منذ ظهور فيروس كوفيد في العام 2019، تراكم لدى الفيروس مجموعة متنوعة من الطفرات لإصابة مضيفيه من البشر بشكل أكثر فعالية. تعمل بعض العلاجات المضادة للفيروسات عن طريق زيادة معدل هذه الطفرات العشوائية، مما يدفع بعضنا إلى القلق من أن هذه الأدوية يمكن أن تسرع توليد سلالة فائقة العدوى بشكل أكبر، كما يقول تقرير لمجلة Newsweek الأمريكية.
هل تنتج أدوية كوفيد فيروسات خارقة جديدة؟
الآن، قام العلماء في جامعة هارفارد ومعهد وايزمان للعلوم في دولة الاحتلال الإسرائيلي بتقييم هذا الأمر. ومن خلال التركيز على عقار مولنوبيرافير المضاد للفيروسات، استخدم الفريق نماذج رياضية لتقييم المخاطر التي تشكلها هذه العلاجات وما إذا كان يمكن استخدامها بأمان.
ومولنوبيرافير هو أول عقار مضاد للفيروسات يؤخذ بالفم يتم إدراجه في المبادئ التوجيهية لعلاج كوفيد-19. وبحسب منظمة الصحة العالمية، لا تتوافر بيانات كافية عن مأمونية هذا الدواء؛ نظراً إلى جدّته. لذلك توصي المنظمة بالرصد النشط لمأمونية الدواء إلى جانب الاستراتيجيات الأخرى؛ لتخفيف الأضرار المحتملة.
من جهته، يقول مارتن نواك، أستاذ الرياضيات بجامعة هارفارد وأحد المؤلفين المشاركين في الدراسة، لمجلة Newsweek الأمريكية: "هذه الأدوية المضادة للفيروسات تضر بالفيروس عن طريق إدخال طفرات قاتلة. لكن من حيث المبدأ، يمكنها أيضاً مساعدة الفيروس في العثور على طفرات مفيدة تجعله ينمو بشكل أسرع أو يفلت من التطعيم. لذلك، فإن المخاوف صحيحة".
لكن السؤال هنا هو ما إذا كانت الطفرات الخطيرة أكثر احتمالية لحدوثها في وجود هذا الدواء أو عدمه. وقال يتسحاق بيلبل، وهو مؤلف آخر مشارك في الدراسة من معهد وايزمان: "حتى بدون مثل هذا العلاج الدوائي، تظهر المتحورات الفيروسية بسبب الطفرات الطبيعية التلقائية".
وأضاف: "هكذا ظهرت سلالات مثل دلتا وأوميكرون خلال الجائحة. والسؤال الذي نطرحه رسمياً هو ما إذا كان هذا العلاج وغيره من العلاجات الدوائية يزيد أو يقلل من هذا الخطر التطوري بما يتجاوز المستوى القاعدي التلقائي".
متى يكون هذا العلاج آمناً؟
في ورقتهم المنشورة في دورية PLoS Biology، قدم الفريق المكون من نواك وبيلبل وغابرييلا لوبينسكا مفهوم السلامة التطورية: "يكون العلاج آمناً من الناحية التطورية إذا كان يقلل من عدد الطفرات التي ينتجها المريض في فترة العدوى".
تماماً كما هو الحال في الانتقاء الطبيعي، فإن الطفرات التي تحدثها أدوية مثل مولنوبيرافير عشوائية تماماً. قال نواك: "معظم الطفرات التي تُولَّد إما أن تكون قاتلة للفيروس وإما أن تكون محايدة. فقط مجموعة فرعية صغيرة من الطفرات ستكون مفيدة للفيروس".
لذلك، في حالة أدوية مثل مولنوبيرافير، فإن الأمل هو أن يؤدي معدل الطفرة المتزايد إلى إنتاج طفرات سلبية كافية لقتل الفيروس قبل أن يتمكن من التطور أو الاستفادة من أي طفرات مفيدة.
قال نواك: "إذا كانت الجرعة منخفضة للغاية، فإن الزيادة في معدل الطفرة قد تكون صغيرة للغاية. يشير العلم إلى أن زيادة معدل الطفرة بشكل أكبر، من شأنها أن تحسن السلامة التطورية".
بمعنى آخر، إذا تم تناول الدواء بشكل صحيح وبجرعة كافية، فإن المرضى الذين يعانون من مرض شديد والذين يتلقون مولنوبيرافير ينتجون عدداً أقل من الفيروسات الطافرة الباقية مقارنة بأولئك الذين لا يتلقون هذا الدواء. ومع ذلك، فإن زيادة معدل الطفرة المستحثة لهذا الدواء من شأنها أن تقلل من احتمالية التسبب في طفرات خطيرة في السلالة الفائقة.
الأمر ينطبق على العلاج بالمضادات الحيوية ضد البكتيريا
في النهاية، تقول المجلة الأمريكية إنه لا يقتصر مفهوم السلامة التطورية هذا على علاج كوفيد فحسب، بل يمكن استخدامه لمنع تطور سلالات فائقة في أشكال مختلفة من المرض.
قال بيلبل: "إن فكرة الطفرات القاتلة هذه قد تنطبق أيضاً على العلاج بالمضادات الحيوية ضد البكتيريا". وأضاف: "يواجه العالم نقصاً مقلقاً في مثل هذه الأدوية. إذا تمكنا من السيطرة على السلامة التطورية للأدوية المسببة للطفرات والسيطرة عليها، فقد تزيد من قدرتنا على تطوير مضادات حيوية جديدة أيضاً".
يأمل الفريق أن يُستخدَم هذا المفهوم لتقييم سلامة الأدوية المستقبلية. قال نواك: "نقترح أن تُقيَّم السلامة التطورية للأدوية المسببة للطفرات بعناية قبل موافقة إدارة الغذاء والدواء".