انتهت المهلة التي حددتها "إيكواس" لقادة الانقلاب في النيجر لإعادة الرئيس محمد بازوم إلى منصبه سلمياً وإلا فالرد العسكري سيكون مطروحاً، لكن الجزائر أعلنت رفضها المطلق للخيار العسكري، فما الأسباب؟
كانت النيجر آخر مناطق نفوذ فرنسا في منطقة غرب إفريقيا، قد شهدت انقلاباً أطاح بالرئيس بازوم، وأعلنت المجموعة الاقتصادية لغرب إفريقيا (إيكواس) أنها قد تتدخل عسكرياً للقضاء على الانقلاب، معطية مهلة لقادة الانقلاب حتى مساء الأحد، 6 أغسطس/آب، للتراجع.
وبعد أن ظل الغموض سيد الموقف لأيام في أعقاب الانقلاب في النيجر، بدأت الصورة تتضح والمواقف تتبلور، فقائد الانقلاب هو عبد الرحمن تشياني، قائد الحرس الجمهوري الذي قالت تقارير إن الرئيس محمد بازوم كان بصدد إقالته من منصبه الذي تولاه لمدة 10 سنوات.
لكن بعيداً عن تفاصيل الموقف الداخلي في النيجر، تلك الدولة غير الغريبة على الانقلابات العسكرية على أية حال، يظل الموقف الخارجي مرشحاً للتبلور أكثر في الأيام والأسابيع القادمة، بعد أن تحولت الدولة الواقعة في غرب إفريقيا والمستعمرة الفرنسية السابقة إلى آخر موطئ قدم لباريس والغرب في تلك المنطقة.
لاءات الجزائر الثلاث
على أية حال، انتهت مهلة الإيكواس وتترقب النيجر الآن الخطوة التالية، بينما قالت إيكواس إنها ستصدر بياناً حول خطواتها التالية رداً على رفض المجلس العسكري الانصياع للضغوط الخارجية للتنحي.
ومع انتهاء المهلة أغلق المجلس العسكري المجال الجوي للنيجر حتى إشعار آخر وقال إنه ينشر قواته استعداداً لمواجهة أي تدخل. وقال أحد ممثلي المجلس العسكري في بيان بثه التلفزيون الوطني: "القوات المسلحة في النيجر وجميع قوات الدفاع والأمن، مدعومة بتأييد شعبنا الذي لا يتزعزع، مستعدة للدفاع عن وحدة أراضينا".
وفي هذا الإطار، أكدت الجزائر رفضها القاطع لأي تدخل عسكري في جارتها الجنوبية النيجر، ودعت في الوقت ذاته إلى العودة للشرعية الدستورية، معربة عن استعدادها للمساعدة، دون أن تكشف عن أي جهود مستقبلية لإعادة الاستقرار السياسي في النيجر.
فمنذ الإطاحة ببازوم، لم تخرج ردود أفعال الجزائر عن الموقف الدبلوماسي والمبدئي الرافض للانقلابات، بينما لا يزال الغموض يلف دورها المحتمل في المراحل المقبلة.
وتربط الجزائر والنيجر حدود مشتركة تمتد لنحو ألف كيلومتر، إلى جانب روابط إنسانية وتاريخية، ما يجعل الجزائر على رأس الدولة المعنية بأي تحول سياسي أو أمني في الدولة الغنية بالموارد الطبيعية وشديدة الفقر اقتصادياً.
وحتى الآن، لم يقدم فريق الانقلابيين، بقيادة تشياني، ورقة طريق سياسية لإدارة البلاد، وهو ما يُفسر، بحسب مراقبين، تريث الجزائر في الكشف عن دورها المحتمل مستقبلاً. ويتعرض قادة الانقلاب لضغوط كبيرة من الغرب، ولاسيما الولايات المتحدة وفرنسا والاتحاد الأوروبي، بالإضافة إلى "إيكواس"، للإفراج عن الرئيس محمد بازوم والعودة إلى الشرعية الدستورية.
وبعد بيانات رسمية ومحادثات هاتفية، حسم الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون موقف بلاده برفض أي تدخل عسكري تقدم عليه "إيكواس" لإنهاء الانقلاب في النيجر. ويتضح من موقفه أن الجزائر لا تدعم الخيار العسكري ولا تنوي المشاركة فيه ولا تعتزم اتخاذ إجراءات عقابية ضد الانقلابيين.
ففي مقابلة مع وسائل إعلامية محلية السبت 5 أغسطس/آب، قال الرئيس الجزائري: "نرفض بشكل قاطع وتام استخدام القوة في النيجر"، معتبراً أن "المشاكل القائمة تُحل بالتي هي أحسن (سلمياً)".
وحذر من أن التدخل العسكري إذا حدث سيكون "تهديداً مباشراً للجزائر، لما لها من تداعيات عليها وعلى المنطقة ككل.. وعلى من يملكون عقلاً النظر إلى البلدان التي تم التدخل فيها عسكرياً، فالمشاكل ما زالت موجودة إلى غاية اليوم في ليبيا واليمن وسوريا"، مضيفاً: "لم يسبق في تاريخنا أن أرقنا دماء إخواننا أو أصدقائنا، ولن نفعل ذلك"، ومؤكداً أن بلاده ستتدخل فقط لمساعدة جيرانها اقتصادياً وتنموياً، مستدلاً بموقف مماثل اتخذته مع مالي قبل عامين.
في الوقت نفسه، قال تبون: "نحن مع عودة الشرعية الدستورية وإذا كانوا يريدون مساعدتنا ألف مرحباً". وأبلغت الجزائر موقفها هذا لدول "إيكواس" عندما استقبل وزير الخارجية الجزائري أحمد عطاف، الخميس، باباغانا كينجيبي المبعوث الخاص لرئيس نيجيريا الذي يتولى الرئاسة الدورية للمجموعة.
لكن حتى الآن، لم تتواصل الجزائر مع قادة الانقلاب في النيجر، ولم تتخذ أي إجراءات من قبيل غلق الحدود أو تعليق الرحلات الجوية والمعاملات التجارية.
علاقات الجزائر والنيجر
إلى جانب تقاسمها أطول الحدود البرية مقارنة بدول غرب إفريقيا الأخرى، تقع النيجر ضمن العمق الاستراتيجي للجزائر، بالنظر إلى الروابط الإنسانية والتاريخية والاقتصادية والأمنية منذ القدم، بحسب تقرير للأناضول.
ويتقاسم البلدان رابطة القرابة والدم، التي يجسدها السكان من الطوارق الممتدين بينهما وبعض القبائل العربية التي ينحدر منها الرئيس بازوم. ومنذ عقود طويلة، يرتبطان بتجارة مقايضة تطورت في السنوات الأخيرة إلى مشاريع مناطق حرة، دعا الرئيس تبون مؤخراً إلى سرعة إنجازها في إطار خطط الجزائر الاقتصادية الرامية إلى رفع الصادرات خارج الطاقة.
ومضى البلدان قدماً في إنجاز مشاريع استراتيجية في إطار التكامل الإقليمي، منها الطريق العابر للصحراء الذي يربط الجزائر بـ5 دول من الساحل الإفريقي، كما اتفقا على أن تتكفل الجزائر بإنجاز شطر النيجر من أنبوب الغاز لاغوس (نيجريا- الجزائر) بطاقة 30 مليار متر مكعب سنوياً.
وعبر فرعها الدولي للاستكشاف والإنتاج، تملك شركة سونطراك الجزائرية (حكومية) مساهمة بتطوير حقول نفطية شمال النيجر منذ 2015، ووقَّعت مع وزارة البترول النيجرية في فبراير/شباط 2022 عقداً لتقاسم الإنتاج برقعة "كفرا".
وعلى المستوى الأمني، تجمع البلدين اتفاقات منها اتفاق تسيير دوريات مشتركة لتأمين الحدود منذ 2021، والتواجد ضمن دول مجموعة الميدان التي تضم قادة أركان جيوش البلدين إلى جانب مالي وموريتانيا.
وتضع الجزائر هذه الدول ضمن حزام طوق الأمن القومي للبلاد، وعادة ما تكون أولى المحطات الخارجية لكل وزير خارجية يجري تعيينه.
وتعتبر الجزائر منطقة الساحل بؤرة أزمات أمنية هجينة، تضم الإرهاب والجريمة المنظمة والهجرة غير النظامية، لذلك ترفض كل العوامل المفاقمة التي تضع أعباءً إضافية على الجيش الجزائري في تأمين الحدود.
وحتى الآن، لم تظهر أي بوادر لتعارض ما يجري في النيجر مع مصالح الجزائر، على عكس فرنسا التي أجلت رعاياها، في وقت تحدثت وسائل إعلام محلية عن نوايا قادة الانقلاب تعليق تصدير اليورانيوم إلى فرنسا.
ومنتصف الأسبوع الماضي، أعلن قادة الانقلاب إعادة فتح المجال الجوي مع الجزائر ومالي وبوركينا فاسو، بعد إغلاقه أثناء إعلان تعليق العمل بالدستور وتشكيل "المجلس الانتقالي لإنقاذ الوطن".
ما تفسير الموقف الجزائري؟
الخبير الدولي في الأزمات حسان قاسمي قال للأناضول إن موقف الجزائر المعلن من الانقلاب في النيجر "متوافق مع الشرعية الدولية والدستورية.. للجزائر مواقف دبلوماسية سليمة ولا يمكنها أن تدعم أي انقلاب".
واعتبر أن "ما يُسمى بتأثير الدومينو يضرب مناطق النفوذ التقليدي لفرنسا في إفريقيا، بداية من مالي ثم بوركينا فاسو وحالياً النيجر، آخر معقل لفرنسا المتواجدة في شكل الاستعمار الجديد".
كما شدد قاسمي على أن "أهمية النيجر للجزائر تدفع بالأخيرة إلى مراقبة الأوضاع عن كثب، فأي تطورات سلبية للأوضاع ستنعكس عليها مباشرة". وأوضح خبير الأزمات أن مئات الآلاف من النيجريين يقصدون الجزائر في إطار الهجرة غير النظامية، ومع انزلاق الأوضاع نحو العنف ستكون الأزمة أكبر، فالنيجر تضم 26 مليون نسمة، منهم 13 مليوناً تحت خط الفقر، وأي تدخل عسكري سيؤدي إلى مجاعة وانتشار السلاح بشكل فوضوي "وهذا ما تخشاه الجزائر".
ومحذراً من احتمال مضاعفة أعباء الجيش الجزائري في تأمين البلاد، قال قاسمي إن وجود حرب على حدود الجزائر، وفي منطقة تنتشر فيها التنظيمات الإرهابية، يضع الجيش في "حالة استنفار كبيرة".
ورجح أن دور الجزائر سيتضح أكثر إذا ما قدم قادة الانقلاب ورقة واضحة تحدد آجال تسليم السلطة للمدنيين، مع الإفراج عن الرئيس بازوم أو قبوله تقديم الاستقالة.
وسبق أن تجاوبت الجزائر مع السلطات الانتقالية الحالية في مالي، إثر تقديمها خارطة طريق واضحة للعودة إلى الحكم الديمقراطي.
المختص بقضايا الساحل الإفريقي يوسف مشرية، قال للأناضول إن موقف الجزائر بشأن النيجر ينسجم تماماً مع المبادئ التأسيسية للاتحاد الإفريقي. ولفت "مشرية" إلى أن إدانة الجزائر للانقلاب في النيجر وتحذيرها من التدخل العسكري الخارجي نابع من مخاطر احتمال انهيار الاستقرار النسبي في هذا البلد.
وعما إذا كان تضرّر النفوذ الفرنسي في المنطقة يعود بالفائدة على الجزائر، قال إن الأخيرة لا تفضل حصرية السيطرة الفرنسية على الجغرافيا السياسية بالساحل، مشيراً إلى أن تبون دعا خلال زيارته لروسيا إلى مساهمة متعددة الأطراف في معالجة قضايا المنطقة، بدلاً من الحصرية التي تخدم المصالح الضيقة.
وواصفاً المقاربة الجزائرية بـ"الواضحة"، ختم مشرية بإيضاح أنها "تقوم على توظيف أموال الأسلحة والمرتزقة في برامج تنموية تلبي احتياجات السكان، لذلك ترفض التواجد الأجنبي بمختلف أشكاله".
وكان موقف الإيكواس من انقلاب النيجر هو الأكثر تشدداً، رغم أنه الانقلاب السابع الذي تشهده المنطقة خلال ثلاث سنوات. ونظراً لثروات النيجر من اليورانيوم والنفط ودورها المحوري في حرب دائرة مع متشددين إسلاميين، تحظى الدولة أيضاً بأهمية بالنسبة للولايات المتحدة وأوروبا والصين وروسيا.
ومن شأن تصعيد المواجهة مع إيكواس أن يفاقم الاضطرابات في واحدة من أفقر مناطق العالم، والتي تعاني من أزمة جوع وتكافح لإنهاء أعمال عنف أودت بحياة الآلاف وأجبرت الملايين على النزوح.
واتفق مسؤولو دفاع من إيكواس على خطة لعمل عسكري محتمل، إذا لم يتم الإفراج عن بازوم وإعادته إلى منصبه، على الرغم من إشارتهم إلى أن توقيت العمليات العسكرية ومكان تنفيذها يتحدد بقرارات من رؤساء الدول. لكن الوحدة الإقليمية مهددة بسبب تعهد من المجلسين العسكريين الحاكمين في مالي وبوركينا فاسو المجاورتين بالدفاع عن النيجر إذا لزم الأمر. وقال جيش مالي الإثنين على وسائل التواصل الاجتماعي إن البلدين يرسلان وفوداً إلى نيامي لإبداء الدعم.