أعلن تحالف دول البريكس، يوم 24 أغسطس/آب 2023، عن ترحيبه بانضمام السعودية ومصر وإيران والإمارات والأرجنتين وإثيوبيا إلى عضويته، وهو ما يعني أن التحالف على وشك الحصول على مكانة كبيرة على الساحة الدولية. فعلى ماذا تستند مجموعة البريكس في تطلعها إلى النظام الغربي بالشرق الأوسط؟
ماذا يعني انضمام هذه الدول لمجموعة البريكس بالنسبة للغرب؟
بالنسبة للسعودية التي ستنضم لمجموعة البريكس مطلع العام القادم، فهي ليست فقط أكبر مصدر للنفط في العالم، ولكنها أيضاً مقر أقدس الأماكن الإسلامية، ما يجعل قرار دعوة المملكة خطوة اقتصادية وسياسية ورمزية مهمة للكتلة التي تفتقر حتى الآن إلى دولة إسلامية بين أعضائها، كما يقول موقع Middle East Eye البريطاني.
أما مصر، فهي أكثر الدول العربية اكتظاظاً بالسكان، وانضمامها يمكن الاستدلال به على أن الكتلة شاملة وممثلة لمختلف الحضارات. أما الإمارات فإن انضمامها قرينة أخرى على تزايد نفوذها الاقتصادي والسياسي، ويبدو أنها عازمة على تقوية صورة "الوسيط العالمي" التي تروجها عن نفسها بالانضمام إلى المجموعة، التي ستسعى في الوقت نفسه إلى استخدام هذا النفوذ لخدمة مصالح الكتلة.
وحرصت الكتلة كذلك على ضم إيران لإدارة توازن القوى بين الدول العربية وطهران بعناية. وقد وقعت الصين بالفعل اتفاقية شراكة استراتيجية شاملة مدتها 25 عاماً مع إيران، وتقدر قيمتها بنحو 400 مليار دولار. وزاد التقارب بين إيران وروسيا منذ حرب أوكرانيا، بسبب العقوبات التي يفرضها الغرب عليهما. كما أن انضمام طهران إلى تحالف البريكس يصقل نفوذها العالمي، ويفتح لها الطريق أمام توسيع نطاقه.
في الوقت نفسه، أعلن تحالف البريكس كذلك عن قبول انضمام إثيوبيا والأرجنتين إلى الكتلة، وهذا دليل آخر على أن التحالف عازم على إعادة تنظيم القيادة العالمية، لا سيما أن دول التحالف صارت تمثل معاً نحو 45% من سكان العالم، وأكثر من ثلث الناتج المحلي الإجمالي العالمي. ولا يقتصر الأمر على هذه الدول، فقد أعلنت الجزائر والبحرين والكويت والمغرب وفلسطين علناً عن رغبتها في الانضمام إلى البريكس.
ويُتوقع أن تسفر خطوات البريكس الرامية إلى إعادة تشكيل النظام العالمي عن تداعيات سياسية واقتصادية واجتماعية، وقد تفضي إلى تقويض قوة الولايات المتحدة، بحسب موقع MEE.
تعزيز قوة البريكس واتساع رقعة نفوذها
في الآونة الأخيرة شهدنا بعض القرائن بالفعل على الدور المتزايد للدول غير الغربية في الشؤون الدبلوماسية للشرق الأوسط، قبل توسع مجموعة البريكس. ففي شهر مارس/آذار، توسطت الصين في المفاوضات التي أفضت إلى انفراجة دبلوماسية تاريخية بين السعودية وإيران، الخصمين اللدودين في الإقليم، ما أظهر مدى نفوذ بكين في المنطقة، وفاجأ واشنطن بهذا التأثير المتعاظم.
كذلك فإن التقارير تشير إلى أن الصين كانت أبرز المؤيدين لدعوة السعودية إلى الانضمام إلى التحالف، وتليها روسيا والبرازيل في تأييد الأمر.
قالت آنا جاكوبس، محللة الشؤون الخليجية في مجموعة الأزمات الدولية، لموقع Middle East Eye البريطاني: "إن دول الخليج تعمل على تنويع علاقاتها السياسية والاقتصادية، في ظل ما يشهده النظام العالمي من تحول متزايد إلى نظام متعدد الأقطاب"، والواقع أن "التنويع الاقتصادي والسياسي، وموازنة العلاقات بين القوى العالمية، وتجنب مزالق المنافسة بين القوى العظمى، كلها ركائز أساسية في السياسات الخارجية لدول الخليج اليوم".
من جهة أخرى، فإن صادرات الصين إلى العالم النامي ما انفكت تتجاوز صادراتها إلى دول الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة واليابان مجتمعة، وهو تحول مهم في الاقتصاد العالمي، وله تأثير في تشكيل السياسة الدولية.
دول عربية لديها طموح متزايد في رسم طريقها الخاص على الساحة الدولية
يشير هذا الإقبال نحو البريكس، حتى بين حلفاء الولايات المتحدة البارزين والقدامى مثل السعودية والإمارات، إلى أن الدول العربية لديها طموح متزايد إلى رسم طريقها الخاص في العالم. وقالت جاكوبس: "لا تستطيع الولايات المتحدة أن تفعل الكثير لتغيير ذلك". "هذا جزء من طبيعة النظام العالمي متعدد الأقطاب وتغيراته، ودول الخليج تتفاعل بمنطقٍ يخدم مصالحها الوطنية".
ومع ذلك، فإن انضمام الإمارات والسعودية يعني إقامة علاقات أوثق مع الصين وروسيا في سياق المصالح المشتركة، وهو أمر يُتوقع أن يثير استياء الولايات المتحدة.
في المقابل، ترى كثير من دول الجنوب العالمي أن النظام الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة يعمل على حماية المصالح الغربية وتعزيزها وتوسيعها في جميع أنحاء العالم. ولذلك فإن بعض هذه الدول، ومنها دول الشرق الأوسط، تأمل أن يساعدها الانضمام إلى مجموعة البريكس في إبراز مصالحها في ظل النظام العالمي الناشئ على أساس متعدد الأقطاب، وربما حتى تشكيل مجال نفوذ خاص بها.
وقالت جاكوبس: "تسعى السعودية خصوصاً للتحول إلى قوة متوسطة يُعتد بها في الساحة الدولية، وترى أن زيادة العلاقات مع الشرق والغرب آلية مهمة لبلوغ ذلك"، ورغم أن دول الخليج أكدت "أن الولايات المتحدة هي أبرز شريك لها في الأمن الخارجي خلال الوقت الحاضر"، فإن الواقع أن "دول الخليج ومصالحها الاقتصادية تتقارب يوماً بعد يوم إلى الشرق والعالم النامي".
تحول الوجهة نحو البريكس يزعج واشنطن والنظام الغربي
ويدل الإقبال المتزايد بين دول الشرق الأوسط على الانضمام إلى البريكس، على التوتر السائد بين دول الشرق الأوسط حيال نفوذ الولايات المتحدة على مختلف وجوه التنمية الاقتصادية والسياسية في المنطقة.
وفي هذا السياق، حذر بنك "جيه بي مورغان"، أكبر بنك أمريكي، في يونيو/حزيران، من أن الاقتصاد العالمي "بدأ يُظهر علامات تدل على تراجع الاعتماد على الدولار".
هيمن الدولار الأمريكي على النظام المالي العالمي منذ عام 1971، وارتكزت هذه الهيمنة على الاتفاق الذي عقده وزير الخارجية الأمريكي هنري كيسنجر والملك فيصل، والذي أدى إلى إنشاء نظام البترودولار.
وقال جلال حرشاوي، الزميل المشارك في المعهد الملكي للخدمات المتحدة: "إن الارتباط بالدولار يعني إبقاء الاعتماد على الأنظمة الاقتصادية التي تسيطر عليها الولايات المتحدة أولاً، والدول الغربية الأخرى في المقام الثاني".
وقد تزايد وضوح القوة التي يمنحها الدولار الأمريكي لواشنطن في السنوات الأخيرة، ولا سيما بعد أن استخدمته الولايات المتحدة في فرض العقوبات على الدول وفي حروبها التجارية.
استخدام الولايات المتحدة للدولار كسلاح دفعَ جيتا جوبيناث، النائب الأول للمدير العام لصندوق النقد الدولي، إلى التحذير من أن ذلك قد يؤدي بمرور الوقت إلى تآكل دور الدولار في النظام المالي العالمي. وقال حرشاوي: "لهذا السبب تنجذب العديد من دول الجنوب العالمي إلى فكرة الانتماء إلى تجمع مثل البريكس".
أعلن وزير المالية السعودي، محمد الجدعان، في وقت سابق من هذا العام، أن بلاده تدرس إجراء تعاملاتها التجارية بعملات أخرى إلى جانب الدولار الأمريكي، وهو أمر لم تفعله المملكة منذ نصف قرن.
وقال حرشاوي: "إن مصر والجزائر، والسعودية بعد ذلك، أبدت اهتماماً باستخدام عملة البريكس، أو أي آلية لمبادلة العملات تجعل من الممكن تجاوز الدولار بالكامل".
وقد ناقشت دول البريكس بالفعل إنشاء عملة احتياطية تكون مدعومة بالذهب، وهو ما قد يكون عودة تاريخية إلى معيار الذهب في تحديد قيم العملات الورقية.
والاحتمال القائم أن تنضم السعودية إلى هذه العملية بعد أن ساعدت في تعزيز هيمنة الدولار قبل 50 عاماً- هو مؤشر أولي على أن الغرب بقيادة الولايات المتحدة ربما يفقد القدرة على فرض نفوذه في المنطقة.
ومع ذلك، فإن الدول العربية المنضمة إلى البريكس تزعم عدم انحيازها إلى أي نظام معين بهذا الانضمام. وقال حرشاوي: "الدول العربية وغيرها تستحسن عدم الاضطرار إلى الاختيار بين الأقطاب الثلاثة في العالم الآن: الولايات المتحدة، وروسيا، والصين. ولأن الولايات المتحدة لا تزال أقوى بكثير من غيرها، فإن هذا يدفع هذه الدول إلى التحول نحو البريكس لتقوية نفسها، وإن لم تكن هذه التحولات قد تشكلت بعد".
من جهة أخرى، فإن دولاً مثل مصر لديها أسباب عملية تدفعها إلى البحث عن طرق أخرى لممارسة التجارة باستخدام عملات وأنظمة مالية غير الدولار. وقال حرشاوي: "مصر لا ترى سبباً وجيهاً يجعلها تعاني الصعوبات في شراء القمح من روسيا، لمجرد أن واشنطن تدين عدوان بوتين على أوكرانيا".
وتواجه الجزائر معضلة مماثلة، إذ تجد صعوبة في التجارة مع الاقتصادات النامية، بسبب سيطرة الولايات المتحدة على التجارة الدولية. وأشار حرشاوي إلى أن "الجزائر ترغب في شراء الأسلحة، أو طلب بناء محطة نووية من الصين أو روسيا، دون الاضطرار إلى استخدام الدولار، لكن هذا الأمر لا يزال عسيراً في الوقت الحالي".
النظام العالمي بعد الحرب الروسية على أوكرانيا
ربما تكون الحرب في أوكرانيا قد أعطت مجموعة البريكس دفعة جديدة. فقد ظلت دول كثيرة في الجنوب العالمي، وخاصة في منطقة الشرق الأوسط، محايدةً في الصراع، بل إن بعضها تعاون مع روسيا عند الحاجة.
لكن الأمر الواضح أن العالم العربي يتطلع أيضاً إلى إبداء خلافاته مع النظام الغربي، الذي تقوده الولايات المتحدة على نحو يستحث واشنطن على الجلوس والاستماع إلى مصالح تلك البلدان.
وقال زين غبولي، الزميل الزائر لبرنامج الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية، إن "الضجة التي تروجها الدول العربية بشأن الانضمام إلى البريكس هي امتداد لرغبة سياسية لدى هذه الدول، في تنويع الشركاء الاقتصاديين في أعقاب الحرب الأوكرانية"، "فالدول العربية تريد أن تبرز خلافها مع الحرب الباردة الناشئة، والهيمنة الدولية" على شؤونها.
بات لدى قادة السعودية والإمارات ثقة متزايدة بقدرتهم على التعامل مع الولايات المتحدة بقدرٍ من الحزم، بل وحتى الابتعاد عن واشنطن إذا كانت ما تريده لا يستقيم مع مصالحهم. ومن أمثلة ذلك أن الرياض تعاونت مع روسيا في خفض إنتاج النفط في عام 2022، سعياً إلى رفع أسعاره، وقد أثار ذلك الأمر غضب واشنطن.
وقال غبولي لموقع MEE: "أرى أن إقبال الدول العربية على الانضمام إلى دول البريكس مردُّه في المقام الأول هو رغبتها في إعادة التوازن إلى العلاقات مع الغرب عموماً، والبحث عن شركاء آخرين يدفعون عنها الاكتفاء بالعلاقة مع الولايات المتحدة"، و"الدول العربية ترسل أيضاً رسالة إلى الغرب والعالم، مفادها أنهم يرفضون بعض سياسات التنمية" التي تفرض عليهم. ومع ذلك، يستبعد غبولي "أن تحل مجموعة البريكس محل الشركاء الغربيين، فمكانة الغرب في المنطقة العربية لا تزال قائمة حتى لو تزايدت المصاعب التي تواجهها".