أدرجت وزارة الخارجية الأمريكية مؤخراً مصر في قائمتها للدول المتورطة في استخدام الجنود الأطفال، وهي عملية توصف بأنها جريمة حرب وفقاً للقانون الدولي، فلماذا اتخذت واشنطن هذا القرار، وتأثيراته السياسية والمالية والقانونية وما حقيقة المزاعم بشأن تجنيد مصر للأطفال.
واستندت هذه الخطوة غير المسبوقة إلى تقارير مستقلة تفيد بأن الجيش المصري أجرى عمليات مشتركة مع الميليشيات المتحالفة معه في شمال سيناء التي جندت الأطفال، واستخدمت البعض منهم في الأعمال الهجومية ضد جماعة "ولاية سيناء" المسلحة، المرتبطة بـ "تنظيم الدولة الإسلامية" المعروف أيضاً بـ "داعش"، حسبما ورد في موقع منظمة هيومان رايتس ووتش الأمريكية.
مصر شكلت ميليشيات قبلية لمحاربة داعش والتي بدورها استخدمت الأطفال كجنود
ومنذ عام 2015، شكلت الحكومة ميليشيات من القبائل البدوية المحلية في سيناء لمواجهة تنظيم داعش، في ظل الصعوبات التي واجهت القوات الرسمية في التعامل مع التنظيم الذي يستغل معرفته بالمناطق الجغرافية الوعرة لسيناء والتركيبة العشائرية لشبه الجزيرة الاستراتيجية.
في أغسطس/آب الماضي، أفادت "مؤسسة سيناء لحقوق الإنسان" المصرية بأن الميليشيات المتحالفة مع الجيش في شمال سيناء جندت فتياناً، بعضهم لا يتجاوز عمره 16 عاماً، لتنفيذ عمليات لوجستية وقتالية. أصيب أو قُتل بعض هؤلاء الأطفال. اعتمد الجيش المصري بشكل متزايد على هذه الميليشيات، التي أنشأتها قبائل محلية، في قتاله ضد ولاية سيناء.
نشرت ميليشيات شمال سيناء صوراً ومقاطع فيديو لجنود أطفال علناً على فيسبوك وتيك توك، حسب هيومن رايتس ووتش.
تجنيد الأطفال جريمة حرب
وقالت المنظمة إن "مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة" حدد تجنيد الأطفال على أنه واحد من ستة انتهاكات خطيرة ضد الأطفال في أوقات الحرب. يحظر القانون الدولي لحقوق الإنسان تجنيد أو استخدام الأطفال الذين تقل أعمارهم عن 18 عاماً، ويعتبر استخدام الأطفال دون 15 عاماً جريمة حرب.
وبات ملف الميليشيات القبلية المتحالفة مع الحكومة مثيراً للجدل، خاصة أنه أمر نادر في الثقافة المركزية المصرية، كما أن هناك مخاوف من خروجها من السيطرة في ظل تراجع الحاجة إليها وحديث عن أن بعض الميليشيات حصلت على أسلحة من مصادر غير حكومية إضافة للمخاوف من احتمال استخدامها للأسلحة في تصفية خلافات قبلية، وسط جدل في مصر بشأن صعود العرجاني كزعيم لهذه الميليشيات وحليف للنظام، خاصة أن سيناء معزولة عن مصر بواسطة قناة السويس، مما قد يتيح لهذه الميليشيات إمكانية السيطرة عليها حال وقوع اضطرابات وصعوبة نقل قوات عسكرية لسيناء.
وبحسب تقرير هيومن رايتس ووتش، فإن تصنيف وزارة الخارجية الأمريكية يأتي بعد عدد من التحقيقات المستقلة، التي وجدت أن الجيش المصري يقوم بعمليات مشتركة مع الميليشيات المتحالفة معه في شمال سيناء لتجنيد الأطفال.
وشملت هذه العمليات في كثير من الأحيان القتال ضد جماعات مثل ولاية سيناء التابعة لتنظيم الدولة الإسلامية.
وكان بعض الذين تم تجنيدهم للقتال لا يتجاوز عمرهم 16 عاماً، وتم استخدامهم في مهام مختلفة، بما في ذلك العمليات اللوجستية والقتال.
وكانت تقارير وتحقيقات سابقة كشفت عن إصابة أو مقتل جنود أطفال أثناء القتال.
البعض شارك في القتال وآخرون في عمليات تجسس وتفكيك المتفجرات
وفي الشهر الماضي، قالت مؤسسة سيناء لحقوق الإنسان، ومقرها المملكة المتحدة، إنه بين عامي 2013 و2022، تم تجنيد أطفال لا تتجاوز أعمارهم 12 عاماً، مع مشاركة بعضهم دون سن 18 عاماً بشكل مباشر في الأعمال العدائية.
ووجدت المجموعة أن آخرين كلفوا بالتجسس وتوصيل الطعام إلى نقاط التفتيش العسكرية وتفكيك المتفجرات، حسبما نقل عنها موقع middleeasteye البريطاني.
وتأتي نتائج هيومن رايتس ووتش، التي صدرت يوم الثلاثاء، بعد تحقيق دام أشهراً أجرته منظمة SFHR، واستند جزئياً إلى شهادات من أقارب الأطفال وأعضاء الميليشيات الموالية للحكومة وطفل يُزعم أنه تم تجنيده من قبل القوات المسلحة.
وقالت SFHR إنها تدعو الحكومة المصرية إلى "الوقف الفوري لتجنيد الأطفال دون سن 18 عاماً واستخدامهم كمقاتلين أو في أدوار دعم عسكرية تعرضهم للخطر".
الجنود الأطفال تعرضوا للاغتيال على يد داعش
ويتحمل فصيل ولاية سيناء التابع لتنظيم الدولة الإسلامية المسؤولية المباشرة عن مقتل بعض الجنود الأطفال، بما في ذلك من خلال عمليات الإعدام.
وفي إحدى الحالات، تم قطع رأس شاب يبلغ من العمر 17 عاماً أمام والده بمشرط، ثم تُرك رأسه عند معبر للسكك الحديدية في قريته كتحذير للآخرين الذين يُزعم أنهم عملوا مع السلطات المصرية.
وقالت SFHR إن أطفالاً آخرين أصيبوا بجروح خطيرة أثناء عملهم، بما في ذلك العديد منهم أصيبوا أثناء محاولتهم إبطال مفعول المتفجرات.
ومنذ عام 2015، شكلت القبائل المحلية في المنطقة ميليشيا موالية للحكومة.
وقد تسبب الصراع في وقوع خسائر في صفوف العسكريين والمدنيين، على الرغم من أنه من الصعب قياس الصورة الكاملة؛ حيث يُمنع الصحفيون في كثير من الأحيان من دخول المنطقة.
وقد تسبب الصراع في سيناء بوقوع خسائر في صفوف العسكريين والمدنيين، على الرغم من أنه من الصعب قياس الصورة الكاملة؛ حيث يُمنع الصحفيون في كثير من الأحيان من دخول المنطقة.
وتقول هيومن رايتس ووتش إنها وثقت انتهاكات خطيرة ارتكبها الجيش المصري والجماعات الموالية له في سيناء منذ 2013. بعض هذه الانتهاكات، مثل إعدام المحتجزين خارج إطار القضاء أو بإجراءات موجزة، قد يرقى إلى جرائم حرب.
جريمة مدرجة في القانون الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية
وبموجب القانون الدولي، يحظر على الحكومات تجنيد الأطفال دون سن 15 عاماً لأي غرض.
إن مثل هذا التجنيد من قِبل الحكومة أو الجماعات المسلحة مدرج كجريمة حرب في النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية.
في 2008، أقر الكونغرس الأمريكي قانون منع تجنيد الأطفال، الذي يحجب أنواعاً معينة من المساعدات العسكرية الأمريكية عن الحكومات التي تستخدم الأطفال في قواتها، أو تدعم الميليشيات التي تُجنّد الأطفال. يهدف القانون إلى الضغط على الحكومات لإنهاء تجنيد الأطفال، وإلى تسريح الأطفال من قواتها.
واعتبرت هيومن رايتس ووتش إدراج مصر في قائمة الدول التي تستخدم الجنود الأطفال خطوة مهمة نحو تمحيص الانتهاكات التي يرتكبها الجيش المصري في شمال سيناء. لكن لن يكون لذلك عواقب عسكرية فورية على مصر؛ لأن إدارة بايدن تنازلت عن أحكام قانون منع تجنيد الأطفال التي كانت ستمنع مصر من تلقي ما لا يقل عن 1.5 مليار دولار من المساعدات العسكرية الأمريكية. في 14 سبتمبر/أيلول، أعلنت إدارة بايدن أنها ستسمح لمصر تحديداً بتلقي مساعدات عسكرية، رغم القمع الحكومي المستمر.
وقالت المنظمة إن إدراج مصر في قائمة الدول التي تستخدم الجنود الأطفال يضعها تحت المجهر. يتعين على حكومة الولايات المتحدة الالتزام بمقاصد القانون، وعدم تقديم المساعدات العسكرية لمصر إلا إذا حاسبت الحكومة قواتها الأمنية ووضعت حداً لانتهاكاتها.
17 دولة في العالم جندت أطفالاً، وضغوط على بايدن للتحرك
وفقاً لتقارير حقوق الإنسان لعام 2022 والمصادر التي تستشهد بها، كانت هناك تقارير موثوقة عن قيام 17 حكومة على الأقل بتجنيد أو استخدام جنود أطفال في العام التقويمي 2022 أو دعم الجماعات المسلحة التي قامت بذلك.
هناك ضغوط على إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن لإعطاء اهتمام لمسألة تجنيد الأطفال.
وقدم معنيون بالقضية خارطة طريق لكيفية تعزيز بايدن لجهود أمريكا منع تجنيد الأطفال.
يطالب قانون أمريكي معروف باسم قانون منع تجنيد الأطفال (CSPA) وزير الخارجية بأن يدرج في تقرير وزارة الخارجية السنوي عن الاتجار بالأشخاص قائمة بالحكومات التي قامت، خلال العام السابق، بتجنيد أو استخدام جنود أطفال أو جنود أطفال. ودعمت الجماعات المسلحة التي فعلت ذلك.
ويقول المنتقدون لما يعتبرونه تقاعساً أمريكياً في هذه القضية إن القائمة أبعد ما تكون عن مجرد عملية تسمية وفضح؛ بل إنها بالأحرى جزء لا يتجزأ من أداة أمريكية قوية ولكنها غير مستغلة بشكل مؤسف لمنع تجنيد واستخدام الجنود الأطفال على مستوى العالم.
ويشيرون إلى أنه بموجب قانون مثل قانون منع تجنيد الأطفال CSPA، يُحظر على الحكومات المدرجة في هذه القائمة في سنة معينة تلقي أنواع معينة من مبيعات الأسلحة الأمريكية والمساعدات العسكرية في السنة المالية التالية، في غياب تنازل رئاسي أو استثناء آخر.
ويقولون إنه إذا تم تنفيذ قانون CSPA بشكل جيد، فيمكن أن يكون بمثابة حافز قوي للحكومات المتورطة في تجنيد الأطفال الجنود أو استخدامهم لوضع حد لهذه الممارسات مقابل الحصول على الأسلحة والمعدات والتدريب الأمريكي المطلوب بشدة.
الإدارات الأمريكية تلاعبت بالقانون
ولكن حسب منتقدي الحكومة الأمريكية، فإنه لسوء الحظ، تم تقويض إمكانات القانون من قبل الإدارات الأمريكية المتعاقبة، بدءاً بإصدار إدارة أوباما لأول قائمة على الإطلاق لقانون CSPA في عام 2010. وفي السنوات التي تلت ذلك، استخدم الرؤساء سلطتهم على نطاق واسع للتنازل عن الحظر الذي يفرضه القانون، الأمر الذي أدى إلى تفاقم المشكلة، حيث استمر تدفق الأسلحة والمساعدات الخاضعة لقيود القانون إلى الحكومات المتواطئة في تجنيد الأطفال أو استخدامهم.
ومع ذلك، فإن القضية الأكثر أهمية هي أن الحكومات التي يتم الإبلاغ عنها على نطاق واسع عن تجنيد أو استخدام الجنود الأطفال قد تم استبعادها مراراً وتكراراً من القائمة السنوية لقانون الأمن والدفاع المدني، مما يلغي أي احتمال لاستخدام القانون لتعزيز التغيير في سلوكهم.
وهناك مثال لتلاعب الإدارات الأمريكية بالقانون وهو الفلبين التي لم يتم إدراجها في قائمة قانون الأمن والدفاع والأمن للعام الماضي 2022، على الرغم من أنه -وفقاً لوزارة الخارجية الأمريكية- فإن الحكومة الأمريكية أقرت بأن الفلبين لديها أو استخدمت "جنوداً أطفالاً" خلال الفترة المشمولة بالتقرير لقائمة قانون الأمن والدفاع والأمن للعام الماضي، حسبما ورد في تقرير لمركز ستيمسون "Stimson" الأمريكي للأبحاث غير الربحي الذي يقوم بتحليل القضايا المتعلقة بالسلام العالمي.
هل يؤدي تجنيد مصر للأطفال المزعوم لحجب المعونة العسكرية الأمريكية عنها؟
والولايات المتحدة من كبار المانحين لمصر، والقاهرة ثاني أكبر متلقّ للمساعدات الأمريكية بعد إسرائيل بقيمة 1.3 مليار دولار، ولعبت هذه المساعدات دوراً كبيراً في بناء قوة الجيش المصري الحديثة، حيث يعتمد بشكل كبير على الأسلحة وقطع الغيار الأمريكية خاصة طائرات إف 16 ودبابات أبرامز الشهيرة.
ورغم أن قانون منع تجنيد الأطفال يتضمن أحكاماً تمنع أي مساعدات عسكرية أو أمنية أمريكية للحكومات التي تثبت إدانتها بتجنيد الأطفال، كما سبق الإشارة، ولكن كما تكرر مع العديد من الدول يمكن إجراء استثناءات إذا رأى البيت الأبيض أن من الأهمية القصوى لمصالح الأمن القومي الأمريكي تجاوز هذه الشروط.
وهناك حكومات حليفة أخرى لواشنطن اتهمت بذات الاتهام، ولم تعاقب بشكل كبير، وقد يعني ذلك أنه في حال مصر، في أشد السيناريوهات الأمريكية حزماً قد يتم حجب جزء صغير من المعونة بسبب تجنيد الأطفال، مثلما حدث بسبب انتهاكات حقوقية أخرى، ولكن المسار الرئيسي للمساعدات قد يستمر.
ورغم أن واشنطن تجاهلت مسألة تجنيد الأطفال مع العديد من الدول، ولكن القضية اكتسبت زخماً مؤخراً، ولذلك قد يكون هناك رد فعل أمريكي هذا العام، ولكن في الأغلب قد يشمل حجب جزء صغير من المعونة العسكرية للقاهرة مثلما تفعل عادة بسبب انتهاكات حقوقية منسوبة للحكومة المصرية، ومؤخراً، حجبت واشنطن نحو 85 مليون دولار من المعونة العسكرية الأمريكية البالغة 1.3 مليار دولار بسبب الانتهاكات الحقوقية من إجمالي معونة قدرها 1.3 مليار دولار.
ويرتبط جزء صغير من هذه المساعدات -نحو 320 مليون دولار- بسجل القاهرة في الديمقراطية وحقوق الإنسان.