يُعَد استشهاد الشاب قصي معطان صاحب الـ19 عاماً قتلاً على يد المستوطنين المتطرفين بالضفة الغربية الأحدث ضمن سلسلة قديمة وطويلة من جرائم المستوطنين الذين يفلتون من العقاب في كل مرة. فعلى نحو مماثل لقتل معطان في قرية برقة في 4 أغسطس/آب 2023 والإفراج عن قاتله من قبل المحكمة الإسرائيلية، استشهد 38 فلسطينياً آخرين خلال السنوات الـ15 الماضية على يد مستوطنين مسلحين، وذلك وفقاً لتحقيق لصحيفة Haaretz الإسرائيلية بمساعدة منظمتي حقوق الإنسان الإسرائيليتين بتسيلم وييش دين.
جرائم المستوطنين بالضفة.. سلسلة متكررة وفي كل مرة يفلت الجاني من العقاب
على سبيل المثال، كان هنالك الشاب علي حرب، الذي طُعِنَ حتى الموت قبل عام على يد أحد سكان بؤرة "نوفي نحمياه" الاستيطانية. وقُتِلَ حرب حين كان هو وأقاربه يحاولون طرد المستوطنين الذين كانوا يسعون لإنشاء بؤرة استيطانية على أرضهم. وقد أُغلِقَ التحقيق بعد شهرين رسمياً.
والحوادث متشابهة؛ إذ يأتي المستوطنون إلى ضواحي إحدى القرى الفلسطينية أو منطقة مفتوحة بين مستوطنة وقرية مجاورة. ثُمَّ تندلع مواجهة، ويُقتَل فلسطيني ويصاب آخرون أو حتى يتم اعتقالهم بالعنف من قبل جيش الاحتلال. وفي كثير من الحالات، يتم اعتماد رواية المستوطنين في أفعالهم بأنَّهم في "حالة دفاع عن النفس".
لكن لم يمثل أي إسرائيلي في أيٍ من الحالات للمحاكمة؛ إذ تدعي الشرطة الإسرائيلية أنه "من المستحيل تحديد هُوية مطلق النار بسبب أوجه القصور في التحقيقات".
ووفقاً لمنظمتيّ بتسيلم وييش دين، قتل المستوطنون الإسرائيليون ممَّن ليسوا حراس أمن أو قوات أمنية 38 فلسطينياً منذ عام 2008.
وتستوفي 4 من عمليات القتل بوضوح توصيف "الإرهاب اليهودي"، وهي حادثة قتل أفراد أسرة الدوابشة حرقاً في عام 2015، وقتل عائشة الرابي صاحبة الـ47 عاماً في عام 2018، والتي كانت تقود السيارة مع زوجها قرب نقطة تفتيش في الضفة الغربية حين أُلقيت الحجارة على سيارتهم. وفُتِحَت تلك القضية منذ يناير/كانون الثاني 2019. وقُتِلَ فلسطينيون آخرون بعدما ألقوا هم أو آخرون الحجارة على سيارات المستوطنين، كما تقول صحيفة هآرتس.
أبرز نماذج للضحايا الفلسطينيين على مدار السنوات الـ15 الماضية
الشهيد علي حرب
في 21 يونيو/حزيران 2022، كان نحو 20 مراهقاً وشخص بالغ واحد من مستوطنة نوفي نحمياه يتجولون خارج سور مستوطنة أريئيل بالضفة الغربية. وكان هدفهم هو إنشاء بؤرة استيطانية هناك على أرض مسلوبة.
كانت المنطقة قريبة للغاية من مقر الشرطة الإسرائيلية في الضفة الغربية وأحد المداخل التي تحظى بحماية لمستوطنة أريئيل. وكانت المنطقة تعود لسكان من قرية إسكاكا القريبة، والذين وصلوا إلى المكان بعدما سمعوا بأنَّ المستوطنين تجمَّعوا هناك.
ولم يُعتَقل المشتبه به في عملية الطعن في يوم وقوع الحادثة. وقد تُرِكَ السكين في المكان، وأُلقي القبض على المشتبه به في اليوم التالي حين قدم شكوى ضد الفلسطينيين الذين كانوا بالمكان. وادَّعى المشتبه به أنَّهم هاجموه مع أصدقائه، ثُمَّ قُبِضَ بعد ذلك على أولئك الفلسطينيين وجرى التحقيق معهم بتهمة الاعتداء.
ادَّعى المستوطنون أنَّ الفلسطنيين قد ألقوا عليهم الحجارة بينما كانوا يُلوِّحون بالعصيّ والفؤوس، في حين نفى الفلسطينيون أنَّهم قد انخرطوا في عنف. وقال مكتب المدعي العام إنَّه لا يمكن رفض ادعاء المشتبه به بأنَّه كان في حالة "دفاع عن النفس".
طعنت منظمة ييش دين، التي تمثل أسرة حرب، على إغلاق القضية، وكانت إحدى الادعاءات الرئيسية للأسرة هي أنَّه بالرغم من خضوع جثة علي حرب للتشريح في أحد مستشفيات رام الله، فإنَّ الشرطة لم تطلب رؤية التقرير. ولا يظهر التناقض بين رواية المشتبه به للأحداث ونتائج التقرير في ملف الشرطة.
وقد شهد فلسطينيان بأنَّ المستوطن حاول طعن أحدهما في وقتٍ سابق، وشهد أحد المستوطنين بأنَّ أحد أصدقائه قال إنَّه رأى المشتبه به يحاول طعن فلسطيني في ساقه. وحين سُئِلَ ذلك الصديق، احتج بحقه في التزام الصمت.
علاوة على ذلك، قالت منظمة ييش دين إنَّ الشرطة لم تدرس مقاطع الفيديو التي قُدِّمَت لها بشكل صحيح، وإنَّ الشرطة لم تحاول الحصول على وثائق ملكية الأرض من الفلسطينيين وافترضت منذ البداية أنَّ الفلسطينيين قد انتهكوا حرمة الأرض التي هي لهم بالأساس. ولم تتلقَّ المنظمة رداً على طعنها.
ورداً على استفسار من صحيفة Haaretz، قال مكتب المدعي العام إنَّ القضية لا تزال قيد النظر، كما أنَّ الطعن لا يزال قيد النظر، وإنَّ تقرير التشريح لم يُقدَّم للمكتب إلا خلال مرحلة الطعن بالرغم من محاولة المكتب الحصول عليها خلال التحقيق. وقال المكتب إنَّ وثائق ملكية الأرض ليست ذات صلة، وإنَّ إعادة تمثيل الواقعة اتفقت مع نتائج التحقيق.
الشهيد مثقال ريان
في فبراير/شباط 2023، قال شهود عيان إنَّ الشاب مثقال ريان (27 عاماً) من قرية قراوة بني حسان شمالي الضفة الغربية قد أُردي قتيلاً بالرصاص على يد مستوطن. قُتِلَ ريان على ضواحي قريته، على بُعد 100 متر من موقع بناء كان المستوطنون قد وصلوا إليه وفقاً لفلسطينيين تحدثت معهم صحيفة Haaretz. ولم تحدث أي توقيفات في الحادثة.
قال مجلس السامرة الإقليمي الإسرائيلي في بيان إنَّ متجوِّلين من مستوطنة هافات يائير قد تعرَّضوا للهجوم من جانب فلسطينيين. وقال الفلسطينيون إنَّ الوضع في المنطقة تدهور بعدما أقام المستوطنون بؤرة استيطانية للرعاة قرب هافات يائير.
ووفقاً للفلسطينيين، وصل المستوطنون ذلك اليوم إلى موقع البناء وبدأوا في إطلاق السباب ومهاجمة عمال البناء، الذين طلبوا بعد ذلك المساعدة من سكان القرية. وقال الفلسطينيون إنَّ الجانبين ألقيا الحجارة على بعضهما؛ ما أدَّى إلى عملية إطلاق النار التي أسفرت عن مقتل ريان. قالت الشرطة إنَّه تم فتح تحقيق، لكن على حد علم صحيفة Haaretz، لم يُلقَ القبض على أي مستوطن، ولم يتم توجيه أي اتهام لأحد، ولا تزال القضية مفتوحة.
الشهيد إسماعيل الطوباسي
على الرغم من أنَّ الشرطة مطالبة بالتحقيق في قضايا القتل حتى لو لم يتم تقديم شكوى، تميل الشرطة الإسرائيلية في الضفة الغربية إلى تجنُّب ذلك في حال كان الضحية فلسطيني. أحد الأمثلة على ذلك مقتل إسماعيل الطوباسي في 21 مايو/آيار 2021، وهو من قرية الريحية جنوب غربي الخليل.
فبعد شهر على مقتل الطوباسي تفيد تقارير بأنَّ الشرطة لم تفتح تحقيقاً. وعلى الرغم من الاستفسارات من جانب التلفزيون العام الإسرائيلي وموقع Sikha Mekomit العبري، لم تفتح الشرطة تحقيقاً حتى أغسطس/آب من ذلك العام.
تشير تصريحات أسرته إلى أنَّ الطوباسي، الذي استُشهد نتيجة إصابات بطلقات نارية، تعرَّض لإطلاق نار من جانب المستوطنين. وحتى بعد فتح تحقيق، لم يُستدع أفراد أسرته للشهادة. ولم تتلقَ منظمة ييش دين أول رد من الشرطة إلا في أكتوبر/تشرين الأول، بعد تقديم 7 طعون.
قالت الشرطة إنَّها واجهت مشكلات في التواصل مع أفراد الأسرة. ولم يُدلِ شقيق الطوباسي بالشهادة في قسم الشرطة إلا في مارس/آذار هذا العام. وبحلول هذه المرحلة، كان الطوباسي قد دُفِنَ منذ زمن طويل. ولا تزال القضية مفتوحة.
الشهيد سامح الأقطش
حالة أخرى لم تفتح فيها الشرطة تحقيقاً رغم علمها بمقتل فلسطيني هي حالة سامح الأقطش، الذي أُردي قتيلاً بالرصاص خلال أعمال شغب وهجمات حرق متعمد من جانب المستوطنين في بلدة حوارة في فبراير/شباط الماضي. أُطلِقَ النار على الأقطش حين كان يقف عند مدخل البلدة مع رجال آخرين تجمَّعوا للدفاع عن أرضهم في مواجهة المستوطنين.
ووفقاً لشهود عيان، كان الأقطش يقف خلف سور حين أُطلِقَ النار عليه ولم يكن مشاركاً في الاشتباكات مع المستوطنين. تُظهِر اللقطات جنوداً يقفون قرب المستوطنين عند مدخل حوارة، لكنَّ الجيش ينفي أن يكون الجنود أطلقوا النار، ويعتقد الفلسطينيون أنَّ مطلق النار كان من المستوطنين.
لم تفتح الشرطة تحقيقاً، وادَّعت في البداية أنَّه لم تُقدَّم شكوى. لكن بعد عدة أسابيع، حين نجح شقيق الأقطش في تقديم شكوى بعد رفض عدة محاولات، فُتِح تحقيق أخيراً. وفي هذه المرحلة، كان الأقطش قد دُفِنَ بالفعل، وقالت الشرطة الإسرائيلية إنَّه بدون جثة، سيكون التحقيق صعباً.
الشهيد حمدي النعسان
أُردي حمدي النعسان (38 عاماً)، وهو أب لأربعة أبناء، قتيلاً بالرصاص عام 2019 قرب قرية المغير خارج رام الله. وقدَّم المستوطنون روايتين متناقضتين.
أولاً، ادَّعوا أنَّ متجوِّلين من مستوطنة عدي عاد تعرَّضوا للهجوم، لكنَّهم قالوا لاحقاً إنَّ فلسطينياً قد طعن مستوطناً وحاول جره إلى القرية. وادعوا في كلا الروايتين أنَّه جرى إطلاق النار على النعسان دفاعاً عن النفس بعدما ألقى الفلسطينيون الحجارة على المستوطنين.
ووفقاً لوزارة الصحة الفلسطينية، أُطلِقَ النار على النعسان في ظهره. وفي وقتٍ لاحق من عام 2019، استجوبت الشرطة اثنين من مُنسِّقي أمن المستوطنات من مستوطنة شيلو. وأفاد موقع Hakol Hayehudi العبري بحدوث حالة من "الغضب" في التحقيق، لافتاً إلى أنَّه جرت مصادرة هواتف المشتبهين. لم تُوجَّه اتهامات في القضية، التي لا تزال مفتوحة.
وبحسب وحدة المتحدثين باسم الجيش الإسرائيلي، "بعد فحص النتائج، أمر مكتب المدعي العام للجيش بإغلاق ملف التحقيق بخصوص الجنود. وجرت إحالة أي نتائج متعلقة بأي شكوك حول تورط مدنيين في الحادثة إلى الشرطة الإسرائيلية لمزيد من المعالجة والتحقيق".
الشهيد يوسف اخليل
في يناير/كانون الثاني 2011، وصل نحو 30 مستوطناً يهودياً إلى منطقة خربة صافا قرب بلدة بيت آمر بالخليل، حيث ألقى مراهقون فلسطينيون الحجارة على هؤلاء لصدهم. أُصيبَ يوسف اخليل، وهو فتى يبلغ من العمر 15 عاماً من بيت آمر، برصاصة في الدماغ وقُتِلَ. وأُلقي القبض على 4 مشتبهين.
أُغلِقَت القضية ضد ثلاثة منهم بسبب نقص الأدلة، وأُغلِقَت الأدلة ضد الرابع بسبب عدم وجود إدانة من الأساس. ومع أنَّ التحقيق في مقتل اخليل انتهى بعد ثلاثة أشهر، لم تُغلَق القضية رسمياً إلا في يوليو/تموز 2013، أي بعد عام ونصف من نهايتها الفعلية.
كشفت التحقيقات الأولية أنَّ المستوطنين الذين دخلوا المنطقة دون التنسيق مع الجيش -وبعد رفض طلب مماثل- لم يبلغوا عن الهجوم للسلطات المعنية.
ووفقاً للطعن الذي قدَّمه المحامي ميخائيل سفارد على إغلاق القضية، كان المتجولون قد تجوَّلوا في المنطقة سابقاً دون ترخيص. وبحسب الطعن، حين هاجمهم الفلسطينيون، أطلق اثنان من المسلحين الستة في المجموعة النار على راشقي الحجارة؛ ما أدَّى إلى إصابة مراهقين فلسطينيين. وتضمّن طعن سفارد حقيقة أنَّ الشرطة لم تعثر على الرصاصات أو فوارغها من أسلحة مطلقي النار. وقد رُفِضَ الطعن، وتم دفن القضية.