذّر الحملة من تصوير الأفراد العسكريين أو المعدات أو نقاط التفتيش، كما تدعو إلى إبقاء الهواتف مشحونة قدر الإمكان.
وفي قسم الجولات السياحية بموقع visit Ukraine، يوجد قسم اسمه "المدن الشجاعة"، والذي يتضمن تسع جولات مختلفة تسلط كل منها الضوء على بعض آثار الغزو الروسي لأوكرانيا، مع إطلاق أسماء بطولية على المدن الأوكرانية مثل "بوشا التي لا تقهر"، و"خاركيف غير القابل للتدمير".
ويقود المرشدون المحترفون الجولات ويعرفون الإجراءات ذات الصلة في حالات الطوارئ.
انتقادات لحملة السياحة الحربية في أوكرانيا
ولكن حملة السياحة الحربية في أوكرانيا، التي تهدف إلى استعراض الدمار في البلاد بسبب الحرب الروسية، وجمع المساعدات للاجئين، تعرضت لاتهامات بأنها "لا تحترم للضحايا".
إيغور فينيشنكو، طالب السياحة في جامعة "تاراس شيفشينكو الوطنية" بالعاصمة كييف، قال لوكالة الأناضول، إنه "لأسباب أخلاقية لا تُجرى سياحة حربية في أوكرانيا، لكن الموضوع كان قيد النقاش".
وأضاف أنه "في 2022، اقترحت منظمة (زوروا أوكرانيا، Visit Ukraine) العامة، تنظيم جولات إلى المدن في محيط كييف التي تضررت جراء المعارك مع روسيا، بهدف رفع مستوى الوعي العالمي حول مأساة أوكرانيا، بمساعدة مرشدين وخبراء سياحة تم تجهيزهم للمهمة".
بحسب فينيشنكو، حظيت المبادرة بدعم أولي من ماريانا أوليسكيف، رئيسة الوكالة الحكومية للتنمية السياحية في أوكرانيا، وكانت مستوحاة من زيارات المسؤولين الحكوميين الأجانب والمشاهير لمدن مثل إربين وبوتشا وهوستوميل.
وأضاف أنه "رغم أن عائدات الجولات كانت ستخصص لمساعدة اللاجئين الأوكرانيين، فإنها واجهت انتقادات حادة لاعتبارات أخلاقية، ونظر إليها على أنها بمثابة عدم احترام للضحايا، ونتيجة لذلك، تخلت كل من مبادرة (زوروا أوكرانيا)، ووكالة السياحة الحكومية عن الفكرة".
ولفت إلى قدرة السياحة على نقل تأثير الحرب، على مستوى العالم، قال فينيشنكو: "لا تقتصر السياحة الحربية على الزيارات المنتظمة لهذه المناطق، بل تتضمن أيضاً زيارات لمناطق سبق أن شهدت نزاعاً، والمتاحف الحربية، والوحدات العسكرية، وتجارب إطلاق النار الحي، والتعرف على المعدات العسكرية، وحتى ركوب المروحيات أو الطائرات".
ورأى أن "هذه التجارب الميدانية تبيّن للزائرين الوجه الحقيقي للحرب وتُمكنهم من فهم عواقبها؛ وقد تعزز التعاطف والتواصل بين الزائرين والسكان المحليين".
زوار المناطق المتضررة سيصبحون أكثر تعاطفاً
برأي فينيشنكو، فإن "زوار هذه المناطق، الذين يتفاعلون مع السكان المحليين ويشهدون عن قربٍ الدمار الذي حلّ بالبنية التحتية والتعدين والأضرار البيئية، سيوظفون ذلك في اتخاذ قرارات حاسمة لإعادة الإعمار".
ويقول: "على سبيل المثال، ترميم روضة أطفال روتا في كييف، الذي جرى بدعم من ليتوانيا وحضره الرئيس الليتواني، غيتاناس نوسيدا، لفت انتباه الرأي العام بشكل كبير".
وعلق على ذلك بأنه "إذا اعتبرنا المسؤولين الأجانب رفيعي المستوى سائحي حرب، فيمكنهم أن يحفزوا الآخرين من خلال تأثيرهم النابع من مواقعهم، على حل القضايا التي يشهدونها في مناطق الصراع".
وأضاف: "في يونيو/حزيران الماضي، على سبيل المثال، قام الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون والمستشار الألماني أولاف شولتز ورئيس الوزراء الإيطالي السابق ماريو دراجي بزيارة المنطقة في البداية لبحث الوضع مع أوكرانيا، لكن نواياهم تغيرت بشكل كبير بعد أن شهدوا الدمار في منطقة كييف".
وأكد فينيشنكو أيضاً أنه في مناطق النزاع، لا يمكن ضمان السلامة بسبب الأسلحة الحديثة التي لا يمكن التنبؤ بقدراتها.
الوكالة الحكومية للسياحة تدعم الفكرة ولكنها تقرر وقفها
ورغم دعمها فكرة السياحة الحربية بشكل عام، فإن رئيسة الوكالة الحكومية للتنمية السياحية في أوكرانيا، ماريانا أوليسكيف، قالت لـ"الأناضول"، إن "السياحة الحربية غير متاحة حالياً، وزيارة الخطوط الأمامية محظورة، لأن 18% من أوكرانيا تحت الاحتلال، والوصول إلى الخطوط الأمامية مسموح فقط للصحفيين ووفود محددة والأفراد العسكريين".
وبيّنت أنه "عندما تنطلق صفارات الإنذار، يهرع الناس إلى الملاجئ، وتتعرض المناطق الأقرب إلى الخطوط الأمامية لقصف متكرر، ما يجعلها غير آمنة، بشكل يترك وقتاً ضيقاً للوصول إلى بر الأمان، علماً أن المناطق الآمنة تبدأ على بعد نحو 800 كيلومتر (497 ميلاً) منها".
وبحسب أوليسكيف، زار نحو 45% من الأوكرانيين هذا الصيف مناطق مختلفة داخل بلدهم، مما يدل على ارتفاع معدل السياحة الداخلية، في حين يأتي الأجانب عادةً إلى أوكرانيا للعمل أو العمل الإنساني أو الزيارات العائلية".
من جهة ثانية، سلطت الضوء على مرونة الأوكرانيين في مواصلة حياتهم ودعم الاقتصاد، مؤكدةً أن "النشاط الاقتصادي يدعم العسكريين ويحافظ على استقرار الخطوط الأمامية في مواجهة الاحتلال الروسي، ويساهم جميع الأوكرانيين في هذا الجهد، مما يمنع مزيداً من الاحتلال".