على غرار الهند، صاحبة التسليح الأكثر تنوعاً في العالم، قررت إندونيسيا شراء نسخة متطورة من طائرات F-15 الأمريكية، وقبل ذلك اشترت الرافال الفرنسية، لتضاف لطائرات روسية وغربية بحوزتها، فضلاً عن مشاركتها بتطوير مقاتلة شبحية مع كوريا الجنوبية، فما سر هذا الاهتمام الباهظ التكلفة بتطوير سلاح الجو الإندونيسي، ولماذا تحرص جاكرتا على تنويع مصادر تسلحها بهذا الشكل الغريب، رغم مشكلات الصيانة التي قد يسببها.
وقعت جمهورية إندونيسيا مذكرة تفاهم مع شركة بوينغ الأمريكية لشراء ما يصل إلى 24 مقاتلة من طراز F-15EX خلال زيارة وزير الدفاع الإندونيسي برابوو سوبيانتو إلى الولايات المتحدة، حسبما ورد في موقع Eurasian Times الهندي المعني بالشؤون العسكرية.
ويأتي ذلك في ظل مساعي واشنطن لجذب إندونيسيا إلى جانبها، وإبعادها عن الصين، إن لم يكن توريطها في التحالفات التي تؤسسها واشنطن في منطقة آسيا والمحيطين الهادئ والهندي لاحتواء صعود بكين.
وتُعد العلاقات مع إندونيسيا من أكبر الجوائز الدبلوماسية في آسيا؛ إذ تتمتع إندونيسيا برابع أكبر عدد من السكان في العالم، بالإضافة إلى كونها أكبر دولة ذات أغلبية مسلمة، وتحظى بأرخبيل شاسع ذي ممرات بحرية استراتيجية تربط آسيا بالمحيطين الهادئ والهندي، مما يجعلها بلداً شديد الأهمية بالنسبة للمنافسة الأمريكية الصينية.
سلاح الجو الإندونيسي سيحصل على واحدة من أكثر المقاتلات قوة في العالم
وقّع مسؤولو وزارة الدفاع الإندونيسية مذكرة التفاهم في 21 أغسطس/آب، مع تأكيد شركة بوينغ على أن الصفقة مشروطة بموافقة الحكومة الأمريكية.
وفي بيان صحفي لشركة بوينغ الأمريكية، صرح سوبيانتو: "يسعدنا أن نعلن عن التزامنا بشراء القدرة المقاتلة المهمة من طراز F-15EX لإندونيسيا، التي تُعرف أيضاً باسم "Eagle II".
وستقوم هذه المقاتلة المتطورة بحماية وتأمين أمتنا بقدراتها المتقدمة.
وقام نائب المارشال الجوي يوسف جوهري، الذي يقود وكالة المرافق الدفاعية الإندونيسية، إلى جانب مارك سيرز، نائب رئيس شركة Boeing Fighters والمدير العام، بوضع اللمسات الأخيرة على الاتفاقية بعد جولة في المصنع قام بها الوفد الإندونيسي.
لكن بوينغ ووزارة الدفاع الإندونيسية اختارتا عدم الكشف عن معلومات تتعلق بالجوانب المالية للترتيب.
وقالت شركة بوينغ الأمريكية "إن إندونيسيا شريك مهم، ونحن نشعر بالتواضع لأنهم اختاروا طائرات F-15 لتعزيز قدراتهم في المستقبل".
في فبراير/شباط 2022، أعلنت وكالة أمن التعاون الدفاعي التابعة للحكومة الأمريكية عن تأييدها لترتيب محتمَل لصفقة محتملة بقيمة 13.9 مليار دولار لتزويد إندونيسيا بـ 36 طائرة بوينغ من طراز F-15ID.
لكن إعلان بوينغ في 21 أغسطس/آب بشأن مذكرة تفاهم يبدو أنه يتعلق بمقاتلات F-15 EX، حيث يستخدم مصطلح "F-15 IDN" لصفقة المقاتلات الإندونيسية المحتمَلة، على النقيض من التسمية المستخدمة سابقاً "F-15 ID".
ويعني ذلك أن الصفقة تتعلق بأحدث نسخة من F-15 وهي مقاتلات F-15EX.
والمقاتلة F-15 EX هي النسخة الأكثر تقدماً من F-15 Strike Eagle التي تم بناؤها على الإطلاق، مع أدوات تحكم طيران رقمية سلكية، ونظام حرب إلكتروني جديد، وقمرة قيادة رقمية زجاجية بالكامل، وأحدث أنظمة المهام وقدرات البرمجيات، والتي سيتم الاستفادة منها جميعاً في تسليم طائرة F-15IDN الجديدة، وفقاً لشركة Boeing.
وتعود جذور المقاتلة إلى مقاتلة التفوق الجوي الأمريكية الشهيرة F-15 إيغيل (F-15 Eagle)، التي طارت لأول مرة عام 1972، لمواجهة المقاتلة الروسية الشهيرة ميغ 25 فائقة السرعة.
ودخلت الخدمة لدى القوات الجوية الأمريكية، عام 1976، وشكلت ثورة في عالم الطيران بسرعتها الهائلة البالغة 2.5 ماخ وقدراتها على المناورة ورادارها القوي ومداها البعيد الذي يصل إلى 5600 كلم وحمولة أسلحتها الكبيرة.
وكانت مهمة هذه الطائرة تقتصر على تحقيق التفوق الجوي أي قتال الطائرات الأخرى، وهي صاحبة أعلى معدل انتصار ضد الطائرات من بين المقاتلات الحديثة، عبر إسقاط أكثر من 100 طائرة، معظمها مقاتلات سوفييتية الصنع من طرازي ميغ 23 وميغ 21 من الجيل الثالث كانت تستخدمها القوات الجوية السورية في لبنان والجولان في السبعينيات والثمانينيات ضد القوات الجوية الإسرائيلية.
ثم طور في الثمانينيات منها نسخة أضيف لها قدرة قصف أرضي مميزة مع الحفاظ على قدرات القتال الجوي، وهي F-15 سترايك إيغيل F-15E Strike Eagle، بحمولة ذخائر تبلغ 10.5 طن.
ثم ظهرت النسخة الجديدة F-15 EX التي يفترض أن تحصل عليها إندونيسيا، والتي يعتقد أنها واحدة من أكثر المقاتلات تطوراً وقدرة في العالم حالياً.
تضمنت التحسينات التي أدخلت على المقاتلة F-15 EX، مقارنة F-15E Strike Eagle، نظام AMBER (حامل قاذف الصواريخ والقنابل المتقدم) لحمل ما يصل إلى 22 صاروخ جو-جو، والبحث والتتبع بالأشعة تحت الحمراء، وإلكترونيات الطيران المتقدمة ومعدات الحرب الإلكترونية، ورادار AESA، وهيكل منقح بعمر خدمة يصل إلى 20 ألف ساعة.
اعتمدت بوينغ على مواردها الذاتية لبناء F-15 EX المتأتية من بيع عدد كبير من طائرات F-15 للسعودية وقطر، وقدمتها للقوات الجوية الأمريكية، التي فاجأت المراقبين بأنها تعاقدت على شراء أعداد كبيرة منها رغم أنها ليست طائرة شبحية وجذورها تعتمد على تصميم قديم يعود لأكثر من نصف قرن.
ولكن يبدو أن القوات الجوية الأمريكية ترى أن الإف 35 الشبحية، ليست كافية لتأدية كل المهام، فـF-15 تتميز بسرعة وحمولة ونطاق كبيرين تفتقدهما F-35.
ومن خلال الجمع بين سنوات من الخبرة في تطوير قدرات الطائرة F-15 EX، أكدت بوينغ على تفرد الطائرة F-15 بين المقاتلات، مؤكدة أن هذا التقدم سيمنح إندونيسيا قدرات هيمنة جوية طليعية.
في نوفمبر/تشرين الثاني 2022، أبرمت شركة بوينغ وشركة Indonesian Aerospace مذكرة تفاهم لاستكشاف مجالات التعاون المحتملة إذا تم الانتهاء من بيع طائرات F-15 EX.
مشروع طموح ومكلف لتطوير سلاح الجو الإندونيسي
تحمل هذه الصفقة مفارقة كبيرة أنها تأتي بعد تعاقد إندونيسيا على شراء طائرات رفال الفرنسية، وهي طائرة تعد منافسة ومشابهة نسبياً لـF-15، فالطائرتان مشهورتان بقدرات القصف البري العالية والحمولة الكبيرة والمدى الطويل، وكذلك الكفاءة في القتال الجوي والمناورة، وكذلك تطور أجهزتهما الإلكترونية والرادارات، وكلاهما مزودة بمحركين.
الفارق الرئيسي بينهما في 3 نقاط، F-15 أكبر كثيراً من الرافال التي تصنف كطائرة متوسط، بينما F-15 مقاتلة كبيرة.
الفارق الثاني في التصميم، الأحدث للرافال الذي يحمل بعض السمات الشبحية تقلل بصمتها الرادارية، عكس F-15 EX، التي أعلن أن الشركة الأمريكية لم تحاول تقليل بصمتها الرادارية الكبيرة.
أما الفارق الثالث، فهو في السرعة تتسم F-15 بسرعة هائلة تجعلها ثاني أسرع مقاتلة عاملة في العالم الآن، وهي الميغ 31، والأخيرة مقاتلة اعتراضية مهمتها محاربة المقاتلات الأخرى بل إسقاط القاذفات وطائرات الاستطلاع والنقل عن بعد مما يجعل الإف 15 أسرع مقاتلة هيمنة جوية وقتال جوي عاملة حالياً.
وتأتي الصفقتان الأمريكية والفرنسية بعد وضع واشنطن فيتو على جاكرتا في مسألة شراء طائرات سوخوي الروسية.
وفي السنوات الأخيرة، رفعت إندونيسيا نفقاتها الدفاعية لتجديد أسطول طائراتها. وتشغل جاكرتا حالياً طائرات F-16 أمريكية الصنع وطائرات روسية من طراز Sukhoi Su-27 وSu-30.
كما قدمت البلاد طلباً لشراء طائرات رافال المقاتلة الفرنسية، كشفت شركة داسو للطيران في 10 أغسطس/آب 2023 أن اتفاقية المرحلة الثانية من طائرات رافال المقاتلة لإندونيسيا أصبحت سارية المفعول في ذلك اليوم.
الطلب الذي تم تقديمه في المرحلة الثانية يتعلق بـ18 طائرة رافال، ويأتي ذلك بعد أن أصبحت الدفعة الأولى المكونة من ستة طائرات رافال سارية المفعول في سبتمبر 2022، مما أدى إلى طلب إجمالي 24 طائرة.
وتتمثل خطة جاكرتا النهائية في شراء 42 طائرة رافال مقابل 8.1 مليار دولار؛ ومع ذلك، يتم تنفيذ عملية الشراء على مراحل وليس دفعة واحدة.
تشمل الصفقة شراء "أحدث جيل" من طائرات رافال للقوات الجوية للجيش الوطني الإندونيسي حلاً شاملاً "جاهزاً" وفوائد صناعية كبيرة لقطاع الطيران الإندونيسي.
بالإضافة إلى ذلك، سيتم إطلاق مبادرات تعليمية لتعزيز الخبرة الفنية في مجال الطيران. سيكون الحصول على طائرات F-15 ورافال بمثابة أصول متميزة، مما يضمن سيادة إندونيسيا واستقلالها التشغيلي، ويحسن مكانتها كقوة إقليمية رئيسية.
كما أبرمت إندونيسيا صفقة بقيمة 800 مليون دولار لشراء 12 طائرة مقاتلة مستعملة من طراز ميراج 2000-5، وهو القرار الذي أثار انتقادات بسبب حالة الطائرة القديمة نسبياً.
جاكرتا شريك في إنتاج المقاتلة الكورية الواعدة
علاوة على ذلك، تخطط الدولة الواقعة في جنوب شرق آسيا أيضاً للحصول على 50 وحدة نفاثة مقاتلة من الجيل الجديد من طراز KF-21، وهي طائرة شبحية واعدة تطورها كوريا الجنوبية وتتعاون مع فيها إندونيسيا.
وشركة الطيران الإندونيسية PT Dirgantara Indonesia شريك في مشروع المقاتلة الشبحية KF-21، مع شركة صناعات الفضاء الكورية (KAI) حيث تبلغ حصة جاكرتا 20%.
ولكن تأخر جاكرتا مرات عدة في المدفوعات الخاصة بالمشروع يثير الشكوك حول استمرارها به على المدى الطويل.
ومن المتوقع أن يبدأ إنتاج طائرات KF-21 فقط بين عامي 2026 و2028، ولقد حلقت في أول تجربة طيران لها قبل عدة أشهر.
ولكن بالنظر إلى الجدول الزمني للمقاتلة KF-21، يبدو قرار الحصول على طائرات رافال وطائرات F-15 مبرراً ومن المتوقع أن يعزز بشكل كبير سلاح الجو الإندونيسي.
بشكل عام، يمثل الشراء المزمع للطائرات المقاتلة المتقدمة من قبل القوات الجوية الإندونيسية قفزة كبيرة في القدرة، مما يساهم في تعزيز مكانة جاكرتا الإقليمية.
ولكن المشكلة التي يخلقها هذا التنوع أن سلاح الجو الإندونيسي سيصبح لديه خليط من الطائرات الروسية والأمريكية والفرنسية والكورية القديمة والجديدة، فلماذا تبني جاكرتا هذا الأسطول الكبير الذي قد تمثل تكلفته عبئاً على ميزانية البلاد، ولماذا تنوع مصادر تسليح قواتها الجوية بهذه الطريقة التي يمكن أن تسبب مشاكل لوجستية وتكلفة إضافية بسبب حاجات الصيانة والذخائر ومرافق الصيانة بين المقاتلات الروسية والكورية والأمريكية والفرنسية؟
فتش عن بكين.
الصين تغازل إندونيسيا، والأخيرة تمد يد الصداقة بتوجّس
العلاقة بين إندونيسيا والصين وأمريكا معقدة، الأمر الذي يجعل التنافس الأمريكي الصيني على إندونيسيا له طبيعة خاصة.
إذ كانت إندونيسيا موطن حركة عدم الانحياز في عهد زعيم الاستقلال أحمد سوكارنو الذي لم يلبث أن تقارب مع الاتحاد السوفييتي والصين، ثم تحولت لحليف للغرب في عهد سوهارتو الذي استولى على الحكم عام 1968، وبعد سقوطه انقلبت الولايات المتحدة على إندونيسيا وفرضت حظراً للسلاح عليها بدعوى ممارسة الجيش الإندونيسي لانتهاكات حقوقية في تيمور الشرقية الإقليم عام 1975، قبل أن يستقل بسبب الاضطرابات التي أعقبت سقوط سوهارتو عام 1999.
منذ ذلك الحين عادت إندونيسيا إلى حيادها وحاولت تنويع مصادر تسليحها وخاصة من روسيا، وإقامة علاقة جيدة مع الصين.
من جانبها، لم تخفِ الصين محاولتها مغازلة إندونيسيا البلد الكبير ذي الموقع الاستراتيجي الذي يعتقد أنه مؤهل لكي يصبح قوة عسكرية واقتصادية كبرى مع عدد سكان ضخم، ونمو اقتصادي جيد، وديمقراطية بدأت في التحول لتصبح مستقرة، وموقع يتحكم في طرق التجارة الصينية مع العالم.
خلال جائحة كورونا، سارعت الصين لمنح إندونيسيا أولوية في الحصول على اللقاحات الصينية ضد فيروس كورونا، كما أعربت عن رغبتها في العمل معها في مجال أبحاث اللقاح والإنتاج والتوزيع وخدمات الدعم بحيث تكون جاكرتا مركز إنتاج اللقاح في جنوب شرق آسيا وصولاً للعالم.
كما أصبحت الصين أكبر شريك تجاري لإندونيسيا وثاني أكبر مصدر للاستثمار الأجنبي المباشر. وتشمل مشاريعها مشروع سكة حديد عالية السرعة بقيمة 6 مليارات دولار في إطار مبادرة الحزام والطريق الصينية.
إندونيسيا تقرر نقل العاصمة إلى قرب الحدود الصينية
ولكن هذا الغزل من قبل بكين لم يؤدِّ إلى اختفاء القلق الإندونيسي من طموحات العملاق الصيني الإقليمية لاسيما البحرية.
فرغم حرص إندونيسيا على الحياد وإقامة علاقات جيدة مع الصين فإن قوة بكين المتنامية في بحر الصين الجنوبي، وهو جسم مائي تتداخل فيه العديد من المطالبات الإقليمية، وحيث أقامت الصين قواعد عسكرية، بعضها أقيم على جزر صناعية خلقت لبكين مطالبات في مياه يراها جيران آخرون مثل الفلبين أن تابعة لهم.
ولأن إندونيسيا هي رابع أكبر دولة في العالم من حيث السكان، ولأن لديها اقتصاد متنامٍ، فيبدو أن واشنطن ترى فيها حليفاً محتملاً في إطار محاولتها خلق طوق آسيوي حول الصين، الأمر الذي عزز التنافس الأمريكي الصيني على إندونيسيا، وجعل واشنطن تقدم على خطوات لافتة تجاه جاكرتا.
من جانبها، فإن إندونيسيا تلتزم بعلاقة جيدة مع الصين، ولكن على الأرض تتخذ خطوات عملية لتقوية موقفها قرب مناطق النزاع في بحر الصين الجنوبي.
إذ تسعى إندونيسيا لتعزيز قوة جناح البلاد الشرقي لمواجهة التوسع البحري الصيني، لدرجة أنها تخطط لبناء عاصمة في جزيرة بورنيو النائية قليلة السكان، لخلق ثقل سكاني في المناطق الشرقية القريبة للحدود البحرية مع الصين.
وقررت البحرية الإندونيسية في عام 2022، نقل إحدى مجموعاتها القتالية الرئيسية من العاصمة جاكرتا إلى جزر ناتونا على حافة بحر الصين الجنوبي المتنازع عليه، في أقصى شمال البلاد، في تطور لافت للعلاقة بين العملاقين الآسيويين إندونيسيا والصين.
تتمثل مهمة الأسطول في اعتراض السفن الأجنبية، وخاصة القوارب الصينية، التي تتعدى بشكل متزايد على المياه المحيطة بجزر ناتونا التي تطالب كلٌّ من إندونيسيا والصين بالحصول على حقوق الصيد فيها.
وتعتبر تلك المبادرات العسكرية الصريحة أمراً غير معتاد من أكبر دولة في جنوب شرق آسيا، والتي سعت منذ استقلالها إلى ألا تعادي القوى العظمى علناً ولا أن تتحالف معها بشكل واضح، حسبما ورد في تقرير لصحيفة Financial Times البريطانية.
لماذا لا تثق إندونيسيا في أمريكا رغم توافق المصالح بينهما؟ خاضت تجربة مريرة معها
يظل من الأمور اللافتة في عملية بناء إندونيسيا لسلاحها الجوي درجة التنوع الكبير في الطائرات الذي سبق الإشارة إليه، والذي قد يمثل كابوساً لوجستياً.
وسبق أن طالبت إندونيسيا الولايات المتحدة ببيعها مقاتلات F-15 وF-18 وF-35، لكن واشنطن وافقت على F-18 وF-15 فقط، ويبدو أن جاكرتا استقرت على الأخيرة.
وبررت واشنطن ذلك بأن إنتاج F-35 قد يستغرق ما يصل إلى 10 سنوات.
ولكن يبدو أن هذا يؤشر إلى الولايات المتحدة رغم لهفتها على اجتذاب إندونيسيا لصفها، ولكن لا ترى أكبر دولة إسلامية حليفاً مقرباً بما فيه الكفاية لمنحه درة التكنولوجيا العسكرية الأمريكية F-35.
في المقابل، فإن إندونيسيا يبدو أنها لا تثق في واشنطن أيضاً، ولذلك عمدت لشراء طائرات رافال الفرنسية، لأن باريس معروف عنها أنها تاجر أسلحة لا يستخدم ذرائع السياسة وحقوق الإنسان لوقف قطع الغيار، حتى أنها لم تمنع توريد الاسلحة للهند وباكستان عندما نفذتا تفجيرات نووية في نهاية السبعينيات، مما أدى لحظر أسلحة أمريكي على البلدين، وكذلك من قبل بعض الدول الأوروبية.
كما أن جاكرتا تسعى للاعتماد على النفس عبر مشاركتها مع كوريا في مشروع الطائرة KF-21.
هذا ينبع بشكل كبير من رغبة الإندونيسيين في عدم وضع كل بيض سلاحهم الجوي في سلة الطائرات الأمريكية، رغم مميزاتها التقنية.
ويرجع ذلك إلى تجربة مريرة للإندونيسيين مع أمريكا، كادت تهدد وحدة البلاد.
فمن المعروف أن إندونيسيا في عهد الرئيس الأسبق سوهارتو، حليف أمريكا المقرب، ضمت جزيرة تيمور الشرقية فور استقلالها بناء على طلب من الغرب عام 1975، وذلك خوفاً من تولي حكم يساري السلطة فيها.
ولكن خلال الاضطرابات التي شهدتها البلاد في التسعينيات إثر سقوط سوهارتو، سعى التيموريون للاستقلال، فحاول الجيش الإندونيسي، والميليشيات الموالية له منع ذلك، ووقعت انتهاكات ومذابح بحق المدنيين نسبت للجيش الإندونيسي، ففرضت واشنطن على جاكرتا حظراً على تصدير الأسلحة وقطع غيارها، فيما رعت الأمم المتحدة اتفاقاً أدى إلى استقلال تيمور الشرقية عام 1999م.
هذا الحظر مثل كارثة للجيش الإندونيسي، الذي كان يعتمد بشكل كبير على الأسلحة الأمريكية، ولكن ما فاقم الكارثة بالنسبة له طابع البلد المكون من آلاف الجزر المتباعدة، التي تسكنها أقليات متعددة شهدت اضطرابات في هذه الفترة.
وأدى الحظر الأمريكي، ليس فقط لإضعاف فقط قدرة جاكرتا في استخدام مقاتلاتها الأمريكية الصنع، بل واجه الجيش الإندونيسي مشكلة في نقل قواته بين الجزر المتعددة بسبب نقص قطع غيار طائرات النقل الأمريكية.
ولذا عمدت جاكرتا بعد ذلك إلى شراء مقاتلات سوخوي الروسية، لتجنب مثل هذا المصير.
ولكن بعد فرض الأمريكيين لفيتو صارم على الأسلحة الروسية، ولأن الصين هي المنافس المحتمَل القادم لجاكرتا بحكم الحتمية الجغرافية، فإن أمريكا مرشحة لتصبح مصدر أسلحة رئيسي لجاكرتا.
ولكن إندونيسيا يبدو أنها تعلمت الدرس، ولذلك تسعى لتنويع مصادر التسليح حتى لو سبب مشاكل اللوجستية، لأن التاريخ علمها أنه لا يمكن التعويل على السلاح الأمريكي وقت الجد، رغم أنه أكفأ من أغلب منافسيه.