انقلاب من أجل الديمقراطية وليس ضدها، يبدو أن هذا سيكون لسان حال منفذي الانقلاب في الغابون، والذي وقع الأربعاء 30 أغسطس/آب 2023، وجاء بعد انتخابات مثيرة للجدل أفضت لاستمرار عائلة الرئيس علي بونغو في السلطة، التي تسيطر عليها منذ أكثر من نصف قرن، وسط اتهامات من قبل المعارضة بأن الانتخابات تم تزويرها.
إذ جاء الإعلان عن الانقلاب في الغابون بعد أن أعلنت السلطات الانتخابية أن الرئيس الحالي على بونغو فاز بولاية ثالثة، وأسرة بونغو حليف مهم لفرنسا في غرب إفريقيا، حيث تحكم بلداً غنياً بالنفط والمواد الخام، وينظر له كقصة تحديث متقلبة النجاح نسبياً في إفريقيا، رغم الشكاوى من التضخم والفساد والفروق الاجتماعية الكبيرة، في ظل ثراء موارد البلاد ذات الطبيعة الاستوائية.
ويأتي كل ذلك وسط شكوك في قدرة الرئيس علي بونغو على الحكم بسبب إصابته بجلطة دماغية قبل سنوات.
في أول تعليق لها على إعلان ضباط في الجيش الغابوني السيطرة على السلطة و"إنهاء حكم الرئيس علي بونغو"، قالت فرنسا إنها تتابع الوضع عن كثب في الغابون، بينما قال مسؤول السياسة الخارجية بالاتحاد الأوروبي إن ما يحدث في غرب إفريقيا "مشكلة كبيرة لأوروبا".
ولدى فرنسا وجود عسكري في الغابون، ويقدر معهد أبحاث الدفاع السويدي أن هناك 350 قاعدة ومنشأة فرنسية في الغابون.
الانقلاب في الغابون يطيح بنصف قرن من حكم عائلة بونغو
كان الرئيس علي بونغو قد ترشح في هذه الانتخابات لولاية ثالثة، والتي ستكون أيضاً امتداداً لحكم سلالة بونغو، التي يعود تاريخها إلى أكثر من نصف قرن، حيث خلف علي بونغو أونديمبا، خلف والده عمر بونغو في عام 2009.
وظهرت مجموعة من كبار ضباط الجيش الغابوني على شاشة التلفزيون الوطني، معلنين استيلاءهم على السلطة، وزعموا أن الانتخابات العامة الأخيرة تفتقر إلى المصداقية، قائلين إنهم يمثلون كافة قوات الأمن والدفاع في الغابون.
وأعلن عشرات الجنود الغابونيين خلال ظهور على شاشات التلفزيون الأربعاء "إنهاء النظام الحالي"، وإلغاء الانتخابات التي أجريت السبت الماضي، وأظهرت النتائج الرسمية أن الرئيس علي بونغو أونديمبا فاز بها، بينما قالت المعارضة قبل صدور الانتخابات الرسمية إنها فازت بها.
وخلال الإعلان، سمع صحافيو وكالة فرانس برس دوي إطلاق نار في العاصمة الغابونية ليبرفيل.
وأعلن الانقلابيون الذين ظهروا في التلفاز أنهم أعضاء في "لجنة الانتقال واستعادة المؤسسات". وشملت مؤسسات الدولة التي أعلنوا حلها الحكومة ومجلس الشيوخ والجمعية الوطنية والمحكمة الدستورية وهيئة الانتخابات. وقال أحد الجنود لقناة غابون 24 التلفزيونية: "قررنا الدفاع عن السلام من خلال إنهاء النظام الحالي"، مضيفاً أنه يتحدث نيابةً عن "لجنة الانتقال واستعادة المؤسسات".
وقال أحد الانقلابيين: "ولتحقيق هذه الغاية تم إلغاء الانتخابات العامة المقررة في 26 أغسطس/آب 2023 ونتائجها المبتورة".
كما أعلن منفذو الانقلاب في الغابون عن إغلاق حدود البلاد "حتى إشعار آخر".
وكان من بين الجنود عناصر من الحرس الجمهوري، بالإضافة إلى جنود من الجيش النظامي وضباط من الشرطة.
وفي حالة نجاحه فسيكون الانقلاب هو الثامن في غرب ووسط إفريقيا منذ عام 2020. وقد أدت الانقلابات في مالي وغينيا وبوركينا فاسو وتشاد والنيجر إلى تقويض التقدم الديمقراطي، حسب وصف صحيفة the Guardian البريطانية.
خلاف حول نتائج الانتخابات
جاء الانقلاب بعد وقت قصير من إعلان هيئة الانتخابات الوطنية أن بونغو، الذي يتولى السلطة منذ 14 عاماً، فاز بفترة ولاية ثالثة في الانتخابات التي جرت يوم السبت، بنسبة 64.27% من الأصوات.
وأظهرت النتائج الرسمية أن المنافس الرئيسي لبونغو، ألبرت أوندو أوسا، حصل على 30.77% فقط من الأصوات.
وكان أوندو أوسا قد أدان ما وصفه بـ"الاحتيال الذي دبره معسكر بونغو"، مدعياً فوزه قبل إغلاق صناديق الاقتراع.
ودعا مايك جوكتان، مدير حملة أوندو أوسا، يوم الإثنين الماضي، بونغو إلى تسليم السلطة "دون إراقة دماء"، وأصر على أن الإحصاء الجزئي يجعل أوندو أوسا يتقدم بوضوح، دون أن يقدم أي دليل.
ويحظر القانون الغابوني نشر أي نتائج جزئية، في انتظار النتيجة النهائية، التي لا يُسمح قانوناً بنشرها إلا لمركز الانتخابات الغابونية، وهي الهيئة التي تنظم الانتخابات.
وتم بث النتائج الرسمية للانتخابات الساعة 03:30 (02:30 بتوقيت غرينتش) على التلفزيون الرسمي، دون أي إعلان مسبق عن الحدث.
وفي مؤتمر صحفي، الإثنين، أعلن مدير حملة مرشح المعارضة الرئيسي ألبرت أوندو أوسا، دون تقديم أي دليل، أن الفرز الجزئي للأصوات كان لصالحهم، وأنهم حققوا تقدماً واضحاً.
ومركز الانتخابات الغابوني هو الوحيد المخول بموجب القانون بنشر النتائج.
وقال مايك جوكتان، رئيس مجلس النواب: "ما هو متوقع الآن من الرئيس بونغو هو أن يقبل الخيار السيادي للشعب الغابوني، وأن يحترمه، وأن ينظم دون إراقة دماء نقل السلطة إلى السيد أوسا".
ونددت المعارضة بـ"التزوير" في الانتخابات، حسبما ورد في تقرير لموقع هيئة الإذاعة البريطانية "BBC".
وأفادت وسائل إعلام رسمية، يوم الإثنين الماضي، باعتقال أعضاء عصابة "هدفهم نشر الفوضى فور إعلان النتائج".
طرد الصحافة وقطع الإنترنت خلال الانتخابات
وتصاعدت التوترات، وسط مخاوف من حدوث اضطرابات بعد الانتخابات الرئاسية والبرلمانية والتشريعية التي أُجريت يوم السبت، والتي شهدت سعي بونغو إلى تمديد قبضة عائلته المستمرة منذ 56 عاماً على السلطة، بينما دفعت المعارضة من أجل التغيير في الدولة الغنية بالنفط والكاكاو والفقيرة اقتصادياً.
وأثار نقص المراقبين الدوليين، وتعليق بعض البث الأجنبي، وقرار السلطات قطع خدمة الإنترنت، وفرض حظر التجول ليلاً في جميع أنحاء البلاد بعد الانتخابات، مخاوف بشأن شفافية العملية الانتخابية، وفقاً لصحيفة the Guardian.
وبعد منع المراقبين الدوليين من التواجد، ورفض منح اعتماد الصحفيين الأجانب، قطعت الحكومة الوصول إلى الإنترنت فور انتهاء التصويت، وفرضت حظر التجول من الساعة السابعة مساء حتى السادسة صباحاً يوم الأحد، مشيرة إلى خطر "انتشار دعايات تدعو إلى العنف والمعلومات الكاذبة". وبعد ذلك مباشرة، تم تعليق بث قنوات راديو فرنسا الدولي، وفرانس 24 وTV5 Monde الفرنسية، التي تتمتع بمتابعة محلية قوية. واتهموا بـ"الافتقار إلى الموضوعية والتوازن في تغطيتهم للانتخابات الحالية"، حسبما ورد في تقرير لصحيفة Le Monde الفرنسية.
ووصف جورج مباجا، الرئيس التنفيذي لشبكة المنظمات الحرة للحكم الرشيد في الغابون، القرارات بأنها غير مقبولة على الإطلاق. ولا يوجد أي مبرر لها سوى التحضير لانقلاب انتخابي، معتبراً أن عائلة بونغو، مرة أخرى، تأخذ البلاد رهينة.
وأشار إلى أن عملية التصويت جرت بهدوء، ودون أي حوادث كبيرة، باستثناء القضايا التنظيمية العرضية".
وأضاف: بسبب عدم كفاءة المؤسسات الانتخابية فتحت بعض مراكز الاقتراع أبوابها بعد 4 إلى 6 ساعات من الموعد القانوني لفتحها. وأفيد أيضاً بأنه لم يتم العثور على بطاقات الاقتراع الخاصة بمرشحي المعارضة.
الرئيس أصيب بجلطة دماغية وقدرته على ممارسة السلطة محل شك
أصيب الرئيس علي بونغو بسكتة دماغية في عام 2018، ولم يظهر علناً منذ ما يقرب من عام. ومنذ ذلك الحين أصبحت قدرته على الخدمة موضع تساؤل مراراً وتكراراً.
ويقوم الرئيس بترشيح رئيس الوزراء، ويمكنه إقالته متى شاء، تم تعيين وزيرة الدفاع آنذاك روز كريستيان أوسوكا رابوندا رئيسة للوزراء، في يوليو/تموز 2020.
ويقول تقرير Freedom House عن الديمقراطية لعام 2023 إنه رغم أن الغابون تجري انتخابات متعددة الأحزاب، فإن الرئيس علي بونغو أونديمبا يحافظ على هيمنته السياسية من خلال مزيج من المحسوبية والقمع، بعد أن خلف والده عمر بعد وفاته في عام 2009، بعد أكثر من 40 عاماً في السلطة.
وتسيطر السلطة التنفيذية بشكل فعال على السلطة القضائية. وتشمل المشاكل الهامة الأخرى التمييز ضد المهاجرين، وتهميش الأقليات، وعدم المساواة القانونية والفعلية للنساء.
وفي الفترة ما بين أواخر مارس/آذار وأوائل أبريل/نيسان 2023، اتهمت السلطات الفرنسية أربعة من مسؤولي الرئيس الراحل عمر بونغو بالاختلاس، بينما اتهم خمسة آخرون في يوليو/تموز. وتشتبه السلطات الفرنسية بقيام عائلة بونغو بتأمين العقارات في هذا البلد باستخدام مكاسب غير مشروعة.
وفي سبتمبر/أيلول الماضي، أُلقي القبض على زعيم المعارضة غي نزوبا نداما، الذي يعتبر مرشحاً محتملاً للرئاسة، على حدود الغابون مع جمهورية الكونغو، بعد أن زُعم أنه كان يحمل 1.2 مليار فرنك من فرنكات وسط إفريقيا (1.9 مليون دولار) من أموال غير معلنة. واتهمت السلطات الغابونية نزوبا-نداما بغسل الأموال في وقت لاحق من ذلك الشهر.
سبق أن فاز في مقاطعة عائلته بـ99% من الأصوات
سبق أن شهدت البلاد في عام 2016 احتجاجات ضد نتائج الانتخابات.
أُجريت الانتخابات الرئاسية في أغسطس/آب 2016، بين الرئيس الحالي علي بونغو أونديمبا من الحزب الديمقراطي الغابوني (PDG)، وجان بينغ من اتحاد القوى من أجل التغيير المعارض (UFC). وأعلنت اللجنة الانتخابية فوز بونغو بنسبة 49.8% من الأصوات.
وفي مقاطعة هوت أوغوي، وهي معقل لعائلة بونغو، زعمت اللجنة أن معدل الإقبال على التصويت بلغ 99.9%، منها 95% لبونغو، رغم أن نسبة المشاركة في بقية أنحاء الغابون بلغت 54%. ودعا بينغ ومراقبون من الاتحاد الأوروبي إلى إعادة فرز الأصوات.
واندلعت احتجاجات عنيفة، واقتحمت قوات الأمن مقر بينغ، ورغم أن الحكومة زعمت أن عدد القتلى جراء الاضطرابات كان أقل من 10 أشخاص، فقد قدر الصحفيون وزعماء المعارضة أن أكثر من 50 شخصاً لقوا حتفهم، وتم القبض على المئات.
ورفضت المحكمة الدستورية، التي يرأسها حليف عائلة بونغو منذ فترة طويلة، إرسال بعثة مراقبة من الاتحاد الإفريقي أثناء إعادة فرز الأصوات. وبعد إعادة فرز الأصوات، حصل الرئيس على 50.7% من الأصوات، وهو ما رفضه بينغ.