من معركة قضائية إلى أخرى يتنقل الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، فبعد سيل من الاتهامات الجنائية التي ارتكبها أثناء فترة رئاسته للبيت الأبيض وقبلها، برزت قضية جديدة ومثيرة وهي هل يحق له الترشح للانتخابات التي ستجرى العام القادم؟
فالمعركة الدائرة الآن والتي يقودها المناهضون لترامب تتحدث عن البند الثالث في التعديل الرابع عشر من الدستور الأمريكي والذي ينص على منع أي شخص الترشح لمنصب فيدرالي حال إدانته بتهمة التمرد وهو الأمر الذي قد يضرب الرئيس السابق في مقتل، بحسب تقرير لصحيفة The Guardian البريطانية.
وينص دستور الولايات المتحدة على شروط واضحة يتعين على المواطن الأمريكي أن يفيَ بها لكي يمكنه الترشح لمنصب الرئاسة؛ وهي ألا يقل عمره عن 35 عاماً، وأن يكون مواطناً "بالمولد"، وأقام في الولايات المتحدة لمدة 14 عاماً على الأقل. ويحظر الدستور على أي شخص شغل منصب الرئيس في ولايتين كاملتين أن يترشح مرة أخرى.
لا تتضمن هذه الشروط ما يمنع ترامب، أو أي شخص آخر مُدان بارتكاب جريمة، من الترشح لمنصب فيدرالي. لكن الدستور الأمريكي يتضمن بنداً (هو البند الثالث من التعديل الرابع عشر) يمكن القول إنه ينطوي على شرط من نوع آخر. إذ يقول هذا البند إنه لا يجوز لأي شخص أن يتولى أي "منصب مدني أو عسكري في الولايات المتحدة" إذا كان قد أدى من قبلُ قسم الخدمة في منصب تشريعي أو تنفيذي أو قضائي، ثم "انخرط في عصيان أو تمرد، أو قدم المساعدة أو التأييد لأعداء البلاد الذين شاركوا في التصرفات المذكورة آنفاً".
هل انخرط ترامب في تمرد؟
يذهب باحثان محافظان بارزان، هما وليام بود من جامعة شيكاغو ومايكل ستوكس بولسن من جامعة سانت توماس، في دراسة نوقشت كثيراً بعد أن نشرتها مجلة University of Pennsylvania Law Review، إلى أن منطوق هذه البند يقتضي استبعاد ترامب من الترشح لمنصب الرئاسة لمشاركته في مساعٍ أُريد بها إلغاء نتائج الانتخابات الرئاسية عام 2020.
وكتب بود وبولسن في دراستهما المكونة من 126 صفحة، والتي تعقَّبت تاريخ البند الوارد في التعديل الدستوري والفهم الأصلي لمنطوقه، أن "خلاصة القول أن دونالد ترامب (انخرط في عصيان أو تمرد)، و(قدم المساعدة والتأييد) لآخرين شاركوا في تصرف من هذا النوع، بمقتضى المعنى الأصلي للمصطلحات الواردة في البند الثالث من التعديل الرابع عشر"، ولذلك فإنه "إذا كانت السجلات العامة لما وقع في هذه الأحداث [مساعي الانقلاب على نتيجة الانتخابات] دقيقة، فإن التغاضي عما ورد في هذا البند أمرُ من الصعوبة بمكان".
ولفت بود وبولسن في دراستهما إلى أن هذا البند قد وُضع بعد الحرب الأهلية الأمريكية لمنع مَن انضموا إلى القوات الكونفدرالية -التي أعلنت انفصالها عن الولايات المتحدة إبان الحرب الأهلية الأمريكية- من تولي أي منصب فيدرالي، ومع ذلك فإن البند لم يُستخدم من قبل لمنع مرشح رئاسي من تولي المنصب.
وقال ستيفن كالابريسي، أستاذ القانون في جامعة نورث وسترن: "أرى أن البند واضح وضوح الشمس"، "البند الثالث لا يقتصر تطبيقه على الحرب الأهلية ولا حلفاء الكونفدرالية الذين حنثوا بيمينهم. إنه بند عام، ولذا فهو ينطبق على أي شخص يحرِّض على عصيان أو تمرد"، وأوضح كالابريسي أنه يرى أن هجوم 6 يناير/كانون الثاني 2021 على مبنى الكابيتول الأمريكي كان تمرداً.
هل هذا الأمر يمنعه من الترشح؟
وأشار نوح بوكبيندر، المدير التنفيذي لمجموعة "مواطنون من أجل الدفاع عن المسؤولية والأخلاق في واشنطن" الرقابية غير الحكومية، في مقابلة أجراها في وقت سابق من هذا الشهر، إن "التجريد من الأهلية بمقتضى التعديل الرابع عشر لا يتطلب إدانة جنائية". وقد أرسلت مجموعة Free Speech for People ذات الميول اليسارية بالفعل رسائل إلى مسؤولي الانتخابات في 10 ولايات تحثهم فيها على إعلان أن ترامب غير مؤهل للترشح لمنصب الرئاسة بموجب التعديل الرابع عشر. وقال بوكبيندر إن مجموعته تستعد أيضاً لرفع دعوى قضائية في عدة ولايات لاستبعاد ترامب من الترشح.
من جهة أخرى، قال إدوارد فولي، أستاذ القانون في جامعة ولاية أوهايو الأمريكية: "من الأهمية بمكان أن يُحلَّ هذا الأمر في أسرع وقت ممكن، وبالتأكيد قبل الانتخابات وليس بعدها"، لأنني "أتخوف من أنه إذا لم يُحل الأمر حلاً نهائياً قبل الانتخابات، فقد تبرز لنا هذه المشكلة في 6 يناير/كانون الثاني 2025 إذا فاز ترامب بأصوات المجمع الانتخابي لأننا سمحنا بإدراجه في بطاقات الاقتراع"، و"يكفيك أن تتصور ما سيحدث إن حاولنا إقصاء ترامب عن المنصب بعد فوزه. ستكون كارثة كبرى، فضلاً عن أن الأمر ستنشأ عنه أزمة دستورية حقيقية".
ومع ذلك، فحتى لو انتهى الأمر بكون ترامب غير مؤهل دستورياً للترشح، فإن كثيراً من الأمريكيين سيُغضبهم أنهم لم يتمكنوا من التصويت للمرشح الذي يريدونه في المنصب، ويزيد الأمور احتداماً أننا مقبلون على سنة انتخابية محمومة بالخلافات السياسية.
خلافاً لهذا الرأي، فإن مايكل ماكونيل، أستاذ القانون في جامعة ستانفورد، شكَّك في جدوى الاستناد إلى التعديل الرابع عشر لاستبعاد ترامب من الانتخابات، وقال: "صلاحية إلغاء الأهلية قد تختلف باختلاف الولاية"، و"أرى أنه ما إن يقرر مسؤول حكومي استبعاد ترامب من الترشح بمقتضى البند الثالث من التعديل الرابع عشر، فإن الأمر لن يلبث أن يُحال إلى المحكمة العليا، ولا نعرف ماذا سيكون رأي المحكمة حينها".
علاوة على ذلك، لم يتضح بعدُ من لديه الصفة القانونية للطعن في مشاركة ترامب في الاقتراع. ويرى بعض الخبراء أن أنسب من يطعن في ترشح ترامب من الناحية القانونية هو مرشح يخوض المنافسة ضده، وأن يتقدم بالطعن بدعوى أنه متضرر من مشاركة مرشحٍ غير مؤهل في الاقتراع. وأشار كالابريسي في مدونة له إلى أن كريس كريستي، أحد أبرز منتقدي ترامب في الحزب الجمهوري، يمكن أن يسلك هذا السبيل.
ومع ذلك، أشار ماكونيل إلى أن وزارة العدل لم توجه اتهامات لترامب في ارتكاب انتهاكات لقانون معين يتعلق بجرائم التمرد، وأرى أن "التعديل الدستوري يجب أن يكون الملاذ الأخير، وربما ما حدث في 6 يناير/كانون الثاني يرقى إلى هذه المرتبة. فلا شك أنه كان اضطراباً مدنياً أكثر خطورة مما شهدناه من قبل. لكنني أشك في إمكان تصنيفه تمرداً، وأرى أن هذا الوصف ينطوي على قدر من المبالغة"، فقد شارك "مئات من الناس في أحداث 6 يناير/كانون الثاني، وحُوكموا جنائياً، ومع ذلك لم يُتهم أي منهم بالتمرد".
لكن كالابريسي قال إنه يمكن استبعاد ترامب بموجب التعديل الرابع عشر، حتى لو لم يتهم رسمياً بتهمة التمرد. وزعم أن معايير إثبات تورط ترامب في التمرد ستكون أقل حدة في القضايا المدنية مما عليه الأمر في الملاحقات الجنائية.
رداً على ذلك، قال ماكونيل إنه لم يقصد بشكوكه إلى الدفاع عن ترامب، وإنما إبداء المخاوف مما قد يحدث إذا كرر المرشحون اللجوءَ إلى هذا السبيل لاستبعاد منافسيهم من الانتخابات، فأنا "لا أريد أن ننقاد إلى الاستهانة بهذه المصطلحات والاتهامات، بحيث يصبح التقدم بدعاوى عدم الأهلية ضد الخصوم السياسيين سبباً آخر من أسباب الاختلال في نظامنا القانوني والانتخابي المضطرب بالفعل".