أمضى الفريق أول عبد الفتاح البرهان، الذي سخر منه أعداؤه سابقاً باعتباره "قائد القبو"، الأيام الأخيرة يجوب السودان ويحشد قواته بعد إفلاته من الحصار الذي امتد خمسة أشهر.
فبعد زيارتين إلى مدينتيّ أم درمان وبورتسودان، وصل قائد الجيش السوداني إلى مصر يوم الثلاثاء 29 أغسطس/آب، ومن المتوقع أن يتجه إلى السعودية للمشاركة في المباحثات مع قوات الدعم السريع، وهي المجموعة شبه العسكرية التي يخوض معها حرباً منذ 15 أبريل/نيسان الماضي.
البرهان يكسر الحصار وينجح بالخروج ليتوعد حميدتي
في الساعات الأولى من الصراع، الذي استعر نتيجة محاولات لدمج قوات الدعم السريع في الجيش النظامي، حاصر المقاتلون شبه العسكريين البرهان في مقر إقامته داخل مقر الجيش في قلب الخرطوم.
تكهَّن البعض بأنَّ قوات الدعم السريع سمحت للبرهان بمغادرة القاعدة العسكرية بعد ضغوط إقليمية ودولية، ويأمل وسطاء القوة أنَّه يمكن أن ينضم إلى مفاوضات السلام التي جرى تعليقها في الأسابيع الأخيرة.
مع ذلك، رفض البرهان علناً أي تسوية خلال زيارته لولايتي نهر النيل والبحر الأحمر على مدار الأيام الثلاثة الماضية، متعهداً بقتال الدعم السريع حتى النهاية.
وفي خطابه أمام قواته في قاعدة فلامنجو البحرية في مدينة بورتسودان، وصف البرهان الصراع بأنَّه حرب ضد مرتزقة أجانب من حول العالم. وشدَّد على أنَّ خروجه كان بتخطيط وتحضير من الجيش. فقال: "لم يكن خروجي من الخرطوم عبر صفقة أو مساعدة من أي جهة خارج الجيش ووحداته … لا وقت للخطابات. هذا وقت القتال".
وأضاف: "سنواصل القتال حتى نهاية هؤلاء المرتزقة، لإنهاء الخيانة وإنهاء هذا التمرد. سنقضي عليهم".
ويُعتَقَد أنَّ 4 آلاف شخص قد قُتِلوا وشُرِّد نحو 4.5 مليون آخرين من جرَّاء القتال بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، وهو القتال الذي تركَّز في الغالب في الخرطوم وإقليم دارفور غرباً.
ومع أنَّه جرى اتهام الجانبين بارتكاب انتهاكات، فإنَّ المزاعم ضد قوات الدعم السريع هي الأكثر خطورة وتصاعداً، بما في ذلك عمليات القتل الجماعي والعنف الجنسي، كما يقول تقرير لموقع Middle East Eye البريطاني.
يتألَّف العمود الفقري لقوات الدعم السريع من القبائل العربية في غرب السودان، التي غالباً ما تتجاوز أواصرها العائلية حدود السودان. وغالباً ما يستخدم أنصار الجيش هذه الأواصر للادعاء بأنَّ مقاتلي الدعم السريع ليسوا سودانيون، وهو موضوع تحدث عنه البرهان في بورتسودان.
فقال: "الانتهاكات التي ترتكبها هذه الجماعات تُظهِر بوضوح أنَّهم ليسوا سودانيين. فهذا السلوك مخالف لقيم وأعراف شعبنا في كردفان ودارفور والمناطق الأخرى في بلادنا".
ماذا وراء جولة البرهان الأخيرة داخل السودان؟
اعتُبرَت جولة البرهان القصيرة لمواقع الجيش السوداني دفعة معنوية لقواته، التي عانت في بعض الأحيان ضد مقاتلي الدعم السريع المتمرسين في القتال.
ففي مساء الخميس، 24 أغسطس/آب، تفاجأ الجنود المتمركزون في نقاط تفتيش في أم درمان، المدينة التوأم للخرطوم والتي تسيطر عليها إلى حدٍ كبير قوات الدعم السريع، برؤية قائدهم أمامهم.
وفي صباح اليوم التالي، شُوهِدَ البرهان يسير بحرية في بعض شوارع أم درمان، وجلس بجانب باعة يبيعون الشاي والطعام بجانب جنوده.
ثُمَّ انتقل إلى ولاية نهر النيل، فزار الجنود الجرحى وثكنة في مدينة عطبرة، حيث استقبله الجنود والسكان بحماس، وهتفوا بأنَّ السودان "أمة واحدة" و"جيش واحد".
ومن عطبرة والدامر ومدن نهر النيل الأخرى، سافر البرهان إلى مدينة بورتسودان، التي أصبحت عملياً العاصمة الجديدة لأعضاء الحكومة الداعمة للبرهان.
وفي قاعدة فلامنجو البحرية، قال البرهان إنَّ قواته قاتلت بقوة لتحريره من مقر القيادة العامة في الخرطوم. فقال: "أُنجِزَ خروجي من خلال عملية عسكرية شجاعة ومعارك ضارية بمشاركة القوات البحرية وقوات الدفاع الجوي والقوات البرية. كان هناك قتال مباشر خلال هذه العملية، وحتى البحرية لها شهيدان خلال المعركة".
وقال جنرال متقاعد، على معرفة بتحركات البرهان، لموقع Middle East Eye البريطاني، إنَّ البرهان استخدم مروحية للانتقال ليلاً من مقر القيادة العامة وهبط في قاعدة وادي سيدنا الجوية شمال أم درمان.
وقال المصدر للموقع إنَّ الجيش والمخابرات حضَّرا بعناية لتهريب البرهان، وكان لهذا أثر إيجابي على معنويات القوات. وأضاف: "أقدم البرهان على هذه المخاطرة المهمة لإظهار قدرات الجيش والتغيُّرات الكبرى التي طرأت في ميزان القوة على الأرض".
خريطة طريق الدعم السريع
لكنَّ مصدراً بقوات الدعم السريع وصف خروج البرهان بأنَّه فرار من ساحة المعركة، وقال إنَّه هرب بأعجوبة من الحصار المفروض على القيادة العامة للجيش ومواقع رئيسية أخرى في الخرطوم.
وقال المصدر لموقع Middle East Eye: "فرَّ البرهان من ساحة المعركة، ويحاول مع أشخاص مرتبطين بالنظام القديم والإسلاميين إقناع الناس بأنَّ هروبه يمثل نوعاً من الانتصار. لكن الواقع على الأرض ينفي مزاعمه وأكاذيبه".
ولطالما أصرَّ قادة الدعم السريع على أنَّ البرهان محاصر في قبو بالقيادة العامة للجيش ولا يمكنه المغادرة دون إذنهم.
ومنذ هروبه، لم تتفاعل قوات الدعم السريع مع تهديداته. لكنَّها أصدرت مؤخراً "خريطة طريق" لحل الأزمة، داعيةً إلى وقفٍ لإطلاق النار وبدء مفاوضات.
وقال البيان إنَّ الحل لابد أن يعتمد على "بناء سودان جديد قائم على الديمقراطية والاعتراف بالتنوع والتسامح والسلام الحقيقي، الذي لا يمكن تحقيقه أو استدامته إلا بالعدالة الاجتماعية".
لكنَّ النشطاء الداعمين للديمقراطية رفضوا بيان الدعم السريع، واصفين إيَّاه بأنَّه مجرد مثال آخر على استغلال المجموعة شبه العسكرية لغة حقوق الإنسان لتغليف انتهاكاتها وتاريخها من تقويض الديمقراطية السودانية.