أثار زلزال المغرب، الذي وقع يوم الجمعة الماضي، العديد من التساؤلات لدى خبراء الجيولوجيا وعلماء الزلازل عن السبب وراء وقوع هذه الكارثة رغم بُعد المغرب عن الأماكن النشطة للزلازل.
والزلازل بحجم الكارثة التي بلغت قوتها 6.8 درجة، وأودت بحياة ما لا يقل عن 2862 شخصاً، نادرة، ولم يُسمَع بها من قبل في الدولة الواقعة في شمال أفريقيا.
على عكس دول مثل تركيا وسوريا، التي لديها المعرضة بشكل كبير لحدوث الزلازل بسبب موقعها على مفترق طرق الصفائح التكتونية للأرض، فإن مساحةً صغيرة فقط من شمال المغرب تقع عند تقاطع هذه الصفائح.
لكن هذه المساحة تأثرت بالنشاط الزلزالي في عدة مناسبات على مدى ربع الألفية الماضية، بما في ذلك زلزال مدته 15 ثانية دفن مدينة أغادير الكبرى في عام 1960.
ووقع زلزال الجمعة نتيجة اصطدام بين الصفيحتين الأفريقية والأوراسية.
أوضح سيلفان باربوت، الأستاذ المشارك في علوم الأرض بجامعة جنوب كاليفورنيا، لموقع Middle East Eye البريطاني: "يُعَد اصطدام أفريقيا وأوراسيا حدثاً تكتونياً كبيراً بدأ قبل حوالي 60 مليون سنة، مما أدى إلى إغلاق حوض محيطي كبير يسمى Thesis".
حدود الصفائح وخطوط الصدع
رغم أن مركز زلزال المغرب كان على بُعد 550 كيلومتراً جنوب المكان الذي تصطدم فيه الصفائح بعضها ببعض، لا تزال المنطقة معرضة للخطر.
قال باربوت: "تتمثل بقايا الحوض Thesis في البحر الأبيض المتوسط. وإغلاق هذا الحوض شكَّل جبال الألب الفرنسية وجبال زاغروس وجبال الهيمالايا".
وأضاف أن جبال الأطلس الكبير في المغرب تساهم في تقارب الصفائح، وتستضيف زلازل عرضية. وقال: "إن سبب وقوع الزلزال بعيداً عن حدود الصفائح هو أن جبال الأطلس تمثل نقطة ضعف محلية في القشرة الأرضية".
وفي حالة زلزال عام 2004، الذي ضرب مدينة الحسيمة على الساحل الشمالي للمغرب، حدثت الهزات على حدود الصفائح. وهي المنطقة الأكثر نشاطاً زلزالياً في البلاد. وأدى هذا الزلزال إلى مقتل 630 شخصاً وتشريد 15 ألفاً آخرين.
ووقعت عدة زلازل كبرى أخرى في المغرب بعيداً عن الحدود، بما في ذلك كارثة أغادير عام 1960. ودفن الزلزال الذي بلغت قوته 5.8 درجة المدينة بأكملها، وقتل حوالي 15 ألف شخص، أي أكثر من ثلث سكان أغادير. أُعيدَ بناء المدينة بالكامل على بُعد ميل واحد جنوب المدينة السابقة.
قال جوناثان ستيوارت، أستاذ الهندسة المدنية والبيئية المتخصص في هندسة الزلازل في كلية سامويلي للهندسة بجامعة كاليفورنيا: "الزلازل محتمَلة في كل مكان، ولكن احتمالها النسبي أعلى بكثير في مناطق التشوهات القشرية، مثل الجبال والصدوع".
تُعَد خطوط الصدع كسوراً في سطح الأرض، وغالباً ما تنتج عن حركة الصفائح التكتونية، وهي مسؤولة عن العديد من الزلازل.
أوضح ستيورات قائلاً: "هناك ضغوط في الصفائح بعيداً عن حدود الصفائح. عادةً ما تتركز على طول الصدوع، وبالتالي إذا حُدِّدَت الصدوع، فمن الممكن تحسين التوقعات بالزلازل".
المباني المُشيَّدة بالطوب اللبن والحجر
غالباً ما يكون للقرب من حدود الصفائح تأثير كبير على استعداد البلدان لمواجهة الزلازل. قال ستيوارت إن أماكن مثل اليابان وتايوان وكاليفورنيا، حيث توجد معدلات عالية من الزلازل على طول حدود الصفائح، لديها مستويات متقدمة من الاستعداد.
وأضاف: "مع ذلك، هناك أيضاً أمثلة لمجتمعات على طول حدود الصفائح ذات استعداد ضعيف نسبياً (بسبب قوانين البناء الضعيفة مثلاً، أو سوء تنفيذ قوانين البناء)، مثل نيبال وباكستان وتركيا".
وأضاف ستيوارت أنه في المناطق البعيدة عن الحدود، تميل مستويات الاهتمام بالمرونة الزلزالية إلى أن تكون "محدودة".
وفي حالة المغرب، كانت العديد من المباني التي دُمِّرَت عبارة عن منازل مبنية من الطوب اللبن ومبان حجرية.
قال باربو: "لقد هز زلزال مراكش العديد من المباني التاريخية، والتي لم تُصمَّم لتتحمل مثل هذه الهزات الكبيرة".
وأوضح أن مقاومة مثل هذا الاهتزاز تعتمد على قوة الأساسات وإطار المباني، حيث تكون الهياكل الأطول أكثر عرضة للضرر. وقال: "تنهار مباني الطوب اللبن تحت ما نسميه الفشل الهش، والذي يجعل مثل هذه المباني عرضة للانهيار المفاجئ".
وأضاف: "تتعرض المباني المدعومة بالفولاذ لما يُسمَّى بالفشل المرن، مما قد يؤدي إلى تلفها، ولكنها تتجنب الانهيار الكامل للهيكل".
تضررت العديد من المباني التي تعود للقرون الوسطى، والتي تجذب سياحة كبيرة إلى المغرب، بسبب الزلزال، بما في ذلك مسجد تينمل في جبال الأطلس الكبير والمدينة القديمة في مراكش والأسوار القديمة.
وأشار ستيوارت إلى أن مثل هذه المباني التاريخية يمكن أن تتضمن أنظمة عزل زلزالي، كما كان الحال بالنسبة لمبنى بلدية سان فرانسيسكو، رغم أن هذه التدابير قد تكون مكلفة.
التخطيط المستقبلي
وبالإضافة إلى مواد البناء، فإن توقيت هذا الزلزال -ليلاً- قد ساهم أيضاً في التأثير على حياة الناس.
قال باربو: "يمكن للزلازل التي تحدث ليلاً أن تؤدي إلى تفاقم الخسائر البشرية؛ لأن الناس قد يكونون أكثر عرضة للخطر في مساكنهم إذا انهارت المباني".
بالإضافة إلى ذلك، قد يجعل ظلام الليل من الصعب على الناجين التنقل بين الحطام والأنقاض عند محاولتهم الوصول إلى بر الأمان، مما يزيد من خطر الإصابة.
هناك العديد من الخطوات التي يمكن للسلطات المغربية اتخاذها في المستقبل لمحاولة تجنب مستويات الدمار التي شهدتها الأيام الأخيرة.
بالنسبة لستيوارت، يُعد رسم الخرائط والنمذجة أمراً أساسياً لتحسين القدرة على مقاومة الزلازل. قال: "لا بد من وضع نماذج مناسبة إقليمياً للتنبؤ بحركات الأرض الزلزالية".
والمجال الآخر الذي يجب معالجته لتعزيز الاستعداد هو هيكل المباني. قال ستيوارت إنه ينبغي للسلطات "تحديث قوانين البناء لتعكس المعرفة والممارسات الحديثة وفرض قوانين للبناء". وأضاف أن هناك حاجة إلى تطوير الحوافز لضمان تحديث الهياكل القديمة.