لأول مرة في تاريخ العلاقة المعقدة بين البلدين تتفوق أوكرانيا في مجال عسكري ما على روسيا، إذ إن أسطول الدبابات الأوكرانية بات أكبر من نظيره الروسي على الأقل المتوفر للقتال في الجبهة، حسب ما تشير بيانات جديدة.
وكانت روسيا تفاخر دوماً على مدار تاريخها بأن لديها أكبر أسطول من الدبابات في العالم في فترات طويلة خلال القرنين العشرين والحادي والعشرين، والتي كانت تخشى أوروبا في يوم من الأيام أن تكون أداة غزو يجتاح القارة حتى شواطئها الغربية.
روسيا ورثت أسطولاً عملاقاً من الدبابات
كان لدى روسيا أسطول عملاق من الدبابات عند انهيار الاتحاد السوفييتي، حيث ورثت 52660 دبابة في عام 1992 مباشرة بعد تفكك الاتحاد السوفييتي السابق، ثم تضاءل إلى 13290 في عام 2017، ولكنه ما زال أكبر أسطول دبابات في العالم، وفقاً لمعهد ستوكهولم للسلام للدراسات العسكرية قبيل بداية حرب أوكرانيا، وذلك من بين نحو 73000 دبابة لدى كل دول العالم، وهذا يعني أن روسيا تمتلك ما نسبته 17.7% من إجمالي الدبابات في العالم، بينما كانت أوكرانيا قبل الحرب تمتلك نحو 1900 دبابة، أغلبها سوفييتي قديم، وكثير من الدبابات لدى البلدين كان غير عامل ومخزن في الاحتياط بشكل قد يجعل بعضه غير قابل للاستعادة.
ولكن بينما استمر أسطول الدبابات الأوكرانية في النمو طوال الحرب عبر تبرعات دول الناتو، وما يسقط في يد كييف من دبابات روسية، فإنه في المقابل تم استنزاف أسطول الدبابات الروسي، حسبما ورد في تقرير لموقع Business Insider الأمريكي.
إليك كيف انكمش
وأفادت وكالة بلومبرغ الأمريكية أن تجميع البيانات من مصادر مختلفة يشير إلى أن أوكرانيا لديها حالياً ما يقرب من 1500 دبابة نشطة مقارنة بحوالي 1400 دبابة لروسيا، ولم يشر التقرير إلى ما إذا كان هذا العدد من الدبابات هو إجمالي ما لدى موسكو، أم يشمل فقط الدبابات المتاحة للحرب في أوكرانيا والقريبة من ساحة المعركة، خاصة أن روسيا بلد شاسع المساحة، ولديها تهديدات أمنية وعسكرية متعددة تضطره لتخصيص أعداد كبيرة من الدبابات لحماية أراضيه الممتدة، ولاسيما مع وجود حدود متوترة مع دول الناتو، وأخرى في مناطق صعبة جغرافياً مع كازاخستان والصين ودول القوقاز.
وبدأت روسيا الحرب مع 3417 دبابة عاملة. في الوقت نفسه، كان لدى أوكرانيا 987 عاملة، وفقاً للتوازن العسكري لعام 2023، وهو تقرير سنوي صادر عن المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية، وهو مركز أبحاث ينظر في مخزونات المعدات العسكرية.
وتلقت أوكرانيا نحو 471 دبابة إضافية منذ بدء الحرب العام الماضي، وما زال من المقرر وصول 286 دبابة أخرى، وفقاً للبيانات التي نشرها معهد كيل للاقتصاد العالمي بألمانيا.
وتشير بيانات من منفذ Oryx مفتوح المصدر، الذي يتابع العمليات العسكرية من خلال صور وفيديوهات متاحة على الإنترنت، إلى أنه خلال الصراع، فقدت أوكرانيا 558 دبابة واستولت على 546 دبابة روسية.
في غضون ذلك، يقدر Oryx أن روسيا فقدت 2091 دبابة في الحرب.
من المحتمل أن يكون هذا تقدير متحفظ، حيث إن المنفذ لا يحصي سوى المركبات المدمرة التي يتوفر عليها دليل صور أو رسومات فيديو.
وقال مسؤول دفاعي بريطاني رفيع مؤخراً إن روسيا فقدت "ما يقرب من نصف" فعاليتها القتالية منذ غزو أوكرانيا.
عملت روسيا أيضاً على إخراج الدبابات السوفييتية القديمة من المخازن لإرسالها إلى الخطوط الأمامية بعد تعرض الجيش الأمريكي لخسائر في المعدات الثقيلة.
من الصعب تأكيد الأرقام الدقيقة للمعدات، حيث تعامل كل من روسيا وأوكرانيا خسائرهما على أنها معلومات سرية، ولا يمكن أن توفر البيانات مفتوحة المصدر سوى تقديرات تقريبية. وأشار تقربر بلومبرغ إلى أنه من غير الواضح أيضاً عدد الدبابات القديمة المتقاعدة التي أحضرتها روسيا.
على الورق، تمتلك روسيا أكثر من 12000 دبابة، لكن يُعتقد أن معظمها قديم ومخزن ولا يعرف حالته الفنية.
وقال تقرير استخباراتي عسكري بريطاني صدر في 27 مايو/ أيار 2023، إن العديد من دبابات الأسطول الروسي الضخم متهالك للغاية، بحيث لا يمكن أن يكون مفيداً لأي شيء باستثناء مصدر الخردة المعدنية، حسب وصف التقرير.
لماذا تعرض أسطول روسيا من الدبابات لهذه الخسائر الكبيرة؟
أغلب أسطول روسيا الكبير من الدبابات قديم، فالدبابة تي 72، الدبابة الروسية الرئيسية، تعود للسبعينيات، وهناك دبابة أحدث لدى روسيا وهي الدبابة تي 90 وهي تطوير للدبابة تي 72، وتمتلك منها روسيا بضع مئات، كما أنها لا تضاهي الدبابات الغربية.
أما دبابة روسيا أرماتا T-14، التي يُنظر إليها على أنها فخر الصناعة الروسية ويعتقد أنه تضاهي- إن لم تكن تتفوق- الدبابات الغربية، فإنها لم تدخل الخدمة بعد، وقد تكون هناك مشكلة في إنتاجها في ظل الحصار الغربي.
ويعتزم الجيش الروسي إعادة تنشيط وتحديث نحو 800 دبابة T-62 التي تعود لستينيات القرن العشرين في السنوات الثلاث المقبلة؛ لموازنة خسائره الكبيرة في حرب أوكرانيا الجارية.
ويعتقد أن طائرات بيرقدار التركية المسيرة، وأنظمة الصواريخ الغربية المحمولة على الكتف المضادة للدبابات مثل غافلين الأمريكي، قد ألحقت خسائر فادحة بالدبابات الروسية خاصة في بداية الحرب، حيث يعتقد أنها أوقفت محاولة موسكو احتلال لكييف فيما يعرف باسم معركة الربيع، بعد أن ضربت بيرقدار طابور الدبابات الروسي الهائل من السماء، فيما استخدم الجنود الأوكرانيون الصواريخ المحمولة على الأكتاف لمهاجمته من الأجناب عبر كمائن من الغابات.
إحدى النقاط التي قد تفسر إخفاقات قوة الدبابات الروسية الضخمة، أن هناك عيوباً تقليدية في تصميم الدبابات الروسية، تجعلها هدفاً أسهل مقارنةً بمنافساتها الغربية، فالعقيدة السوفييتية في الحرب كانت تعتمد على إنتاج أعداد كبيرة من الدبابات أقل تكلفة ووزناً وتدريعاً من الدبابات الغربية؛ على أمل أن الكثرة السوفييتية سوف تهزم التقنية الغربية الأكثر تقدماً وتكلفة في أي غزو بري محتمل لأوروبا.
وواحد من أشهر عيوب الدبابات الروسية التقليدية يتعلق بآلية تخزين الذخيرة فيها، والتي تخزَّن في برج الدبابة بشكل مباشر قرب طاقم الدبابة، بخلاف الدبابات الغربية الحديثة، ويقال إن كثيراً من الدبابات الروسية في أوكرانيا تعاني منه، بحسب تقرير لشبكة CNN الأمريكية.
إليك أبرز الدبابات الأوكرانية التي تواجه الجيش الروسي
في المقابل، فإن الدبابات الواردة لأوكرانيا أغلبها حديثة مثل ليوبارد 2 الألمانية وتشالنجر 2 البريطانية، إضافة للأبرامز الأمريكية المنتظر وصولها، والدبابات الثلاثة من أحدث الدبابات في العالم، وأثقل وأفضل في التدريع والحركية من أحدث الدبابات الروسية بما فيها الدبابة تي 72 الرئيسية في الجيش الروسي والدبابة تي 90 الأحدث لديه.
كما لدى أوكرانيا أعداداً كبيرة من الدبابة الألمانية الأقدم، ليوبارد 1 (أكثر دبابة حصلت عليها من الناتو)، وهي رغم قدمها ينظر لها أنها دبابة قوية، وأفضل من الدبابات الروسية، خاصة بعد خضوعها لدورات من التحديث.
ولهذه الأسباب لم تجلب النصر لكييف
في حين أن تكافؤ الدبابات في ساحة المعركة قد يكون واعداً لأوكرانياً، حذر يوهان ميشيل، المتخصص في الحرب البرية في المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية في حديث مع وكالة بلومبرغ من أن التكافؤ قد لا يكون كافياً لتحقيق أوكرانيا لاختراق.
وقال ميشيل "حتى لو كان الوضع أكثر مساواة من حيث الأرقام، فهذه ليست الطريقة التي تسير بها الأمور". "المشكلة هي أن أوكرانيا بحاجة الآن إلى استعادة أراضيها، لذا فهي في وضع هجوم ضد دفاعات معدة جيداً، ومن أجل ذلك، أنت بحاجة إلى ميزة قوية".
ومن المعروف أنه وفقاً لمعظم الدراسات العسكرية فإنه في حال تساوي النوعية، فإن المهاجم يحتاج إلى أعداد تماثل 3 أضعاف المدافع لتحقيق الانتصار، وهو أمر لا يتوفر لأوكرانيا التي لديها على ما يعتقد هامش تفوق نوعي وعددي بسيط على روسيا في جبهات القتال.
في المقابل، شيد الروس خطوط تحصينات هائلة تتضمن أعداداً ضخمة من حقول الألغام.
وكتب جاك واتلينغ، خبير الحرب البرية في المعهد الملكي للخدمات المتحدة ببريطانيا، في مقال نُشر مطلع الشهر الماضي، أن "أوكرانيا تشق طريقها عبر مواقع دفاعية روسية تتكون من خنادق محفورة يدوياً مدعومة بحقول ألغام وتحميها طائرات بدون طيار ومدفعية؛ لكن هذا ليس خط الدفاع الرئيسي.
وقال واتلينغ إن "سلاح المهندسين الروسي أثبت أنه واحد من أقوى فروع الجيش الروسي".
ركزت موسكو أيضاً على تعزيز قدرات الحرب الإلكترونية لتقليص ميزة أوكرانيا في الطائرات القتالية بدون طيار.
وطور الجيش الروسي تكتيكات قواته البرية بتحرير قوات النخبة لتقوم بنجدة القوات الأضعف المتحصنة خلف الخطوط الثابتة وحقول الألغام إذا تعرضت لأي هجوم أو اختراق أوكراني.
كما طور الروس تكتيكات استخدام المروحيات خاصة الهجومية Ka 52، والمقاتلات النفاثة لتصبح أكثر فعالية وأقل تعرضاً للخسائر من الدفاع الجوي الأوكراني المدعوم بالجهد الاستخباراتي والتجسسي لحلف الناتو.
أدى ذلك لتعرض الدبابات الغربية، وبالأكثر مدرعات برادلي الأمريكية الشهيرة لما وصف بالمذبحة على يد القوات الروسية، ويبدو أن ذلك كان سبباً في تعثر الهجوم المضاد الأوكراني الذي جرى الإعداد له طويلاً من قبل الغرب، وكييف.
هل يقدم الغرب مزيداً من الدبابات؟ دولة واحدة قادرة على فعل ذلك
ومن الواضح أنه بعد هذه النتيجة، فإن أوكرانيا لن تستطيع إحراز أي من أهدافها إلا إذا حصلت على طائرات إف 16 الأمريكية، وأعداد كبيرة من الدبابات الحديثة.
ولا توجد دولة لديها مثل هذا المخزون من حلفاء أوكرانيا إلا واشنطن نفسها، حيث إن لديها نحو 3 آلاف دبابة مخزنة في الاحتياط من طراز أبرامز.
وسبق أن قال خبراء غربيون إن بضع مئات من الدبابات التي حصلت عليها أوكرانيا لن تمكنها من تحرير أراضيها، وإن الأمر يحتاج إلى ما بين 500 إلى ألف دبابة.
ويعني ذلك أن المعركة ستطول لحين تدريب الأوكرانيين على دبابات أبرامز الأمريكية الأكثر تعقيداً من الليوبارد الألمانية، إضافة للتدريب على طائرات إف 16.
غير أن المشكلة ليست في طول المعركة المنتظر، ولكن في أنها قد تزداد ضراوة، وقد تخرج عن السيطرة لأن أحد طرفيها لديه قوة نووية عظمى، والآخر مدعوم بقوة نووية عظمى.