خلال اجتماعه الأسبوعي الذي يعقد كل يوم أحد بالحكومة الإسرائيلية، هدد رئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتنياهو، باغتيال نائب رئيس المكتب السياسي لحركة "حماس"، مسؤول قطاع الضفة الغربية، الشيخ صالح العاروري، الذي تتهمه إسرائيل بالوقوف خلف سلسلة الهجمات التي نفذتها الحركة في الضفة خلال الأسابيع والشهور القليلة الماضية.
ومرَّر نتنياهو رسالة تهديد للعاروري، قائلاً إنه "سمع تصريحاته التحريضية وهو مختبئ في لبنان، وإنه (أي العاروري) يعرف جيداً سبب اختبائه هو ورفاقه"، حسب تعبيره.
وأضاف نتنياهو: "مَن يحاول إيذاءنا، مَن يموّل، من ينظِّم أو يقف خلف الإرهاب ضد إسرائيل سيدفع الثمن غالياً". وأردف: "حماس ووكلاء إيران في المنطقة يدركون جيداً أننا سنقاتل بكل الوسائل ضد محاولاتهم لخلق الإرهاب ضدنا، سواء في يهودا والسامرة (الاسم التوراتي للضفة الغربية) أو قطاع غزة، أو أي مكان آخر".
حماس ترد على تهديدات نتنياهو على طريقتها الخاصة
رداً على تهديدات نتنياهو، نشرت وسائل إعلام مقربة من حركة حماس صوراً للعاروري مرتدياً بدلة عسكرية وهو يجري مكالمة هاتفية وعلى طاولته بندقية إم 16 المتطورة، وعلى يمينه علم فلسطين وعلى يساره راية حركة "حماس".
قبل ذلك، قال العاروري، الجمعة 25 أغسطس/آب، في مقابلة مع قناة "الميادين" المقربة من "حزب الله" اللبناني، إنه في حال عادت إسرائيل إلى سياسة الاغتيالات فسوف تقود "إلى حرب إقليمية". مضيفاً أن "التهديد الإسرائيلي لشخصي لن يغيّر قناعاتي، وتمدّد المقاومة إلى سائر مناطق الضفة الغربية يمثّل كابوساً للاحتلال".
من جهته، قال القيادي في حماس محمود الزهار في تصريحات لشبكة قدس، إن "التهديدات الإسرائيلية بالاغتيالات فارغة وتعكس الأثر النفسي لعمليات المقاومة في الضفة المحتلة. من قال للاحتلال إن الاغتيالات ستقابَل بالترحاب، هي ستقابَل بالصواريخ، ومتمسكون بالمعادلات التي فرضناها سابقاً ولربما يتجاوز الرد ما جرى في معركة سيف القدس".
هل تسعى إسرائيل للتصعيد بالفعل؟
يرى محللون فلسطينيون أن الأزمة السياسية التي يعيشها نتنياهو في إسرائيل تخلق فرصة لعودة التوتر والتصعيد العسكري مع المقاومة الفلسطينية، مرجعين ذلك إلى عوامل إسرائيلية وفلسطينية، محذرين من تداعيات محتملة محلياً وإقليمياً.
المحللون أوضحوا أن العوامل الإسرائيلية تتمثل في تراجع "مستوى الردع" جراء تزايد العمليات الفلسطينية التي تسفر عن مقتل مستوطنين بالضفة وتبني حماس ذلك علانية، رداً على اعتداءات إسرائيلية متواصلة، ولذلك قد تلجأ إسرائيل إلى تصعيد على أمل استعادة الردع والحفاظ على صورتها.
أما العوامل الفلسطينية، فتتمثل في استمرار العمليات المسلحة في الضفة الغربية واتهام حركة (حماس) بالتحريض عليها، فضلاً عن عودة الحراك الشعبي والعسكري على حدود القطاع مع إسرائيل، والتي قد تعتبره الأخيرة استفزازاً يتطلب الرد، وفقاً للمحليين.
وربما تلجأ إسرائيل، إلى سيناريو آخر قائم على عملية اغتيال لقيادات في المقاومة و"حماس" خارج فلسطين؛ لتفادي تداعيات ومخاطر محتملة لأي عملية عسكرية جوية في ظل الأزمة الإسرائيلية الراهنة، لكنها قد تفتح على نفسها أبواب حرب كبيرة وصفها العاروري بالإقليمية إن أقدمت على ذلك.
ومنذ أشهر، تعاني إسرائيل من انقسام سياسي وشعبي حاد؛ على خلفية مشاريع قوانين لتعديل القضاء تدفع بها حكومة رئيسة الوزراء بنيامين نتنياهو بزعم محاولة استعادة توازن مفقود بين السلطات القضائية والتشريعية والتنفيذية، بينما تقول المعارضة إنها تقلص صلاحيات المحكمة العليا (أعلى هيئة قضائية)، "وتقوض الديمقراطية في إسرائيل".
هآرتس: مصر تضغط لعدم اتساع الصراع
من جانبها، تقول صحيفة Haaretz الإسرائيلية، إن اللاعبين الإقليميين مثل مصر والأردن يدركون ما الذي يمكن أن تؤدي إليه عملية عسكرية إسرائيلية كبيرة في الضفة الغربية أو إعلان حرب على غزة أكثر من السياسيين الإسرائيليين الذين يدعون لعملية من أجل سحق "البنية التحتية الإرهابية" و/أو الإطاحة بالسلطة الفلسطينية، على حد وصفهم.
وتقول الصحيفة إن الرئيس المصري عبد التفاح السيسي يدرك أيضاً أنَّ أيام رئيس السلطة محمود عباس تقترب من نهايتها، وهو واعٍ بالتناحر المرير داخل حركة فتح التي يتزعّمها عباس، حول شخصية خليفته. ويخشى السيسي من تداعيات حربٍ في الضفة الغربية على مصر، وهي الحرب التي يمكن أن تمتد إلى قطاع غزة وتلغي الجهد المصري الرئيسي في الساحة الفلسطينية: القائم على هدنة طويلة الأجل بين إسرائيل والفلسطينيين.
واجتمع قادة 19 فصيلاً فلسطينياً في مصر في 29 يوليو/تموز الماضي. كان الاستثناء هو حركة الجهاد الإسلامي، التي شرطت مشاركتها بإطلاق سراح أعضائها المحتجزين من جانب السلطة الفلسطينية.
وكما كان الحال مع هذه الاجتماعات في السابق، لم ينتج هذا الاجتماع أي نتائج ملموسة. لكنَّ شعور الإلحاح والحاجة للوحدة يعنيان عقد اجتماع آخر في مصر الأسبوع المقبل لمناقشة خطة القاهرة.
وكان عباس وإسماعيل هنية، قد التقيا قبل 3 أيام من لقاء يوم 29 يوليو/تموز مع الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان. وأصبح أردوغان شريكاً في المفاوضات الفلسطينية الداخلية منذ جدد أردوغان علاقات تركيا مع مصر وإسرائيل. بل حظي بتشجيع من إسرائيل.
في الوقت نفسه، تنقل هآرتس عن مصادر مصرية قولها إنَّ السيسي ومدير استخباراته، عباس كامل، لا يثقان برئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو. ويُفضِّل مسؤولو السيسي قصر اتصالاتهم على نظرائهم في الجيش الإسرائيلي وجهاز الشاباك. لكن المشكلة هي أنَّ هذه الاتصالات تتعامل مع مسائل تكتيكية لمنع خروج التوترات بين إسرائيل وغزة عن السيطرة.
أمَّا في ما يتعلَّق بالعملية الدبلوماسية الأوسع نطاقاً، فلا تملك مصر شريكاً في إسرائيل، بل الأسوأ من ذلك أنَّ الحكومة الإسرائيلية تضم وزراء يعتقدون أنَّ القاهرة تحد من مجال المناورة لدى الجيش الإسرائيلي. وبالنسبة للأردن، لا يزال التعاون الاستخباراتي والعسكري جيداً، بل ممتازاً كما تصفه هآرتس. لكنَّ الأيام التي كان يمكن فيها لرئيس الوزراء أن يهاتف القصر الملكي في عمّان من أجل محادثة ودية قد ولَّت منذ فترة طويلة.
مصر تأخذ تهديدات نتنياهو بالعودة لسياسة الاغتيالات "على محمل الجد"
بحسب هآرتس، فإن مصر تأخذ على محمل الجد الدعوات من جانب نتنياهو وبعض الوزراء الإسرائيليين لاستئناف سياسة الاغتيالات، ليس فقط ضد قادة حماس والجهاد الإسلامي في غزة، بل أيضاً في لبنان وسوريا. وحذَّرت القاهرة إسرائيل في الأيام الماضية من تكرار الأخطاء التي تحوَّلت إلى عمليات عسكرية لا طائل منها.
وتتردَّد أصداء التهديدات الإسرائيلية في لبنان أيضاً، حيث يعيش الكثير ممَّن يمكن أن يكونوا أهدافاً. التقييم المعتاد هو أنَّ الهجمات على القيادات الفلسطينية في لبنان يمكن أن تجر حزب الله للحرب، وليس فقط غزة.
لكن تقول هآرتس، إنه بالرغم من تشجيع حزب الله ومساعدته لبعض المجموعات الفلسطينية، فإنَّه يتجنَّب القتال ضد إسرائيل من أجل القضية الفلسطينية. فمن شأن هذا أن يُعرِّض وضعيته باعتباره حامي لبنان للخطر.
فعلى سبيل المثال، في أبريل/نيسان الماضي، بعدما هاجمت إسرائيل حماس في جنوب لبنان عقب إطلاق عشرات الصواريخ من هناك صوب إسرائيل، لم يرفض حزب الله تبني المسؤولية وحسب، بل لم يتدخَّل أيضاً.
"حزب الله غير معني بالتصعيد"
هذا الأسبوع، بات لدى حزب الله سبب آخر لتجنُّب خطر نشوب مواجهة عنيفة. إذ بدأت يوم الخميس الماضي، 24 أغسطس/آب، عمليات التنقيب عن الغاز الطبيعي في المياه الإقليمية اللبنانية. ويمكن أن يُوفِّر هذا الغاز للبلاد الطاقة والمال اللازمين لانتشالها من أزمتها الاقتصادية الحادة.
ولا يريد حزب الله، الذي وصف اتفاق ترسيم الحدود البحرية اللبنانية مع إسرائيل بأنَّه إنجاز تاريخي، تخريب هذا الإنجاز من أجل "المقاومة" الفلسطينية في لبنان. والحزب ليس متحمساً كثيراً لفكرة "الجبهة المشتركة" التي تتبنَّاها حماس والجهاد الإسلامي، والتي تشير إلى صراع تقاتل فيه غزة والضفة الغربية وحزب الله جنباً إلى جنب.
فمصالح حزب الله لا تتطابق دائماً مع مصالح الحركات الفلسطينية. فعلى سبيل المثال، وقعت قبل ثلاثة أسابيع اشتباكات مميتة في مخيم عين الحلوة للاجئين الفلسطينيين جنوبي لبنان بين حركة فتح ومجموعة "الشباب المسلم" الإسلامية المتشددة.
وقد ناشد قادة حركة حماس، بما في ذلك هنية ونائبه صالح العاروري، ورئيس جهاز الاستخبارات الفلسطيني ماجد فرج، ومسؤولون فلسطينيون كبار في لبنان الأمين العام لحزب الله، حسن نصر الله، والحكومة اللبنانية المساعدة في كبح الاشتباكات وتهدئة التوترات في المخيم.
يعيد كل صراع مسلح في المخيمات إذكاء الدعوات لنزع سلاح المجموعات الفلسطينية. وحزب الله، الذي يواجه هو نفسه دعوات من جانب خصومه لنزع سلاحه، ليس بالضرورة سعيداً بحمل المسلحين الفلسطينيين للسلاح في المخيمات واستخدامها ضد إسرائيل دون تنسيق مع الحزب، بما ينطوي على خطر الإضرار بمصالح الحزب الشيعي نفسه. بالتالي، على الرغم من الدعم الظاهري لـ"الجبهة الموحدة"، يتأكَّد حزب الله من كونه الطرف الذي يضع القواعد.
من ثَمَّ، فإنَّ أي صراع بين إسرائيل من جهة، وحماس والجهاد الإسلامي في لبنان من جهة أخرى، قد يخرق استراتيجية حزب الله، فهو مستعد للمساعدة وتدريب وتسليح الفلسطينيين لقتال إسرائيل، طالما كان ذلك يتم في الأراضي الفلسطينية. فلا يريد حزب الله أن يتم جرّه إلى معركة ضد إرادته، أو أن يسمح للفلسطينيين بوضع القواعد، كما تقول الصحيفة الإسرائيلية.
حكومة نتنياهو تبحث عن "حلول سريعة"
في النهاية، تقول الصحيفة إن حكومة نتنياهو اليوم لا تعرف كيف تتصرف. فهي تبحث عن حلول سريعة يمكن التباهي بها شعبياً، حلول يمكن أن تُوسِّع الساحة بدلاً من قصرها على المناطق التي تسيطر عليها بقوة الاحتلال. في الوقت نفسه، فإنَّها تهدد العلاقات الحيوية مع البلدان التي تساعدها على إبقاء التوترات على نار هادئة معقولة، مثل مصر والأردن.