يبدو أن الجيش الروسي يتعلم من أخطائه ويتكيف مع تطورات المعارك في أوكرانيا بطريقة صدمت كييف وحلفاءها الغربيين، إذ تعيد موسكو استخدام القوات الخاصة الروسية الشهيرة المعروفة باسم "Spetsnaz" ومشاة البحرية والمجرمين وقوات الاحتياط قليلة التدريب بطريقة فعالة كفلت لها التصدي للهجوم الأوكراني المضاد.
فلقد تعلم الجيش الروسي سد دفاعاته في الخطوط الأمامية في أوكرانيا بالمدانين ومشاة البحرية وقوات العمليات الخاصة، حسبما ورد في تقرير لموقع Business Insider الأمريكي.
الجيش الروسي يغير صوته كقوة جامدة متثاقلة
على الرغم من صورة الجيش الروسي كقوة جامدة متثاقلة، فقد أثبت قدرته على التكيف بعد الكوارث مثل خسارة خاركيف خلال هجوم مضاد أوكراني في خريف عام 2022.
ولكن رغم ضراوة الهجوم الأوكراني المضاد الذي دعمته الدول الغربية بأسلحة وتدريب استمر لأشهر لم تكرر الانهيارات التي حدثت في خاركييف؛ بل على العكس صمدت القوات الروسية، ولم يحقق الهجوم المضاد الأوكراني نجاحاً يذكر، بل على العكس سجلت خسائر في المدرعات الغربية المتطورة التي حصلت عليها كييف ومنها الدبابة الشهيرة ليوبارد 2.
لقد تعرض الجيش الروسي للسخرية بسبب عدم اكتراثه بحياة جنوده في أوكرانيا، لكنه الآن يدمج وحدات المشاة الأقل كفاءة مع قوات النخبة في استراتيجية فعالة حتى الآن في مواجهة هجوم أوكرانيا المضاد المستمر.
الآن يحاربونهم من وراء مواقع محصنة ويستخدمون السجناء
في المراحل السابقة للحرب، استخف الروس بقدرة أوكرانيا على الهجوم المضاد، فلم يحصنوا مواقعهم جيداً، ولم يستخدموا الألغام. ولم يكن لديهم خطوط محصنة متعددة. كان تنسيقهم مروعاً. يقول لي عن ذلك: "أعتقد أنه حدث انهيار واسع للقيادة والسيطرة الروسية، ولم يتوقعوا هذا ببساطة".
ولكن الأمر تغير الآن..
فلقد أمضى الجيش الروسي شهوراً في حفر وتحصين مواقعه في شرق وجنوب أوكرانيا.
بالإضافة إلى هذا التعزيز الدفاعي، ينشر القادة الروس الجنود المدانين الذين حصلوا على وعد بالعفو إذا شاركوا بالقتال، إضافة إلى المجندين والقوات النظامية والمشغلين الخاصين (المقاولين أو المرتزقة) لإحباط الهجمات الأوكرانية، ومنعها من تحقيق الاختراقات، وهو درس تعلمته موسكو من خسائرها السابقة في أواخر العام الماضي، وفقاً لما نقله موقع Business Insider عن روب لي، الزميل البارز في معهد أبحاث السياسة الخارجية بالولايات المتحدة.
روسيا لديها أنواع مختلفة من القوات متفاوتة القدرات
قال "لي": "تمتلك روسيا أنواعاً متنوعة من القوات متفاوتة القدرات". وفي الجنوب طوروا طرقاً لدمج هذه القوات بهدف تقليل نقاط ضعف بعضها.
على سبيل المثال، يتم الدفاع عن القطاعات الأقل أهمية من قِبَل القوات المجندة حديثًا ذات التدريب والمعدات السيئة ووحدات Storm Z سيئة السمعة من المدانين الذين وافقوا على القتال في أوكرانيا مقابل إطلاق سراحهم من السجن.
يؤدي ذلك إلى عدم إشغال القوات ذات الجودة الأفضل، بما في ذلك بعض وحدات البنادق الآلية العادية وكذلك القوات الخاصة.
وها هي تستخدم قوات الكوماندوز بشكل فعَّال
أساء الجيش الروسي استخدام القوات الخاصة الروسية المعروفة باسم قوات "كوماندوز سبيتسناز" كمشاة هجومية، خلال الأيام الأولى من الغزو للتعويض عن نقاط ضعف مشاتها، حسب "لي".
لكن قوات سبيتسناز المسلحة بصواريخ مضادة للدبابات يتم تخصيصها الآن لشن هجمات مضادة. "عندما تلتزم أوكرانيا بالتقدم في اتجاه واحد، يمكن لروسيا بعد ذلك نقل وحدات النخبة لتعزيز وحداتها الأضعف. من الناحية النفسية، فهذا يعني أنه من المرجح أن هذا الوضع يجعل القوات الأقل كفاءة تقاتل؛ لأنها محصنة، إضافة إلى أنها تلقى دعماً من قوات النخبة إذا احتاجت ذلك.
القوات قليلة التدريب توضع في المقدمة في أماكن محصنة والكوماندوز أصبحوا أحراراً
عاد الجيش الروسي لعقيدة الدفاع التقليدية الخاصة به.
يتم وضع القوات الأضعف (التي يمكنه التضحية بها) في المواقع المحصنة بشكل كبير والتي تكون مدعومة بحقول الألغام الكثيفة والمدفعية الوفيرة – على الرغم من أن إمدادات ذخيرة المدفعية الروسية مشكلة متنامية.
في المقابل، أصبحت قوات النخبة مثل القوات الخاصة الروسية، "حرة"، ويتم تخصيصها لشن هجمات مضادة لطرد وحدات الهجوم الأوكرانية التي تهاجم الخطوط الروسية قبل أن يتمكنوا من تعزيز مكاسبهم.
وقال لي: "المشاة البحرية، ووحدات النخبة، تستخدم إما للهجوم المضاد أو يتم استخدامها في نقاط القوة، وهي أهم أجزاء خط المواجهة".
القوات الخاصة الروسية تتحرك بسرعة للتصدي للهجمات الأوكرانية
وقال لي عن تقدم أوكرانيا: "في كثير من الحالات عندما يبدأ الأوكرانيون الهجوم المضاد، تكون هذه في الأساس معركة من خطوط الأشجار".
إذا تقدمت القوات الأوكرانية وأخذت خطاً من الأشجار، فإن المدرعات الروسية تتحرك للخارج وتبدأ في الاشتباك مع الخط الأوكراني بأكمله على مسافة بضعة كيلومترات، كما تتحرك القوات الخاصة الروسية بحرية لدعم الوحدات الأقل خبرة المتحصنة في المناطق الأكثر عرضة لخطر الأوكرانيين.
القوات الأوكرانية التي اتخذت هذا الخط الشجري كأساس للقتال، إذا لم يكن لديها صواريخ مضادة للدبابات بمدى فعال للوصول إلى الدروع الروسية تواجه مشكلة، وبما أن الكثير من الحقول خلف القوات الأوكرانية قد يكون ملغماً، فإنهم سيواجهون صعوبة في إعادة الإمداد وإحضار قدرات إضافية.
وقال لي إن هذه التعزيزات الدفاعية الروسية التي بدأت منذ أواخر العام الماضي هي رد على تلك الإخفاقات حول خاركيف حينما انهارت بعض الخطوط الروسية أمام الأوكرانيين، والتي جعلت بوتين وكبار قادته مصممين على "عدم التعرض للإحراج بنفس الطريقة".
تعلموا من أخطائهم وصمدوا أمام الأوكرانيين رغم تفوقهم العددي
قال لي: "في نهاية المطاف، لقد تعلم الروس الدروس، وهم يقاتلون بطريقة كفؤة. "إن هذا يمثل مشكلة لأوكرانيين لأنه ليس لديها كل الموارد التي يريدونها فيها، للتغلب على الدفاعات الروسية خاصة بعد أن تبين أن القيادة الروسية تدافع بطريقة كفؤة".
هذه الكفاءة والاستعداد الأكبر للقتال يخلقان تحدياً رهيباً للجيش الأوكراني رغم أنه يتفوق عددياً على الجيش الروسي، حيث يعتقد أن الجيش الأوكراني يدور عدده حول مليون جندي مقابل نحو نصف مليون جندي حشدتهم روسيا في أوكرانيا حسب بعض التقديرات، كما يعتقد أن الأوكرانيين بات لديهم عدد دبابات أكبر.
وقال لي إن "الوحدات الروسية تقاتل، إنهم لا يستسلمون بشكل جماعي أو يفرون، كما حدث من قبل وكما كان القادة الأوكرانيون والغربيون يأملون".