"الأخ كان في مواجهة أخيه على الجبهة"، كان هذا حال اليمن طوال أكثر من سبع سنوات من الحرب، حيث انقسمت الأسر بعد أن توزعت على الفصائل المتحاربة من الجهتين، واليوم يواجه كثير من المقاتلين اليمنيين خطر أن يتعرضوا لأزمات مالية، ولكنهم رغم ذلك سعداء باحتمال انتهاء حرب اليمن وصعود فرص تحقيق السلام في بلادهم.
تقرير لموقع Middle East Eye البريطاني عرض لمصير كثير من المقاتلين اليمنيين بعد توقف الحرب التي كانت تمثل مصدر الدخل الرئيسي أو الوحيد لهم.
يأتي ذلك في ظل تزايد الآمال بانتهاء حرب اليمن بشكل نهائي وتحقيق السلام في البلاد في ظل الانفراجة التي تحققت إثر الوساطة الصينية بين السعودية الداعمة للحكومة اليمنية الشعرية المقيمة في عدن بالجنوب وإيران الداعمة للحوثيين الذي يسيطرون على العاصمة صنعاء، وقد أعقبها إطلاق عملية تفاوض بين الحوثيين والحكومة الشرعية والرياض لإنهاء الحرب، آخرها مفاوضات أجريت في الرياض بين وفد من المفاوضين الحوثيين ومسؤولين سعوديين والتي استهدفت الوصول إلى خارطة طريق تدعم عملية السلام في اليمن.
الحرب تحولت لمصدر الوظائف الأساسي خلال السنوات الماضية
ومنذ أن بدأت الحرب في اليمن عام 2015، انضم كثير من اليمنيين إلى القتال طلباً للمال، وقاتل معظمهم في صفوف القوات الحكومية المدعومة من السعودية والإمارات، لأنهم كانوا يتقاضون رواتب بالريال السعودي، بل ترك بعضهم وظيفته متدنية الأجر وانضم إلى المعارك؛ في سبيل الحصول على أجور أفضل.
إلا أن بعض هؤلاء المقاتلين لم يكن لديهم عمل ليتركوه، ووجدوا أن القتال هو سبيلهم الوحيد للعيش في زمن الحرب والأزمة الاقتصادية، حسبما ورد في تقرير موقع Middle East Eye.
ومع تزايد فرص انتهاء حرب اليمن يواجه هؤلاء المقاتلون مصيراً مجهولاً في ظل حقيقة أنه لم يعد لديهم مهنة سوى القتال في بلد يشهد ما يوصف بأنه أسوأ أزمة إنسانية في العالم.
ولكن الجنود الآن يتخلون عن أسلحتهم
الآن وقد توقف الصراع المُهلك بين المتمردين الحوثيين والتحالف المدعوم من السعودية والإمارات منذ أبريل/نيسان 2022، فإن الجنود اليمنيين أخذوا يتخلون عن أسلحتهم ويسعون إلى بناء حياة أخرى لهم بعيداً عن ساحة المعركة.
وقال أحمد، وهو جندي سابق يبلغ من العمر 36 عاماً ويعيش في المناطق التي تسيطر عليها الحكومة، لموقع Middle East Eye البريطاني، إنه "لا شيء يستحق الموت من أجله، ولا شيء يستحق أن تقتل يمنيين آخرين من أجله"، ومع أن "القتال قد يعود عليك بدخلٍ جيد، فإن التفكير في التأثير الوخيم للحرب يجعلك تدرك أنها أسفرت عن تدمير مجتمع كامل".
ترك الحرب بعدما رأى أطفال زملائه الذين ماتوا في القتال
انضم أحمد إلى الجيش اليمني في عام 2011، ثم استقال في يوليو/تموز 2022 بعد زيارة رأى فيها أطفال زملائه الجنود الذين ماتوا في الحرب.
ويقول أحمد: "زُرت خلال العيد في العام الماضي يتامى اثنين من زملائي الذين قُتلوا في المعارك. وأنا أعدُّ أطفالهما كأطفالي، لكن لم يسعني إلا أن أسأل نفسي: لماذا قُتلا؟ وأدركت حينئذ أن لا شيء فيما نفعله يستحق الموت من أجله ولا أن نترك أهلنا وراءنا بلا أحد يرعاهم".
أحمد ليس جندياً مستجداً، وهو يعتقد أن الجنود يجب أن يخدموا وطنهم مثل جميع الموظفين الحكوميين الآخرين. ولكنه يرى أيضاً أن القتال يجب أن يكون الملاذَ الأخير، وأنه لا يجوز اللجوء إليه إلا بمبررات مقنعة.
وقال أحمد: "لقد حان وقت السلام. واليمنيون إخوة في نهاية الأمر. ولذلك آمل أن تتمكن الأطراف المتحاربة من التوصل إلى اتفاق سلمي"، وقد هدأت حدة القتال، و"لم نشهد في الآونة الأخيرة ما اعتدناه من معارك عنيفة، لذا قد تكون هذه بداية النهاية للحرب".
واليوم، يعمل الجندي السابق أحمد في مواقع الإنشاء، ويحمل الطوب والأسمنت ومواد البناء. وليست لديه وظيفة منتظمة، وأحياناً يبقى بلا عملٍ طيلة أسابيع، ومع ذلك يقول إن ذلك أفضل عنده من القتال.
وقال أحمد: "أشتغل الآن بعمل شاق، وما أكسبه يكفي أساسيات المعيشة بالكاد، وحتى تلك لا نبلغها أحياناً، لكن جيراننا يساعدوننا"، وأنا راضٍ بهذه الحياة، لأنه لا يجثم عليَّ ما كنت أحسه من ذنب المشاركة في تدمير بلدي".
قتال بين أبناء العمومة
يبلغ عدنان الآن 41 عاماً، وقضى سنوات من القتال مع القوات الحكومية، أما ابن عمه فقاتل في صفوف الحوثيين بالجبهة المقابلة. وقد كانا مقرَّبَين إلا أن السياسة مزقت الأواصر بينهما.
وقال عدنان: "لقد انقطعت العلاقة الجيدة التي كانت تربطني بابن عمي وبعض أفراد العائلة لاختلاف الانتماءات بيننا. وقد أوشكت على خسارة زوجتي التي كانت على خلاف معي"، و"كنت أقاتل في ساحات القتال، ثم أعود إلى المنزل فأُجادل أهلي الذين كانوا يحاولون إقناعي بعدم القتال، أي إنني كنت في قتال دائم بلا راحة".
شارك عدنان في الحرب منذ عام 2016، لكنه ترك القتال هذا العام، مقتنعاً بأن الاستمتاع بالحياة مع عائلته خير له من مواصلة القتال وخسارة المقربين إليه.
وقال عدنان: "المصالح السياسية هي التي تحكم الحرب"، فقد "رأيت السعودية تواجه الحوثيين، وها هي تبدأ في التخلي عن ذلك. ورأيت مقاتلين كانوا مع الحوثيين ينضمون إلى الحكومة، والعكس بالعكس. فأدركت أننا نقاتل خلف قادة يسيرون بنا، ولا نعرف ما سيحدث"، لذا "قررت أن أترك الحرب وكابوسها ورائي، وأن أنعم بالحياة مع ابنتيَّ وبقية أفراد عائلتي".
ويرى عدنان أنه بعد أن ألقى السلاح، انتهت الخلافات والنزاعات، واستقر الأهل على ترك الحديث عن القتال، والالتفات إلى الأشياء الجيدة في الحياة. وقال: "أعمل صاحب متجر، وما أحصل عليه من هذا المتجر يكفي لتزويد عائلتي بالأساسيات. وترك القتال إلى الأبد كان أفضل قرار اتخذته في حياتي، وأنا أستمتع حقاً بكل لحظة أعيشها الآن".
رغم سعادتهم باحتمال انتهاء حرب اليمن، ولكن ذكريات مريرة تطاردهم
ومع ذلك، فإن كثيرين ممن تركوا القتال لا تزال ذكراه تؤرقهم من حين لآخر، رغم سعادتهم باحتمال انتهاء حرب اليمن.
ويرى عبد الله، وهو مقاتل سابق يبلغ من العمر 39 عاماً، أن كل من حمل السلاح يتحمل قدراً من المسؤولية عن عواقب الحرب، سواء أكانت جيدة أم سيئة.
وقال لموقع MEE: "انضممت إلى القتال في عام 2015، وأنا أحسب أن الحرب ستنتهي في غضون بضعة أسابيع، وأن اليمن سيكون أحسن حالاً بعدها. لكن الحرب استمرت سنوات، واليمن تتفاقم أحواله سوءاً".
وأردف عبد الله بالقول: "منذ عام 2015، لم أر سوى العواقب السيئة للحرب. أرى أناساً جوعى كل يوم، وأرى دماراً، وأرى نازحين يعيشون في مخيمات مزرية. فالحرب لم تجلب علينا سوى الخراب والبؤس، وينتابني الخزي بسبب ذلك، فقد كانت جزءاً من هذا كله".
وقال عبد الله إن ما رأيته من آثار الحرب دفعني إلى ترك القتال، وهو يرى أنه إذا لم يقاتل أحد، فإن الحرب ستتوقف، لأن "المقاتلين هم وقود الحرب، وانضمامهم يزيد اشتعالها كل يوم. أما إذا توقف المقاتلون عن القتال أو قلَّ عددهم، فإن الأطراف المتحاربة ستضطر إلى إيجاد حل سلمي".
ويرجو عبد الله أن يغفر الله له ذنب مشاركته في الحرب. ويأمل كذلك أن تساعد دول الجوار اليمن في التعافي من الأضرار بعد انتهاء حرب اليمن، "فالقوى الإقليمية كانت جزءاً من الحرب، وشاركت في دفع اليمنيين إلى قتال بعضهم بعضاً. لذا يجب عليهم الآن أن يساعدوا اليمن في إعادة البناء والتعافي من آثار هذه الحرب".
وتشير تقديرات الأمم المتحدة إلى أن 60% من الوفيات المقدرة بنحو 377 ألف قتيل في اليمن خلال سنوات الحرب (بين عام 2015 وبداية عام 2022) كانت نتيجة لأسباب غير مباشرة، مثل انعدام الأمن الغذائي ونقص الخدمات الصحية. وتذهب تلك التقديرات إلى أن ثلثي اليمنيين -أي نحو 21.6 مليون يمني- يحتاجون إلى تلقي المساعدة الإنسانية في عام 2023.