تعتبر مجموعة بريكس تحالفاً رسمياً بين البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب إفريقيا. ومن المقرر أن تعقد قمتها القادمة في 22-24 أغسطس/آب 2023 في جوهانسبرغ بجنوب إفريقيا. ودعت جنوب إفريقيا التي تستضيف القمة 69 دولة لحضورها، حيث تم إرسال الدعوات إلى جميع رؤساء الدول الإفريقية وحكومات جنوب الكرة الأرضية. فما الأهمية الجيوسياسية لهذه القمة، وهل تكشف عن تحولات جديدة عالمياً؟
ما الأهمية الجيوسياسية لقمة مجموعة بريكس 2023؟
تحمل القمة المقبلة تداعيات كبيرة على الجغرافيا السياسية العالمية، حيث تدور أجندتها المركزية حول إطلاق عملة مشتركة بين دول البريكس. هذه الخطوة، التي تهدف إلى الحد من هيمنة الدولار الأمريكي في التجارة الدولية، لديها القدرة على إعادة تشكيل المشهد الجيوسياسي وتحدي التفوق الأمريكي، كما يقول تقرير لمجلة modern diplomacy.
وفي حين أن روسيا والصين وجنوب إفريقيا والبرازيل تدافع بنشاط عن هذا التحول، فإن إحجام الهند عن الخطوة وموقفها غير الواضح يضيفان تعقيداً إلى المناقشات حيال هذه المسألة.
لعقود من الزمان، كان الدولار الأمريكي هو السائد في التجارة والمعاملات العالمية، ما وفر للولايات المتحدة نفوذاً اقتصادياً وجيوسياسياً لا مثيل له. تستخدم الولايات المتحدة الدولار والاقتصاد كأدوات لإكراه خصومها والضغط عليهم. وكان فرض العقوبات أداة شائعة ضد منافسيها لتحقيق أهداف سياسية.
وفي العادة، كانت الدول النامية أكبر الضحايا من النفوذ الأمريكي. وكان هناك شعور متزايد ضد هيمنة الولايات المتحدة، وتفوقها، وإكراهها لحكومات هذه الدول. واتخذ العديد من الدول أو القادة في الماضي موقفاً ضد الهيمنة الأمريكية بواسطة الدولار الأمريكي. لكن في النهاية تجاهلتهم الولايات المتحدة، وكان أسوأ الضحايا هم: العراق وليبيا وبعض الدول في أمريكا الجنوبية وأمريكا اللاتينية.
لكن الآن اختلف الوضع بشكل كبير مع صعود التنين الصيني ودول أخرى، ويهدف الإطلاق المقترح لعملة مشتركة لدول البريكس أو إلغاء الدولرة إلى تغيير هذا الوضع الراهن، حيث من المحتمل أن يقلل من النفوذ والقوة الأمريكية المرتبطة ارتباطاً وثيقاً بهيمنة الدولار.
وبريكس تحالف قوي ويلعب دوراً كبيراً في التجارة والاستثمارات العالمية، وقبل كل شيء، فالمجموعة في وضع يمكنها من تحويل الاقتصاد العالمي بشكل إجمالي للشرق. وتمثل هذه الخطوة استياءً متزايداً من الهيمنة العالمية للدولار الأمريكي ودفعاً نحو التفوق الشرقي.
ما موقف دول المجموعة من هذه الخطوة؟
أعرب المسؤولون الروس عن دعمهم لمبادرة العملة المشتركة لدول البريكس. صرح سيرجي لافروف، وزير الخارجية الروسي، بأن "دول البريكس تمتلك قوة اقتصادية كبيرة. ومن المنطقي فقط أن نستكشف بدائل للنظام المالي العالمي الذي يهيمن عليه الدولار. يمكن للعملة المشتركة أن تعزز التعاون الاقتصادي بين دولنا وتسهم في نظام عالمي أكثر توازناً".
من جانبها ألقت الصين، بصفتها لاعباً اقتصادياً عالمياً رئيسياً، بثقلها وراء مبادرة العملة المشتركة. حيث أكد الرئيس شي جين بينغ أنه "يجب على دول البريكس تجميع مواردها لتحدي الهيكل المالي الحالي. لدينا البراعة الاقتصادية لإنشاء عملة بديلة من شأنها أن تعزز التعددية القطبية في الاقتصاد العالمي وتحد من الهيمنة الأحادية".
وتتمتع الصين كدولة واحدة بحصة كبيرة في الاقتصاد العالمي وتمتلك القدرة على تحدي أي هيمنة، لكنها أرادت التحرك بشكل موحد مع دول البريكس ودول أخرى. الصين دولة لديها أكبر احتياطيات من العملات الأجنبية (بالدولار).
من جانبها، تؤيد البرازيل، أيضاً، استكشاف بدائل للنظام المالي المرتكز على الدولار. أعرب الرئيس البرازيلي، جايير بولسونارو، عن ذلك قائلاً: "إن شراكتنا مع دول البريكس توفر فرصة لتحدي المعايير الحالية التي تفضل عملة موحدة بشكل غير متناسب. يمكن لعملة مشتركة أن تعزز التعاون الاقتصادي وتضمن تمثيلاً أكثر عدلاً لقوتنا الجماعية".
أما سفير جنوب إفريقيا فقد كشف حصرياً لموقع Watcher Guru، أن مجموعة البريكس ستناقش استخدام العملات المحلية في المعاملات عبر الحدود. وأشار سوكلال إلى أن قرار التخلي عن الدولار الأمريكي للتجارة العالمية قد يتخذ في القمة المقبلة.
الموقف الهندي هو الأكثر تحفظاً
اتسم موقف الهند بشأن مبادرة العملة الموحدة بالحذر، كما تقول مجلة modern diplomacy، حيث صرح رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي قائلاً: "في حين أن فكرة العملة المشتركة لدول البريكس مثيرة للاهتمام، يجب علينا إجراء تقييم شامل لتداعياتها على اقتصادنا. أي خطوة من هذا القبيل يجب أن تعطي الأولوية لمصالحنا الوطنية واستقرارنا".
جدير بالذكر أن الهند تتبع نهجاً "غير عقلاني" في سياستها الخارجية ومتضاربة بعض الأحيان. ونظراً لأن الهند معادية لجميع جيرانها المباشرين، فإنها في التحالفات الإقليمية مثل منظمة شنغهاي للتعاون ومبادرة الحزام والطريق، بينما تحاول أن تكون قريبة من الولايات المتحدة وتحالفاتها مثل "كواد" وغيره.
ومثلما كانت الهند تلعب دوراً سلبياً في منظمة شنغهاي للتعاون ومبادرة الحزام والطريق، تحاول الآن خلق المشاكل والانقسام في دول البريكس. نظراً لأن العلاقات مع جميع جيرانها بما في ذلك بنغلاديش وبوتان والصين وجزر المالديف وميانمار وباكستان وسريلانكا ونيبال متوترة.
هل يتوسع البريكس ويضم أعضاء جدداً؟
أبدت 44 دولة اهتماماً بالانضمام إلى تحالف البريكس، مع وجود 22 دولة تقدمت بطلب رسمي. ومن المتوقع أن تكون المملكة العربية السعودية والإمارات والأرجنتين أول من تم ضمّها. فيما قد تتبعها العديد من الدول الأخرى قريباً.
ومرة أخرى، تخلق الهند عقبات في ضم أعضاء جدد، وخاصة معارضة انضمام أي دولة مثل إيران التي هي خصم للولايات المتحدة.
وتحمل قمة البريكس القادمة في جنوب إفريقيا وعداً بتغييرات جيوسياسية كبيرة. تمثل مبادرة إطلاق عملة مشتركة بين دول البريكس خطوة جريئة لتحدي الهيمنة طويلة الأمد للدولار الأمريكي. نظراً لأن روسيا والصين وجنوب إفريقيا والبرازيل تدافع عن هذا التحول، فإن نهج الهند الرمادي والموقف غير المعلن عنه يسهم في تعقيد المناقشات. لكن يمكن لنتائج القمة أن تمثل بداية حقبة جديدة في التمويل العالمي والجغرافيا السياسية، مع تداعيات محتملة على النظام العالمي الحالي.
ما هي مجموعة بريكس؟
يعتبر مصطلح بريكس (BRICS) اختصاراً يشير إلى الأحرف الأولى من أسماء البلدان هذه على التوالي: البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب إفريقيا، الدول التي تعتبر صاحبة أسرع نمو اقتصادي في العالم، وهي دول في مرحلة مماثلة من التنمية الاقتصادية المتقدمة حديثاً، وفي طريقها إلى أن تصبح دولاً متقدمة.
في حزيران/يونيو 2009 عقدت أول قمة بين رؤساء الدول الأربع المؤسسة لهذه المجموعة (البرازيل وروسيا والهند والصين) في مدينة يكاترينبورغ في روسيا، حيث تضمنت الإعلان عن تأسيس "نظام عالمي ثنائي القطبية"، يدعو إلى تمثيل أكبر للاقتصادات الناشئة الرئيسية على المسرح العالمي، ويقف ضد "هيمنة غير متكافئة للقوى الغربية على العالم".
واتفق رؤساء الدول الأربع على مواصلة التنسيق في أكثر القضايا الاقتصادية العالمية آنية، بما فيها التعاون في المجال المالي وحل المسألة الغذائية. انضمت دولة جنوب إفريقيا إلى المجموعة عام 2010، فأصبحت تسمى "بريكس" بدلاً من "بريك" سابقاً.
تشكل مساحة هذه الدول ربع مساحة اليابسة، وعدد سكانها يقارب 40% من سكان الأرض، وتمتلك 25% من الناتج المحلي الإجمالي العالمي. ومن المتوقع بحلول عام 2050 أن تنافس اقتصادات هذه الدول اقتصاد أغنى الدول في العالم حالياً، حسب مجموعة غولدمان ساكس البنكية العالمية، كما تسعى هذه الدول لتشكيل حلف أو نادٍ سياسي فيما بينها مستقبلاً.
وهناك عدد من المكونات والتركيبات المالية والاقتصادية في البنية المالية لبريكس، أهمها بنك التنمية الجديد (NDB) ومقره شنغهاي، ليكون إطاراً للدول الأعضاء لتوفير الحماية ضد ضغوط السيولة العالمية.