بعد أن أقر البرلمان الإسرائيلي قانوناً مثيراً للجدل يقيد المحكمة العليا، الأسبوع الماضي، قال وزير المالية اليميني المتطرف بتسلئيل سموتريتش في مقابلةٍ إذاعية، إن التصويت "لم يكن حقاً على معيار المعقولية، لقد كان تصويتاً على رفض الخدمة في الجيش".
لعدة أشهر هزت الاحتجاجات بشأن الإصلاح القضائي إسرائيل، حيث هدد الآلاف من جنود الاحتياط في الجيش بإنهاء خدمتهم التطوعية إذا لم تُلبَّى مطالبهم. لم ينزعج الائتلاف الحاكم القومي المتطرف من المضي قدماً في مشروع قانون رئيسي في الإصلاح الشامل على أي حال، حيث ألغى قدرة المحكمة على نقض قرارات الحكومة باستخدام "معيار المعقولية".
والنتيجة من وجهة نظر الجيش هي أزمة غير مسبوقة، يمثلها الآلاف من جنود الاحتياط الذين يتركون الخدمة الآن، كما يقول تقرير لموقع Middle East Eye البريطاني.
تصدعات غير مسبوقة في الجيش الإسرائيلي
في محاولة لإنكار المسؤولية عن تداعيات التصويت، يلقي سموتريش -الذي يشغل أيضاً منصب وزير الدفاع- باللوم على أولئك الذين يصفهم بعض السياسيين الآن بـ"الخونة".
قال سموتريتش، الذي خدم هو نفسه فترة قصيرة مدتها 14 شهراً فقط في الخدمة العسكرية الإلزامية التي تبلغ 34 شهراً، إن إسرائيل لا يمكن أن تخضع لإرادة "المجلس العسكري" الذي يريد فرض أيديولوجيته على حكومة مُنتخبة ديمقراطياً. إنه محق في ذلك بطريقةٍ ما. فقط في واقع مشوه يمكن للجيش -الجهاز الأقل ديمقراطية- أن يتولى دور منقذ الديمقراطية.
لكن إسرائيل مشوهة، وبينما تحاول حكومة قومية متطرفة تغيير جوهر الدولة، يرى كثيرون من داخل الحركة الاحتجاجية على الإصلاح القضائي أن عناصر داخل الجيش تبرز كحامية لاستقلال مؤسساتها، كسيفٍ مُعلَّق فوق رؤوس الائتلاف الحاكم الذي يخطط لدفع المزيد من التغييرات القضائية، كما يقول الموقع البريطاني.
مثل سموتريتش، يبدو رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو رافضاً لتهديدات رفض الخدمة. وقال الشهر الماضي: "يمكن للدولة أن تدبر الأمور بدون بضعة أسراب، لكنها لا تستطيع الإدارة بدون حكومة".
لكن كثيرين يختلفون في ذلك، بما في ذلك وحدة المخابرات العسكرية الإسرائيلية المعروفة باسم "أمان". في سلسلة من أربع رسائل سُلِّمَت لنتنياهو قبل أيام من التصويت على إلغاء معيار المعقولية، حذرت وحدة الاستخبارات من إلحاق ضرر فوري بالردع الإسرائيلي ضد إيران وحزب الله، وقدرت أن احتمال التصعيد هو الأعلى منذ حرب لبنان 2006.
"نحن نتجه نحو كارثة"
بغض النظر عن الألعاب السياسية، فإن الأزمة غير المسبوقة في الجيش الإسرائيلي حقيقية وتتزايد يوماً بعد يوم. أعلن آلاف الجنود من جميع الوحدات العسكرية -في القوات الجوية والبحرية والمشاة والإنترنت والاستخبارات والوحدات الخاصة الأخرى- أنهم لن يحضروا للخدمة أو التدريب في الفترة التي تسبق التصويت الحاسم الأسبوع الماضي. وقد انضم إليهم كثيرون بمجرد تمرير القانون.
بعض الأرقام تعكس الوضع: قبل تصويت البرلمان، قال 1142 فرداً احتياطياً في القوات الجوية إنهم سيتوقفون عن العمل إذا دفعت الحكومة بالتشريع. وكان من بين جنود الاحتياط في القوات الجوية 235 طياراً مقاتلاً، و98 طياراً لطائرات النقل، و89 طياراً للطائرات المروحية، و173 مشغِّل للطائرات المسيَّرة. وبعد يومين من التصويت، انضم 120 من جنود الاحتياط النشطين إلى المجموعة، ليرتفع عدد الطيارين إلى 260.
10 آلاف جندي من مختلف الوحدات يعلقون خدمتهم
بشكل عام، أعلن ما لا يقل عن 10 آلاف جندي احتياطي -من إجمالي 490 ألفاً- من 40 وحدة مختلفة نشطة في الاحتجاجات تحت شعار "إخوة في السلاح"، تعليق خدمتهم بعد التصويت.
وفي أحاديث خاصة قال القائد السابق لسلاح الجو الإسرائيلي الجنرال (احتياط) إيتان بن الياهو: "نحن نتجه نحو كارثة".
يقول الجيش إن معظم الطيارين الاحتياط هم في الواقع متطوعون اختاروا منذ عقود الحضور للتدريب الأسبوعي، رغم النبرة الرافضة من بعض السياسيين الذين يرون أنه يمكن استبدالهم بسهولة. ذلك لأن القوة الجوية، أكثر من أي وحدة عسكرية أخرى، لا يمكنها العمل بنسبة عالية من الطيارين النشطين، لكنها أيضاً لا تستطيع العمل بدون أعين وحدات التحكم في الهواء، التي شهدت تعليق العديد من جنود الاحتياط خدمتهم.
وفقاً للجيش، فإن جنود الاحتياط هم مدنيون ومتطوعون، وبالتالي لا يمكن تعريفهم قانوناً على أنهم يرفضون الخدمة ما لم يعلنوا صراحةً أنهم لن يذهبوا إلى الخدمة بعد استدعائهم، لكن هذا هو السبب نفسه، أنهم متطوعون، ما يجعل قدرة الجيش على السيطرة عليهم أصعب.
ماذا لو ذهبت إسرائيل للحرب في هذا الظرف؟
ربما لن يكون عمق الأزمة محسوساً إلا خلال حربٍ قادمة تخوضها إسرائيل. في الواقع، يخشى بعض المحللين العسكريين والعديد من الإسرائيليين الآخرين أنه في ظل هذه الظروف، ستختار الحكومة القيام ببعض الأعمال العسكرية لإثبات أن كفاءة الجيش لم تُمَس، كما يقول موقع MEE. وستكون تلك فرصةً لاختبار جنود الاحتياط الذين أعلنوا أنهم سيرفضون الخدمة أو علقوا تدريبهم.
قد يتحقق هذا السيناريو قريباً نسبياً. ويقدر الخبراء العسكريون أن الأمر يستغرق ما بين شهر إلى شهرين دون أي تدريب منتظم، حتى يفقد الجيش استعداده للقتال. لكن "الوضع داخل سلاح الجو معقد"، وفقاً لما ذكره أحد المحاربين القدامى في سلاح الجو، الذي تحدث إلى موقع Middle East Eye البريطاني، شريطة عدم الكشف عن هويته.
وقال إن بعض الطيارين طلبوا عدم استدعائهم للتدريب مرة أخرى بعد أن اتخذوا قراراتهم النهائية. وطلب آخرون عدم استدعائهم في المستقبل القريب على الأقل، لأنهم يسعون إلى إبعاد أنفسهم عن الوضع في الوقت الحالي.
وفي الوقت نفسه، تحاول القوات الجوية جمع بيانات محددة حول حجم الرفض، وكيف يمكن أن تؤثر على كل وحدة. قال المحارب القديم لموقع Middle East Eye: "لقد دخلوا في تفاصيل مثل: هذه الوحدة لديها 40 جندياً احتياطياً، وأعلن 13 منهم أنهم لن يحضروا للتدريب".
وأوضح أن كل سرب لديه شخص معين للبقاء على اتصال مع جنود الاحتياط والطيارين وغيرهم من أفراد القوات الجوية المهمين. وأضاف أن جنود الاحتياط المحتجين مدعوون الآن لعقد اجتماعات ومناقشات شخصية مع قادتهم لفهم موقفهم بشكل أفضل.
ولكن ماذا يحدث إذا قررت إسرائيل شن عملية عسكرية، أو كان مطلوباً منها صد هجماتٍ ما؟ هذه هي المعضلة التي تواجه جنود الاحتياط المحتجين، سواء كان عليهم المضي قدماً في تهديدهم أم لا.
إنهم ممزقون بين التنفيذ الكامل للقرار الأولي، وإقناع الآخرين بالانضمام إليهم، وحتى عقد اجتماع مفتوح حيث ستُكشَف هوياتهم أمام الجميع.
لم يعُد "جيش الشعب"
على مدار عقود، افتخرت إسرائيل بما لديها من "جيش شعبي"، وهو نموذج حدد التجنيد العسكري الشامل منذ تأسيس الدولة، ولا يزال يشكل التصور العام للقوات المسلحة.
في هذا النموذج يشكل جنود الاحتياط العمود الفقري للجيش في أوقات الطوارئ الشديدة، حيث يظل حجم الجيش الإسرائيلي النظامي صغيراً نسبياً. لكن التشققات في نموذج "الجيش الشعبي" تتسع منذ فترة، حتى قبل حركة الاحتجاج الحالية.
عندما يكون 4% من الجنود والضباط المسرحين مدرجين في قائمة الاحتياط "في الخدمة الفعلية"، فإن مصطلح "الجيش الشعبي" لا ينطبق هنا.
من المؤكد أن المصطلح غير صالح هنا عندما يضغط أعضاء الائتلاف الحاكم خلال الأزمة السياسية غير المسبوقة لجعل دراسة التوراة قيمة أساسية للدولة في قانون أساس شبه دستوري. إذا أُقِر ذلك فسوف يرسخ الإعفاء العسكري لأعضاء الطائفة الأرثوذكسية المتطرفة في إسرائيل، الذين يشكلون حوالي 13% من السكان.
مع استمرار الحكومة القومية المتطرفة الحالية في عزل الناس بمثل هذه السياسات والقوانين، فإن مفهوم "الجيش الشعبي" سوف يضعف، وسوف يُبعَد جنود الاحتياط أكثر.