منذ توقيع اتفاقيات التطبيع "الإبراهيمية" وفي ظل التقارير شبه اليومية التي تتناول الظهور المحتمل لاتفاقية تطبيع بين إسرائيل والسعودية بوساطة أمريكية، فإن حالة الغضب المشهودة على خلفية اللقاء السري بين وزيرة الخارجية في حكومة الوحدة الوطنية الليبية، نجلاء المنقوش، ونظيرها الإسرائيلي إيلي كوهين، أصبحت بمثابة عودة إلى عهد كانت العلاقات مع إسرائيل يُنظر إليها بنوع من الرفض التام والغضب والخزي في العالم العربي، كما تقول صحيفة The Jerusalem Post الإسرائيلية.
الليبيون يحرقون الأعلام الإسرائيلية احتجاجاً على الاجتماع السري
بعد حالة من الغضب في الشارع الليبي والاحتجاجات العارمة ودعوات لمحاسبة المنقوش، أقال رئيس الوزراء الليبي عبد الحميد الدبيبة وزيرته من منصبها، مساء الإثنين 28 أغسطس/آب 2023.
صنع الليبيون مساء الأحد 27 أغسطس/آب أعلاماً إسرائيلية ثم أحرقوها ليعربوا عن استيائهم من فكرة التطبيع مع إسرائيل. ويواجه الدبيبة بالفعل ضغوطاً من الأمم المتحدة والقوى الأخرى لرفضه عقد الانتخابات، ولا تزال البلاد منقسمة. ولذا فإن حالة الجدل قد تزعزع ما تبقى من ثقة في طرابلس، وهي أيضاً آخر شيء تحتاجه الحكومة الليبية، التي تتعامل مع أزمات أخرى.
وفي ظل حالة الغضب، قالت الحكومة في طرابلس إن هذا اللقاء كان "عارضاً وغير معد مسبقاً"؛ حيث حدث هذا الاجتماع في إيطاليا، ومن ثم فإن الليبيين ينأون بأنفسهم عنه.
من المعروف أن الوضع في ليبيا ليس بسيطاً في ظل انقسام البلاد، إذ يضطلع عديد من الأطراف الفاعلين بأدوار في البلاد، وثمة كثير من الأجندات المتنافسة. وقالت أنباء صادرة مؤخراً إن حفتر، على سبيل المثال، كان متورطاً في المؤامرات في تشاد، فضلاً عن أن بعض دول الخليج مهتمة للغاية بليبيا، كما تقول صحيفة جيروزاليم بوست.
ليبيا تنأى بنفسها عن أي أحاديث حول التطبيع مع إسرائيل
لذلك، تجدر الإشارة إلى أن بعض دول الخليج قد تفضل نوعاً من التطبيع بين إسرائيل وليبيا في نهاية المطاف، بالإضافة إلى أن تركيا تصالحت مع إسرائيل، مما يعني أنها ربما لا تعتبر ذلك مثار جدل. لكن الحكومة في طرابلس تريد الآن التقليل من شأن أي تقارير تتحدث عن إعطاء إعطاء الدبيبة أي ضوء أخضر لهذا اللقاء المشؤوم.
من جهتها، تسلط صحيفة Arab News السعودية الضوء على دور إيطاليا. حيث تقاربت إيطاليا مؤخراً مع دول الخليج والسعودية. وتقاربت في الأشهر الأخيرة مع تونس، التي تجاور ليبيا. بالإضافة إلى ذلك، زار الدبيبة في العام الماضي الرئيس التونسي قيس سعيد. وتحدثت رئيسة الوزراء الإيطالي جورجيا ميلوني مع ولي العهد السعودي في يوليو/تموز.
صحيحٌ أن صحيفة Arab news سلطت الضوء على تداعيات اللقاء الإسرائيلي الليبي، لكن صحيفة The National الإماراتية وقناة العربية، لم تبديا اهتماماً كبيراً للحدث، فيما نشرت شبكة TRT التركية عن الحادث، ولكن بتغطية طفيفة، مما قد يفسر أن أنقرة تنتظر لترى إلى أي اتجاه ستسير الرياح، كما تقول الصحيفة العبرية.
من جهتها، ادعت شبكة الميادين الإعلامية، التي يُنظر إليها على أنها موالية لإيران، هي الأخرى أن الوزيرة نجلاء المنقوش اضطرت للـ "فرار" من ليبيا إلى تركيا. فيما أفادت وكالة الأناضول للأنباء في تركيا بأن المحتجين أضرموا النيران في مقر إقامة الدبيبة في منطقة شط الهنشير في طرابلس.
تاريخ وزيرة الخارجية الليبية المثير للجدل
قبل حالة الجدل الحالية، نفذت المنقوش أعمالاً مهمة من أجل حكومة الوحدة الوطنية في طرابلس. مع ذلك، لم تكن هذه الأعمال بدون خلافات داخل البلاد. فقد التقت بوزير الخارجية التركي القوي، هاكان فيدان، في يوليو/تموز 2023. وذهبت أيضاً إلى طهران لعقد محادثات، في جهود تواصل مهمة بالنسبة لليبيا.
كانت هذه أول زيارة رفيعة المستوى منذ 16 عاماً. وكان هذا تحولاً من موقفها الذي يعود إلى عام 2021، عندما قالت إن تركيا يجب عليها الانسحاب من ليبيا. وبعد ضغوط رئاسة الحكومة الليبية قالت إن روسيا والقوى الأخرى يجب عليها الانسحاب أيضاً، كما تقول صحيفة جيروزاليم بوست.
وسبق أن أوقفت المنقوش عن أداء مهام وزيرة الخارجية في واقع الأمر في نوفمبر/تشرين الثاني 2021، عن طريق المجلس الرئاسي، بسبب "سوء إدارتها" لملف الشؤون الخارجية. لكن الدبيبة حينها رفض الانتقادات. كذلك سبق أن أثارت المنقوش غضب الأصوات المحافظة مثل المفتي العام الشيخ الصادق الغرياني، بعد اعتراض المنقوش على الوجود التركي، الذي ساهم في عدم سقوط طرابلس بيد قوات حفتر عام 2020.
في النهاية، تقول جيروزاليم بوست، قد يكون اللقاء مع إسرائيل مثار جدل يقوّض حكومة طرابلس نفسها، ويسهم في الفوضى، إلا أن حكومة الدبيبة تسعى بالفعل لإنقاذ نفسها والتبرؤ من لقاء المنقوش وتحميلها مسؤولية اللقاء وحدها.
الفشل في التطبيع مع ليبيا يثير قلق إسرائيل
في السياق، كشفت وسائل إعلام إسرائيلية، الإثنين 28 أغسطس/آب 2023، عن نشوب أزمة في وزارة الخارجية الإسرائيلية بعد واقعة تسريب لقاء كوهين والمنقوش، حيث تنصلت وزارة الخارجية الإسرائيلية من مسؤوليتها عن الكشف عن اللقاء عقب إثارة الإعلان ردود فعل واسعة في ليبيا.
قالت القناة الإخبارية الإسرائيلية "12" إن هناك "معركة تدور داخل وزارة الخارجية نفسها حول من المسؤول عن الأزمة الدبلوماسية، التي نشأت بعد إعلان الوزير إيلي كوهين عن لقائه بنظيرته الليبية". وأضافت القناة: "هاجم مسؤولو وزارة الخارجية رئيسَها (في إشارة إلى كوهين) باعتباره المسؤول عن بيان الكشف عن اللقاء".
ونقلت عن مسؤولين في الوزارة -لم تسمّهم- استنكارهم واقعة التسريب، متسائلين: "بم ستفكر الدول الأخرى التي تريد التقرب منا؟ إنه لا يمكن الوثوق بالسرية الإسرائيلية؟ هذا انتهاك للقواعد الدبلوماسية الأساسية". وأضاف أحد المسؤولين: "نحن في معضلة رهيبة، لقد تضررت مصداقية دولة إسرائيل بشكل خطير".