أُصِيب أكثر من 170 شخصاً بينهم أفراد من شرطة الاحتلال الإسرائيلي خلال أعمال شغب في تل أبيب بعدما حاولت السفارة الإريترية إقامة فعالية في مكان محلي يوم السبت 2 سبتمبر/أيلول 2023. ويزعُم المتظاهرون أنهم اتصلوا بالشرطة عدة مرات لمحاولة منع السفارة من إقامة الفعالية. فما القصة؟
حرب شوارع في تل أبيب.. من وكيف؟
اندلع قتال بين متظاهرين موالين للحكومة الإريترية وآخرين معارضين لها وكذلك الشرطة الإسرائيلية، بعد ظهر يوم السبت 2 سبتمبر/أيلول. وأوضحت صحيفة The Times of Israel أنَّ فوضى يوم السبت اندلعت على خلفية عقد الحكومة الإريترية لمؤيديها في تل أبيب فعالية رسمية بمناسبة الذكرى الثلاثين لصعود الحاكم الحالي، أسياس أفورقي، إلى السلطة.
وبحسب الصحيفة، وصل معارضو النظام، مرتدين الزي الأزرق، إلى مكان الحادث للتظاهر ضد المؤيدين الذين اتّشحوا باللون الأحمر. وسرعان ما تحولت المسيرات إلى أعمال عنف شديدة، أسفرت، بحسب تقديرات The Times of Israel، عن إصابة ما يصل إلى 150 متظاهراً منهم 15 في حالة خطيرة، بجانب إصابة 30 شرطياً. واستمرت الفوضى عدة ساعات.
وبرغم أنَّ السلطات كانت على علم بأحداث الاشتباكات، وانتشر الضباط للتأمين، فإن الفوضى فاجأتهم؛ مما دفع الشرطة إلى استخدام الذخيرة الحية ووقوع إصابات خطيرة. وألقت الشرطة القبض على العشرات من مثيري الشغب على مدار اليوم، ومن المرجح حدوث مزيد من الاعتقالات، بينما تتعقب السلطات المُحرّضين على أعمال العنف ومرتكبيها.
وفي مساء السبت 2 سبتمبر/أيلول، رجَّح مُعلّقون، على القناة 12 الإسرائيلية، أنَّ مؤيدي النظام الإريتري قد يُرحَّلون إلى وطنهم، لأنَّ حياتهم لن تكون في خطر، لكنهم أشاروا في الوقت نفسه إلى أنَّ إسرائيل تجنّبت فحص المهاجرين اليهود وغيرهم وطلبات اللجوء الخاصة بهم والتعامل معها بالشكل الصحيح، لأنها لا تريد الاضطرار إلى منح صفة اللاجئ لمن يستحقها منهم بالفعل، كما تقول الصحيفة.
الإريتريون يشكون من التعقُّب والنزاع على "صفة اللاجئ"
تقول صحيفة The Jerusalem Post الإسرائيلية، إن المتظاهرين المناهضين للحكومة يشتكون منذ فترة طويلة من محاولات السفارة مراقبة اللاجئين من إريتريا وتعقّبهم. ومن بين مبررات أعمال الشغب، أشار المتظاهرون أيضاً إلى النزاعات المستمرة مع الحكومة الإسرائيلية حول منح صفة اللاجئ وأوضاع اللاجئين.
تدفق عشرات الآلاف من الأفارقة إلى إسرائيل من مصر في الفترة من عام 2005 إلى 2012 للاستيطان في إسرائيل، واستقرت الأغلبية بجنوب تل أبيب، حسبما أفادت صحيفة The Times of Israel. ويُشكِّل الإريتريون من اليهود غالبية 30 ألفاً هم إجمالي اللاجئين الأفارقة في إسرائيل اليوم، ويُقدَّر عددهم بنحو 17 ألف إريتري.
وفي البداية، غضت إسرائيل الطرف عن تدفقهم، وتولى العديد منهم وظائف دُنيا في الفنادق والمطاعم. لكن مع تضخم أعدادهم إلى نحو 60 ألف شخص، ثارت ردود فعل سلبية قوية، مع تزايد الدعوات لطرد الوافدين الجدد. وأكملت إسرائيل بناء الجدار الحدودي في عام 2012 الذي أوقف تدفق اللاجئين.
وقد قوبل طالبو اللجوء بالكراهية من الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة، إضافة إلى أنهم يواجهون مستقبلاً غامضاً؛ نظراً إلى أنَّ الدولة لم تُقرّ صفة اللاجئ إلا لعدد قليل منهم، بل قادت الجهود المستمرة لجعل الحياة صعبة بالنسبة لهم أو لترحيلهم على الفور.
ومع ذلك، رفضت محكمة العدل العليا أو قيدت باستمرارٍ جهود الحكومة والكنيست لإجبار المهاجرين على الخروج، داعية إلى ضرورة وجود "حل يتوافق مع المعايير الدولية".
وكثيراً ما يستشهد مؤيدو الإصلاح القضائي المثير للجدل، الذي اقترحته الحكومة الإسرائيلية الحالية بزعامة نتانياهو، بهذه القضية باعتبارها مثالاً على تجاوز المحكمة في سلطاتها بما يمثل تحدياً للإرادة العامة، وفي الوقت نفسه يستشهد معارضو الإصلاح بالقرارات نفسها لإثبات الدور الرئيسي للمحكمة في حماية "حقوق الإنسان".
نشاط السفارة الإريترية في إسرائيل
في الأسبوع الماضي، أفادت صحيفة St. Galler Tagblatt السويسرية بأنَّ السفارة الإريترية في إسرائيل كانت ترسل جواسيس متنكرين كلاجئين لابتزاز الأموال من اللاجئين.
وذكرت الصحيفة قصصاً متعددة لأشخاص فروا من البلاد، لكن تعقّبتهم السلطات الإريترية وهددتهم بسداد "الديون أو الضرائب" المُستَحقّة عليهم في وطنهم.
وتلقت إحدى النساء، والتي هربت مع ابنتها الصغيرة إلى إسرائيل، صورة لابنتها وهي في طريقها إلى المدرسة وعليها عبارة "نحن نعرف كل شيء. أنت مديونة لبلدك!". ويرتبط ذلك بـ"ضريبة الشتات" المفروضة على الإريتريين الذين يعيشون في الخارج.
إرتيريا "كوريا الشمالية الأفريقية"
كثيراً ما يُطلَق على إريتريا لقب "كوريا الشمالية الأفريقية" بسبب نظامها الشمولي. ويحكم البلاد الرئيس أسياس أفورقي منذ أوائل التسعينيات عندما نالت إريتريا استقلالها عن إثيوبيا. وسجن أفورقي وقتل العديد من خصومه السياسيين.
والتجنيد الإلزامي في الجيش واجب على جميع المواطنين، رجالاً ونساءً. لكن خلافاً لما هو الحال في الكيان الإسرائيلي أو الدول الأخرى التي تفرض التجنيد الإلزامي، فإنَّ التجنيد الإجباري في إريتريا يمتد لأجل غير مسمى دون تحديده بسن.
ويمكن أن يكون التجنيد عسكرياً أو مدنياً، ولا يمنَح التسريح أو الإعفاء إلا للنساء المتزوجات اللاتي ينجبن أطفالاً، والمرضى وأصحاب الإعاقة أو من يتمتعون بـ"علاقات جيدة". وقد شبّهت الأمم المتحدة هذا النظام بالعمل القسري أو العبودية.