كان مفاجئاً أن تغيب الجزائر عن قائمة الدول الست التي انضمت لمجموعة "بريكس"، رغم الدعم الذي حظيت به من الصين وروسيا وبدرجة أقل من جنوب إفريقيا، لكن كان لذلك أسباب ومؤشرات.
تردد في الأشهر الأخيرة أسماء أربع دول عربية لها حظوظ كبيرة للانضمام لبريكس، وهي: السعودية والإمارات ومصر والجزائر، فصعدت الثلاث الأولى إلى قائمة الدول الأعضاء في المجموعة بداية من مطلع العام المقبل، وغابت الجزائر.
والخميس، أعلن رئيس جنوب إفريقيا سيريل رامافوزا، أن المجموعة قررت دعوة الأرجنتين ومصر وإثيوبيا وإيران والسعودية والإمارات، لتصبح دولاً كاملة العضوية بالمجموعة.
وتضم بريكس الصين والهند وروسيا والبرازيل وجنوب إفريقيا، وتعد الدول الأربع الأولى الاقتصادات الأسرع نمواً، وتسعى للتخلص من الهيمنة الغربية وسيطرة الدولار، وتشجع التعامل بالعملات المحلية في المبادلات التجارية.
غير أن قمة جوهانسبورغ (22 و24 أغسطس/آب) شهدت تباينات بين الدول الأعضاء حول توسيع بريكس، بعد أن أبدت كل من الهند والبرازيل وجنوب إفريقيا تحفظاتها بهذا الشأن، غير أن قادة المجموعة اتفقوا بالنهاية على توسيع المجموعة.
3 مؤشرات
كان هناك عدة مؤشرات على عدم انضمام الجزائر إلى المجموعة، فالرئيس عبد المجيد تبون، توقع في حوار مع "الجزيرة بودكاست" في أبريل/نيسان أن بلاده "ستدخل قريباً كعضو ملاحظ، حتى تنتهي من إصلاحاتها الاقتصادية وتصبح عضواً كامل الحقوق والواجبات".
أي أن الجزائر كانت مدركة مسبقاً أن انضمامها بعضوية كاملة لن يكون خلال هذا العام، وأقصى ما كانت تطمح له "عضو ملاحظ"، خاصة أنها لم تخرج من أزمتها الاقتصادية إلا في عام 2022، بعد انهيار أسعار النفط ما بين 2014 و2020.
المؤشر الثاني عدم حضور تبون أو رئيس وزرائه أيمن بن عبد الرحمن، ولا حتى وزير خارجيته أحمد عطاف، إلى قمة جوهانسبورغ، وإيفاده وزير المالية لعزيز فايد، رغم أنه سبق أن شارك كضيف شرف في القمة السابقة التي عقدت بالصين، وألقى كلمة بالمناسبة وأعلن بعدها رغبة بلاده في الانضمام إلى التكتل.
المؤشر الثالث عدم مشاركة الجزائر في لقاء "أصدقاء بريكس" بمدينة كيب تاون، الجنوب إفريقية في يونيو/حزيران، والذي شاركت فيه السعودية والإمارات، بينما شاركت مصر في اللقاء عن بُعد.
وعدم دعوة الجزائر للمشاركة في اجتماع كيب تاون، كان مؤشراً ذا دلالة على عدم حصولها فيما بعد على العضوية الكاملة خلال قمة جوهانسبورغ.
معايير الاختيار
رغم أن الجزائر أكبر مصدر للغاز في إفريقيا، واقتصادها متحرر من الديون، وسجلت نسبة نمو إيجابية العام الماضي بلغت 4%، وبها ثالث أكبر احتياطي عالمي للفوسفات، وثاني أكبر منجم للحديد، واحتياطيات مهمة من المعادن النادرة والثمينة، إلا أن ذلك لم يشفع لها للانضمام إلى بريكس.
يرجع ذلك لعدة أسباب مرتبطة بحجم ناتجها الداخلي الخام وتنوع صادراتها ونسبة النمو، والاعتبارات الجيوسياسية والاستراتيجية والديمغرافية وعدد السكان.
ورغم أن بريكس لم تكشف عن المعايير التي اعتمدتها لضم 6 دول من 23 دولة تقدمت بطلبات رسمية، فإنه يمكن استنتاج ذلك، من خلال الأهمية التي تمثلها كل دولة.
فالسعودية أكبر مصدر للنفط، وتعتبر مركزاً للعالم الإسلامي بفضل احتضانها للبقاع المقدسة، وصادراتها غير النفطية تتجاوز 70 مليار دولار.
أما الإمارات فتعتبر من كبار منتجي النفط عالمياً، وتعتبر دبي مركزاً إقليمياً في قطاع العقار والخدمات، وتقوم بتسيير العديد من الموانئ بالعالم خاصة بإفريقيا.
مصر ورغم أنها لا تملك احتياطيات نفطية كبيرة مثل السعودية والإمارات، فإنها تحتل موقعاً استراتيجياً، خاصة امتلاكها قناة السويس التي تقع على طريق التجارة العالمية، وتضم كتلة سكانية تفوق 105 ملايين نسمة، وتحتضن جامعة الدول العربية، واقتصادها يعد الثاني بعد نيجيريا من حيث الناتج الداخلي الخام.
وبالنسبة لإيران فإلى جانب امتلاكها احتياطيات مهمة من النفط والغاز، فهي تسيطر على مضيق هرمز الاستراتيجي، وتقع على طريق الحرير، وعدد سكانها يفوق 85 مليون نسمة.
لكن إثيوبيا لا تمتلك احتياطيات نفطية ولا غازية لافتة ولا منافذ بحرية، واقتصادها أصغر من اقتصاد الجزائر، إذا يحتل المرتبة السادسة إفريقياً بحجم يقل عن 178 مليار دولار في عام 2022، وتعاني من صراعات وحروب إثنية.
إلا أن قوة إثيوبيا تتمثل باحتضانها لمقر الاتحاد الإفريقي، واحتلالها للمرتبة الثانية من حيث عدد السكان قارياً، وسيطرتها على منابع نهر النيل الأزرق، وتحقيقها نسبة نمو عالية في 2019 بلغت 9%.
أما الأرجنتين فتمثل منطقة أمريكا اللاتينية، حيث أخذت بريكس بمعيار التوزيع الجغرافي، وتعتبر ثاني أكبر اقتصاد بالقارة بعد البرازيل، والناتج الداخلي الخام يبلغ نحو 633 مليار دولار، وحققت نسبة نمو تجاوزت 5% في 2022.
"بريكس" ركزت على تنويع التوزيع الجغرافي، فأربعة بلدان من منطقة الشرق الأوسط (السعودية والإمارات ومصر وإيران)، وبلد من إفريقيا جنوب الصحراء (إثيوبيا)، وبلد من أمريكا الجنوبية (الأرجنتين).
كما تم التركيز على الدور الإقليمي لكل بلد، فالسعودية تحتضن مقر منظمة التعاون الإسلامي، ومصر تحتضن مقر جامعة الدول العربية، وإثيوبيا تحتضن مقر الاتحاد الإفريقي، وإيران تمثل مركز الطائفة الشيعية، والأرجنتين عضو مؤسس بمجموعة "السوق المشتركة الجنوبية" (ميركوسور).
لكن المعيار الأهم في الاختيار، وفق وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف "هيبتها ووزنها (السياسي) وبطبيعة الحال، موقفها على الساحة الدولية".
إصلاحات لم تكتمل
الجزائر تتفوق على إثيوبيا بحجم الاقتصاد وإنتاج النفط، وعلى الإمارات والسعودية والأرجنتين ومصر وإثيوبيا من حيث حجم صادرات الغاز، ولا يتفوق عليها من حيث المساحة سوى الأرجنتين، وعدد سكانها أكبر من سكان السعودية والإمارات ويتساوى مع عدد سكان الأرجنتين.
ورغم أن الجزائر لا تتحكم بمضائق مائية فإن موقعها الاستراتيجي بين أوروبا ودول إفريقيا جنوب الصحراء منحها ميزة استراتيجية.
لذلك من الصعب معرفة سبب عدم اختيار الجزائر ضمن التوسعة الثانية لبريكس، لأن معايير الاختيار قد تخضع لحسابات سياسية لكل دولة في المجموعة.
وهذا ما أشار إليه لافروف، قائلاً: "النقاشات حول توسيع بريكس كانت مكثفة.. لم تخلُ من مشاكل، لكن بشكل عام كانت كل دولة تستهدف اتخاذ القرار بضم أعضاء جدد".
ولكن الأسباب الرئيسية سبق أن ذكرها الرئيس تبون والمتعلقة بحاجة الجزائر إلى هيكلة اقتصادها بعد خروجها من أزمتها الاقتصادية في 2022، ومن أزمتها السياسية في 2019.
والخلل الرئيسي الذي يعاني منه اقتصاد الجزائر اعتماده على مداخيل النفط والغاز بنسبة كانت تصل أحياناً حتى 98%، ما جعله متأثراً بتقلبات أسعار برميل النفط صعوداً أو نزولاً.
لذلك سعت الجزائر لمعالجة هذا الخلل من خلال رفع الصادرات خارج المحروقات من 2% إلى 11% في 2022، أو ما يعادل 7 مليارات دولار، وتطمح إلى رفع الرقم إلى 10 ثم 15 مليار دولار.
أما الخلل الهيكلي الثاني فيتعلق بحجم الاقتصاد الذي بلغ نحو 192 مليار دولار في 2022، حسب البنك الدولي، لكن تبون قال إنّ "الجزائر لم ترد التصريح بأكثر من 225 مليار دولار كرقم رسمي للناتج المحلي الخام لسنة 2022، في حين أنه قد يراوح بالواقع بين 240 أو 245 مليار دولار".
وربط الإعلان عن الناتج الداخلي الخام الفعلي بـ"اعتماد الرقمنة"، دون احتساب "السوق الموازية" التي تمثل نحو 40% من الاقتصاد الجزائري، وفق تقرير أمريكي.
النقطة الثالثة تتعلق بحجم النمو، فما يميز دول "بريكس" قبل توسعها إلى جنوب إفريقيا، أنها الدول الأكثر نمواً في العالم، بينما نسبة نمو الاقتصاد الجزائري تبلغ 4%، في حين يفترض أن لا تقل عن 5%.
لكن السبب الأبرز يتمثل في الجانب السياسي، حيث لم تحظَ الجزائر بدعم الهند، ولا بدعم الرئيس البرازيلي لولا دا سيلفا، على عكس دعمه للأرجنتين والسعودية والإمارات.