صبّت الاتهامات بأن السيناتور الأمريكي البارز، بوب مينينديز، عمل سراً لتعزيز المصالح المصرية مقابل رشوة، مزيداً من الزيت على النار في علاقة واشنطن مع القاهرة المتوترة بفعل المنافسة الإقليمية المتنامية والخلافات على حقوق الإنسان.
ومنصب مينينديز رئيساً للجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ يمنحه نفوذاً خاصاً في صفقات الأسلحة والمساعدات المقدَّمة للقاهرة، التي تشمل المساعدات العسكرية المخصصة لها بقيمة 1.3 مليار دولار منذ عقود، والتي جعلت مصر واحدة من أكبر المستفيدين من المساعدات الأمريكية.
ووجّه ممثلو الادعاء في أمريكا اتهامات للسيناتور بتلقي رشاوى من 3 رجال أعمال في ولاية نيوجيرسي، الأمر الذي يؤثر على جهود الديمقراطيين في الحفاظ على فارق الأغلبية الضئيل بمجلس الشيوخ، خلال انتخابات العام المقبل.
لماذا تحتاج مصر إلى رشوة سيناتور أمريكي؟
لسنوات طويلة، كانت مصر ثاني أكبر متلقٍّ للمساعدات الأمريكية، في المرتبة الثانية بعد إسرائيل. وكان هذا جزئياً مكافأة لاستعداد مصر للاعتراف بإسرائيل والتعاون في القضايا الأمنية، فيما يتعلق بقطاع غزة.
وخلال حكم حسني مبارك الذي دام 3 عقود، تعثرت العلاقة بشكل أو بآخر على نحو مستقر، على الرغم من التقارير المنتشرة على نطاق واسع عن الفساد وتزوير الانتخابات. لكن ذلك تغيّر خلال الربيع العربي، عندما أجبرت المظاهرات مبارك في عام 2011 على التنحي عن السلطة. وقد حوكم في نهاية المطاف بتهم تتعلق بقتل المتظاهرين في ميدان التحرير بالقاهرة.
تم استبدال مبارك، لفترة وجيزة، برئاسة الإخوان المسلمين، لكن عبد الفتاح السيسي وصل إلى السلطة بعد انقلاب عسكري عام 2013 على أول رئيس مدني وهو محمد مرسي، ولا يزال السيسي الحاكم للبلاد منذ نحو 10 أعوام حتى اليوم.
لم تبدِ مصر اهتماماً يُذكر بحقوق الإنسان منذ ذلك الحين؛ حيث قالت منظمة هيومن رايتس ووتش، في تقرير حديث، إن "السلوك البلطجي من قبل عملاء الحكومة كان هو القاعدة في عهد السيسي، حيث استهدف الصحفيين والمعارضين السياسيين ونشطاء حقوق الإنسان".
السيسي، الذي التقى الرئيس بايدن العام الماضي على هامش قمة المناخ في مصر، والذي التقى في مناسبتين مع وزير الخارجية أنتوني بلينكن، صم أذنيه إلى حد كبير لمناشدات الولايات المتحدة الخاصة بالإفراج عن المعتقلين السياسيين، كما تقول صحيفة (Los Angeles Times).
وبمرور الوقت، أدى سجل حقوق الإنسان هذا إلى تآكل دعم الكونغرس للمساعدات غير المقيدة لمصر، وهو تحول يقول ممثلو الادعاء إن مينينديز كان يعمل على إيقافه. وفي وقت سابق من هذا الشهر، أشادت مجموعة من أعضاء مجلس الشيوخ بقيادة كريستوفر مورفي بقرار منفصل اتخذته إدارة بايدن بحجب 85 مليون دولار من المساعدات العسكرية لمصر، ودعوا إلى تقييد 235 مليون دولار إضافية من المساعدات الأمنية، قائلين إن السيسي فشل في إحراز تقدم في مجال حقوق الإنسان.
وفي خطاب طويل ومليء بالعاطفة في كثير من الأحيان، تابع ميرفي للرد على أولئك في الكونغرس الذين يزعمون أن مصر ستنهي تعاونها الأمني - بما في ذلك جهود مكافحة الإرهاب في صحراء سيناء – إذا تم قطع المساعدات، قائلاً إن ذلك لم يحدث بعد. واعترف مورفي بأن الإدارات السابقة من كلا الحزبين، في عهد الرئيسين أوباما وترامب، تجاهلت الحاجة إلى تقييد المساعدات لمصر، لكنه قال: "الآن يجب على إدارة بايدن أن تتمسك بالخط".
أطلق بايدن في نهاية المطاف مبلغ 235 مليون دولار من المساعدات الأمنية، الأمر الذي خيب آمال مورفي، الذي وصفها بأنها "فرصة ضائعة لنظهر للعالم أن التزامنا بتعزيز حقوق الإنسان والديمقراطية هو أكثر من مجرد نقطة للحديث. وحتى مساء الجمعة، لم يكن مورفي قد أصدر بعد بياناً بشأن لائحة الاتهام الموجهة إلى زميله الديمقراطي.
أزمة مينينديز ستزيد من انعدام الثقة بين واشنطن والقاهرة
ويتمتع مينينديز بصلاحيات كبيرة في مجلس الشيوخ، من خلال تشكيل القرارات الأمريكية بشأن مبيعات الأسلحة أو المساعدات لمصر، كما يقول تقرير لصحيفة The Washington Post الأمريكية.
وقال ستيفن كوك، الباحث في مجلس العلاقات الخارجية، إن تعاملات المسؤولين الأمريكيين المتنامية مع الخليج حول قضايا الشرق الأوسط، إلى جانب غضب حكومة السيسي من الانتقادات الموجهة إلى الديمقراطية وحقوق الإنسان، ركزت تعاملات البلدين في نطاق محدود من القضايا، أبرزها المساعدات الأمريكية وقدرة القاهرة على التوسط لوقف إطلاق النار في قطاع غزة. وقال كوك: "لا أظن أن الاتهامات الموجهة لمينينديز ستؤثر على العلاقات الثنائية الشاملة مع القاهرة بخلاف زيادة انعدام الثقة بين الجانبين".
لكن منتقدي الملف الحقوقي في مصر قالوا إن محاولة حكومتها المزعومة تأمين نفوذ سري لا بد أن تُقابل برد قوي. يقول سيث بيندر، المسؤول في مشروع الديمقراطية في الشرق الأوسط، إن الاتهامات تثير "مخاوف خطيرة" إزاء المساعي المصرية للتدخل في السياسة الأمريكية.
ودعا الكونغرس إلى منع المساعدات الأمريكية المعلقة "لإيصال رسالة واضحة بأنه لا يمكن التسامح مع ملف السيسي الحقوقي واختراق النظام السياسي الأمريكي".
على أن هذه الاتهامات لحليف رئيسي لإدارة بايدن في الكونغرس تأتي في لحظة حساسة، يحاول فيها المسؤولون تمرير إنفاق جديد بمليارات الدولارات لأوكرانيا. ولم يرد البيت الأبيض على الأسئلة المتعلقة بهذه المزاعم. ولدى سؤال وزير الخارجية أنتوني بلينكن في نيويورك عن هذه الاتهامات، قال إنها "مسألة قانونية لم تنتهِ بعد" وامتنع عن التعليق.
ولم ترد الحكومة المصرية والسفارة المصرية في واشنطن على طلبات التعليق. ونفى مينينديز، الذي أُعيد انتخابه بعد تبرئته من تهم فساد سابقة، ارتكابه أي مخالفات، واتهم المدعين بتشويه عمله في الكونغرس.
ومن بين التهم الموجّهة له في لائحة الاتهام اتفاق مزعوم تعهد فيه مينينديز بتسهيل استمرار المساعدات ومبيعات الأسلحة إلى القاهرة مقابل وضع زوجته في كشوف رواتب رجل الأعمال المصري الأمريكي وائل حنا.
وفي حادثة أخرى، قيل إن مينينديز استغل نفوذه مع وزارة الخارجية للحصول على معلومات غير سرية، لكنها حساسة، عن موظفين في السفارة الأمريكية في القاهرة، نقلتها زوجته إلى حنا، الذي نقلها بدوره إلى الحكومة المصرية. وفي حالة أخرى، قيل إن مينينديز ساعد مسؤولاً مصرياً في "كتابة" رسالة كان يُفترض إرسالها إلى أعضاء آخرين في مجلس الشيوخ الأمريكي للمطالبة بالإفراج عن أموال المساعدات.
وفي حين أن حادثة الرشوة التي تورّط فيها مينينديز قد تكون غير مسبوقة، أشارت مي السعدني، من معهد التحرير لسياسات الشرق الأوسط ومقره واشنطن، إلى محاولات سابقة من الحكومة المصرية لتوسيع نفوذها السري في الولايات المتحدة. وفي يناير/كانون الثاني عام 2022، اتهم مكتب التحقيقات الفيدرالي رجلاً مصرياً أمريكياً بالتجسس على معارضين للسيسي في الولايات المتحدة. وقالت مي: "هذا مثال واضح على محاولة السلطات المصرية التأثير على نظام حكمنا".
كيف ستؤثر هذه الأزمة على الديمقراطيين؟
أحدثت الأزمة حتى اللحظة جدلاً واسعاً داخل المعسكر الديمقراطي، حيث بدأ الديمقراطيون ينأون بأنفسهم عن مينينديز بعد لائحة اتهام الفساد الأخيرة.
حيث دعا الديمقراطيون في نيوجيرسي، بمن فيهم رئيس مجلس الولاية كريج كوغلين، ورئيس الحزب الديمقراطي بالولاية ليروي جونز، والنائب آندي كيم والنائب ميكي شيريل، والنائب السابق توم مالينوفسكي، مينينديز إلى التنحي عن مجلس الشيوخ.
وقال تشاك شومر، زعيم الأغلبية في مجلس الشيوخ، قال في بيان إن السيناتور مينينديز تنحّى في وقت لاحق بشكل مؤقت عن رئاسة لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ لحين البت في القضية.
من جهته، طالب فيل ميرفي، حاكم ولاية نيوجيرسي الديمقراطي، وعدة مسؤولين ديمقراطيين آخرين بالولاية، وأعضاء بمجلس النواب الأمريكي، باستقالة مينينديز من مجلس الشيوخ، وقال ميرفي -المقرر أن يكون بديلاً مؤقتاً لمينينديز في حال استقالته- إن "الحقائق المزعومة خطيرة جداً لدرجة تقويض قدرة السناتور مينينديز على تمثيل سكان ولايتنا".
لكن مينينديز قال إنه لا يعتزم الاستقالة، وقال في بيان في وقت متأخر أمس الجمعة: "ألاحظ مسارعة البعض بالحكم على رجل لاتيني وطرده من مقعده. لن أذهب إلى أي مكان".
ورغم هذه التصريحات، فقد أصبح مينينديز معزولا بشكل متزايد داخل حزبه بحسب شبكة usnews، حيث استوعب الديمقراطيون الأخبار التي تفيد بأن زميلهم متهم باستخدام وظيفته العامة لصالحه وإثراء نفسه. وهذا، وليس من قبيل الصدفة، هو بالضبط ما يقول الديمقراطيون إن ترامب فعله ويجب معاقبته على فعله.
وقبل توجه الناخبين الأمريكيين للتصويت في انتخابات 2024 قد تؤدي هذه الأزمة وغيرها من المنعطفات غير المتوقعة في تغيير المشهد الانتخابي بصورة دراماتيكية. فمن الوارد أن تؤثر الحالة الصحية لبايدن وارتفاع عمره على أهليته لخوض السباق وخوض مناظرات أمام ترامب، ولا يحتاج الديمقراطيون لأزمات وفضائح أخرى قد يستخدمها الجمهوريون ضدهم في الانتخابات.