لماذا قد يحظى الانقلاب العسكري في الغابون بدعم شعبي؟.. فتّش عن سياسة الرئيس ووالده

عربي بوست
  • ترجمة
تم النشر: 2023/09/01 الساعة 09:09 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2023/09/01 الساعة 13:01 بتوقيت غرينتش
لقطة من الإعلان عن قائد "المرحلة الانتقالية" في الغابون - رويترز

استيقظت الغابون قبل يومين على وقع انقلاب عسكري قام به عدد من الجنرالات على الرئيس الذي أعيد انتخابه حديثاً علي بونغو بعد 14 عاماً في البقاء في السلطة.

اللافت في هذا التحرك العسكري عملية الدعم الشعبي التي حظي بها الانقلاب من آلاف السكان الذين نزلوا إلى الشوارع احتفالاً بهذا الأمر؛ مما أثار التساؤل عن سبب هذا الدعم الشعبي، بحسب تقرير لصحيفة The Guardian البريطانية.

منذ 2020 وقع في القارة السمراء 8 انقلابات عسكرية كلها تقريباً بنفس الطريقة، ولكن هذه المرة، قدَّم الرجال الذين يرتدون الزي العسكري أنفسهم باعتبارهم أعضاء في "لجنة الانتقال واستعادة المؤسسات". 

علي بونغو
رئيس الغابون علي بونغو أونديمبا يدلي بصوته في مركز اقتراع خلال الانتخابات الرئاسية في ليبرفيل عاصمة الغابون في 26 أغسطس/آب- 2023 رويترز

استولى العسكريون أيضاً على السلطة في مالي وغينيا وبوركينا فاسو وتشاد والسودان خلال العامين الماضيين. والآن، سيشعر قادة دول جوار الغابون بالتهديد -وخصوصاً ديني ساسو نغويسو- في الكونغو برازافيل- ولديهم مبرراتهم.

دعم شعبي

وحتى الآن، يبدو أنَّ الإطاحة بعلي بونغو أونديما من الرئاسة بعد 14 عاماً في السلطة تحظى بدعم شعبي كبير، ولو أنَّه من الصعب الجزم بذلك في هذا التوقيت المبكر للغاية. ولن يكون ذلك مفاجئاً. فقد قُوبِلَت الكثير من الانقلابات العسكرية في السنوات الأخيرة باحتفالات جماهيرية حماسية. صحيح أنَّ بعضها كان مُدبَّراً أمام وسائل الإعلام من أجل نيل الشرعية سريعاً، لكنَّ الكثير منها كان عبارة عن اندفاعات عفوية من الحماسة النابعة من الاحتمال البسيط لحدوث تغيير.

الغابون
الغابون تعد من أعلى الدول في أفريقيا بالنسبة لدخل الفرد فيها – رويترز

قليلون هم مَن يُشكِّكون بأنَّ الغابون كانت بحاجة إلى تغيير. فقد ورث الرئيس السلطة من والده، الذي حكم منذ عام 1967 حتى وفاته عام 2009. ويجب أن تكون الغابون، وهي عضو بمنظمة الدول المصدرة للنفط (أوبك) بإنتاج يبلغ 181 ألف برميل من النفط الخام يومياً، مزدهرة نسبياً. لكنَّ جودة حياة النسبة الأكبر من السكان البالغ عددهم مليوني نسمة تشهد بوضوح على عقود من سوء الإدارة والمحسوبية والفساد والتزوير السياسي الصارخ الذي جلبته عائلة بونغو.

انتشار عدوى الانقلابات 

سيصبح الدافع الحقيقي للانقلاب واضحاً قريباً. ومن المستبعد أن يكون ذلك الدافع هو حماية مؤسسات الغابون من التهديدات الأمنية أو غيرها، مثلما ادَّعى الحكام الجدد في خطابهم الأول. ومن المرجح أنَّ غياب الرد الإقليمي أو الأفريقي أو الدولي المُنسَّق على الانقلابات الأخيرة كان عاملاً رئيسياً في قرار العسكريين المخاطرة بأرواحهم وسبل عيشهم في عملية استيلاء على السلطة.

كان هذا الفشل أكثر وضوحاً من أي وقتٍ مضى خلال الأسابيع الأخيرة. فتهديدات التدخل العسكري من جانب المجموعة الاقتصادية لغرب أفريقيا (إيكواس) لم تساعد حتى الآن في إعادة محمد بازوم، الرئيس المنتخب ديمقراطياً للنيجر والذي أُطيح به في يوليو/تموز الماضي، وليس للعقوبات تأثير كبير أيضاً. ويبدو أنَّ المجلسين العسكريين في مالي وبوركينا فاسو قد ترسَّخا. وفي السودان، يُعَد التهديد الأكبر للفصائل العسكرية التي استولت على السلطة في 2021 هو بعضها البعض.

أعلن عسكريون الإطاحة بنظام رئيس النيجر محمد بازوم، في بيان تلاه أحدهم عبر التلفزيون الرسمي في العاصمة نيامي.ي". ( AA – وكالة الأناضول )

وفي حالة الغابون، يمكن للجيش أن يعتمد على الدعم الشعبي ودعم المعارضة. فقد وجدت دراسة حديثة أجراها برنامج الأمم المتحدة الإنمائي على آلاف الناس الذين يعيشون في بلدان وقعت فيها انقلابات مؤخراً تطلُّعات ديمقراطية قوية

وهذا الأمر ينطبق على مناطق أخرى أيضاً، وهو يتعزَّز فيما يزداد النمو الحضري والتعليم في أفريقيا. لكن الأهم من كل ذلك أنَّ هنالك رغبة للتغيير في أقرب وقتٍ ممكن، حتى لو كان ذلك يعني أن يأتي التغيير مرتدياً زياً عسكرياً مموهاً.

صفعة جديدة لفرنسا

وهنالك اتجاه آخر يتعين مراقبته أيضاً. فالعديد من الانقلابات وقعت في مستعمرات فرنسية سابقة، وأحد الأسباب هو دون شك الذكرى المتجددة لفترة طويلة من الحكم الاستغلالي لباريس. 

لطالما شعر مراقبو الشأن الأفريقي بالقلق بشأن عدم الاستقرار المتوارث للنظام الذي تركته فرنسا بعد إنهاء سيطرتها الاستعمارية المباشرة في جزء كبير من القارة. هذا المزيج السام من التلاعب السياسي والسيطرة المالية والتدخل العسكري والمشروعات التجارية الاستخراجية والعلاقات الدافئة بين النخب ليس فريداً في أفريقيا الفرانكفونية، لكنَّه مترسِّخ هناك، حتى اليوم.

الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون يجتمع مع رئيس الغابون علي بونغو أونديمبا في القصر الرئاسي في ليبرفيل، في 1 مارس/آذار 2023- رويترز

كانت الغابون هي أيضاً مستعمرة فرنسية، مثلما ذكر إيمانويل ماكرون حين التقى بونغو، الذي تلقَّى تعليماً فرنسياً، في باريس في يونيو/حزيران الماضي. وربما لم تكن صورة الرئيسين وهما يتصافحان مفيدة لأيٍ منهما.

كل انقلاب مختلف، لكن الكثير من النتائج تشبه بعضها بعضاً. من شبه المؤكد أنَّ القادة الجدد للغابون سيتّبعون نفس مسار نظرائهم في الشمال ويعلنون عن "مرحلة انتقالية" قبل إجراء انتخابات جديدة، وهي الانتخابات التي لن تُجرى لفترة طويلة. وفي الوقت نفسه، من الأرجح أن تلقى نداءات بونغو الباكية من مقر إقامته الرسمي، حيث يُحتَجَز حالياً، لأنصاره بـ"إحداث بعض الضجيج" آذاناً صماء.

تحميل المزيد