في إجراء مثير للاستغراب، تمَّ حل البرلمان الباكستاني والحكومة، ما يفتح الطريق أمام إدارة انتقالية غير منتخبة وسط غموض حول موعد الانتخابات وتساؤلات حول دور الجيش في هذا القرار، وهل المستهدف منه إضعاف رئيس الوزراء السابق عمران خان الذي حُكم عليه بالسجن بتهم فساد أم أنه سيكون لتعزيز قبضة العسكر على السلطة؟
وأصدر رئيس الوزراء رئيس حزب الرابطة الإسلامية، شهباز شريف، قراراً في ساعة متأخرة من مساء الأربعاء بحل حكومته ومجلس الأمة، بعد أيام من الحكم بالسجن لمدة ثلاث سنوات على غريمه السياسي عمران خان رئيس الوزراء السابق بتهمة الفساد.
كان البرلمان الباكستاني، في أبريل/نيسان 2022، قد أطاح بخان، نجم الكريكيت السابق، عبر تصويت على حجب الثقة، بعد انشقاقات في تحالف خان السياسي وتولى شهباز شريف (شقيق رئيس الوزراء السابق المنفي نوار شريف) المنصب بدلاً منه، قبل أن يتم حل البرلمان الباكستاني مؤخراً.
حل البرلمان أمر نادر في السياسة الباكستانية
اللافت أن قرار شهباز شريف بـ"حل البرلمان الباكستاني"، جاء قبل قبل ثلاثة أيام من نهاية فترته، وهذه هي المرة الثالثة فقط في تاريخ باكستان الممتد على 76 عاماً التي يُنهي فيها مجلس النواب فترته البالغة خمس سنوات قبل موعدها.
ولم يتم حل البرلمان الباكستاني عند الإطاحة برئيس الوزراء السابق عمران خان وخلال أكثر من عام من الاضطرابات السياسية بعد ذلك.
وطالب عمران خان رئيس حركة الإنصاف وأنصاره مراراً بإجراء انتخابات نيابية عاجلة لحل الأزمة السياسية في البلاد التي نجمت عن سحب الثقة عنه قبل أشهر، في عملية قيل إن الجيش الباكستاني يقف وراءها.
لا أحد يعرف من سيكون رئيس الوزراء المؤقت القادم، والانتخابات لن تعقد في موعدها
ولا يزال من غير المعروف من الذي سيحل محل شريف كرئيس وزراء مؤقت.
ينص الدستور الباكستاني على أن تشرف حكومة تصريف الأعمال على الانتخابات، والتي يجب إجراؤها في غضون 90 يوماً من تاريخ حل البرلمان. لكن الحكومة أرست بالفعل الأساس لتأجيل الانتخابات إلى ما بعد الموعد المقرر في شهر نوفمبر/تشرين الثاني 2023.
وقالت وزيرة الداخلية الباكستانية، رنا صنع الله، لوسائل إعلام محلية، أمس الأول الثلاثاء، إن الانتخابات لن تجرى هذا العام. كما وافقت حكومة شريف أيضاً على التعداد الرقمي لعام 2023، ما يعني أن الأمر سيستغرق شهوراً للانتهاء من حدود الدوائر الانتخابية وقوائم الناخبين.
في وقت سابق يوم الأربعاء، عُقدت جلسة وداع للجمعية الوطنية، انتقدت خلالها الأحزاب الحكومية خان، وأشادت بأدائها خلال الأشهر الستة عشر الماضية.
لكن الخبراء أعطوا الحكومة الائتلافية التي يقودها شريف مراجعات متباينة لقيادتها منذ عزل خان في تصويت بحجب الثقة في أبريل/نيسان 2022.
يلاحظ البعض أن حكومة شهباز شريف ورثت تحديات هائلة، وواجهت تحديات جديدة على طول الطريق، ما منح شريف الحق في ادعاء بعض الفضل في ما تمكن من إنجازه، ولكن تظل هناك شكاوى من التضخم وتؤخر توقيع الاتفاق مع صندوق النقد الدولي.
كان عمران خان شوكة في خاصرة شريف طوال فترة توليه المنصب، حيث طالب خان، نجم الكريكيت السابق الذي تحول إلى زعيم إسلامي شعبوي، بإجراء انتخابات مبكرة، مقتنعاً بأنه سيفوز مرة أخرى.
وصلت التوترات إلى ذروتها في مايو/أيار الماضي، عندما تم القبض على خان لفترة وجيزة، حيث هاجمت حشود غاضبة منشآت عسكرية في فورة نادرة ضد الجيش الباكستاني القوي المتحكم تقليدياً في مقاليد الحكم بالبلاد، والذي سبق أن أطاح بعدة حكومات مدنية، أعقب ذلك حملة للجيش ضد أنصار خان.
ويستأنف محامو خان إدانته في المحكمة العليا بإسلام أباد.
ولكن حتى مع تحييد خان ظاهرياً وترنّح حركة الإنصاف والمصالحة التي يقودها، يبدو أن التحالف الحالي بين المؤسسة العسكرية وحزب الرابطة الإسلامية بقيادة شهباز شريف ليس في عَجَلة من أمره لجلب الناس إلى صناديق الاقتراع.
ولم يتمكن أي سياسي آخر في باكستان من مجاراة شعبية الزعيم المسجون عمران خان، لكن قد يأمل البعض أن يتبدد دعمه مع مرور الوقت، حسبما ورد في تقرير لموقع Asia Nikkei الياباني.
الحكومة انتهكت أوامر القضاء بإجراء الانتخابات في الأقاليم
كما حان موعد اقتراع المقاطعات. ومن المتوقع حل مجلسي إقليمي بلوشستان والسند قبل يوم السبت.
لكن الحكومة انتهكت بالفعل أمر المحكمة العليا بإجراء انتخابات في البنجاب وخيبر باختونخوا في وقت سابق من هذا العام، بعد أن حل خان تلك التجمعات في محاولة لفرض انتخابات مبكرة.
وافق مجلس الشيوخ الباكستاني (المجلس الأعلى شكلاً والأدنى سلطة) يوم الأربعاء على قرار يحث لجنة الانتخابات على اتخاذ إجراءات لإجراء الانتخابات النيابية على النحو المنصوص عليه في الدستور. وطالب القرار جميع مؤسسات الدولة بتقديم المساعدة بكل الطرق الممكنة.
ومع ذلك، يتوقع العديد من الخبراء أن يستمر إعداد مسألة اختيار القائم بأعمال تصريف الأعمال إلى ما بعد حده الدستوري البالغ 90 يوماً.
شهباز شريف يريد حكومة تكنوقراط انتقالية لنحو عام
" تريد حكومة شريف أن تستمر الإدارة المؤقتة ما بين ثمانية إلى 12 شهراً؛ لأن شريف وحلفاءه يأملون أن ينسى الجمهور أداءهم وقت الانتخابات من تنصيب حكومة تصريف الأعمال مطولة وغير شعبية"، حسبما قال شاه زاده ذو الفقار، المحلل سياسي بارز في كويتا، لموقع Asia Nikkei.
كما يتوقع المحلل شجاع نواز، الزميل المتميز في مركز جنوب آسيا التابع للمجلس الأطلسي، تأجيلاً لإتاحة الوقت للتحالف المدني والعسكري لترسيخ موقعه الانتخابي.
وقال إن "الحكومة المنتهية ولايتها تعتمد على إطالة الفترة الانتقالية عبر حكومة تكنوقراط لاستعادة عافية الاقتصاد، وهو ما قد يكون سراباً"، حسب قوله.
يبقى السؤال حول من سيقود تلك الحكومة التكنوقراطية بلا إجابة.
يجب أن يوافق على تعيين رئيس الوزراء المؤقت، كل من شريف وزعيم المعارضة رجاء رياض المنشق عن الحركة. إذا لم يتمكنا من اتخاذ قرار بشأن الاسم، فسيتعين عليهما تقديم مجموعة من المرشحين إلى لجنة الانتخابات الباكستانية، والتي ستقوم بالاختيار. يجب أن تنتهي هذه العملية بحلول نهاية الأسبوع على أبعد تقدير.
وتؤشر هذه الأجواء إلى أن الجيش سيكون له اليد العليا في اختيار الحكومة الانتقالية والإعداد للانتخابات، خاصة بعد حل البرلمان الباكستاني.
هل انتهت زعامة عمران خان، ولماذا انقلب عليه الجيش؟
بالنسبة إلى عمران خان، يعتقد الخبراء أن الاختبار الحقيقي لقيادته قد بدأ للتو. وقال ذو الفقار: "إلى أي مدى يمكن أن يتحمل خان الضغط النفسي والجسدي للسجن، ذلك ما سيقرر مستقبله السياسي".
وألقت السلطات الباكستانية، السبت 5 أغسطس/آب 2023، القبض على رئيس الوزراء السابق عمران خان، بعد أن حكمت عليه محكمة بالسجن ثلاث سنوات بتهم فساد، تركزت على إخفاء أصول بعد بيع هدايا حكومية حصل عليها خلال فترة وجوده في المنصب. واحتج محاموه على أنه محتجز في مكان ناءٍ وقذر لا يليق بشخصيته ومكانته.
ومُنع خان من تولي المناصب العامة لمدة خمس سنوات.
ويرى خان وأنصاره أن إدانته وسجنه تدخل سياسي صريح يهدف إلى إحباط ترشيحه في الانتخابات.
ويعتقد أن الجيش وراء مجمل هذه التطورات بما فيها حل البرلمان الباكستاني.
خان، بطل الكريكيت القومي الذي تحول إلى زعيم شعبوي، عمل في هامش المشهد السياسي للبلاد حتى تمكن هو وحركته الإنصاف المعروفة بالاختصار بالأوردو بـ"PTI"، من اقتحام التيار السائد في النصف الأول من العقد.
من المعتقد على نطاق واسع أن صعود عمران خان تم تمكينه من قِبل عناصر من الجيش، الذي كان خان يحتذى به أثناء إدانته لفساد وانحطاط النخب السياسية المدنية الراسخة في البلاد.
تغير ذلك في النهاية بعد فوز حزبه بفارق ضئيل في الانتخابات في عام 2018 وتولى خان منصبه. تصادمت رؤاه لبناء دولة رفاهية إسلامية في البلاد مع الحقائق الصعبة للدولة، والمنقسمة سياسياً والتي تتأرجح بشكل دائم على شفا أزمة دين عام.
على الرغم من كونه شخصية محبوبة من أنصاره، فقد كان النقاد ينظرون إلى خان على أنه ديماغوجي، ومن المحتمل أن يكون سلطوياً، يشيطن المعارضون السياسيون ويقولون إنه أساء إدارة شؤون البلاد.
بعد ذلك، حوصر خان بواسطة عشرات القضايا القانونية المرفوعة ضده.
الجيش الباكستاني أضعف حزب خان
وقال المحلل السياسي عارف رفيق لصحيفة نيويورك تايمز في يونيو/حزيران الماضي: "الجيش الباكستاني منخرط مرة أخرى في الهندسة السياسية من خلال تشجيعه الاستقالات من حزب خان وتصعيد القوى السياسية الأخرى".
"الهدف الأساسي هنا هو إقصاء خان من العملية السياسية، لأنه لم يعد مطيعاً بشكل موثوق به، وأصبح لديه دعم شعبي يمنحه رأس مال سياسياً مستقلاً عن الجيش".
العلامة التجارية المميزة لخان في السياسة – وشعبيته – قد تجعله تهديداً فريداً لكبار الضباط. وكتب عقيل شاه في مجلة فورين أفيرز الأمريكية: "بعد أن كان وكيلاً للجيش، أصبح الآن شارداً يريد الانتقام ويحاول تمزيق صورة النزاهة المؤسسية للجيش من خلال زرع الفتنة في صفوفه ضد قائد الجيش".
"ربما يشعر الجيش بالقلق أيضاً من أن خان يجد قاعدة دعمه الرئيسية بين الطبقات الوسطى الحضرية المؤيدة تقليدياً للجيش في البنجاب، أكبر مقاطعة في باكستان ومعقل التجنيد العسكري".
ظل عمران خان يمارس هذا التحدي لشهور.
قبل أيام قليلة من اعتقاله، ذهب إلى برنامج HARDtalk على "بي بي سي" وشجب الجيش على وجه التحديد، وقال: "لقد استولى الفاشيون على البلاد، وهم مرعوبون من الانتخابات". "السبب في معاناتي هو أنهم يعرفون أنه في الانتخابات، سوف نفوز بأيدينا. وبسبب ذلك، فهم… يقومون بتفكيك الديمقراطية".
ويجادل محللون آخرون بأن "خان يجب أن يتحمل اللوم عن الفترة الفاشلة في منصبه والغوغائية الخطيرة التي ميزت سلوكه. وقال نديم فاروق باراشا، المعلق الباكستاني، بعد الإطاحة به في عام 2022، لم يتراجع ليلعق جراحه ويعيد تقييم استراتيجيته، ما فعله أدى إلى تحطم حزبه ومسيرته السياسية على يد الجيش".
وقبض على آلاف من أنصاره
كانت ردة الفعل العسكرية قاسية على تحركات خان وأنصاره، حيث ألقي القبض على الآلاف منهم، ويواجه بعضهم المحاكمة في محاكم عسكرية. وقد انسحب العشرات من السياسيين من حزبه حركة الإنصاف والمصالحة، خوفاً من الاعتقال، بينما انشق آخرون إلى فصائل مختلفة، وأدانوا سلوك خان وصمتت الأصوات المتعاطفة معه في وسائل الإعلام أو تم إسكاتها.
بصرف النظر عن شعبوية عمران خان، فإن تواطؤ معارضيه بقيادة شهباز شريف في هذه المؤامرة المزعومة لن يكون في صالحهم في نهاية الأمر.
فما يتعرض له الآن مؤيدو خان قد يحدث لهم، وعلى غرار ما حدث في بعض دول الربيع العربي، حيث حرضت النخب السياسية الجيش (أو الرئيس في حالة تونس)، لينتهي بها الأمر بها جميعاً إلى السجون أو الشكوى بصوت خافت في مجالسهم الخاصة من الاستبداد ونهاية الديمقراطية.