تجد قرية الغجر الحدودية، الواقعة بين لبنان ومرتفعات الجولان السورية التي تحتل إسرائيل الجزء الشمالي منها، نفسها، في قلب التوترات القائمة بين الطرفين. فما قصتها؟ ولماذا تمثل بؤرة للتوتر على الدوام؟
حدود في الهواء.. قصة قرية الغجر المحتلة
يعيش جنوب لبنان توتراً ميدانياً منذ أسابيع بين حزب الله وإسرائيل بسبب تشييد الجيش الإسرائيلي سياجاً شائكاً وجداراً أسمنتياً في محيط الجزء اللبناني من قرية الغجر المتداخلة جغرافياً بين لبنان وسوريا وفلسطين المحتلة.
وأتى التوتر الأخير عندما توعّد وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت والأمين العام لحزب الله اللبناني حسن نصر الله بإعادة كل من البلدين إلى "العصر الحجري" في حال شهدت الحدود تصعيداً.
وفي قرية الغجر التي تصفها وكالة الصحافة الفرنسية بـ"الهادئة" رغم وقوعها في قلب الصراع، تفصل بين الطرفين حدود غير مرئية. حيث يقول توفيق حسين خطيب البالغ 79 عاماً وهو يقف قرب مسجد القرية إن الخط الأزرق "في الهواء"، في إشارة إلى خط ترسيم الحدود الذي وضعته الأمم المتحدة بين لبنان وإسرائيل في عام 2000.
ويضيف الرجل السبعيني: "القرية مفتوحة، ولا توجد حدود ولا أي شيء". لكن قبل تصريحات الخطيب بأسابيع أقامت إسرائيل سياجاً من الأسلاك الشائكة على الجانب اللبناني من الخط الأزرق، ما أثار توتراً.
وجاءت الخطوة الإسرائيلية بعد تبادل لإطلاق النار عبر الحدود في أبريل/نيسان هو الأخطر منذ الحرب الأخيرة بين القوات الإسرائيلية وحزب الله في عام 2006. وأتى ذلك بالتزامن مع سلسلة من الحوادث التي أثارت مخاوف من احتمال انزلاق الجانبين نحو التصعيد. وقد يترتب على أي سوء تقدير من أحد الجانبين عواقب وخيمة، بحسب فرانس برس.
فقد استشهد خلال حرب عام 2006، التي استمرت شهراً بين حزب الله ودولة الاحتلال، 1200 لبناني معظمهم من المدنيين، وقتل في الجانب الإسرائيلي 160 شخصاً من الجنود.
وأثار بناء السياج غضب بيروت التي اعتبرته "ضماً" للجزء الشمالي للقرية. وفي السادس من يوليو/تموز 2023، أطلق صاروخ مضاد للدروع من الأراضي اللبنانية في اتجاه السياج الجديد، فردت إسرائيل بقصف مدفعي.
استنفار على الحدود
رغم الجو المشحون، تشدد نهلة سعيد، وهي من السكان الغجر، على أن الوضع الآن "آمن هنا". وتؤكد سعيد البالغة 63 عاماً وهي تجلس في الظل أمام أحد المنازل لوكالة الأنباء الفرنسية: "لا أعلم ما سيحصل في المستقبل".
وتفيد بلدية القرية أن عدد سكان البلدة نحو 3 آلاف شخص حصلوا على الجنسية الإسرائيلية بعد سنوات من احتلال الدولة العبرية لمرتفعات الجولان السورية في حرب عام 1967، فيما تعد لبنان الجزء الشمالي من القرية لبنانياً، ولا يمكن لإسرائيل أن تضمها، وهذا يعني أنه وجبت إعادة الجزء اللبناني منها، كما هو حال مجموعة من المناطق في القطاع الغربي والشرقي والأوسط، أي مزارع شبعا.
تحت أشعة الشمس الحارقة، تقوم قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة بدوريات في الجانب الشمالي من السياج الجديد الذي يبلغ ارتفاعه أمتاراً عدة، ويطل على منازل لبنانية في بلدة الوزاني. وعلى جانبي الخط الأزرق، يشير مسؤولون محليون لوكالة فرانس برس إلى صكوك ملكية وخرائط لإثبات ملكيتهم للأرض المتنازع عليها.
ويؤكد رئيس بلدية الوزاني أحمد المحمد إنه "تأقلم مع أجواء الاستنفار". ويضيف لمراسل وكالة فرانس برس في جنوب لبنان: "في السنوات الأخيرة، كان هناك قصف إسرائيلي تسبب بخسائر بشرية ومادية ونفوق الماشية". ويتابع: "لكن الناس لا يغادرون القرية لأنهم مضطرون إلى الارتباط بمصدر رزقهم" القائم على الزراعة وتربية المواشي. وتعتبر السلطات اللبنانية التوسع العمراني لقرية الغجر شمالاً في العقود الأخيرة، باتجاه خراج بلدة الماري المجاورة، تعدياً على أراضيها.
اجتماعات على السياج
وفي محاولة لاحتواء التصعيد، تجري اجتماعات وساطة بين الجانبين بشأن السياج الجديد برعاية الأمم المتحدة.
وقال المتحدث باسم قوة الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان (يونيفيل) أندريا تينينتي: "على الرغم من كل التوتر في المنطقة، لا يزال هناك التزام من الأطراف، أو ربما لا رغبة في التصعيد".
وأشار إلى أن "إسرائيل ملزمة بالانسحاب من الجزء الشمالي من قرية الغجر" بموجب الاتفاقات الدولية التي يدعمها البلدان. وأكد أن اللبنانيين ملزمون أيضاً بإزالة خيمة كانوا نصبوها شمال شرقي القرية عند الخط الأزرق في وقت سابق من العام الحالي، حسب تعبيره.
مسار طويل
في السياق، اعتبر مصدر في الخارجية اللبنانية، خلال حديثه لموقع "عربي بوست" الشهر الماضي، أنه وفي إطار انتظار الوصول إلى طرح ملف الترسيم البرّي جدياً، لا بد من الإشارة إلى أنه طرحت في السابق فكرة من قبل الولايات المتحدة لإيجاد صيغة حل ثلاثي لمنطقة مزارع شبعا وتلال كفرشوبا وجزء من بلدة الغجر.
وهذا الطرح حسب مصدر "عربي بوست" جاء بالتوازي مع إعلان إسرائيلي لضم الجولان، واعتبارها أن مزارع شبعا جزء من الجولان وغير تابعة للبنان، وكانت تلك الصيغة المقترحة تشير إلى التفاوض على إيجاد صيغة تسوية لمزارع شبعا البالغة مساحتها 200 كلم مربع.
ويدور التفاوض حول تقسيم مزارع شبعا إلى 4 أقسام بالتساوي بين لبنان وسوريا والجانب الإسرائيلي، أما المساحة الباقية فتوضع تحت رعاية الأمم المتحدة وقوات طوارئ دولية.
لكن بحسب المصدر فإن المسار طويل، ولا يعني بالضرورة الوصول إلى تسوية. وهو مسار يرتبط بملفات المنطقة، وكذلك الواقع الإسرائيلي الداخلي في ظل حكومات اليمين الإسرائيلي المتطرف، والتي ترفض التنازل عن أي شبر محتل لصالح لبنان أو سوريا.