"الدوحة للديمقراطيين والرياض للجمهوريين".. هذه نكتة تنتشر في جميع أنحاء الخليج كما تقول شبكة Bloomberg الأمريكية، بناءً على الطريقة التي عززت بها قطر علاقاتها مع إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن، بعد أن فضل سلفه، دونالد ترامب، علاقات أقوى مع المملكة السعودية. جاء مثالٌ على ذلك يوم الإثنين، 18 سبتمبر/أيلول 2023، عندما خرج 5 سجناء أمريكيين أطلقت إيران سراحهم من طائرةٍ في الدوحة ليستقبلهم مسؤولون قطريون وأمريكيون على المدرج.
وكانت قطر قد أصبحت في السابق أول دولة خليجية تفتح أبوابها أمام الأفغان الذين جرى إجلاؤهم عندما استعادت طالبان السيطرة قبل عامين، ولا تزال قطر مكاناً تقصده الولايات المتحدة "لبناء الجسور" في منطقة محفوفة بالتحديات. وقد لعبت قطر دوراً مماثلاً في أعقاب الغزو الروسي لأوكرانيا، حيث سافر المسؤولون الأمريكيون والأوروبيون إلى الدوحة لمعالجة المخاوف بشأن إمدادات الغاز.
قطر تعزز مكانتها الدولية ونشاطها الدبلوماسي
استفاد الاقتصاد القطري العام الماضي من ارتفاع أسعار النفط والغاز، ومن استضافة بطولة كأس العالم لكرة القدم، رغم تباطئه منذ ذلك الحين. ومع ذلك، فإن دور قطر في التوسط في صفقة تبادل الأسرى بين الولايات المتحدة وإيران عزز أهميتها الدولية مرة أخرى.
أدت هذه التطورات إلى انتعاش قطر من المقاطعة التي استمرت نحو 3 سنوات من قِبَلِ جيرانها الخليجيين، وانتهت في عام 2021. وهي ليست مؤيدة للصين بشكل علني مثل بعض جيرانها في المنطقة، ولكنها تمتلك علاقة قوية مع الولايات المتحدة بطريقة لا ترغب فيها دول الخليج الأخرى -أو فشلت في القيام بها، كما تقول "بلومبرغ".
لم تكن علاقات الدوحة مع واشنطن جيدة على الإطلاق، وفقاً لدبلوماسي مطلع على هذه العلاقات. حيث قال 3 مسؤولين إن التحالفات المبنية على الطاقة والوساطة الدولية تعني أن "القطريين لا تعتبرهم الولايات المتحدة أو أوروبا لاعبين إقليميين مثيرين للمشاكل".
وقال بدر السيف، الأستاذ المساعد في جامعة الكويت والزميل غير المقيم في معهد دول الخليج العربية في واشنطن، إن المحادثات الأخيرة مع إيران "تعكس نضج فن الحكم القطري". وأضاف: "أصبحت قطر على وجه الخصوص شريكاً مفضلاً للولايات المتحدة بسبب موثوقيتها واتساقها واستعدادها لوضع ثقلها على المحك".
"الدوحة حليف حيوي لواشنطن"
تقول بلومبرغ، إنه بالنسبة للأمريكيين، تعتبر الدوحة حليفاً حيوياً. ويُنظر إليها على أنها تتعامل مع الدول الأكثر صعوبة، حيث يمكنها التواصل مع كل من إيران وطالبان وغيرهما من الأطراف التي لا تستطيع واشنطن التواصل معها.
ولا توجد علاقة مماثلة من قِبَلِ الرياض وأبوظبي مع الولايات المتحدة، رغم أنهما الشراكات معهما تُعتبر مفيدة في مواقف أخرى -مثل الجهود المستمرة لتحسين العلاقات بين المملكة السعودية وإسرائيل. قطر أيضاً خارج منظمة أوبك، مما يجعل التعاملات الأمريكية أكثر سلاسة، حيث لا يجب أن يكون سعر النفط الخام موضوعاً للمناقشة.
وقالت جين كينينمونت، محللة شؤون الشرق الأوسط في شبكة القيادة الأوروبية، وهي مركز فكري يركز على القضايا الخارجية والأمنية والدفاعية: "تريد قطر أن تثبت للولايات المتحدة أن العلاقات الدبلوماسية المتنوعة التي تقيمها -بما في ذلك العلاقات مع طالبان والحكومة الإيرانية وحماس وغيرها- يمكن أن تكون مفيدة للوساطة الدولية ذات نتائج مربحة للجانبين".
الدبلوماسية السرية القطرية
جاء اتفاق تبادل الأسرى، الذي شهد إطلاق إدارة بايدن سراح 5 إيرانيين محتجزين لدى الولايات المتحدة والسماح لطهران بالوصول إلى 6 مليارات دولار من عائدات النفط المجمدة بسبب العقوبات، بعد أشهر من الدبلوماسية السرية في الغالب بين طهران وواشنطن. وتأمل الولايات المتحدة أن يؤدي الاتفاق إلى تخفيف التوترات في الشرق الأوسط وفتح المجال أمام التقدم في البرنامج النووي للجمهورية الإسلامية.
تقول بلومبرغ إن نهج قطر في السياسة الدولية يعكس أنها تريد فضح الاتهامات التي تقول إنها تدعم التطرف أو حتى الجماعات الإرهابية، وفقاً لكينينمونت. وتحتاج الدوحة أيضاً إلى الولايات المتحدة من أجل أمنها الخاص، حيث كانت العلاقات مع جيرانها الأكبر حجماً صعبة في كثير من الأحيان، وتستضيف الدوحة قاعدة العُديد التابعة للولايات المتحدة.
قالت كينينمونت: "هؤلاء الجيران اتهموا قطر بدعم الإرهاب، وطالبوها بوقف جميع اتصالاتها مع إيران. وتشعر قطر الآن بأن سياساتها مُبررة، لأن كل هؤلاء الجيران يتعاملون الآن مع إيران أيضاً".
وبموجب اتفاق توسطت فيه الصين، استأنفت المملكة السعودية علاقاتها الدبلوماسية مع منافستها الإقليمية إيران في وقت سابق من هذا العام، مما ساعد على تخفيف التوترات في المنطقة المصدرة للنفط.
قطر مستعدة وقادرة على العمل مع أي إدارة أمريكية
ولكن رغم النوايا الحسنة الجديدة، فإن انعدام الثقة يظل قائماً، ويتغذى على عقود من العداء. ولا تزال المملكة السعودية ودول عربية أخرى تنظر إلى جهود إيران لتوسيع نفوذها والوصول من الخليج إلى البحر الأبيض المتوسط عبر دول مثل العراق ولبنان وسوريا، باعتباره تهديداً لأمنها القومي.
بالنسبة للقطريين، الذين يشتركون في حقل غاز عملاق مع إيران، فإن الأمن البحري والملاحة والحفاظ على التوازن في المنطقة كلها أولويات. يُنظر إلى حكومة قطر دولياً على أنها مستعدة وقادرة على العمل مع أي إدارة أمريكية، وفقاً لدبلوماسي مطلع على اتجاهات التفكير القطري.
وقال السيف، الأستاذ المساعد في جامعة الكويت: "إن تعزيز الشراكات مع القوى العظمى، وزيادة اكتفائها الذاتي، وانتهاج سياسة أقل إثارة للجدل مع الجيران المباشرين، كل ذلك يهدف إلى تعزيز موقف قطر وتدعيم الاتجاه الحالي لخفض التصعيد في المنطقة".