بعد حالة جمود شهدتها الساحة اللبنانية في ظل أزمات سياسية واقتصادية تمر بها البلاد، ازدحمت فجأة زيارات متزامنة لمسؤولين أمريكيين وإيرانيين إلى بيروت، وسط صراع إقليمي محتدم بين الدولتين. فما الدوافع والأهداف والرسائل؟
تصعيد أم استقرار.. ماذا وراء الزيارات الأمريكية الإيرانية لبيروت؟
زيارة الوسيط الأمريكي آموس هوكستين، في 30 أغسطس/آب 2023، ووزير خارجية إيران أمير عبد اللهيان بعده بيوم إلى بيروت، قوبلتا بالكثير من التأويلات حول تصادفهما، ما إن كانتا للتصعيد كما يحصل في العراق وسوريا، أم للاتفاق على الاستقرار، لا سيما بعد بدء التنقيب عن النفط جنوبي لبنان.
ملفات الحدود مع إسرائيل والطاقة والرئاسة اللبنانية، استحوذت أيضاً على أجندات الزيارتين الأمريكية والإيرانية إلى بيروت.
هوكستين خلال زيارته، دعا إلى الهدوء والاستقرار "ضماناً لأمن البر والبحر ومحيط آبار النفط المستثمرة في حقل كاريش (جنوب لبنان) ومحيطه في إسرائيل، وتلك التي تخضع للاستكشاف في البلوكين 8 و9 اللبنانيين".
وقبل مغادرته بيروت، أعلن المسؤول الأمريكي أنه بعد بدء الحفر واستخراج النفط جنوبي لبنان "حان الوقت للعمل من أجل ترسيم الحدود البرية (مع إسرائيل)".
وبوساطة أمريكية دامت عامين نجح لبنان ودولة الاحتلال في أكتوبر/تشرين الأول 2022 بالتوصل إلى اتفاق لترسيم "الحدود البحرية"، حددت بموجبه المناطق الاقتصادية "الخاصة" بكل طرف في البحر المتوسط، حيث بدأت بيروت التنقيب عن النفط في 24 أغسطس الماضي.
في المقابل، أتت زيارة عبد اللهيان إلى لبنان في ظل تطورات إقليمية ودولية مهمة، مع استئناف العلاقات الدبلوماسية الإيرانية السعودية، وكذلك التحركات الأمريكية في الشرق الأوسط والتهديدات الإسرائيلية لحلفاء إيران بالمنطقة.
وخلال زيارته لبيروت، قال عبد اللهيان إنه "واثق بأن أي تصعيد إسرائيلي سيفجّر حرباً تطوي صفحة إسرائيل"، مشيراً إلى أنهم "يدعمون استقرار لبنان وسرعة توافق القادة على انتخاب رئيس جديد للبلاد".
إيران وأمريكا.. رسائل متبادلة من لبنان
الكاتب والمحلل السياسي اللبناني وائل نجم قال إن "كل شخصية في زيارتي المسؤولين الأمريكي والإيراني حملت رسالة خاصة بها وبالساحة اللبنانية".
وذكر نجم لوكالة الأناضول أن عبد اللهيان أراد أن يؤكد على وقوف إيران إلى جانب حلفائها في هذا الوقت العصيب الذي تشهد فيه المنطقة تطورات غير مسبوقة، كما في شرق سوريا والسويداء وحتى في العراق أو فلسطين.
ومنذ 25 أغسطس تشهد مدينة كركوك شمالي العراق احتجاجات أسفرت عن سقوط قتلى وجرحى على خلفية إخلاء مبنى قيادة العمليات المشتركة وتسليمه إلى الحزب الديمقراطي الكردستاني، فيما تشهد عدة مناطق سورية، في مقدمتها محافظتا درعا والسويداء، احتجاجات على النظام السوري.
ولفت نجم إلى أن زيارة المسؤول الإيراني تأتي "في إطار التأكيد على تأثير طهران في ساحات المنطقة وتمسكها بذلك، وعدم تخليها أو تقديمها أي تنازل حالياً".
وحول زيارة هوكستين، قال نجم إنه "أراد أن يفحص الموقف اللبناني بغرض الدخول في مفاوضات أو مباحثات غير مباشرة، للوصول إلى ترسيم أو تحديد الحدود البريّة مع فلسطين المحتلة".
وأشار إلى أن المسؤول الأمريكي كان "يهدف لتوصيل رسالة من خلال جولاته يؤكد خلالها أن لبنان لا يقع بشكل كامل تحت سيطرة حزب الله، أو أن الحزب واقع تحت ضغط كبير، بحيث إنّه لا يمكنه منع تجوّل هوكستين في أرجاء لبنان".
ووفق نجم فإن "لبنان يُستخدم كساحة رسائل بين الأطراف كافة المؤثرة بمشهد المنطقة، وأخذت ربما هذا الشكل بهذا الوقت، ولكن الخشية أن تأخذ أشكالاً أخرى في مرحلة لاحقة تكون الفوضى المنضبطة أو غير المنضبطة عنوانها الرئيسي".
وفي هذا الإطار، قال الكاتب والمحلل السياسي قاسم قصير (مقرب من حزب الله) إنه "يستبعد أن تكون هناك علاقة مباشرة بين ما يحصل في العراق وسوريا برسائل أمريكية أو إيرانية في المنطقة، إلا إذا تطورت الأمور إلى صراع كبير".
وأوضح قصير للأناضول أن زيارة عبد اللهيان تأتي في إطار التواصل مع المسؤولين اللبنانيين والقيادات اللبنانية لوضعها في أجواء التطورات التي تحصل بالمنطقة، وخصوصاً الاتفاق السعودي الإيراني والوضع في سوريا والاتفاق الإيراني الأمريكي".
ترسيم الحدود بين لبنان والاحتلال
ينفي قاسم قصير أن يكون تزامن زيارة المسؤوليْن الأمريكي والإيراني إلى لبنان مقصوداً، ولكنه رأى أن الزيارتين تصبان في دعم الاستقرار، وتدعوان إلى إيجاد حلول سياسية لأزمات البلاد.
وأشار قصير إلى أن "دعم لبنان والشعب اللبناني وقوى المقاومة ثابت في السياسة الإيرانية في مواجهة الاحتلال الإسرائيلي"، على حد تعبيره.
وعن المشكلة العالقة على الحدود قال قصير: "هناك جهات لبنانية رسمية تتواصل مع الأمريكيين لمعالجة ملف الحدود والخيمتين وملف قرية الغجر، ويبدو أن هوكستين دخل على الخط لملف الحدود البرية".
ومنذ منتصف يوليو/تموز الماضي شهدت المنطقة الحدودية بين لبنان وإسرائيل توتراً أمنياً، بسبب محاولات القوات الإسرائيلية تجريف أراضٍ وإنشاء جدار إسمنتي بالمنطقة، وهو ما يرفضه الجانب اللبناني لكون المنطقة تحتلها تل أبيب، وترافق ذلك مع إطلاق صواريخ من جهة مجهولة إلى إسرائيل.
وفي 11 يوليو الماضي، قدم لبنان شكوى رسمية لدى الأمم المتحدة ضد إسرائيل على خلفية "تكريس" احتلالها للجزء اللبناني من بلدة "الغجر" الحدودية.
بدوره، لفت المحلل السياسي اللبناني طوني بولس (معارض لحزب الله) إلى أن "الطرفين (الأمريكي والإيراني) أعطيا دفعاً بسيطاً لقضية ترسيم الحدود بين لبنان وإسرائيل وحل النقاط العالقة".
وأوضح بولس للأناضول أن زيارة المسؤوليْن الأمريكي واللبناني "تركت نقطة الاشتباك في الغجر، والتي يريد بها حزب الله الاستمرار في الاحتفاظ بسلاحه، بحجة أن هناك أراضيَ ما زالت محتلة من قبل إسرائيل".
ووفق بولس فإن "الزيارتين تعكسان رسائل طمأنة داخل وخارج لبنان، وأن هذا البلد ليس ساحة صراع". وفيما يخص الملف الرئاسي المتعثر منذ نهاية أكتوبر 2022، قال بولس إن "الطرفين ينفيان دعمهما لأي من المرشحين، ويربطان ذلك (الحل) باتفاق القوى السياسية اللبنانية".