بعدما استعادت أذربيجان أراضيها وفرضت سيطرة الكاملة على إقليم ناغورنو قره باغ الانفصالي في يوم واحد عبر هجوم عسكري خاطف هذا الأسبوع، يلوح في الأفق نزاعٌ آخر بين أذربيجان وأرمينيا حول أراضي إقليم نخجوان الأذربيجاني المفصول عن باكو بواسطة الأراضي الأرمينية.
قصة إقليم نخجوان الأذريجاني المحاصر من أرمينيا
ومثل واقع الحال في ناغورنو قره باغ، حيث شعر السكان الأرمن أنهم منفصلون عن أرمينيا، تعد منطقة نخجوان جغرافياً منفصلةً عن بقية أذربيجان، حسبما ورد في تقرير لصحيفة The Independent البريطانية.
ونخجوان أو ناختشيفان هو إقليم أذربيجاني ويعد جمهورية تتمتع بالحكم الذاتي، مساحتها حوالي 6% من مساحة الأراضي الأذربيجانية، مع وجود مساحات من الأراضي الأرمينية بعرض 40 كيلومتراً تفصل بين هذا الجيب وبين أذربيجان. لكن تلاصق هذه المنطقة الأذرية لكل من إيران وأرمينيا غريمَي أذربيجان وتركيا الحليف القريب لباكو، ويبلغ تعداد سكان نخجوان نحو 460 ألف نسمة، غالبيتهم العظمى من الأذربيجانيين، بالإضافة إلى وجود أقليات عرقية روسية.
وتم الاتفاق خلال الهدنة التي أُبرمت بوساطة روسية لإنهاء الحرب بين أذربيجان وأرمينيا عام 2020 على فتح ممر يمر بالأراضي الأرمينية بين أذربيجان وجمهورية نخجوان الأذربيجانية ذات الحكم الذاتي.
ويفترض أن يعبر هذا الممر منطقة زانجيزور، التي هي حالياً جزء من جنوب أرمينيا، ولكنها كانت منطقة متنازعاً عليها منذ الحرب العالمية الأولى. واليوم تسمى أرمينيا منطقة مقاطعة سونيك.
وتتشارك منطقتا نخجوان وناغورنو قره باغ في عديد من أوجه التشابه، ولكن ثمة اختلافات كذلك بينهما.
خلال عصور الاتحاد السوفييتي، اتصلت نخجوان بأذربيجان عبر طريق بري وخط سكة حديد، لكن هذه الطرق التي تصل أراضي أذربيجان بمنطقة نخجوان خرجت من الخدمة؛ نظراً إلى أن باكو ويريفان خاضتا حرباً ضد الأخرى في تسعينيات القرن الماضي بسبب إقليم ناغورنو قرة باغ، ومع ذلك ظلت الروابط الجوية كما هي بين أذربيجان ونخجوان.
ثم في عام 2020، طالبت هدنةٌ، كانت قد أنهت حرباً استمرت لستة أسابيع بين أرمينيا وأذربيجان استطاعت خلالها باكو استعادة أجزاء من إقليم ناغورنو قره باغ من الأرمن الانفصاليين، باستعادة خطوط النقل التي تربط أذربيجان بمنطقة نخجوان.
وقالت الاتفاقية إن أرمينيا سوف تكفل أمن هذه الخطوط. ومع ذلك، توقفت عمليات ترميم هذه الطرق؛ لأن التوترات بينهما حول منطقة ناغورنو قره باغ ظلت شديدة.
يعني الوضع الحالي أنه لا يوجد اتصال بري مباشر بين أذربيجان وتركيا، ولا بين باكو وإقليم نخجوان الآذري.
لكنّ انتصار أذربيجان في حربها ضد أرمينيا عام 2020 ساهم في استعادتها من أرمينيا ما يزيد عن 130 كيلومتراً من أراضيها الحدودية مع إيران، وعليه بدأت باكو الضغط لفتح ممر عبر أراضيها أرمينيا للربط بينها وبين نخجوان عبر شريط يبلغ طوله 40 كيلومتراً يمر بمنطقة أرمينية تدعى زانجيزور، حسبما ورد في تقرير لمركز أسباب للدراسات السياسية والاستراتيجية.
كيف يعيش سكان الإقليم في ظل عزلتهم عن البلد الأم أذربيجان؟
تحتفظ المنطقة باستقلالها الذاتي باعتبارها جمهورية نخجوان أو ناختشيفان المتمتعة بالحكم الذاتي، وهي معترف بها دولياً باعتبارها جزءاً أساسياً من أذربيجان تحكمها جمعيتها التشريعية المنتخبة.
تظل جمهورية نخجوان معزولة، ليس فقط عن بقية أذربيجان، ولكن عملياً عن منطقة جنوب القوقاز بأكملها.
وتعاني المنطقة من الصعوبات الاقتصادية ونقص الطاقة. ونتيجة لذلك هناك حالات كثيرة لعمال مهاجرين من المنطقة يبحثون عن عمل في تركيا المجاورة التي تعد بمثابة منفذها الرئيسي للعالم ولأذربيجان البلد الأم.
واعتمدت أذربيجان برامج لتطوير المنطقة اقتصادياً وتحسين التعليم والصحة والضمان الاجتماعي للسكان.
ممر مقابل ممر
في ديسمبر/كانون الأول 2022، فرضت أذربيجان حصاراً على الطريق الوحيد الذي يربط ناغورنو قره باغ بأرمينيا، وزعمت أن الحكومة الأرمينية كانت تستخدم الطريق في استخراج المعادن وشحنات الأسلحة غير المشروعة إلى القوى الانفصالية في المنطقة. وجهت أرمينيا اتهامات تقول إن إغلاق الطريق منع توفير إمدادات الغذاء والوقود الأساسية إلى سكان ناغورنو قره باغ البالغ عددهم حوالي 120 ألف شخص.
وبعد ذلك انتهت العملية العسكرية الخاطفة التي نفذتها القوات الأذربيجانية مؤخراً بموافقة القوات الأرمينية العرقية في ناغورنو قره باغ على تسليم أسلحتها والانسحاب من مواقعها.
ومن الواضح أن أذربيجان تريد أن تتضمن أي تسوية دائمة بينها وبين أرمينيا إقامة ممر يربط بين أراضيها الرئيسية وبين جمهورية نخجوان، وإنهاء الوضع الحالي، في ظل غياب أي اتصالات برية مباشرة بين باكو وبين نخجوان وبين أذربيجان وتركيا.
تركيا وأذربيجان توجهان رسائل حازمة لأرمينيا
والتقى الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ونظيره الأذربيجاني إلهام علييف الإثنين 25 سبتمبر/أيلول في نخجوان، وشهد اللقاء توقيع ثلاث اتفاقيات مع تركيا في مجالات مختلفة بحضور القائدين. ووقَّع أردوغان وعلييف على "بروتوكول النوايا بين جمهورية تركيا وجمهورية أذربيجان بشأن مشروع سكة حديد قارص-نخجوان".
كتب الخبير الإقليمي بمركز كارنيغي أوروبا، توماس دي وال، على موقع X (تويتر سابقاً)، إنهم "على الأرجح سوف يوجهون إنذارات" إلى الحكومة الأرمينية لإعادة فتح الطرق، وأهمها ممر زنغزور.
لكن أرمينيا اعترضت على مبدأ "الممر" الذي اقترحته أذربيجان، قائلة إن ممر نخجوان أو ممر زنغزور، في حال تسميته على اسم المنطقة الأرمينية المحلية، سيكون بدون نقاط تفتيش أرمينية؛ مما يقوض سيادة البلاد.
كذلك يمكن لمواقف القوى الإقليمية الكبرى، تركيا وروسيا، أن يكون لهما تأثير كبير على ممر نخجوان.
تفضل تركيا وجود ممر بري يوفر لها اتصالاً ببقية الشعوب التركية. أما روسيا، التي لديها قوات حفظ سلام في ناغورنو قره باغ منذ 2020، وتفاوضت على اتفاقيات السلام هناك، قالت من حيث المبدأ إن مثل هذا الممر سيكون معقولاً.
سيمتد هذا الممر الذي اقترحته أذربيجان بطول حدود أرمينيا ونخجوان مع إيران، ما أثار مخاوف في طهران بأن أذربيجان قد تستخدمه لعرقلة وصول إيران إلى أرمينيا.
أرمينيا سبق أن واقعت على الربط بين أذربيجان ونخجوان
إضافة إلى أزمة ناغورنو قره باغ، فإن الممر المقترح وفقاً للاتفاق الذي عقد بوساطة روسيا ويطلق عليه ممر نخجوان أو ممر زانجيزور (اسم المنطقة الأرمينية التي يمر بها)، يمثل عقدة في العلاقات بين البلدين.
في نهاية حرب قره باغ التي استمرت 44 يوماً عام 2020، والتي توجت بانتصار أذربيجان، وقع البلدان اتفاقية وقف إطلاق النار الثلاثية إلى جانب روسيا والتي تتألف من أقسام تتعلق بفتح طرق النقل.
ورد في المادة 9 من اتفاق وقف إطلاق النار: "يجب إلغاء حظر جميع الروابط الاقتصادية والنقل في المنطقة، على أن تضمن جمهورية أرمينيا أمن اتصالات النقل بين أذربيجان وجمهورية نخجوان الأذربيجانية".
ويهدف هذا البند إلى إقامة طريق يمر من جمهورية نخجوان الأذربيجانية وترتيب حركة الأشخاص والمركبات والبضائع دون عوائق في كلا الاتجاهين.
وتعتقد أذربيجان اعتقاداً راسخاً أن المادة 9 تشمل فتح ما يعرف باسم ممر زانجيزور بين نخجوان وبقية أذربيجان.
موقف روسيا من الممر
وعلى الرغم من أن روسيا، التي من المفترض أن يكون حرس حدودها مسؤولين عن الإشراف على النقل بين أذربيجان وأرمينيا، لا تشير إلى الطريق على أنه ممر زانجيزور ولا على أنه "ممر"، إلا أنها تدعم افتتاحه.
بعد الحرب على أوكرانيا، بات لروسيا مصلحة أكبر في فتح هذا الممر، بعد أن تم قطع خطوط إمدادها نحو أوروبا، وأصبحت روسيا مهتمة بشدة بفتح خطوط النقل عبر أرمينيا للحصول على طرق نقل إضافية مع تركيا.
لذلك، تضغط روسيا على أرمينيا من أجل إتمام هذا الممر، وربما تجدها أرمينيا فرصة لتعزيز أهميتها في نظر روسيا، بحيث تستطيع الأخيرة مساعدتها في التوصل إلى اتفاق مع أذربيجان.
بهذه الطريقة ستتمكن روسيا من السيطرة على ممرين في وقت واحد، أحدهما يربط أرمينيا بـ"قره باغ" (الذي تنظم المرور به حالياً القوات الروسية) والآخر يربط أذربيجان بـ"نخجوان"، ومن ثم يزداد اعتماد الدولتين عليها.
ومن المفترض أن يكون حرس الحدود الروسي مسؤولين عن الإشراف على النقل بين أذربيجان وأرمينيا.
مواقف متقلبة لأرمينيا
ولكن أرمينيا تماطل وتتقلب في موقفها من هذا الممر، وأحياناً تبدي رفضاً له، رغم أنها شاركت في مفاوضات مع باكو حول الموضوع، حيث سبق أن قال رئيس وزراء أرمينيا نيكول باشينيان، إن أرمينيا لن توافق على إنشاء ممر على أراضيها، لكنها مستعدة لفتح خطوط المواصلات لجميع الجيران، بما فيها أذربيجان.
وفي مايو/أيار 2023، أعلن رئيس أذربيجان "إلهام علييف" الاتفاق مع رئيس وزراء أرمينيا "نيكول باشنيان" على فتح "ممر زنغزور"، عقب لقائهما مع رئيس المجلس الأوروبي "شارل ميشيل"، في بروكسل.
ولكن تبدو مواقف رئيس وزراء أرمينيا متقلبة وغير حاسمة، وذلك بسبب قلقه من المتطرفين الأرمن على الأرجح.
خلال الحقبة السوفييتية، أنشأت موسكو خطين للسكك الحديدية لربط نخجوان بالأراضي الأذربيجانية الرئيسية في منطقة تشير إليها باكو الآن باسم ممر زانجيزور، الذي يُطلق عليه أحياناً ممر نخجوان من قبل وسائل الإعلام والمحللين الأذربيجانيين. لكن هذه السكك الحديدية أصبحت غير قابلة للاستخدام خلال حرب قره باغ الأولى، التي بدأت في عام 1992، وأدت لاحتلال أرمينيا لنحو 20% من أراضي أذربيجان بما فيها كل إقليم قره باغ ذي الأغلبية العرقية الأرمينية ومناطق ذات أغلبية أذربيجانية تم طرد الأذربيجانيين فيها من قِبل الأرمن.
أذربيجان تريد ممراً يتيح لها وصولاً غير مقيد إلى إقليم نخجوان
وتهدف باكو الآن إلى إعادة بناء السكك الحديدية التي تعود إلى الحقبة السوفييتية وإنشاء طرق سريعة في المنطقة لربط أذربيجان بمنطقة نخجوان. علاوة على ذلك، يعد الممر أيضاً جزءاً من مشروع نقل كبير يربط باكو بإسطنبول.
بمعنى محدد، يهدف ممر نخجوان أو زانجيزور إلى منح أذربيجان وصولاً غير مقيد إلى جيب ناختشيفان دون أي نقاط تفتيش أرمينية أثناء مروره عبر الأراضي الأرمينية بالقرب من حدود طهران ويريفان.
وفقاً لباكو وأنقرة، فإن فتح الممر هو من شروط البيان الثلاثي الصادر في 10 نوفمبر/تشرين الثاني 2020.
استناداً إلى مصطلح "الممر"، تريد أذربيجان ترتيباً يسمح للمركبات والقطارات الأذربيجانية بعبور الحدود بين أرمينيا وأذربيجان، والمرور عبر مقاطعة سونيك في أرمينيا ثم دخول جمهورية ناخيتشيفان المتمتعة بالحكم الذاتي (منطقة أذربيجانية)، دون أي حدود، جواز السفر والرقابة الجمركية التي ينفذها الجانب الأرميني. يقول بعض الخبراء الأذربيجانيين إن باكو قد تقترح أسماء أخرى إذا كان مصطلح "الممر" يزعج أرمينيا، مثل "منطقة العبور الخاصة".
واستخدام مصطلح "ممر" يشير إلى مستوى من السيادة الأذربيجانية على الطريق الذي لا تريده يريفان، رغم أن الطبيعة الدقيقة لمن سيستمتع بالسيطرة على الطريق وكيف لم يتم تحديدها نهائياً.
لا تقبل أرمينيا جوهر اقتراح أذربيجان -عبور البضائع والركاب عبر الأراضي الأرمنية دون أي رقابة- بغض النظر عما إذا كان سيُطلق عليه اسم ممر أو منطقة عبور خاصة أو أي مصطلح آخر.
ولكن باكو وأنقرة أبدتا مرونة لإقامة الممر بطريقة لا تنتقص من سيادة أرمينيا.
وسبق أن تفاوض البلدان حول "الممر"، وفي البداية لم ترفض أرمينيا الفكرة، ولكنها علقتها بدعوى أنه لم يمكن مناقشة طرق النقل الجديدة مع أذربيجان بينما كان هناك الكثير من التوتر على طول حدودهما، ثم صعّدت يريفان موقفها برفض الفكرة برمتها.
وحددت اتفاقية 9 يناير/كانون الثاني جدولاً زمنياً صارماً لوضع تفاصيل هذا المشروع ومشاريع النقل الأخرى (رغم أن اتصال ناخيتشيفان كان الوحيد المحدد على وجه التحديد).
لماذا يعتبر ممر نخجوان مهماً لأوروبا وتركيا بينما يغضب إيران؟
يلعب ممر نخجوان دوراً حاسماً في زيادة الاتصال الإقليمي، ليس فقط في جميع أنحاء القوقاز، ولكن أيضاً عبر أوراسيا الكبرى، حيث يصل آسيا الوسطى وأذربيجان بالأراضي التركية، أي يربط أوروبا بآسيا، وهو أمر ازدادت أهميته بعد اندلاع حرب أوكرانيا وتوقف دور روسيا كممر للنقل بين أوروبا وآسيا الوسطى.
سيساعد الاتصال الذي سيوفره الممر أيضاً في تحفيز العلاقات التجارية بين الدول المختلفة. وبينما كان الناتو وروسيا مختلفين حول العديد من القضايا من النزاع الأوكراني إلى الشرق الأوسط، يبدو أن لكليهما وجهات نظر إيجابية حول فتح طريق النقل، حسب موقع TRT التركي.
وسبق أن نسب إلى الرئيس الأذربيجاني إلهام علييف تلويحه باستخدام القوة لإنشاء "ممر" عبر جنوب أرمينيا يربط غرب أذربيجان بجمهورية ناخيتشيفان المتمتعة بالحكم الذاتي.
وبحسب الرئيس الأذربيجاني، فإن الممر سيكون جزءاً من ممر النقل الدولي بين الشمال والجنوب، وسيكون أيضاً بمثابة نقطة ربط بين روسيا وإيران، ما يزيد من وصول طهران إلى المنطقة.
لكن إيران، التي تتمتع بعلاقات قوية مع أرمينيا، لا تريد أن ترى ممر نخجوان يعمل، وفقاً للخبراء، حيث تشعر طهران بالقلق من التقارب المحتمل بين أرمينيا وأذربيجان وتركيا، والذي تعتقد إيران أنه سيضعف مواقفها السياسية ومصالحها، كما أنه سيقوي صلات تركيا بمنطقة آسيا الوسطى وهي الدولة التي تتحدث لغات مشابهة للتركية والأذربيجانية.
إذ تتصل جمهوريات آسيا الوسطى بأذربيجان عبر بحر قزوين، وإذا أصبح هناك اتصال بري مباشر بين أذربيجان وتركيا فهذا يعني فتح الطريق بين آسيا الوسطى وأوروبا دون المرور بروسيا أو إيران.
كما يصطدم فتح الممر بالمساعي الإيرانية الروسية لتفعيل ممر الشمال الجنوب لتعزيز النقل والتجارة بين روسيا وإيران والهند والقوقاز وآسيا الوسطى؛ حيث سيتيح ممر زنغزور نقل المزيد من البضائع والأفراد بين الصين وأوروبا عبر الممر الأوسط الذي يمر بالأراضي الآذرية، وهو ما أشار إليه أردوغان بطريق بكين-لندن، ولا شك أن هذا سيؤثر على مساعي إيران للتحول إلى مركز للنقل الدولي حال رفع العقوبات الغربية عنها.
وتعتمد إيران بشكل كبير في نقل صادراتها إلى دول البحر الأسود، على حدودها مع أرمينيا، كما أن مقابل وصول الصادرات الإيرانية إلى أوروبا عن طريق تركيا، أن تمنح طهران أنقرة وصولاً إلى تركمانستان ودول آسيوية أخرى.
كما أن طهران تنظر بتوجس دوماً لأذربيجان رغم أن الأخيرة دولة ذات غالبية شيعية مثل إيران، ويرجع ذلك إلى أن الأذربيجانيين يشكلون نحو 16% من سكان إيران، ويمثلون ثاني أهم قومية في إيران بعد الفرس، (يمثلون نحو 55% من السكان). بالنسبة لطهران، نجاح أذربيجان العلمانية القريبة من الغرب وأنقرة التي تتبنى القومية الأذربيجانية ذات المضمون التركي، يمثل خطراً قد يؤدي لصعود المشاعر القومية لدى الأذربيجانيين الذين هم أكثر عدداً من سكان جمهوري أذربيجان نفسها، ظهر ذلك واضحاً عندما نفت طهران دعمها لأرمينيا ضد أذربيجان في حرب عام 2020، بعد أن تصاعد الاستياء من هذا الدعم لدى أذربيجانيي إيران، ووصل لخروج مظاهرات نادرة تدعم سيادة أذربيجان على إقليم ناغورنو قره باغ الذي تحتله يريفان وقامت بسببه الحروب بين البلدين.
في هذا الصدد، سبق أن قال مسؤول أمني إيراني رفيع المستوى، في تصريح سابق لـ"عربي بوست"، إن ممر زنجزور من شأنه أن يقطع الطريق الوحيد أمام إيران للعبور إلى جنوب القوقاز ومنه إلى روسيا وأوروبا، "ستخسر إيران الكثير بإنشاء هذا الممر، لذلك تعتبره طهران تهديداً لأمنها القومي"، على حد قوله.
لذلك؛ تمارس إيران ضغوطاً على أرمينيا لوقف المشروع، وقد حذر وزير الخارجية الإيراني حسين عبداللهيان في 20 أكتوبر/تشرين أول 2022، خلال زيارة إلى يريفان، من أن بلاده لن تتسامح مع أي تغييرات في الحدود الجيوسياسية والممرات التاريخية لجنوب القوقاز، معتبراً أن هذا الموضوع خط أحمر، مهدداً باستخدام جميع الإجراءات اللازمة لمنع حدوث ذلك.
وأعقبت إيران تصريحاته بتنفيذ الحرس الثوري مناورة عسكرية ضخمة في أكتوبر/تشرين الأول 2022 تضمنت نصب كباري لعبور نهر أراس الفاصل بين أذربيجان وإيران. وقد ردت باكو في ديسمبر/كانون أول الماضي بتنفيذ مناورة عسكرية مشتركة مع تركيا باسم "قبضة الإخوة" للمرة الأولى على امتداد حدودها مع إيران بحضور وزير الدفاع التركي ورئيس هيئة الأركان وقادة القوات البرية والجوية والبحرية التركية.
وفي أواخر شهر مارس/آذار 2023، قامت باكو بافتتاح سفارتها في تل أبيب، وكانت هناك محاولة لاغتيال نائب برلماني أذربيجاني عُرف بانتقاده لطهران.
كما قُتل مسؤول أمن السفارة الأذرية في طهران في عملية إطلاق النار في مطلع العالم الحالي من قبل مسلح إيراني، كما أصيب آخرون في الهجوم، ما دفع باكو إلى إغلاق سفارتها "مؤقتاً" في إيران.
وخلال العام الجاري؛ طردت باكو أعضاء من البعثة الدبلوماسية الإيرانية، واعتقلت مقربين من طهران بتهمة التخطيط لتنفيذ انقلاب عسكري.
في انتقاد لافت، اتهم الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في يونيو/حزيران الماضي، إيران بأنها هي التي تعرقل إنشاء، "ممر زنغزور" الذي يربط بلاده بأذربيجان، وبالتالي يربط بين آسيا وأوروبا.
واعتبر أن موافقة طهران على فتح ممر زنغزور ستسهم في التكامل بين إيران وتركيا وأذربيجان، بل قد تمهّد لتدشين طريق بكين-لندن.
وفي مؤشر على أن ممر زنغزور يمثل عقبة أمام السلام الدائم بالقوقاز، قال وزير الخارجية الأرمني أرارات ميرزويان خلال جلسة الأمم المتحدة في الأسبوع الماضي، إن "فرض ممر خارج الحدود الإقليمية على أرمينيا بالقوة، وهو ممر سوف يمر عبر الأراضي الأرمنية ولكنه سيخرج عن سيطرتها… هو أمر غير مقبول بالنسبة لنا وينبغي أن يكون غير مقبول للمجتمع الدولي".