واصلت أسعار النفط الارتفاع، فهل تتخطى حاجز 100 دولار للبرميل مرة أخرى؟ وماذا يعني ذلك لأسعار السلع الأساسية التي لا غنى لنا جميعاً عنها وللاقتصاد بشكل عام؟
كانت أسعار النفط قد واصلت ارتفاعها الجمعة 22 سبتمبر/أيلول، حيث تغلبت المخاوف من احتمال أن يؤدي حظر روسي على صادرات الوقود إلى تقليص إمدادات النفط العالمية على القلق من أن زيادة أخرى محتملة في أسعار الفائدة بالولايات المتحدة قد تؤثر سلباً على الطلب على الوقود.
وصعدت العقود الآجلة لخام برنت 21 سنتا أو 0.2% إلى 93.51 دولار للبرميل بحلول الساعة 01:03 بتوقيت غرينتش، فيما زادت العقود الآجلة لخام غرب تكساس الوسيط الأمريكي 23 سنتاً أو 0.3% إلى 89.86 دولار، بحسب رويترز.
ما قصة أسعار النفط؟
وعلى الرغم من ارتفاع الأسعار الجمعة، إلا أن الخامين القياسيين يتجهان لتسجيل تراجع أسبوعي طفيف، بعد ارتفاع بأكثر من 10% على مدار الأسابيع الثلاثة السابقة وسط مخاوف بشأن نقص الإمدادات العالمية مع استمرار منظمة البلدان المصدرة للبترول وحلفائها في التحالف المعروف باسم أوبك+ في تخفيضات الإنتاج.
كانت الحكومة الروسية قد أعلنت الخميس 21 سبتمبر/أيلول حظراً مؤقتاً وبأثر فوري على تصدير البنزين والديزل إلى جميع الدول فيما عدا أربع دول سوفييتية سابقة بهدف تحقيق استقرار في سوق الوقود المحلية. وتسبب الحظر، الذي سيجبر مشتري الوقود الروسي على البحث عنه في أماكن أخرى، في ارتفاع العقود الآجلة لزيت التدفئة بنحو 5% الخميس.
وفي الوقت نفسه، أبقى بنك الاحتياطي الاتحادي (البنك المركزي الأمريكي) الأربعاء على أسعار الفائدة، لكنه تمسك بموقفه بشأن تشديد السياسة النقدية وتوقع زيادة بربع نقطة مئوية قبل نهاية العام.
وأدى ذلك إلى تزايد المخاوف من أن ارتفاع أسعار الفائدة قد يؤدي إلى تثبيط النمو الاقتصادي والطلب على الوقود، فيما ارتفع الدولار الأمريكي إلى أعلى مستوياته منذ أوائل مارس/آذار. ويجعل ارتفاع الدولار النفط وغيره من السلع الأولية أكثر تكلفة بالنسبة للمشترين بعملات أخرى.
وكان سعر برميل نفط برنت قد تجاوز هذا الأسبوع مستويات 95 دولاراً، وهو أعلى مستوى منذ نوفمبر/تشرين ثاني 2022، فيما لم تصل الأسعار حاجز 100 دولار منذ نهاية أغسطس/آب 2022.
وتملكت مخاوف عودة التضخم البنوك المركزية حول العالم، والتي أبدت حذرها من الإعلان صراحة عن انتهاء موجة التضخم الحالية، خاصة مع ظهور مؤشرات على ارتفاع كبير محتمل على أسعار النفط عالمياً.
ويشكل النفط ومشتقاته، حصة من سلة المستهلك حول العالم، مع دخوله في قطاعات كالنقل والصناعات المختلفة أبرزها الغذائية، ما يعني أن عودة ارتفاع التضخم قد تكون قريبة، بحلول الربع الأخير 2023، أو الربع الأول 2024.
تمثل أسعار النفط حجر الزاوية بالنسبة للاقتصاد العالمي، ويتم تحديد أسعار برميل النفط بواسطة كبار المنتجين في العالم وعلى رأسهم منظمة أوبك بقيادة السعودية من جهة وروسيا من جهة أخرى، وقد كان هناك اتفاق قائم بين الطرفين منذ عام 2016 يُعرف باتفاق "أوبك+"، يتم من خلاله تخفيض أو زيادة الإنتاج على حسب معطيات العرض والطلب في السوق العالمي، بحيث يكون متوسط سعر برميل النفط في حدود 65 دولاراً صعوداً أو هبوطاً بهامش 5 دولارات تقريباً.
في ضوء هذا الاتفاق، إذا ما حدثت أزمة سياسية أو كارثة طبيعية مثلاً تؤثر على الإنتاج بإحدى المناطق فيحدث ارتفاع كبير في الأسعار، تتفق "أوبك+ روسيا" على زيادة الإنتاج بما يعوض الانخفاض المتوقع، والعكس صحيح، بمعنى الاتفاق على خفض الإنتاج في حالة تراجع الطلب لأي سبب من الأسباب، وظل هذا الاتفاق سارياً بصورة معقولة حتى مطلع عام 2020، عندما شهد العالم انخفاضاً كبيراً في أسعار الخام الأسود.
هل تتجاوز الأسعار 100 دولار للبرميل؟
توشيتاكا تازاوا، المحلل لدى فوجيتومي للأوراق المالية، قال لرويترز: "ظل التداول متقلباً وسط تباين تأثيرات مخاوف العرض التي عززها الحظر الروسي على صادرات الوقود ومخاوف تباطؤ الطلب بسبب تشديد السياسات النقدية في الولايات المتحدة وأوروبا".
ويوم 5 سبتمبر/أيلول الجاري، أعلنت كل من السعودية وروسيا عن تمديد خفض طوعي في إنتاجهما النفط، ليمتد حتى نهاية 2023 بدلاً من سبتمبر/أيلول الجاري، بواقع 500 ألف برميل و300 ألف برميل يومياً على التوالي. ولا يشمل هذان الرقمان، خفضاً إلزامياً آخر تشارك به كل من الرياض وموسكو، تحت مظلة تحالف "أوبك+" بدأ في نوفمبر/تشرين ثاني 2022 حتى نهاية 2023، يتبعه خفض آخر يستمر حتى نهاية 2024.
عمليات الخفض هذه، دفعت الأسعار للارتفاع فوق 90 دولاراً للبرميل مطلع الشهر الجاري، وفوق 95 دولاراً مطلع الأسبوع الجاري، فيما بدأت مؤسسات أبحاث تتحدث عن مستويات 100 دولار بحلول الربع الأخير 2023، بحسب تقرير للأناضول.
تقول بلومبرغ إيكونوميكس في تقرير لها صدر هذا الأسبوع، إن تحليلها يفترض أن معظم الارتفاع في أسعار النفط ينبع من قيود العرض؛ أضيف له ارتفاع في الطلب مع قرب موسم الشتاء.
بالتزامن مع ذلك، يقول مايك ويرث، الرئيس التنفيذي لشركة شيفرون الأمريكية للطاقة، إنه يعتقد أن النفط سيتجاوز 100 دولار للبرميل قريباً، وسط تقلص الإمدادات. وأضاف في حديث مع تلفزيون بلومبيرغ: "نحن بالتأكيد نتحرك في هذا الاتجاه.. الإمدادات تتقلص، والمخزونات تتضاءل، وهذه الأشياء تحدث تدريجياً ويمكنك أن ترى ذلك.. نحن نقترب من 100 دولار".
ومنذ مطلع الشهر الجاري، ارتفعت أسعار نفط برنت بأكثر من 12%، بينما ارتفعت بنسبة 22% منذ مطلع العام الجاري، صعودا من 77.8 دولار للبرميل.
هذا النمو في الأسعار، يتزامن مع بدء الولايات المتحدة إعادة بناء مخزوناتها من النفط والمشتقات، إذ سحبت نحو 200 مليون برميل من مخزونات الخام منذ مارس/آذار 2022 حتى النصف الأول من العام الجاري.
وتحتاج واشنطن إلى إعادة بناء المخزونات، ما يعني زيادة في الطلب، وسط مؤشرات على استعادة الاقتصاد الصيني عافيته، إذ تعد بكين أكبر مستورد للخام بمتوسط يومي يتجاوز 10 ملايين برميل.
ومن المتوقع أن يصل الطلب على النفط إلى مستوى قياسي يبلغ 102.2 مليون برميل يومياً هذا العام، بزيادة 2% عن العام الماضي، وفقاً لوكالة الطاقة الدولية.
ما تأثير أسعار النفط على تكاليف المعيشة؟
يؤدي ارتفاع أسعار النفط إلى الإضرار بدخل الأسرة وإنفاقها وقد يؤدي إلى تسارع التضخم، فالنفط يدخل في أغلب عمليات تصنيع السلع الأساسية من مأكل وملبس وقبل ذلك كله وسائل النقل بطبيعة الحال.
وعالمياً، تشهد أسعار الديزل ارتفاعات متتالية منذ عدة شهور، وسط شح في التكرير والإنتاج، ومع قرب زيادة موسمية في الطلب عليه لأغراض التدفئة. وعادة يرتفع الطلب على الديزل في كل من أوروبا والولايات المتحدة في فصل الشتاء، إذ يعتبر بديلاً عن الغاز الطبيعي لأغراض التدفئة، وبديلاً عن الغاز في أي نقص لدى القطاعات الإنتاجية.
هذه الأزمة، دفعت نحو زيادة الطلب على الخام الخفيف، وهو الأفضل لإنتاج الديزل؛ إذا تجاوز سعر الخاص الخفيف في ساعات قليلة، الجمعة الماضي مستوى 100 دولار.
وسترتفع أسعار السفر جواً أو بحراً أو جواً بطبيعة الحال، وهو ما سيتأثر به أغلب إن لم يكن جميع سكان الكوكب تقريباً، وإن بدرجات متفاوتة بطبيعة الحال. وحتى في الدول المنتجة للنفط، التي ستكون مستفيدة من ارتفاع الأسعار، سيكون على مواطنيها أن يدفعوا أيضاً فاتورة ارتفاع جميع السلع الأساسية.
فارتفاع أسعار النفط تعنى ارتفاع أسعار جميع السلع، وليس فقط أسعار مشتقات النفط من سولار وبنزين وغيرهما، بحسب تقرير لوكالة بلومبرغ الأمريكية عنوانه "ليس الوقود فقط: ارتفاع أسعار النفط يرفع أسعار جميع السلع"، رصد تأثير تخطي برميل النفط 100 دولار للبرميل على كل شيء، من تعريفة ركوب سيارات الأجرة إلى لعب الأطفال.
وباعتبار أن الصين هي أكبر مستورد للنفط في العالم فإنها معرضة للخطر، كما أن العديد من الدول الأوروبية تعتمد على الطاقة المستوردة. وهو ما يشير إلى أن الاقتصاد العالمي سيتعرض للضرر أيضاً، مما قد يعني تباطؤ الطلب على النفط نفسه.
وعلى الرغم من منتجي النفط في الولايات المتحدة الأمريكية سيستفيدون من أي زيادة في الأسعار، إلا أن الاقتصاد الأمريكي الأوسع لن يحصل على فوائد عندما يصل سعر النفط إلى 100 دولار للبرميل الواحد، وسيكون ذلك بمثابة ضغط على المستهلكين الأمريكيين الذين يشكلون العمود الفقري للنمو الاقتصادي الأمريكي.
ولكون الطاقة تحتل مكانة بارزة في قياس مؤشرات أسعار المستهلكين، فإن أصحاب القرار ينظرون إلى المؤشرات الأساسية التي تزيح العناصر المتقلبة. وإذا ثبت أن الزيادة في الأسعار ستكون كبيرة ومستدامة فستتحول هذه التكاليف إلى وسائل النقل والخدمات العامة.